هل يمكن أن يخوض ترامب حربًا ضد إيران في الشرق الأوسط؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – بسام عباس

إن الشيء الوحيد الذي يوحد الولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من دول العالم العربي هو معارضة أنشطة إيران الإقليمية، وهو ما كشفته جولة الرئيس دونالد ترامب الأخيرة في الشرق الأوسط. وبينما تعترف إدارة أوباما بأن الإكراه وحده ليس من المرجح أن يغير سلوك إيران، وبالتالي اعتمد على أسلوب "العصا والجزرة"، إلا أن إدارة ترامب تميل إلى البحث عن طرق لتضييق الخناق على إيران.

والمنطق الأساسي لهذا النهج واضح. فالهدف هو الضغط على إيران مع زيادة عزلتها الإقليمية وتهديدها بمزيد من العقوبات، ومواجهة الجماعات التي تدعمها إيران في سوريا واليمن بشكل أكثر حزما، مما يجبر الجمهورية الإسلامية على سحب آثارها الإقليمية أو التخلي عنها. ولكن هناك مشكلة صغيرة، وهي أنه من غير المرجح أن تتراجع إيران.

إن العملاء الإقليميين الإيرانيين – خاصة في العراق وسوريا واليمن – هم المفتاح لتحقيق هدفها الاستراتيجي الأساسي المتمثل في إنهاء الدور العسكري الأمريكي في الخليج العربي والتنافس مع جيرانها العرب لتحقيق السيادة الإقليمية. وبدلا من التراجع عن التهديدات، ستواصل طهران استخدام عملائها لخلق قوة توازن مع الولايات المتحدة وحلفائها أينما اعتقدت أنها تستطيع.

وجاءت جولة ترامب في الشرق الاوسط في أعقاب إعادة انتخاب الرئيس الإيراني الإصلاحي حسن روحاني الذي وجد نفسه الآن في موقف عصيب. حيث دخل الانتخابات في إطار حملة أمل، وعزز ذلك نجاحه في التوصل إلى حل توفيقي مع الغرب. وعلى افتراض أن روحاني يريد تخفيف حدة التوتر مع جيران إيران وخصومها، فإنه سيتعين عليه تغيير اتجاه السلوك الإقليمي لإيران بطريقة أو بأخرى. غير أنه من غير المحتمل أن يحدث ذلك لأن حكومة روحاني لا تتمتع بسلطة نهائية في السياسة الخارجية وفي اتخاذ القرارات الاستراتيجية. فمثل هذه السلطة في يد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي أيد منذ فترة طويلة خطة الاستراتيجية للحرس الثوري الإسلامي، وهي أقوى مؤسسة عسكرية في إيران.

ونتيجة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، أصبحت إيران أكثر غرابة في منطقتها منذ الحرب الإيرانية العراقية خلال الثمانينيات. حيث يرغب المرشد الأعلى الإيراني والحرس الثوري الإيراني في خروج الولايات المتحدة من المنطقة برمتها. غير أن جيران إيران يرون أن الولايات المتحدة هي العنصر الفعال الوحيد لكبح الأطماع الإيرانية.

وقد أدت هذه الرؤى المتنافسة إلى تأجيج الصراعات في سوريا واليمن، حيث وقفت إيران وخصومها إلى صف فريقين متحاربين، وتسعى إلى تحقيق نتائج متضاربة فيما بينها. ويرى الحرس الثوري الإيراني أن تلك الحروب – وكذلك الحرب في العراق – هي نتاج عصابة تقودها الولايات المتحدة (وهذه العصبة تضم إسرائيل والسعودية والإمارات وتركيا والأردن وداعش والجماعات السنية المتطرفة الأخرى) بهدف تدمير الجمهورية الإسلامية وحلفائها المؤمنين (خاصة حزب الله اللبناني، ونظام بشار الأسد، والحوثيين في اليمن، والحكومة الشيعية في العراق).

وفي نظر دول الخليج، يمتلك الحرس الثوري الإيراني العديد من الأوراق المؤثرة في سياسيات المنطقة، والتي أصبحت فعالة على نحو متزايد في السنوات الأخيرة، قبل احتلال الولايات المتحدة للعراق، حيث قدم برنامج عملاء الحرس الثوري الإيراني على تزويد إيران برادع استراتيجي موثوق به، وذلك من خلال رعاية ميلشيات متشددة مثل حزب الله اللبناني والجهاد الإسلامي الفلسطيني، حيث يمكن أن تستهدف إسرائيل بضربات صاروخية أو هجمات إرهابية، ولكن بعد الاطاحة بصدام حسين، قامت فرقة القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري، المعروف باسم قوة القدس، بتطوير عملاء مسلحين عراقيين يمكن استخدامهم لأهداف أكثر عدوانية.

وتحت قيادة قائد قوة القدس قاسم سليماني، أصبح هؤلاء العملاء العسكريين حجر الزاوية في الجهود الإيرانية لتحويل العراق من عدو سابق إلى جار صديق. وفي الآونة الأخيرة، قام الحرس الثوري الإيراني بالانتشار بشكل كبير في الحرب الأهلية السورية، حيث يحتمل أن يسيطر على قوات أكثر من الحكومة السورية، وفي الحرب ضد داعش في العراق. كما أقام علاقات وثيقة مع الحوثيين في اليمن، ودعم محاولتهم في السيطرة على الدولة اليمنية.

في كل من تلك الدول، تزايد النفوذ السياسي الإيراني جنبا إلى جنب مع وصولها العسكري. ومن خلال هذه الجهود، أقام الحرس الثوري الإيراني تحالفًا عسكريًّا عابرًا للحدود، مؤيدًا لإيران، أظهر صمودًا جبارًا في الحرب، كما أنه يروج للمبادئ الأيديولوجية للنظام الثيوقراطي الإيراني. وكان تأسيس تحالف مع حلفاء لهم أيديولوجية مماثلة هدفًا أساسيًّا للحرس الثوري الإيراني منذ إنشائه. وبعد ما يقرب من أربعين عامًا، بدأ هذا الجهد يؤتي أكله.

وبالتالي، فإن مسألة أعمال إيران خارج الحدود الإقليمية ليست قضية هينة. والقول بأن لروحاني أولويات دبلوماسية أخرى لا يستحق أن ينظر إليها إلا ما نذر. فما زال من غير الواضح مدى اختلاف نهج روحاني تجاه الشرق الأوسط عن نهج الحرس الثوري الإسلامي. ويقال إن الحرس الثوري الإيراني اعترض على إعادة انتخاب روحاني جزئيا لأنه عمل على كبح جماح يده في اليمن خلال مفاوضات الاتفاق النووي. ولكن علنا، فإن حكومته تقف وراء الأعمال الإيرانية العلنية في المنطقة وتنفي جميع عملياتها السرية.

وحتى لو أراد روحاني ذلك، فمن المستحيل تقريبا إقناع المرشد الأعلى بالتخلي عن دعم برنامج الحرس الثوري الإيراني. وللقيام بذلك، سيتعين عليه تقديم قضية مقنعة مفادها أن أنشطة الحرس الثوري الإيراني لم تعد تخدم مصالح النظام أو أنها غير متوافقة معها. ويمكن للمراقب المحايد التأكيد على أن أنشطة الحرس الثوري الإيراني أثرت تأثيرا سلبيا شديدا على الاقتصاد الإيراني ومكانتها الدولية، كما أنه ساهمت في انعدام الأمن في الشرق الأوسط. ولكن من وجهة نظر خامنئي المعادية للولايات المتحدة، فإن جهود الحرس الثوري الإيراني تدفع مهمة إيران الأساسية للأمام. حيث أصبحت الجماعات الوكلاء امتدادًا للقوة العسكرية الإيرانية، وليس مجرد شيء يشارك فيه الحرس الثوري الإيراني وخامنئي بسهولة.

في الواقع، مثل وكلاء الحرس الثوري حجر التوازن الكبير في معركة السيطرة على الشرق الأوسط. ففي حين أنفقت الدول المجاورة لإيران مليارات الدولارات في اقتناء أسلحة تقليدية، إلا أن طهران استثمرت أموالها في قوى رخيصة نسبياً أثبتت فعاليتها في العديد من المسارح الإقليمية. ومنعت العراق من أن تصبح دمية أمريكية، وأنقذت سوريا من سيطرة الجماعات السنية المتطرفة

ويمكن هؤلاء الوكلاء لإيران لتكون قادرة على إبقاء خصومها في مرمى النيران، ولكنها تضع إيران في خطر التصعيد مع خصومها الإقليميين والولايات المتحدة. وقد ظل الصراع حتى الآن خارج حدود إيران، ولكن خطر سوء التقدير دائمًا يلوح في الأفق. ففي الوقت الراهن، يمثل العراق النقطة الرئيسة في تنافس إيران مع الولايات المتحدة. في حين أن طهران وواشنطن تدعمان الحكومة العراق، فإن الجماعات المدعومة من إيران تهدد بشكل روتيني باستهداف القوات الأمريكية. وإذا تدخلت الولايات المتحدة بشكل أكبر ضد الأسد في سوريا أو الحوثيين في اليمن، فإن طهران قد تعطى الضوء الأخضر لهذه الجماعات لتجديد مثل هذه الهجمات. وهذه طريقة يمكن أن يخرج بها الصراع عن نطاق السيطرة.

ولكن من المؤكد أن إيران لا تريد معركة مع الولايات المتحدة، حيث إن الحرس الثوري يمكن الإيراني أن يتعامل مع خصومة عبر الحرب بالوكالة، ولكنه يدرك أن فرصة نجاحه في حرب مباشرة مع الجيش الأمريكي ضئيلة. ولكن إذا خرج الوضع عن السيطرة في العراق، فإن التصعيد ربما يكون النتيجة.

إن قدرة إيران تتمثل في تأثريها على الأحداث خارج حدودها من خلال جماعات الوكلاء، التي تمثل العامل الرئيس لاغتراب إيران، وأهم أصولها الاستراتيجية الحيوية. وإن حل هذه المفارقة يتطلب تحولا في الأجندة السياسية والإيديولوجية الشاملة للجمهورية الإسلامية، وطالما تعزز إيران هذه التطلعات بمغامرات عسكرية أجنبية، فإن الإيرانيين لن يعرفوا السلام والاستقرار الذي يستحقونه.

المصدر – فورين بوليسى

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا