كيف تهدد قطر الأمن القومى الأمريكي؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – بسام عباس

تحت الضغط المؤسسي، يتردد الرئيس ترامب في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. وفي الوقت الذي يثني فيه على محاولة السعودية وحلفائها الخليجيين لإجبار قطر على وقف دعم الإرهابيين، فإن وزير خارجيته يتجنب بكل براعة تكرار رأي المؤسسة بأن هذه فكرة سيئة. ولا يعترض أحد على ضرورة أن يتوقف جميع من يدعمون الإرهاب عن ذلك، وأن دولة قطر تدعم الإرهابيين بمليارات الدولارات والمرافق والقنوات التلفزيونية، وأن جماعة الإخوان المسلمين تقوم بأعمال إرهابية مباشرة ومن خلال التنظيمات التابعة لها. ومن ثم فإن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف تتعارض الآراء مع الواقع ومع الحس السليم لدى الناس العاديين في هذه المناصب؟

إن تأثير جماعة الإخوان المسلمين وقطر غير المتوقع هو مثال آخر على ما اعتاد هيرمان خان أن يطلق عليه "العجز المتعلم" – عدم قدرة عدد قليل، والتي اكتسبت من خلال الجهد المتواصل فقط ، لفهم أو حتى إدراك الحقائق الواضحة للكثيرين غير المتعلمين. ومن ثم، فهي قصة كيف شجعت أفكار الإخوان المسلمين وأموال الدولة القطرية الأساتذة والمراكز البحثية والبيروقراطيين في دولة الأمن القومي الأمريكية على إثارة مجموعة خاصة من القيم والأولويات الأمريكية من خلال الانغماس في تحيزاتهم الخاصة.

كما كان الرئيس ترامب على وشك قيادة وزارة الخارجية لإدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية (مصر والسعودية وسوريا والإمارات قد قامت بذلك بالفعل)، نشرت مجلة فورين بوليسي (في 3 مارس 2017) ومؤسسة بروكينجز (في 11 أبريل 2017) سلسلة مقالات متطابقة تقريبا. وقالت مجلة فورين بوليسي "إن بعض الجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين انخرطت في أنشطة عنيفة" إلا أن وصم تنظيم الإخوان المسلمين بأكمله بالإرهاب سيضر بمشاركة الجماعات الإسلامية في العمليات الديمقراطية ". ولهذا السبب، ينبغي رفض تصنيف الإخوان إرهابيين. كذلك قال بروكينجز إن معارضة الخبراء بالإجماع؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين هم "التيار الإسلامي الأكبر"، ووصفها بانها منظمة إرهابية سيصم جميع الإسلاميين بالتطرف، مما يشجع "القمع" ضدهم. وسيكون ذلك "ستارًا لانتشار الإسلاموفوبيا".

وبعد أن أشاد الرئيس ترامب بالسعودية وحلفائها الخليجيين بقطع الاتصال الدبلوماسي والتجاري مع قطر لإجبارها على إنهاء دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، قال أحد مستشاري وزير الخارجية ريكس تيلرسون لصحيفة نيويورك تايمز: "بينما يركز الرئيس على إنهاء الارهاب. سيركز الوزير على الدبلوماسية التي ستعيد تركيز دول مجلس التعاون الخليجي على مكافحة الإرهاب ". بعبارة أخرى: لن تساعد الحكومة الأمريكية – بغض النظر عما يفعله الرئيس الأمريكي– على عزل قطر، بل ستركز على إنهاء هذه العزلة، ويأمل أن يكون لهذا تأثير مفيد على مكافحة الارهاب. وفي حين اعترف تيلرسون نفسه بأن قطر تدعم الإرهاب، أوضح أن هذا الدعم كان أقل أهمية من العلاقة نفسها. وقال تيلرسون إن "أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني حقق تقدما في قطع التمويل عن جماعات مرتبطة بالإرهاب، ولكن يجب عليه أن يفعل المزيد، وبسرعة أكبر". وكان من المهم للغاية "لتهدئة الأوضاع". بمعنى: نفضل دعم قطر التي لا تدعم الإرهاب. ولكننا سوف ندعمها رغم دعمها للإرهاب.

إلا ان الغطاء الذي ألقته فورين بوليسي وبروكينجز ووزارة الخارجية على خياراتهم والقيم والأولويات التي ترمز لمكافحة الإرهاب كان شفافًا جدًا. وبالتأكيد فإن جماعة الإخوان المسلمين وقطر أيضا تقوم بأشياء أخرى غير الإرهاب. ولكن الحقيقة البارزة هي أن مؤسسة السياسة الخارجية تفضل الإخوان المسلمين وقطر والإرهاب على بدائلها. والسؤال بالنسبة لنا هو: كيف وصلوا إلى تلك النقطة؟

الجواب يكمن في تقارب التحيزات التقدمية لدى مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية مع تعزيزها المادي من خلال الأنظمة الإسلامية، ولا سيما في قطر.

هذه التحيزات متأصلة في الأسس الأخلاقية لمؤسسة الأمن الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة وكالة الاستخبارات المركزية والدولة: المسئولون الأمريكيون و "مقاعدهم" في الأكاديميات والمراكز الفكرية كانوا مسرورين لاصطفافهم إلى جانب الشعوب الناشئة في العالم، و" كثوار حقيقيين"، لديهم الحق والواجب في قيادة ومساعدة إخوانهم – الأكثر فقرًا، ولكن ربما الأقل فتكًا لأنهم لم يتلوثوا بأسوأ ما في الغرب. ليس من قبيل المبالغة أن هؤلاء الأمريكيين أسسوا "العالم الثالث". في الواقع، لم تكن لحركة "العالم الثالث" أن توجد دون مساعدة أمريكية. فعندما تحدث وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس مع أخيه ألين، مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك، عن جمال عبد الناصر في مصر، كان يشير إليه على أنه "عقيدك"، لأن ناصر لم يكن ليصل إلى سدة الحكم دون مساعدة وكالة الاستخبارات المركزية – خاصة وأنها توسطت في تحالفه مع الإخوان المسلمين. وكذلك قام فرانز فانون، الراعي الفكري والمعنوي للعالم الثالث المناهض للغرب، بالكثير اعتمادًا على وكالة الاستخبارات المركزية التي انهى أيامه في رعايتها. ولم يمض إلا القليل من الوقت إلا وبدأت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات مسيرتها القاتلة تحت الرعاية الناصرية والسوفيتية، بدلا من وكالة الاستخبارات المركزية والدولة الملتزمة بالسياسة الأمريكية تجاه الأمل اليائس لإصلاحها هي والجماعات المماثلة، رغم قتلهم السفراء الأميركيين – ناهيك عن الأطفال. وباختصار، فإن إقناع مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية بالتغاضي عن الإرهاب من أجل ما تتصور أنه سيكون أكثر أهمية لم يكن مشكلة أبدا. إلا أنه مع انتقال الطابع الفكري والأخلاقي للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك، أصبحت العملية كمحاولة لإقناع المقتنعين.

وباختصار، عندما ترغب الحكومات أو الحركات الأجنبية في حشد مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية لتحقيق أهدافها. فالأموال التي تدفعها تلك الجهات ليست رشوة. ولا تخلق أي حافز. إلا أنها تمكنها من الوصول إلى كتاب يمكن التخلص منهم كما أنها تعطيهم الوسائل للقيام بما يراد التخلص منه.

وتعتبر قطر إحدى الكيانات العديدة التي استفادت من استعدادات مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية لنشر الأيديولوجية التقدمية والتدخل. دعونا نستخلص من شراء هذا النفوذ الخام – كهدية حكومة قطر التي بلغت نحو مليون دولار لمؤسسة كلينتون بمناسبة عيد ميلاد بيل كلينتون الـ 65 أو علاقات الأعمال المربحة. إن قائمة مساهمات قطر في مؤسسات الرأي حول الشئون الدولية تشهد على حكم سليم طويل المدى. ويرى الناشطون القطريون بحق أن هذه المساهمات، التي نشرتها مؤسسة البحوث الوطنية التابعة لها، قد أنتجت معادلا سياسيا للوحدات العسكرية المتمركزة في مواقع استراتيجية. فمؤسسة تكساس A & M، المقربة لعائلة بوش، لديها فرع في الدوحة، وتعمل كشريك للمؤسسة الوطنية، وتساعد على تعيين المنح. وتساعد في سلاسل المنح المقدمة إلى جامعات تكساس وبايلور وشمال تكساس على التأكد من أن الأشخاص المؤثرين في ولاية الطاقة الأساسية في البلاد لن يفتقرون إلى أصوات تفهم وجهات النظر القطرية. كما تستضيف الدوحة فرعا من جامعة فيرجينيا كومنولث، مما يجعلها مناسبة لموظفي الحكومة الأمريكية المتمركزة هناك لمواصلة الحصول الدرجات التي تعرقل أوراق اعتمادهم. ويحصل الباحثون في جامعة أريزونا (رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ جون ماكين) على أموال قطرية، كما يحصلون على أموال قطرية في دنفر وبيتسبرغ وبورتلاند روتجرز وشمال شرق وشمال غرب، وغيرها. ثم هناك مجلس الأعمال القطري في قطر برئاسة باتريك ثيروس سفير الولايات المتحدة في قطر سابقا ، وهو – مثل الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين لدى الدول الغنية بالنفط – شهادة حية على الازدهار الذي يأتي من الاصطفاف عن يمين مصدر لا ينضب من الصفقات الجيدة. فالعشرات من المؤسسات التي تدعمها قطر، مثل معهد واشنطن وبروكينجز، ويصل الأمر إلى عدد لا يحصى من الجهات المانحة.

ويكفي أن نقول إن الأفكار الودية للقضايا القطرية لا تجد صعوبة في سماعها في الأماكن المرموقة، ومن ثم، فإن أولئك الذين يضعون سياسة الولايات المتحدة يعتبرون طبيعيا الأشخاص الذين يعبرون عنها.
ويبقى لنا أن ننظر فيما يخدمه هذا الجهاز المشكل بذكاء، والممول تمويلا جيدا. يذكر أن قطر شبه جزيرة غنية بالغاز تقع في جنوب الخليج العربي ويبلغ عدد سكانها 2.2 مليون نسمة معظمهم من السنة، منهم 300 ألف مواطن فقط. واستخدمت عائلة آل ثاني، التي حكمت على مدى عقود، ثروة البلد العظيمة لتعزيز نفوذها في الخارج بطرق غير متوافقة بطبيعتها. وقد أخذ تميم، الأمير الحالي، تلك السياسة الخارجية إلى نقطة حيث لا يمكن أن يستمر وجود المتناقضات. والتي منها:
1) تستضيف قطر القاعدة الجوية الجديدة، حيث شنت الولايات المتحدة ضربات جوية ضد الإرهابيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما أنها تمتلك قناة الجزيرة، وهي الأكثر مشاهدة في العالم الإسلامي، والتي يمكن القول إنها أكبر محرض على الإرهاب.
2) ترعى قطر بعض أشرس الجماعات الإسلامية السنية في جميع أنحاء العالم (بما في ذلك داعش)، بينما تعمل في الوقت نفسه مع إيران، التي تقود وتنسق الجانب الشيعي من الحرب الأهلية الإسلامية.
بالإضافة إلى ذلك، فلدى قطر سياستها الخارجية الخاصة في السودان واليمن. إلا أن التزامها الصادق الوحيد هو مع الإخوان المسلمين، وأنظمتها في تركيا وغزة، ومع نظامها السابق في مصر.

عزز "الربيع العربي" لفترة وجيزة حلم أنظمة الإخوان المسلمين الحاكمة من تونس إلى القاهرة إلى غزة إلى أنقرة، وربما دمشق. وعلى الرغم من انفاق مليارات الدولارات القطرية على الانتخابات ودعم قوى الإخوان المسلمين في تلك الدول، وأكثر من ذلك لتأسيس قوات الإخوان المسلمين في الحرب الأهلية السورية، إلا أن هذا الحلم قد تلاشى. وبما أنه لا يمكن أن يسمح للإخوان المسلمين بتولي السلطة في الدوحة، ناهيك عن طهران، فمن الصعب أن نفهم حقيقة لعبة السياسة الخارجية القطرية. ومع ذلك، لا يمكن أن يكون هناك شك في ماهيتها، وأنه لا توجد نية لدى الأمير لتغيير تلك السياسة. ولكن هذا يجعل من الصعب فهم أسباب – بخلاف الفساد المبين أعلاه – الدعم الكبير الذي تتمتع به السياسة الخارجية القطرية في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية.

إن الاهتمامات الحالية التي تستغرق مؤسستنا في الشرق الأوسط هي إنهاء الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات على قطر، مع التركيز بشكل أقل على تقديم قطر بعض تنازلات أكثر من الحصول على الموافقة السعودية على الوضع الراهن. حيث حذرت صحيفة وول ستريت جورنال في مقال نشرته الأحد بعدم الانضمام "للفريق السعودي". ولم يذكر كاتبو المقال ، وهم مسؤولون سابقون في إدارة أوباما، أن قطر تشن حروبًا بالوكالة ضد جيرانها في سوريا وليبيا، وأن علاقتها مع إيران وتركيا تستهدف بشكل مباشر دول الجوار هذه. وفوق كل ذلك، لا يذكرون أن بعض القوى التي تمولها قطر هي الأشد عداءً للولايات المتحدة. وبدلا من ذلك، يشيرون إلى أن جيران قطر يعارضون "صفقة" إدارة أوباما مع إيران التي يقولون إن "معظم أعضاء المؤسسات الأمنية الأمريكية والإسرائيلية قد رأوا أنها … بمثابة دفعة كبيرة للاستقرار الإقليمي".
ورغم أن الأمر غير صحيح تماما فيما يتعلق بإسرائيل، إلا أنه صحيح فينا يتعلق بالمؤسسة النابع لها كاتبو المقال. فقطر، باعتبارها الدولة السنية الوحيدة التي لها علاقات ودية مع إيران الشيعية، ذات أهمية لأمريكا، كما يقولون، لأنها تساعد على تقويض أي معارضة للاتفاق الإيراني، كما أنها تتيح إمكانية تجاوز الحرب السنية الشيعية. غير أنهم لا يسألون إلى متى؟

من وجهة نظر هذه المؤسسة، فإن "الاستقرار" الذي يرون قطر فيه عجلة التوازن هو على ما يرام. ومن خلال انطلاق طائراتنا من قاعدة العديد، سنقتل نحن الأمريكيون الإرهابيين بالعشرات. ناهيك عن أنه في الوقت نفسه، تساعد قناة الجزيرة على تجنيدهم بالآلاف. وإضافة إلى ذلك، ينبغي أن نحرص على أن يضع السنة والشيعة خلافاتهم جانبا، حيث لا يهتمون هم أنفسهم بذلك، وحيث يحرض القطريون الإخوان المسلمين على قتل الأمريكيين.

باختصار، فقد جنت الاستثمارات القطرية في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية أرباحًا طيبة، بينما لم تربح استثماراتنا الكثير.

المصدر – مجموعة الدراسات الأمنية

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا