سياسياً وبروتوكولياً.. كيف تم تجهيز ترامب لأولى رحلاته خارج الولايات المتحدة

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

بينما كان البيت الأبيض يرزح تحت وطأة أزمة صنعها هو بنفسه- الإقالة المفاجئة لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي- استقبل الرئيس ترامب زائرا غير متوقع: هنري كيسنجر, رجل الدولة الكبير والبارز المنتمي للحزب الجمهوري, الذي أتى للبيت الأبيض لتقديم مشورته في الشؤون الخارجية في يوم الأربعاء الماضي, قبل أول جولة خارجية للرئيس ترامب.

كيسنجر لم يكن الزائر الوحيد. ففي الأيام التي تسبق أول جولة عالمية بالغة الخطورة لترامب- جولة مدتها تسعة أيام, وتشمل خمس محطات, وأربع دول- تحوّل البيت الأبيض إلى ما يشبه قاعة لعقد الحلقات الدراسية, حيث تناوب الخبراء السياسيون على تقديم إحاطات للرئيس

وكما هو الحال عادة في لقاءات ترامب, سيطر الإلهاء على الأجواء. فتحول لقاؤه الخاص مع كسنجر بعد وقت قصير إلى مناسبة لالتقاط الصور, حيث جلس وزير الخارجية الأسبق بصمت إلى جوار ترامب الذي علق لأول مرة على إقالة جيمس كومي مدير الأف بي آي.

وعلى الرغم من هذه العاصفة- وهوس الرئيس الشخصي بقضية كومي- إلا أن ترامب خصّص وقتا للبدء في الاستعداد لجولته الخارجية التي قد تتحول لانتصار مدوّ, أو فشل ذريع في حال ارتكاب خطأ واحد.

خلال جولته الخارجية, سيكون على ترامب أن يسير وسط حقل ألغام- بداية من التفاوض حول السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين, وصولا إلى طمأنة الأوربيين المتوترين بشأن إتباعه للبروتوكول عند لقائه بالبابا فرانسيس.

"سيكون ترامب تحت الأضواء, وبالنسبة لكثير من الناس في العالم, تعتبر هذه الجولة فرصة لرؤية كيف سيتصرف" حسبما يقول ريتشارد هاس, رئيس مجلس العلاقات الخارجية. "التوقعات من الزيارة متواضعة, ولذلك إذا جرت الجولة بصورة عادية, فسيكون ذلك بمثابة نجاح."

يقول مستشارو ترامب إن الرئيس يدرك أهمية الجولة, وإنه يستعد جيدا لها. عمد فريق الرئيس إلى تقييد جدول أعماله خلال الأسبوعين اللذين يسبقان جولته المزمعة يوم الجمعة, على الرغم من انشغال ترامب في الأسبوع الماضي بالدراما المتعلقة ب "كومي", والحديث بشأن إجراء تغيير في فريق الموظفين في البيت الأبيض.

تبدأ جولة ترامب التي تم الترتيب لها بعناية في المملكة السعودية, حيث يلتقي بالشركاء المسلمين من عموم العالم العربي وخارجة, لتشكيل تحالفات لمحاربة إرهابيي تنظيم داعش. سيتوجه ترامب من هناك  إلى إسرائيل, في تأكيد منه على التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل والشعب اليهودي. كما سيلتقي أيضا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس.  

يسافر ترامب بعد ذلك إلى روما, حيث من المقرر أن يلتقي بالبابا ويناقش معه قضايا الحريات الدينية وحقوق الإنسان. ترامب سيحضر قمة تجمع قادة حلف الناتو في بروكسل, وبعدها سيحضر اجتماعا لمجموعة الدول السبع في صقلية.

قال مستشار ترامب للأمن الوطني "ماك ماستر" خلال استعراضه لجولة الرئيس أمام المراسلين يوم الجمعة, إن الجولة تتضمن ثلاثة أهداف رئيسية: "أولا, التأكيد على زعامة أمريكا للعالم. ثانيا, مواصلة بناء علاقات مهمة مع قادة العالم. وثالثا, إرسال رسالة تدل على الوحدة لأصدقاء أمريكا, ولمعتنقي أكبر ثلاث ديانات في العالم."

الجولة, حسبما يقول خبراء السياسة الخارجية, ستحمل فوائد أخرى لترامب أيضا. فخلافا للولايات المتحدة, من غير المرجح أن يواجه ترامب متظاهرين خلال جولته في السعودية, لأن قوانين المملكة الصارمة تقيد التظاهر, وفي إسرائيل, لأنه يتمتع بعلاقات وثيقة بالحكومة, وخلال القمتين في بروكسل وإيطاليا, لأن الإجراءات الأمنية المتخذة ستخلق مساحة واسعة حوله في معظم الوقت.

مع ذلك, قد يطرأ أمر ما يفسد الجولة, سواء كان هفوة, أو خرقا للبروتوكول, أو حتى لغة جسد منفلتة. وفقا لخبراء السياسة الخارجية, فان الاستعدادات المكثفة قبيل الجولة ربما تكون ذات أهمية بالغة لقائد مثل ترامب, الذي يميل مزاجه إلى الألفة. قد تبدو على ترامب أيضا بوضوح علامات عدم الارتياح في حال انتقلت الأضواء المسلّطه عليه إلى زعماء آخرين, أو عندما يجلس في اجتماعات مطوّلة يلقي فيها متحدثون آخرون كلمات- وكل ذلك من سمات القمم الخارجية.

" ربما تكون هذه الجولة الخارجية الأولى التي سيغرّد فيها الرئيس وهو في الخارج" حسبما يقول "لانهي تشين" الباحث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفرد, والذي شغل منصب كبير المستشارين السياسيين ل "ميت رومني" أثناء حملته الرئاسية عام 2012. " هناك تقاليد وسوابق معينة نلتزم بها عندما نكون على أراض أجنبية. هل سيلتزم الرئيس بهذا التقاليد المتبعة؟"

خلال الأيام الأخيرة, استقبل الرئيس عددا من مقدّمي الإحاطات, الذي قدموا لها المعلومات بالطريقة التي تعجبه- في صورة مناقشات تتسم بالانسياب, وعروض الفيديو, والصور, والخرائط, والرسوم البيانية, بعكس المواد المقروءة كبيرة الحجم.

هذه العملية تجري بشكل كبير تحت إشراف جارد كوشنر, صهر الرئيس وأحد مستشاريه الكبار, إلى جانب ماك ماستر ونائبة مستشار الأمن القومي, دينا باول.

وزير الخارجية ريكس تيلرسون, ووزير الدفاع جيم ماتيس, ووزير الخزانة ستيفن منوشن, ووزير التجارة ويلبر روس, ومدير المجلس الاقتصادي الوطني جاري كوهن, والمستشار السياسي الرفيع ستيفن ميلر, كل هؤلاء قضوا وقتا في تجهيز الرئيس لجولته, بينما قدّم مشرّعون بارزون- من ضمنهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر, وعضو المجلس الديمقراطي بنجامين كاردين- مساهمات أيضا, غير أنها لم تُقدم بصورة مباشرة إلى ترامب.

يسعى ترامب للحصول على مشورة من بعض الغرباء من خارج إدارته مثل كيسنجر, لكنه حصر دائرته بصورة كبيرة في الممارسين في العالم الحقيقي, والعالمين ببواطن الأمور في إدارته- ما يعكس رؤية البيت الأبيض في أن مساهمات الخبراء الأكاديميين, والمؤلفين وقادة الرأي تعتبر أقل قيمة, لأن هؤلاء الأفراد لم يحققوا نجاحا عمليا.

المسؤولون الكبار في البيت الأبيض لديهم حساسية تجاه تصوير ترامب على أنه مبتدئ لا يفقه شيئا في السياسة الخارجية, مشيرين إلى أنه جال العالم لمرات عديدة بوصفه قطب عقارات لديه ممتلكات في العديد من القارات.

ويضيف هؤلاء أن ترامب تغلب على عدد من تحديات السياسة الخارجية التي واجهته وهو في مكتبه في البيت الأبيض. في الواقع, هناك تطورات يرى كثيرون أنها تمثل نجاحا مبكرا لترامب في هذا الشأن: قصف سوريا, محاولات تعزيز العلاقات مع الصين, وجهود توطيد التحالفات في مواجهة كوريا الشمالية.

كما يؤكد مستشارون كبار في الإدارة أن تهيئة ترامب لم تقتصر فقط على الأيام التي تسبق جولته الخارجية. فمنذ انتخابه, استغل الرئيس الساعات التي قضاها مع القادة الأجانب, خلال اجتماعات غداء العمل واللقاءات المباشرة معهم- فضلا عن 76 مكالمة هاتفية أجراها مع 43 من نظرائه في العالم, وفقا لإحصاءات البيت الأبيض- كبرنامج تعليمي بشأن التحديات الاقتصادية والأمنية في المناطق المختلفة حول العالم.

هذه الجلسات, حسب مسؤول كبير في البيت الأبيض, تتبع مسارين مختلفين: أولا, ما هي "الإنجازات المتوخاه" التي يأمل الرئيس في تحقيقها من الجولة, وثانيا, الرسالة الإستراتيجية من تلك الأهداف. يعمل الرئيس بصورة وثيقة مع "ميلر" المعروف بآرائه القومية والمناهضة للعولمة, من أجل صياغة ملاحظاته التي سيلقيها.

التقى ترامب مؤخرا بتيلرسون في البيت الأبيض لمناقشة زيارته للملكة السعودية, ولوضع أهداف للقاءاته مع القادة العرب. كما جلس أيضا مع ماتيس, الذي قدم له إيجازا بشأن جولته الأخيرة في الشرق الأوسط, والشواغل الأمنية في المنطقة.
كما التقى كوهن, وكوشنر, وباول بالرئيس في الأسبوع الماضي, حيث تم تخصيص ساعة لمناقشة الجزء الخاص بقمة الدول السبع خلال الجولة. وفي يومي الأربعاء والخميس الماضيين, قدّم ماك ماستر وكوشنر وباول إيجازا للرئيس بشأن نتائج لقاءاتهم مع أعضاء مهمين في مجلس الشيوخ.

يقول المستشارون إن ترامب ينوي إظهار الفرق الواضح بينه وبين الرئيس السابق باراك أوباما, الذي ناصرت خطاباته في الخارج حقوق الإنسان والديمقراطية, ما أزعج مضيفيه أحيانا. ويضيف المستشارون أن الرئيس لا ينوي أن "يحاضر" الآخرين.

التحدي الذي سيواجه ترامب سيتمثل في تطويع خطابه الذي يستعمله في الداخل الأمريكي- متجسدا في شعار "أمريكا أولا" الذي أطلقه في حفل تنصيبه- ليكون أكثر ترحيبا وشمولا تجاه حلفاء أمريكا الحاليين والمحتملين, حسبما يقول ريتشارد بورت, الذي عمل دبلوماسيا رفيعا في إدارتي ريجان وجورج بوش الأب.

"لا اعتقد أن شعار (أمريكا أولا) هو الشعار الذي ترغب في أن تأخذه معك عندما تسافر للخارج" أضاف بورت.

"يتعين عليك أن تعدّل الشعار لكي تظهر أن (أمريكا أولا) لا تعني أن أصدقاءنا وحلفاءنا غير مهمين في سياستنا العامة."  

المصدر – واشنطن بوست
  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا