“قنابل الغاز” سلاح الاحتلال القاتل

محمود
رؤيـة – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – يطلق عليه في كل العالم غاز لتفريق المتظاهرين، إلا في فلسطين، فهو غاز لقتل المتظاهرين السلميين، لا يسلم منه رجل أو امرأة ولا كبير ولا حتى رضيع.
هيثم أبو سبلة (23 عاماً)، عاش تجربة مريرة جعلته ضريح فراشه بين الحياة والموت، وهو مشهد تعجز “هوليود” عن تصوير بشاعة الاضطهاد والظلم، بعد أن اخترقت عبوة غاز مسيل للدموع أطلقها جندي إسرائيلي وجهه، بعد ان أطلقها جندي صهيوني خلال مظاهرات شرقي مدينة خان يونس.
وحشية في قمع مسيرات العودة، لم يكن أبو سبلة ضحيته الوحيدة فقد استشهدت الطفلة الرضيعة ليلى أنور الغندور 8 شهور بعد استنشاقها للغاز شرق مدينة غزة، عقب استنشاقها للغاز المسيل للدموع في قمع مسيرات العودة، لتكون أصغر شهيدة فلسطينية سقطت في احتجاجات غزة”، حيث لم تتمكن الرضيعة ليلى ذات الأشهر الثمانية من تحمل استنشاق الغاز المسيل للدموع الذي أطلقه الجنود الإسرائيليون على المحتجين.
سوء الحظ الذي أصاب الرضيعة أبو غندور وهي في خيام العودة على الحدود مع الأرض المحتلة، أصاب الرضيع رمضان محمد ثوابتة (8 أشهر) وهو في منزل ذويه في قرية بيت فجار جنوب بيت لحم، بتاريخ 30 أكتوبر 2015، بعد استهدفت قوات الاحتلال المنزل بقنابل الغاز السام.
وكانت قوات الاحتلال قد اقتحمت القرية، وألقت بقنابل الغاز بشكل عشوائي على المنازل، فخرجت عائلة ثوابتة لنجدة جيرانهم، وإذ بالاحتلال يطلق قنبلة غاز أخرى على بيت ثوابتة، وعندما عادت العائلة لمنزلها وجدت الطفل الرضيع قد فارق الحياة خلال 5 دقائق، جراء استنشاق الغاز السام.
ويتعمد الاحتلال اطلاق الغاز بشكل عشوائي، في داخل المنازل وبالقرب من المدارس، ويستهدفون بها سيارات الإسعاف والصحفيين. وتبين بحسب عدة تحاليل (أجريت في جامعة بيرزيت ودراسة أمريكية عن مخيم عايدة) استخدام أنواع جديدة من الغاز، بدليل الأعراض الخطيرة والحادة وحالات الوفاة التي نجمت عن استنشاق تلك الغازات السامة.
وهو ما حصل مع الرضيع عبد الرحمن البرغوثي (عام ونصف)، الذي استشهد جراء استهداف قوات الاحتلال لمنزل ذوية بقنابل الغاز.
الرضيع  الشهيد، كانقد سمي بهذا الاسم  تيمنا بعمه الشهيد عبد الرحمن البرغوثي (26 عاما) من قرية عابود غرب مدينة رام الله، الذي قتلته قوات الاحتلال أيضا في ديسمبر من عام 2015، قبل أيام من موعد زفافه عريسا.
وجيه البرغوثي الأب والجد للشهيدين العريس والرضيع، يروي كيف أعاد الاحتلال قتل فلذات كبده وكسر قلبه بفقده إياهما، بعد أن سمى الرضيع تيمنًا بعمه الشهيد ليعوض عن فقدانه، “الآن القدر يأبى إلا أن تطال الشهادة كل من يسمى بعبد الرحمن في عائلته، كما يقول.
ويقول البرغوثي (أب الشهيد وجده) فجعنا بولدي الذي لم يلبث أن عاد من الولايات المتحدة الأمريكية ليستقر في مسقط رأسه ويتزوج، بعد أطلق عليه جنود الاحتلال عدة رصاصات وتركوه ينزف حتى استشهد عند مدخل القرية، ليعودوا قبل شهرين ويغرقوا منزل ولدي الثاني بقنابل الغاز المسيل للدموع حتى اختنق حفيد الذي سميته تيمنا بعمه، ويبقى يعاني من آثار الاختناق مدة شهرين وفيما نحن قلوبنا تتقطع عليه ليستشهد قبل 3 أيام.
وتخدع حكومة الاحتلال العالم أجمع عندما تدعي أنها تطبق القوانين على الأراضي التي احتلتها، فالوسائل القمعية التي تستخدمها سلطة الاحتلال كثيرة. واستخدامها قنابل الغاز واحدة منها. كون هذه الغازات لا تترك أثر جسيم وضرر كبير. مدعية  أنها الوسيلة الوحيدة لتفادي استخدام روادع أكثر خطراً مثل الرصاص المطاطي والحي لتفادي الحاق أضرار جسيمة في صفوف المتظاهرين.
لا يوجد معلومات بشأن أنواع المهيجات الكيميائية المستخدمة وما هو تركيبها الكيميائي. التي تثير العيون والجلد والجهاز التنفسي، ويسبب لمن يتعرض له تشنجات عصبية ونوبات صرع وسعال دموي، يعقبه إغماء عميق إثر استنشاق تلك الغازات. فتستخدم سيارات معدة خصيصا لإطلاق الغازات بكميات كبيرة، إضافة الى إطلاق قنابل غازية سامة من البنادق أثناء المواجهات.
وبحسب موقع daily medical الطبي، فإن مواد كيماوية خطرة تدخل في تكوين هذه الغازات،  تتكون من جزيئات صلبة صغيرة ودقيقة من رذاذ الفلفل الأسود و مواد كيماوية، إضافة إلى العنصر الفعال في معظم أنواع الغازات وهو ما يعرف بمادة “السي إس”. التي تتحول عند إطلاقها في الجو إلى غازات سامة تسهم في تفريق المتظاهرين بسرعة كبيرة، كونهم لا يستطيعون تحمل استنشاقها، وتتسبب في إصابة مستنشقيها بأعراض مختلفة تتراوح بين السعال والإدماع  البسيط وبين القيء الفوري والانهيار الجسدي.
فتعد الغازات السامة المستخدمة في المظاهرات أسلحة كيماوية تعمل على إثارة الأغشية المخاطية للعين والأنف والقصبة الهوائية والفم، مسببة إفرازات غزيرة للدموع إضافة إلى آلام العين والعمى المؤقت، وتؤدي إلى الشعور بالحرقان وإغلاق العينين على الفور. ويرافق ذلك سيلان للدموع والسعال والشعور بحرقان في الأنف والحلق وفقدان التركيز والدوار وصعوبة التنفس. وقد تزداد حدة الأعراض عند التعرض لها بنسب عالية، فتؤثر على المعدة مسببة القيء أو تؤثر على الرئتين مسببة الاختناق ومن ثم الوفاة.
الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أشرف القدرة، أكد لـ”رؤية”، أن الغاز الذي يطلقه الاحتلال مجهول ويؤدي إلى الإجهاد العام وعدم القدرة على الحركة والتقيؤ والسعال الشديد والتشنجات وفقدان الوعي. ومن الممكن أن تؤدي إلى الوفاة للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة أو نقص في مناعة الجسم، كالأطفال وكبار السن. عوضاً أنه قد يتسبب في إجهاض النساء الحوامل أو حدوث تشوهات خلقية لدى الأجنة، أو إحداث إعاقات وضعف في النمو لدى الأطفال وطلبة المدارس في المناطق التي يتم استهداف سكانها بشكل مستمر.
وعلى الرغم من أنه يصنف كسلاح غير مميت، يستخدم لتفريق الجموع، إلا أن الدراسات والأبحاث أثبتت عكس ذلك. فقد كشفت نتائج التحليلات المخبرية في مركز مختبرات جامعة بيرزيت في عام 2011 لعبوات الغاز التي تستخدمها سلطات الاحتلال في قمع المواطنين في المظاهرات عن وجود مادة الفسفور في هذه العبوات. إضافة الى احتوائها على مادة السي اس التي تعتبر من المواد الفعالة والمضرة بالصحة والبيئة.
وأوضحت الدراسة بأن وجود هذه المواد في عبوات قنابل الغاز تساهم في رفع مستوى المخاطر الصحية على صحة الناس.
كما أوضحت دراسة أمريكية حديثة أن استخدام جيش الاحتلال المستمر للغاز المسيل للدموع خلال المواجهات مع الفلسطينيين، يؤثر على الصحة الجسدية والنفسية، لا سيما الأطفال والنساء. وأكدت الدراسة أن قوات الاحتلال تستخدم الغاز المسيل للدموع بطريقة واسعة الانتشار وبشكل عشوائي، كونها تطلق على مساحات ضيقة مثل المخيمات والأحياء الصغيرة، وقد تكون مخالفة للقواعد الدولية. وأوضحت الدراسة أنه لم يسبق أن استخدمت هذه الكميات من الغاز المسيل للدموع في منطقة ما حول العالم طوال هذا الوقت من الزمن.
ودعا القائمون على الدراسة إلى التوقف عن استخدام الغاز المسيل للدموع خاصة أنه يطلق بكميات كبيرة، ما يؤدي إلى زيادة خطرها على صحة الناس والوفاة، ودعت إلى تجريم إطلاق الغاز على المدراس أو بالقرب منها والمستشفيات والمناطق السكنية.
هناك قرارات وبروتوكولات دولية حظرت من استخدام هذه الغازات نتيجة المخاطر التي ألحقتها والأضرار التي نجمت عنها، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن سلطات الاحتلال استخدمتها وبكثرة. حتى إنها لم تلق لتلك القرارات بالاً. فتعتبر إسرائيل واحدة من الأربع دول التي لم توقع على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية.
فبموجب برتوكول جنيف لعام 1925 و قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2603 لعام 1969، يحظر استخدام الغازات الخانقة والغازات السامة أو غيرها وجميع من في حكمها من السوائل أو المواد أو الأجهزة  وأساليب الحرب البكتريولوجية ، ليكون الحظر العام على الأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجي في النزاعات المسلحة الدولية.
ويقول أستاذ القانون الدولي حنا عيسى: الغاز المسيل للدموع غير قانوني، وممنوع منعا باتا بحسب بروتوكول جنيف لعام 1925 وكافة الاتفاقيات التي اتخذتها الأمم المتحدة بما يتعلق بالغازات السامة لعام 1975 وعام 1985. وأن هذه الاتفاقيات نصت على أن لا يستخدم الغاز الكيميائي ضد المواطنين، وحتى في المظاهرات. لأن هذه الغازات تؤثر على الأعصاب والعقل والعيون، ويؤدي إلى الوفاة. وبالتالي هذه الغازات تعتبر جريمة حرب بحسب  نظام روما لعام 1998.
وأكد حنا على أن رفض إسرائيل الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997 يؤكد على جرمها. فعندما يكون هناك أدلة دامغة وثابتة ترفع هذه القضايا إلى المدعي العام في الدولة المعتدية والدولة المعتدى عليها، ويقوم بفحص هذه المادة من قبل إخصائيين مختصين في هذا المجال، وعندما يثبت بأن هذه المواد سامة وقاتلة، وأن إسرائيل لم توقع عليها لهذه الأسباب، يتم معاقبة من قام باقتراف مثل هذه الجرائم.

يشار إلى أن الغازات السامة تعتبر أحد اقوى الأسلحة المستخدمة في الحروب، ويمتد تاريخ استخدامها منذ الحرب العالمية الأولى. وقد بلغ عدد القتلى بسبب الغاز السام أكثر من 1.2 مليون قتيل. اليوم وعلى الرغم من وجود المعاهدات ومنظمات حقوق الإنسان التي تسعى إلى استتباب الأمن العالمي والمحافظة على أرواح البشر، يتعرض الفلسطينيون إلى تلك الغازات السامة والقاتلة بشكل يومي ومباشر.

ربما يعجبك أيضا