في عالم تغمره الفوضى, أفريقيا تتقدم خطوات للأمام

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – آية سيد

في هذه المرحلة من منتصف 2017, في الوقت الذي يظل فيه الشرق الأوسط مضطربًا بشدة وتبقى تحديات الأمن العالمي حادة من كوريا وشرق آسيا إلى أوكرانيا وأفغانستان, ما هي الحالة الأمنية في أفريقيا؟ في قارة تتكون من أربع وخمسين أمة, تتراوح من المناطق العربية في الشمال إلى منطقة الساحل وعدد من المناطق الفرعية في أفريقيا جنوب الصحراء, هناك الكثير من القصص. لكن أبرزها ثلاث. إن التقييم الصافي للقارة ككل, في حين إنه ليس ورديًا, يحمل عددًا من الأبعاد الواعدة.

يمكن تلخيص الوضع الأمني في أفريقيا على النحو الآتي:

أولًا, حالة الإرهاب والتطرف. يظل هذا أمرًا صعبًا ومزعجًا, قبل كل شيء. تأثرت الدول من مالي إلى ليبيا إلى الصومال بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي, وداعش, وحركة الشباب من ضمن الجناة الرئيسيين. وقعت هجمات إرهابية أيضًا في أماكن مثل كينيا وبوركينا فاسو. من الصعب الحديث عن التنمية في أي من هذه المناطق. على الأقل الأمور لا تزداد سوءًا إذا أخذنا كل الجوانب في الاعتبار. في الواقع, كان هناك على الأرجح قدر ضئيل من التنمية في نيجيريا بالتحديد, حيث يتواصل القتال ضد بوكو حرام (وينتشر بشكل عرضي في البلدان المجاورة مثل الكاميرون), وحيث أورد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية معدل وفيات منخفضة مقارنة بعام 2015.

ثانيًا, حالة الحرب الأهلية والمجاعة في عدة بلدان رئيسية في القطاع الشرقي-الغربي العام الذي يضم منطقة الساحل شبه القاحلة. إنها مأساة تحدث أمام أعيننا في الوقت الحاضر. إنها تشمل حزام من الدول التي تتداخل مع بعض البلاد التي تعاني من الإرهاب والتطرف. دولتا السودان, وجمهورية أفريقيا الوسطى, والصومال ونيجريا من ضمن الأكثر تضررًا, مع وجود أجزاء من هذه البلدان تحتوي بشكل جماعي على أكثر من 15 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة. بخلاف مخاطر المجاعة المحددة, يواصل جنوب السودان إهلاك نفسه في عنف تافه وبلا مغزى والذي يشمل عددًا ضخمًا من الجرائم الجنسية أيضًا.

مناطق الصراع الأخرى في هذا القطاع من البلدان ربما تكون أفضل قليلًا. السودان ليس به نفس الدرجة من القتال الداخلي التي عانى منها منذ عقد, حتى وإن كان بعيدًا عن السلمية. في 19 يونيو من هذا العام, وقعت حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى وثلاث عشرة جماعة مسلحة من أصل أربع عشرة إتفاقية لإنهاء الصراع العرقي والديني. مع هذا, من المبكر جدًا معرفة إذا كان هذا سيؤدي إلى إتجاه هادف نحو الاستقرار.

ثالثأ, الجزء الأكبر من القارة, الذي يضم أغلبية الأمم في أفريقيا. لقد أصبح معظمه أكثر سلمية مما كان عليه, في المتوسط, منذ موجات الاستقلال في أواخر الخمسينيات والستينيات أو خلال معظم فترة الحرب الباردة ثم التسعينيات. في الإجمال, أفريقيا مستقرة أكثر بقليل (وديموقراطية أكثر نوعًا ما) من أي وقت مضى في العصور الحديثة.

بالطبع, هذا حكم مؤقت – والسلام الذي قد ينتج يتعايش بالقرب من الكثير من الصراعات الدائرة ويتطلب الكثير من قوات حفظ السلام للحفاظ عليه. في الواقع, توجد حاليًا ثماني عمليات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في أفريقيا: في جنوب السودان, وفي منطقة أبيي المتنازع عليها, وفي دارفور, وفي جمهورية الكونغو الديموقراطية, وفي جمهورية أفريقيا الوسطى, وفي مالي, وفي ليبريا وأخيرًا في الصحراء الغربية. بشكل إجمالي, يوجد أكثر من 92 ألف فرد يخدم في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا.  

بالإضافة إلى التعاون مع الأمم المتحدة في دارفور, الإتحاد الأفريقي لديه عمليتين سلام نشطتين: بعثة الإتحاد الأفريقي في الصومال, ومبادرة التعاون الإقليمي للقضاء على جيش الرب للمقاومة. يوجد أكثر من 22 ألف فرد منتشر تابع للبعثة, معظمهم قادم من أوغندا, وبوروندي, وجيبوتي, وكينيا, وإثيوبيا وسيراليون. مبادرة التعاون الإقليمي للقضاء على جيش الرب للمقاومة تمتلك قوة مهام إقليمية من أكثر من 3 آلاف جندي من أوغندا, وجنوب السودان, وجمهورية الكونغو الديموقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى.

إن التوترات السياسية حول انتقال السلطة, أو الأكثر شيوعًا, غياب انتقال السلطة, تجعل الأمور خطرة في عدة بلدان أخرى أيضًا. يتمسك الكثير من القادة بالسلطة إلى ما لا نهاية, سواء من خلال الانتخابات الصورية أو عدم إقامة انتخابات من الأصل, أو الهيمنة على التنظيم والعملية السياسية في بلادهم التي تسمح لهم بأن يُنتخبوا إلى ما لا نهاية. ليس فقط جمهورية الكونغو الديموقراطية وبوروندي, وإنما أيضًا رواندا, وأوغندا, وزيمبابوي وأنجولا أمثلة بارزة على هذا الإتجاه الخطير. حتى في الحالات المعتدلة نسبيًا مثل رواندا تحت حكم بول كاغامه, حيث حقق الرئيس القوي الكثير لبلاده, الإتجاه لنمط "رئاسة مدى الحياة" يضع الديموقراطية – والاستقرار الوطني – في خطر.

في الحقيقة, ثمانية رؤساء في أفريقيا كدسوا حتى الآن أكثر من 229 سنة في السلطة مجتمعين. إنهم يشملون: إدواردو دوس سانتوس من أنجولا (سبعة وثلاثين), وتيودورو أوبيانج نجيما من غينيا الاستوائية (سبعة وثلاثين), وبول بيا من الكاميرون (ثلاثة وثلاثين), وإدريس ديبي من التشاد (ستة وعشرين), وديني ساسو نغيسي من الكونغو (اثنين وثلاثين), ويوري موسفني من أوغندا (واحد وثلاثين), وبول كاغامه من رواندا (سبعة عشر) وجوزيف كابيلا من جمهورية الكونغو الديموقراطية (ستة عشر). بعيدًا عن هذه الحالات, إتجاه أفريقيا ناحية الديموقراطية, عقب فترة مؤثرة من التنمية في التسعينيات والألفينات, أصبح مستقرًا: صنف فريدوم هاوس أربع دول أفريقية كدول حرة في 1998, وإحدى عشرة في 2007, لكن عشرة فقط في 2016.

بالطبع, هناك قصص سياسية مفعمة أكثر بالأمل. في يناير 2017, ترك الرئيس الغامبي السابق يحيى جامع البلاد عقب اثنين وعشرين سنة في السلطة, وهو أول رئيس يسلم السلطة سلميًا في غامبيا منذ استقلالها من البريطانيين في 1965. إن الانتقال السلمي للحكم في غامبيا يمنح الأمل في انتخابات ديموقراطية مستقبلية. والأكثر أهمية, نجاح الانتخابات في كينيا في شهر أغسطس قد يعطي قضية الديموقراطية الأفريقية دفعة هائلة.

يبقى الجنوب الأفريقي, الذي يضم أنجولا وموزمبيق, هادئًا بصورة كبيرة فيما يتعلق بالصراع والسياسة. يتجاوز معظم غرب أفريقيا الحروب الأهلية لفترة التسعينيات والألفينات (وأزمة الإيبولا في 2014). إثيوبيا, ثاني أكثر دولة ازدحامًا بالسكان في القارة, ربما هدأت نوعًا ما بعد الاضطراب الذي عصف بها منذ عامين.

إجمالًا, توجد مشكلات كثيرة في أفريقيا في الوقت الحالي, كما هو الحال دائمًا. مع هذا انخفض معدل الوفيات لأكثر من النصف مقارنة بالتسعينيات, وفقًا للبيانات من معهد أبحاث السلام في أوسلو وجامعة أوبسالا في السويد من ضمن آخرين (ومعدلات النمو الاقتصادي, في حين إنها أبطأ في العامين الماضيين, وصلت إلى 4 إلى 5 في المائة سنويًا في الألفينات, عقب عقود من الأداء الأسوأ بكثير). بصورة شاملة, في عالم يتسم بالفوضى, ربما يكون خطيرًا نوعًا ما لكنه مازال منصفًا أن نغامر بالقول أن أفريقيا تواصل التقدم للأمام تدريجيًا وإن كان على نحو متقطع.   

المصدر – ناشيونال إنترست
  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا