هدايا أوباما لإيران أثناء الاتفاق النووي!

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – بسام عباس

أفسد البيت الأبيض المبادرة الوطنية لمكافحة انتشار الأسلحة النووية في الوقت الذي شهدت فيه البلاد تقدمًا غير مسبوق في إحباط الشبكات الإيرانية، وذلك من خلال التدخل في بعض الحالات وعدم التدخل في أخرى.

عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، عن المبادرة الفريدة من نوعها بالإفراج عن السجناء الإيرانيين، الذين لم توجه إليهم تهمة الإرهاب أو أية جرائم عنف في العام الماضي، قدمت إدارته هذه الخطوة كمقايضة متواضعة لمصلحة الاتفاق النووي الإيراني، مع تعهد طهران بالإفراج عن خمسة أمريكيين.

وقال مسئول كبير في إدارة أوباما للصحافيين في مؤتمر صحافي عقده البيت الأبيض: "بالطبع كانت إيران ترغب في إطلاق سراح عدد أكبر من المساجين في بداية المفاوضات، ولكننا تمكنا من خفض النطاق إلى هؤلاء الأفراد السبعة (6 منهم إيرانيون أمريكيون)".
ووفقًا لتحقيقات مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، لم يفصح أوباما وكبار المسئولين وغيرهم من ممثلي الإدارة عن القصة بأكملها في 17 يناير 2016، عندما بدأوا تبادل السجناء والتنفيذ المتزامن للاتفاق النووي السداسي.

ففي خطابه صباح ذلك اليوم أمام الشعب الأمريكي، صور أوباما الرجال السبعة الذين أطلق سراحهم "كمدنيين". ووصفهم مسئول كبير بأنهم رجال أعمال مُدانون أو ينتظرون المحاكمة بتهم متعلقة بالعقوبات وانتهاكات الحظر التجاري.

ولكن الحقيقة أن بعضهم قد اتهمته وزارة العدل الأمريكية بتهمة تهديد الأمن القومي، حيث تفيد مزاعم بأن ثلاثة منهم كانوا جزءًا من شبكة مشتريات غير مشروعة تزود إيران بالإلكترونيات الأمريكية الدقيقة، التي يمكن استخدامها في الصواريخ الأرض– جو والكروز، مثل الذي قامت طهران باختباره مؤخرًا، ما تسبب في تصعيد التهديدات مع إدارة ترامب.

وبينما كان آخر يقضي عقوبة بالسجن مدة 8 سنوات للتآمر على تزويد إيران بتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية ومعداتها. وكجزء من الصفقة، أسقط المسئولون الأمريكيون حكمًا بمصادرة مبلغ 10 ملايين دولار تلقاها مهندس المحركات الجوية بشكل غير قانوني من طهران.

وفي سلسلة من القرارات غير المعلنة، أسقطت وزارة العدل التهم وأوامر الاعتقال الدولية ضد 14 رجلًا هاربًا آخرين. ولم تكشف الإدارة عن أسمائهم أو ما اتهموا به، مشيرة إلى أن اتفاقية المبادلة تلزم الولايات المتحدة بإزالة إشعارات الإنتربول واسقاط أية اتهامات ضد 14 إيرانيًا يعتقد أن طلبات ترحيلهم إلى الولايات المتحدة لن تكون ناجحة.

ووفقًا للتقارير، حاول ثلاثة من الهاربين استئجار طائرة بوينغ لشركة طيران إيرانية تدعي السلطات أنها تدعم "حزب الله". واتُهم رابع "بهروز دولتازاده" بالتآمر لشراء آلاف البنادق الأمريكية واستيرادها بشكل غير مشروع إلى إيران.

واتُهِم الخامس "أمين رافان" بتهريب هوائيات عسكرية أمريكية إلى هونغ كونغ وسنغافورة لاستخدامها في إيران. وتعتقد السلطات الأمريكية أيضًا أنه كان جزءًا من شبكة مشتريات تزود إيران بالمكونات التكنولوجية الحديثة لنوع قاتل من المتفجرات التي تستخدمها الميليشيات الشيعية للقتل في العراق.

ومع ذلك، كان الأكثر أهمية هو "سيد أبو الفضل شهاب جميلي"، الذي اتُهم بالتورط في مؤامرة لشراء الآلاف من الأجزاء ذات التطبيقات النووية لإيران عبر الصين من 2005 إلى 2012. وشمل ذلك مئات أجهزة الاستشعار الأمريكية من أجل أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في إيران، والتي أدى تقدمها إلى مفاوضات الاتفاق النووي في المقام الأول.

وعندما علم الادعاء العام والوكلاء الاتحاديون الأمريكيون المدى الحقيقي لتلك القرارات، أصيب الكثير منهم بالصدمة. فقد قضى بعضهم سنوات وعقودًا في العمل على اختراق الشبكات العالمية لتجارة الأسلحة التي سمحت لتجار الأسلحة الإيرانيين بالحصول على مواد حيوية لبرامج طهران النووية والقذائف الباليستية، وفي بعض الحالات، توفير مواد خطرة إلى دول أخرى.

وقال أحد المراقبين الفيدراليين السابقين، الذين شاركوا في مطاردة تجار الأسلحة الإيرانيين والمهربين النوويين: "لم يقتصر الأمر على إطلاق سراح مجموعة من رجال الأعمال الأبرياء، فهم لم يفصحوا عن القصة الكاملة".

وفي إطار عزمها على كسب التأييد للاتفاق النووي وتبادل الأسرى مع طهران من الكونغرس والشعب الأمريكي، قامت إدارة أوباما بأكثر بكثير من مجرد التقليل من التهديدات التي يشكلها المساجين المفرج عنهم، وفقًا لتحريات بوليتيكو.

فمن خلال التدخل في بعض الحالات وعدم التدخل في أخرى، أفسد البيت الأبيض المبادرة الوطنية لمكافحة انتشار الأسلحة النووية، في الوقت الذي حققت فيه البلاد تقدمًا غير مسبوق في إحباط الشبكات الإيرانية، حيث كشفت تحقيقات المجلة أن مسئولي وزارة العدل ووزارة الخارجية نفوا أو أجلوا طلبات الادعاء العام والوكلاء لجذب بعض الهاربين الإيرانيين الرئيسين إلى الدول الصديقة حتى يتمكنوا من اعتقالهم.
كما تباطأت وزارة العدل ووزارة الخارجية بالتشاور مع البيت الأبيض في بعض الأحيان، في الجهود الرامية إلى ترحيل بعض المشتبه بهم المحتجزين في الخارج، وذلك وفقًاً للمسئولين الحاليين والسابقين وغيرهم من المشاركين في جهود مكافحة انتشار الأسلحة النووية.

فمنذ بداية خريف العام 2014، بدأ مسئولو إدارة أوباما في إبطاء بعض التحقيقات والمحاكمات القضائية الهامة لشبكات الشراء الإيرانية العاملة في الولايات المتحدة. وتستند هذه النتائج التي لم يُكشف عنها سابقًا إلى مقابلات مع المشاركين الرئيسين على جميع مستويات الحكومة ومراجعة واسعة النطاق لسجلات المحكمة وغيرها من الوثائق.

وقال المسئول الفيدرالي السابق: "من الواضح أن هناك حظرًا على أية قضية إيرانية، وبالطبع أغضب هذا الناس، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو إطلاق سراح هؤلاء الرجال، وأن الناس قتلوا بسبب تصرفات أحدهم"، في إشارة إلى "رافان" وشبكة العبوات الناسفة.

وأشار المراقب إلى أنه عند الموافقة على رفع العقوبات المشددة ضد طهران، أصرت إدارة أوباما على الاحتفاظ بحق معاقبة إيران على أية جهود لتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية وصواريخ كروز يمكنها أن تخترق الدفاعات الأمريكية، وشراء مكونات لأنظمتها النووية العسكرية. وتساءل: "إذن، لماذا نقوم بإطلاق سراح الأشخاص الذين نعرف تورطهم في ذلك؟".

ولا تزال خطة إدارة أوباما لعرقلة جهود قوة مكافحة انتشار الأسلحة التي تقودها وزارة العدل الأمريكية، تتم بعيدًا عن منظور الرأي العام، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الطابع السري للغاية للحالات والمفاوضات التي أثرت عليها.
ولكن ذلك قد يكون على وشك التغير، حيث تعهدت إدارة ترامب والكونجرس بالتصدي لبرنامج طهران النووي والصواريخ الباليستية.

وفى يوم الأربعاء الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، مراجعة الحكومة للسياسة الأمريكية تجاه إيران في مواجهة "الاستفزازات المقلقة والمستمرة الصادرة من الدولة التي تصدر الإرهاب والعنف وتزعزع استقرار أكثر من دولة في وقت واحد".

وفي يوم الخميس، قال الرئيس دونالد ترامب": "حتى لو أوفت إيران بشروط اتفاقها مع إدارة أوباما والقوى العالمية الأخرى، فإنها لا ترقى إلى روح ذلك الاتفاق، ونحن نقوم بتحليل السياسة بعناية فائقة، وسيكون لدينا ما نقوله عن ذلك في المستقبل القريب".

وفى سلسلة من المقابلات، قال مسئولون كبار في البيت الابيض ووزارة العدل والدولة إن تبادل الأسرى كان صفقة للولايات المتحدة، وذلك بسبب الافراج عن مراسل صحيفة واشنطن بوست جيسون رزايان و ضابط البحرية السابق أمير حكمتي وثلاثة آخرين. كما وعدت إيران بالتعاون في قضية وكيل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق روبرت ليفنسون الذي اختفى في إيران قبل عشرة أعوام، ويعتقد أنه سجين أو ميت.

وقد اعترف كبار المسئولين بأن الجميع عدا عدد قليل من الناس ظلوا في الخفاء، لكن كبار ممثلي وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي ساعدوا في فحص النشطاء الإيرانيين الـ 21، وأن النائب العام آنذاك لوريتا لينش شاركت في حجب بعض الأفراد الآخرين الذين طالبتهم طهران من إدراجها في الاتفاقات المحتملة للسجناء.

وبعد خمسة عشر شهرًا، تستمر التداعيات الناجمة عن الاتفاق النووي وتبادل الأسرى – والأسئلة المتعلقة بالأحداث المؤدية إليهما – في وزارة العدل والوحدات المتخصصة في مكتب التحقيقات الفيدرالي التابع لوزارة الأمن الداخلي والتجارة، والتي أنشئت لتحييد التهديد الذي تشكله طموحات إيران النووية والعسكرية.

وقال العديد من المشاركين إن جهود الانفاذ الرئيسة في طريقها للنسيان نتيجة تحقيقات وملاحقات قضائية متوقفة أو متعثرة، وان مسار بعض الاهداف عالية القيمة قد أصبح باردًا.

ورفض جون كيري – وزير خارجية أوباما – التعليق عبر مسئول سابق في وزارة الخارجية، الذي قال إن بعض الطلبات ربما تأخرت مؤقتا لأنها جاءت في أوقات حساسة للغاية أثناء المفاوضات، ولكن بموافقة البيت الأبيض ووزارة العدل.

ومنذ إبرام الصفقة علمت السلطات الفيدرالية المزيد عن جميلي، خاصة العمليات الاستخباراتية التي ربطته مباشرة بـ "مصطفى أحمدي روشان"، أحد كبار المسئولين في المشروع النووي الإيراني، والذي أشرف على مبادرة "شئون تجارية" في منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم، وفقا لمسئولين مطلعين على القضية. وتعتقد السلطات أن جميلي كان على اتصال مع أحمدي روشان في 11 يناير 2012.

وسخر بعض المسئولين الفيدراليين المطلعين على مثل هذه الحالات، وأنهم قد أغروا الكثير من الإيرانيين للخروج إلى أماكن يمكن إلقاء القبض عليهم، فيما سقط آخرون بعد استصدار مذكرات مختومة من الانتربول أثناء السفر. وقال أحدهم في حالة جميلي: " لقد كان مسافرًا، لذلك علمنا أن هناك فرصة لإلقاء القبض عليه".

وعلى الرغم من التحقيقات المكثفة التي دامت لسنوات، قال أرنولد إن المسئولين الأمريكيين لا يزال لديهم "بعض الفجوات الكبرى" عندما يتعلق الأمر بوسطاء منخرطين في الشبكات الايرانية– مثل جميلي– الذين كانوا بين جنود مشاة مثل تشنج ومسئولين حكوميين يديرون البرامج النووية.

المصدر – بوليتيكو

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا