الولايات المتحدة على موعد جديد مع أزمة رفع سقف الدين

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية
 
المصدر – ناشيونال إنترست
 ترجمة – شهاب ممدوح

لماذا يواصل الكونجرس المراوغة في حسم قضية رفع سقف الدين؟ هذه المراوغة ليست خطيرة فحسب, بل سيترتب عليها نتائج عكسية. إن حالة الشك التي تكتنف قضية رفع سقف الدين, تتسبب في رفع تكلفة الاقتراض, ويمكن أن تؤثر على التصنيف الائتماني للحكومة الأمريكية, مثلما حدث عندما خفّضت وكالة "ستاندر أند بورز" تصنيف الولايات المتحدة في عام 2011. وعلاوة على ذلك, يثير هذا الوضع الشكوك بشأن قدرة الكونجرس على تحقيق حتى الهدف البسيط نسبيا المتمثل في الحفاظ على تمويل الحكومة. وهذا الفشل قد يُحدث تحولاً في المشاعر نحو الأسوأ. وهنا يكمن الخطر الحقيقي.

إذا, ماذا سيحدث لو فشل الكونجرس في رفع سقف الدين قبل انتهاء المهلة الزمنية في أواخر شهر سبتمبر أو مطلع شهر أكتوبر؟ من الناحية الفنية, من المرجح أن تؤجل الخزانة الأمريكية السداد للمورّدين والموظفين, حتى تتجنب التخلف عن سداد ديونها. هذا الإجراء سيساعد الولايات المتحدة من الناحية الفنية على عدم تأخرها عن سداد ديونها.

ومن هذا المنطلق, ربما لن تكون مسألة رفع سقف الدين أمرا مخيفا. إن أزمة 2011-عندما تم تخفيض تصنيف دين الحكومة الأمريكية- لم تشكّل حدثا يستحق الذكر إلى حد كبير. في الحقيقة, إن العوائد على الدين الحكومي لعشر سنوات هي أقل اليوم مما كانت عليه عقب قرار خفض التصنيف. كما لم يكن هناك تأثير يُذكر على قدرة الحكومة الأمريكية على الاقتراض (بالرغم من سيطرة البنوك المركزية على سوق السندات في السنوات اللاحقة). والغريب في الأمر أنه من الصعب رصد الآثار المترتبة على قرار خفض التصنيف.  

من غير المحتمل أن تتخلف الولايات المتحدة عن السداد للدائنين. ومن غير المحتمل أيضا أن يتوقف العالم فجأة عن إقراض الولايات المتحدة بسبب الخلاف السياسي داخلها. لكن من المحتمل, في ظل استمرار الجدل بشأن رفع سقف الدين, أن تبحث بعض الدول عن جهات أخرى لإقراضها. لكن هذه الدول لن تكون أمامها خيارات كثيرة في هذه المرحلة. قد تصبح الصين أحد المنافسين في يوما ما, لكن هذا الاحتمال مستبعد في الوقت الراهن.

هل هناك تضخيم إعلامي بخصوص مسألة رفع سقف الدين؟ إلى حد ما. لكن ستكون هناك تبعات لهذه المسألة, وهناك ما يجعلنا نعتقد أن مسألة رفع سقف الدين ستكون أكثر أهمية هذه المرة بالنسبة للأسواق والمستثمرين مقارنة بما كانت عليه في عام 2011.  

الأمر كله يتعلق بالشعور السائد. فعقب انتخاب دونالد ترامب رئيسا, ارتفعت مؤشرات الأسواق, وسجلت أسواق الأسهم ارتفاعاً غير مسبوق, كما ازدادت أسعار الفائدة بعد أن بدأ المستثمرون بتوقع ارتفاع معدلات التضخم. كما تعززت أيضا قيمة الدولار الأمريكي. وبدأ مصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في إعداد الأسواق لاحتمال رفعه لمعدلات الفائدة بوتيرة أسرع. لقد كان الاقتصاد الأمريكي على موعد مع انطلاقة جديدة.  

إن رد الفعل الإيجابي للأسواق تجاه فوز ترامب يعود إلى تعهده بتبنّي سياسات داعمة للسوق خلال حملته الانتخابية. لقد استند برنامج ترامب على ثلاث عناصر أساسية تتمثل في إلغاء القيود التنظيمية, وتخفيض الضرائب المفروضة على الشركات والأفراد, فضلا عن زيادة الإنفاق على مشاريع البني التحتية, وهو ما كان يمكن أن يعطي دفعة للاقتصاد الأمريكي. لكن لم يتحقق أي من هذه التعهدات, كما أن الفشل في رفع سقف الدين أو خفضه في موعد قريب جدا من المهلة الزمنية المحددة قد يدفع المستثمرين للبدء في مراجعة توقعاتهم الضئيلة أصلا بالنسبة لهذه السياسات.  

هذه هي المشكلة الحقيقية فيما يتعلق بالمهلة الزمنية الممنوحة لقضية سقف الديون هذه المرة. فالأمر لا يتعلق فقط باحتمال إحجام المستثمرين عن الدين الأمريكي لبضعة أيام إلى أن يتم رفع سقف الدين. لكن الخطر الحقيقي هنا يكمن في اهتزاز ثقة المستثمرين في خطط إدارة ترامب الاقتصادية. ففي حال تلاشت هذه الثقة, قد يلحق ذلك آثارا جسيمة بالأسواق.

إن الفشل في رفع سقف الدين قد يثير الشكوك حول قدرة الحزب الجمهوري على إنجاز الأمور, بالرغم من سيطرته على السلطات الحكومية الثلاث. إذا كان الفشل في تحقيق أي تقدم في إلغاء مشروع أوباما للرعاية الصحية هو إشارة على ما يحمله المستقبل لحكم الجمهوريين, فإن فشل الحزب في رفع سقف الدين سيكون دليلا على عجزه.

وبينما يعتقد بعض الجمهوريين الإيديولوجيين أن رفضهم التصويت لصالح اقتراض الولايات المتحدة للمزيد من الأموال هو موقف رمزي يستحق التمسك به, فأن قرار رفع سقف الدين يمكن تمريره بمساعدة بعض النواب الديمقراطيين. قد يتسبب ذلك في حدوث مشكلة, لكنه قد يؤدي أيضا إلى حدوث بعض التوافق الحزبي غير المخطط له. وهو ما قد يمثل علامة مشجعة فيما يتعلق بإمكانية الحكم على أساس التوافق في المستقبل.  

عندما خفّضت وكالة "ستاندرد أند بورز" تصنيفها للولايات المتحدة, ذكرت في بيانها أن "سياسة حافة الهاوية خلال الأشهر الأخيرة أظهرت أن الحكم وصناعة القرار في الولايات المتحدة أصبحا أقل استقرارا وفعالية, وأقل قابلية للتوقع مما كنا نعتقده في السابق". هذا القول يمكن أن ينطبق بسهولة على البيئة السياسية في الوقت الراهن. فغياب الثقة في أهداف وسياسات إدارة ترامب, قد تكون له تداعيات بالغة الأثر ومؤلمة.  
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا