هل تسعى تركيا للعودة إلى سياسة صفر مشاكل مع الأسد

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – بسام عباس

قبل بدء الصراع في سوريا، أقامت تركيا علاقات وثيقة مع نظام الأسد. وقد ألغت الدولتان متطلبات الحصول على التأشيرة، وعقدتا مناورات عسكرية مشتركة واجتماعات لمجلس الوزراء، وتعاونتا ضد حزب العمال الكردستاني. وقد نالت فلسفة أنقرة "صفر مشاكل مع الجيران" التي اعتمدتها حديثًا، في ذلك الوقت، الثناء في الداخل والخارج. ووصف وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، مهندس هذه السياسة، بأن سياسة تركيا في سوريا "مثال صارخ" على نجاح رؤية أنقرة الجديدة للسياسة الخارجية. إلا أن الصراع في سوريا غيَّر كل ذلك. فبعد أن كانت قصة نجاح في سياسة "عدم وجود مشاكل مع جيران" في تركيا، أصبحت سوريا الآن أكبر صداع للسياسة الخارجية في أنقرة، وأصبح داوود أوغلو منبوذًا في الدوائر الحكومية.

وقد أجبر الصراع في سوريا على إحداث منعطف في سياسة أنقرة تجاه سوريا منذ ست سنوات. حيث قطعت تركيا جميع العلاقات مع النظام، وأصبحت أحد الرعاة الرئيسيين لمعارضة الأسد. ولكن بعد سنوات من دعم المعارضة، فشلت تركيا في توجيه الصراع نحو المسار الذي تريده. وبدلا من ذلك أصبح في تركيا ثلاثة ملايين لاجئ يقيمون داخل حدودها ويواجهون عددا لا يحصى من المشاكل الأخرى المنبثقة عن الصراع السوري. لذلك أصبحت أنقرة تقوم بدور آخر. وقد خفضت بهدوء مطالبتها بتغيير النظام في سوريا، وقللت تدريجيا دعمها للمعارضة.

ويعود هذا التغيير في السياسة لفترة سابقة، ففي عام 2015، حولت تركيا تركيزها من تغيير النظام إلى مكافحة الإرهاب وسط التطورات المحلية والإقليمية. وفي صيف عام 2015، استهدف تنظيم داعش مركزًا ثقافيًّا في بلدة تركية بالقرب من الحدود السورية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 شخصا وإصابة أكثر من 100. وكانت هذه أول عملية قتل جماعي يقوم بها التنظيم الإرهابي ضد المدنيين في تركيا وكانت أسوأ أعمال العنف المميتة التي نتجت عن الحرب الأهلية السورية. وبعد عدة أيام، انهار وقف اطلاق النار الذي امتد لعامين بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. وفي الوقت نفسه، استولت وحدات حماية الشعب، التابعة لحزب العمال الكردستاني السوري وحليف الولايات المتحدة الوثيق في المعركة ضد داعش، على المدن الحدودية وبدأت في ربط الكانتونات التي تسيطر عليها. كل هذه التطورات عززت تصور تركيا للتهديد وأجبرت أنقرة على تحويل سياستها في الأزمة السورية إلى مكافحة الإرهاب. كذلك فقد جعل التدخل العسكري الروسي في سوريا والعلاقات المتوترة بين أنقرة وموسكو خاصة بعد أن أسقطت تركيا طائرة روسية في وقت لاحق، السياسة التركية الطموحة لتغيير النظام السوري أقل جدوى.

وفي عام 2016، انتقلت تركيا إلى إصلاح العلاقات مع روسيا في حين توترت علاقتها مع شريكتها في حلف الناتو، الولايات المتحدة. فقد كان تعاون واشنطن مع وحدات حماية الشعب الكردية بالفعل شوكة توخز العلاقات التركية الأمريكية. كذلك فقد أضافت محاولة الانقلاب مزيدًا من الزيت على النار في حالة التوتر القائمة بين البلدين، وذلك حين رفضت الولايات المتحدة تسليم فتح الله جولن، رجل الدين الذى يقيم في ولاية بنسلفانيا، والذي تتهمه تركيا بتدبير الانقلاب الفاشل.

فيما أدى انحياز تركيا مع قطر ضد ثلاث دول خليجية ومصر التي قطعت علاقاتها مع الدوحة إلى إحداث مزيد من المتاعب لأنقرة في سوريا. فقد أثار الموقف التركي غضب السعودية التي تتداخل سياستها في سوريا مع أنقرة. واستغلالاً للتوتر بين الرياض وأنقرة، اتخذ المسئولون الأكراد السوريون موقفًا مؤيدًا للسعودية ضد إيران. وفي مقابلة مع صحيفة الرياض السعودية ، قال رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري صالح مسلم إن هناك تحالفا إيرانيا قطريا وتركيا يقوض الأكراد في سوريا، وفي مقابلة أجريت مؤخرا ، قال رياض حجاب، رئيس لجنة المفاوضات العليا، إن مؤيديه يريدون "محاربة داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، جنبا إلى جنب مع القوات السورية الديمقراطية "، ما دامت تقاتل بشكل مستقل وفي جبهات منفصلة". وقد تابعت أنقرة بقلق ظهور ما رأته محورًا كرديًّا سعوديًّا.

وقد دفعت هذه التطورات، إلى جانب قرار إدارة ترامب بمضاعفة الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب، تركيا إلى البحث عن بدائل في جهودها للحد من التقدم الكردي في سوريا. وقد مهد التقارب مع روسيا والنظام السوري، وكذلك السخط الإيراني تجاه وحدات حماية الشعب، للبداية التي تبحث عنها أنقرة.

وبعد سنوات من القتال على أهداف متقاطعة، يبدو أن تركيا قد وجدت الآن أرضية مشتركة مع نظام الأسد وحلفائه في مواجهة ألد أعدائها في سوريا، وحدات حماية الشعب, وهذا يعني وجود وجه كامل في سياسة أنقرة تجاه سوريا. لم تتوقف تركيا عن محاولة إسقاط النظام فحسب، بل ساعدت أيضا على المحافظة على مكاسب النظام في غرب سوريا. وبعد أن قدمت تركيا وروسيا صفقةً لإنهاء القتال في حلب، لعبت تركيا دورًا رئيسًا في دحر المعارضة في آخر معقل حضري كبير يتحدى نظام الأسد. وقد أثبتت خسارة حلب أنها قد غيرت مجرى اللعبة في الصراع السوري. كذلك فقد ساعدت أنقرة على تقدم النظام من خلال وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا بين النظام والمعارضة. وبفضل وقف إطلاق النار في الغرب، تمكن النظام من تحرير القوات وكسر حصار داعش على دير الزور في الشرق، فيما يعتبر من أهم انتصارات النظام.

وفى الشهر الماضي خفضت تركيا رواتب أعضاء الائتلاف الوطني السوري الذي يتخذ من اسطنبول مقرًا له. وهذه الخطوة هي الأخيرة في علاقة سياسية يشوبها تباين في المصالح بين أنقرة والمعارضة السورية. ويردد الكثيرون في المعارضة ما يرون أنه "تسليم حلب للنظام"، وميل أنقرة نحو النظام وحلفائه للحد من التقدم الكردي.

التغيير السياسي في تركيا هو ضربة كبيرة للمعارضة ودفعة للنظام السوري، ولكن هذا لا يعني أن أنقرة تعود إلى " صفر المشاكل " مع الرئيس بشار الأسد، على الأقل ليس بعد. ولكي يحدث ذلك، يتعين على أنقرة ودمشق أن يراقبا الأكراد السوريين. وإذا قرر الأسد أنه لن يقبل بقيام الحكم الذاتي للأكراد، فإن الرئيس رجب طيب أردوغان قد يواجه مرة أخرى سياسة "صفر المشاكل مع نظام الأسد".

المصدر – معهد الشرق الأوسط

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا