هل خان جاريد كوشنر الولايات المتحدة الأمريكية

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

حان الوقت للتحدث عن الخيانة. لقد بتنا نعلم الآن, وفقا لما نقلته صحيفة الواشنطون بوست عن مسؤولين أمريكيين تم إطلاعهم على تقارير استخباراتية, أنه في بداية شهر ديسمبر عام 2016, قام جارد كوشنر والسفير الروسي سيرجي كيسلياك " بمناقشة إمكانية تأسيس قناة اتصال سرية وآمنة بين فريق ترامب الانتقالي والكرملين, مستخدمين المرافق الدبلوماسية الروسية, في محاولة واضحة لحماية مناقشات ما قبل تنصيب ترامب من المراقبة.
 
لو كان ما فعله كوشنر قد جري خلال سنوات الحرب الباردة, لكان قد وُصم بالخيانة, هل تنطبق نفس المعايير على يومنا هذا؟
 
دعونا نناقش حجة كوشنر المفضلة. تعتبر قنوات الاتصال السرية جزءا مقبولا من العلاقات الدبلوماسية. وإذا كانت هناك علاقة ما قد تتسبب في حدوث جدل واسع بين الجمهور, فمن المفيد أن تكون هناك محافل يستطيع من خلالها الدبلوماسيون وقادة الدول التحدث إلى بعضهم بصراحة, بعيدا عن أضواء وسائل الإعلام.
 
ولكن يبدو أن ما حدث لم يكن مجرد عرض عادي لإقامة قناة اتصال سرية. أولاً وقبل كل شيء, كانت هناك نيّة لتجنب مراقبة وكالات الاستخبارات الأمريكية. وثانيا, فريق ترامب لم يكن قد تولى الحكم بعد ( إلا إذا كان القصد هو استمرار, أو بدء, قناة الاتصال السرية تلك عقب تنصيب ترامب, وبالتالي إيجاد وسائل لتجنب مراقبة الاستخبارات الأمريكية أثناء وجود ترامب في الحكم, وهو ما قد يثير شكوك أكبر).  
 
التفسير البريء لما حدث هو أن فريق ترامب الانتقالي لم يرغب في أن تعلم إدارة أوباما بما كانوا يناقشونه مع موسكو. ولكن هذه حجة غير مقنعة, لأنه إذا كانت تلك المحادثات داخل إطار القانون, فما الذي كان سيختلف لو كانت إدارة اوباما على علم بها؟ قد يردّ أحدهم بالقول إنه كان من المهم أن يبقى التواصل مع روسيا بعيدا عن الجمهور, وأن إدارة أوباما كان يمكن أن تُفشل المحادثات عبر تسريبها للصحافة. ولكن هذا الرأي سخيف, نظرًا إلى أن ترامب كان قد أعلن على الملأ رغبته في التقارب مع روسيا أثناء الحملة الانتخابية.
 
هناك حجة أخيرة تقول بأن فريق ترامب كان يدرك أن القانون يحرّم على المواطنين العاديين إجراء تواصل دبلوماسي مع حكومة أجنبية, ولذا كان الفريق بحاجة إلى قناة اتصال سرية. وبالطبع, ولأن تلك المحادثات كانت غير قانونية, فإن فريق ترامب لن يستخدم هذه الحجة مطلقا. قد يقول فريق ترامب, ربما على نحو مقبول, إنهم لم يمارسوا نشاطا دبلوماسيا, ولكنهم كانوا يتحدثون فقط إلى الروس بوصفهم حزب معارضة ( فلنسمّها حجة ماري لوبن في فرنسا). ولكن لا يمكنك أن تجمع بين خيارين متناقضين: إما قناة الاتصال السرية كانت قانونية, وفي هذه الحالة لم يكن هناك داع لإخفائها عن أعين الاستخبارات الأمريكية, أو أن ما فعلته لم يكن قانونيا.
 
فلنكن واضحين. ليس ثمة مانع قانوني بشأن سعي فريق ترامب الانتقالي لإقامة علاقات أفضل بين الولايات المتحدة وروسيا. في الواقع, كان التطبيع مع روسيا جزءا رئيسيا من إستراتيجية ترامب للفوز بالانتخابات. إن النقاش السياسي بين الحمائم والصقور فيما يتعلق بشكل العلاقة مع روسيا لم يتوقف منذ تدهور العلاقات معها في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عقب التدخل الغربي في كوسوفو عام 1999, كما أن الأطراف التي ترغب في تحسين العلاقات مع روسيا لديها العديد من الحجج المنطقية.
 
لكن شرعية الرغبة في إقامة علاقات أفضل مع روسيا-ونظرًا لتمتع ترامب بتفويض ديمقراطي يخوّله إتباع هذا المسار- هي بالتحديد ما تجعل رغبة كوشنر في إخفاء صلات فريق ترامب الانتقالي مع روسيا عن أعين الاستخبارات الأمريكية مثيرة للشبهات, خاصة لو كان كوشنر ينوي الإبقاء على قنوات الاتصال تلك مفتوحة, أو البدء فيها, عقب تنصيب ترامب. هذا هو لبّ عدم المشروعية هنا: المشكلة ليست في تحسين العلاقات عبر قنوات اتصال سرية, ولكن في الإجراءات الاستثنائية المتخذة للحفاظ على سريتها بعيدا عن أعين الأمريكيين.  
 
خلال الحرب الباردة, كان يمكن أن تُوصم أفعال كوشنر بالخيانة لان روسيا كانت عدوا للولايات المتحدة. لكن أفعاله ما كانت لتعرضه للمحاكمة, لأنه لم تكن هناك حرب مفتوحة دائرة بين الطرفين, وهو ما ينسجم مع التعريف القانوني للخيانة في القانون الأمريكي: "يُدان بجرم الخيانة كل من أقسم يمين الولاء للولايات المتحدة الأمريكية, وشنّ حربا عليها, أو انضمّ لأعدائها, وقدم العون والمساعدة لهم داخل الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر".
 
وكذلك الأمر اليوم, فما نتحدث عنه اليوم ليس جريمة الخيانة بمعناها القانوني, ولكن عار الخيانة- المعنى الاجتماعي الأوسع للخيانة.
 
لفهم هذا المعنى الاجتماعي الأوسع, سيكون من المفيد الرجوع إلى تاريخ هذا المفهوم. في عهد الجمهورية الرومانية, كان هناك جريمتان للخيانة. الأولى كانت تُسمى perduellio, والتي تتوافق بصورة أساسية مع تعريفنا الحالي للخيانة المتمثل في مساعدة العدو أثناء الحرب. الجريمة الأخرى كان يُطلق عليهاCrimen majestatis populi romani imminutae, والمعروف عموما باسم maiestas (قانون الخيانة), والمتمثل في جريمة "النيل من عظمة الشعب الروماني". وفي وقت لاحق, عقب انهيار الجمهورية الرومانية وسيطرة الأباطرة على الحكم, أصبحت ((maiestas  الجريمة التي تُرتكب ضد شخص الإمبراطور, ففي هذا النوع من الإمبراطوريات, لم يكن هناك فرق يُذكر بين الهوية السيادية للدولة وبين حاكمها. ( هذا هو أصل جريمة المسّ بالذات الملكية " lèse majesté ", والتي لا تزال ضمن قوانين بعض البلدان في وقتنا الراهن.)  
 
لو وُصِمت أفعال كوشنر بالخيانة, فسينطبق عليها المعني القديم للخيانة maiestas في زمن الجمهورية الرومانية, عندما كانت القيم العامة ومؤسسات الدولة تعني شيئا. وبالتالي, كان الهدف من maiestas في الجمهورية الرومانية هو معاقبة الأفراد على استغلالهم لمناصبهم في الدولة لتحقيق مكاسب خاصة. والمعادل الحديث لذلك هو الحصول على استثمارات شخصية مقابل تقديم خدمات سياسية أو تسريع إجراءات التأشيرة للأثرياء الصينيين, وهي التهمة التي تلاحق بالفعل أعمال عائلة كوشنر.  
 
سيتعين علينا أن ننتظر الحقائق لنرى ما الذي كان يحاول كوشنر إخفاءه بعيدا عن أعين المخابرات الأمريكية. لكني أظن أن الأمر لا يتعلق بخيانة أو عمالة, بل سيكون مجرد محاولة بائسة للعمل في المناطق الرمادية للقانون من أجل الاغتناء عبر استغلال المنصب الحكومي. وهذا لا يرقى لمستوى مساعدة العدو, ولكنه يظل ممارسة فاسدة. وهذا بالضبط ما كانت تعنيه جريمة الخيانة maiestas في الجمهورية الرومانية: جريمة بحق كرامة الدولة المتمثلة في مجتمع ملتزم بقيم عامة.
 
في روما, كان النفي خارج البلاد عادة هو العقاب المُتبع ضد جريمة الخيانة. مصير كوشنر لم يُحدد بعد, لكن الرد الشعبي على ما فعله سيحدد ما إذا كان الشعب الأمريكي- تحت حكم ملكه الجديد- ما يزال لديه الكرامة لحماية عظمته العريقة. 

المصدر – فورين بوليسى

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا