حقول نفط كركوك مسرح للحرب على مستقبل العراق

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية
 ترجمة – شهاب ممدوح

المصدر – بلومبرج كيونت

يشهد أقدم حقل نفطي في العراق اليوم أحدث فصل من فصول الحرب التي تُخاض من أجل مستقبل العراق.

شنّت قوات الحكومة الاتحادية العراقية هجوما سريعا أدى إلى طرد القوات الكردية التابعة لإقليم كردستان العراق من إقليم كركوك في شمال العراق, ما يعني نهاية المواجهة الدائرة حول تلك المنطقة المتنازع عليها منذ زمين طويل. تريد بغداد أن تعيد سيطرتها على مخزونات النفط في تلك المنطقة من أيدي المقاتلين الأكراد, الذين سيطروا على أراضي تلك المنطقة وعاصمتها, مدينة كركوك, في عام 2014 لحمايتها من مسلحي تنظيم داعش. يعتبر الأكراد, الذين صوّتوا بغالبية ساحقة لصالح الاستقلال في استفتاء جرى في الشهر الماضي, موارد الطاقة في كركوك بأنها شريان حياة مالي لدولتهم المستقبلية.
 
يقع نفط كركوك, الذي اكتشفه أسلاف شركتي "بي بي" و"توتال" النفطيتين, في أحد أكبر حقول النفط في الشرق الأوسط. إن الطيّة المحدّبة الطويلة لحقل كركوك-والطية المحدّبة هو عبارة عن مرتفع في قشرة الأرض يحتجز تراكمات النفط- يمكن رؤيتها بسهولة من الجو, وهي تجري مباشرة عبر مدينة كروكوك, التي يقطنها مليون إنسان. 

لقد تدفّق النفط الخام من كركوك قبل عشر سنوات من اكتشاف النفط في المملكة السعودية, وقبل عقدين من اكتشاف المملكة لحقل "الغوار" النفطي العملاق. لقد اكتسبت أقدم بئر نفطي في كركوك, بئر بابا جورجور-وهي كلمة كردية تعني "والد النار"- اسمها بسبب النيران المشتعلة التي تغذيها المواد الهيدروكربونية المتسرّبة إلى السطح في حفرة قريبة. تقول القصص التراثية المحلية إن هذه النيران مشتعلة منذ قرون.

بالرغم من أن المنطقة المحيطة بكركوك تضخّ الآن نحو عُشر إجمالي إنتاج العراق من النفط والبالغ 4,5 مليون برميل يوميا, وفقا لتقديرات جمعها موقع بلومبيرج, إلا أن تلك المنطقة تظل جائزة ثمينة. 

وبينما تدفّقت أموال الاستثمارات الأجنبية في حقول النفط العملاقة في جنوب العراق عقب الإطاحة بصدام حسين, ظلّ الإنتاج النفطي في المنطقة الشمالية حبيس الماضي. إن سوء الإدارة الذي عانت منه تلك المنطقة النفطية لسنوات تحت حكم الديكتاتور السابق صدام-كان نظامه يضخّ زيت الوقود غير المرغوب به والقادم من مصفاة نفط محلية إلى الحقل النفطي مرة أخرى- فضلا عن فشل العراق في تمرير قانون للنفط وتطبيقه, وفي تأسيس آلية دائمة لاقتسام عائدت النفط, كل هذا منع المناطق المتنازع عليها من الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية. 

لقد درست شركة "بي بي" طرقا لزيادة الإنتاج في المنطقة مؤخرا في عام 2015. لكن هذا المشروع أصبح مستحيلا بسبب المعارك الطويلة ضد مسلحي تنظيم داعش. كما أن العمليات العسكرية الأخيرة تثير المزيد من الشكوك بشأن مستقبل نفط هذه المنطقة. 

"حتى لو عاد الاستقرار إلى المنطقة, فإن هذا الصراع يثير حالة من عدم اليقين بشأن المكانة التي ستحتلها حقول نفط كركوك في قائمة أولويات التنمية العراقية في المستقبل" كما ذكر محللون, من بينهم "دامين كورفالين" من مجموعة جولدمان ساكس Goldman Sachs Group في مذكرة نُشرت يوم الثلاثاء. 

وبالنسبة للأسواق العالمية, فإن معظم النفط الخام المستخرج من حقل كركوك يتدفّق عبر أنبوب نفطي يشغّله الأكراد قبل أن يصل إلى المشترين الأجانب. يقول المحللون: إن إغلاق هذا الأنبوب "ستترتب عليه آثار سلبية كبرى بالنسبة للإنتاج العالمي للنفط. فمع غياب طاقة تخزين محلية كبيرة, ستكون هناك حاجة للحدّ من معظم عمليات الإنتاج". 
 
عقب الهزيمة الساحقة التي تلقاها تنظيم داعش في مناطق شمال وغرب العراق, تجد القوات الاتحادية العراقية والمقاتلون الكُرد أنفسهم في مواجهة بعضهم البعض للسيطرة على حقول كركوك. سيطرت قوات بغداد في يوم الثلاثاء على مجموعتين من الأبار النفطية تنتجان نحو 300 ألف برميل يوميا. 

صراع على السلطة

هذه المعركة هي جزء من صراع أوسع على السلطة تشترك فيه إيران, وتركيا, وسوريا, وكل هذه الدول لديها مجتمعات كردية كبيرة, ما يجعلها تشعر بالقلق من استقلال أكراد العراق. 

"من الواضح أن هذا الصراع يتخطى مسألة النفط ليشمل قضية توسيع الحكم الذاتي في عموم المنطقة" حسبما يقول "باسل خاتون" الرئيس التنفيذي للاستثمار في مؤسسة ("فرانكلين تمبتون" للاستثمار في الشرق الأوسط), في مقابلة أُجريت معه يوم الثلاثاء في دبي. 

لقد جرى اكتشاف نفط كركوك في بئر "بابا جرجور" في عام 1927 بواسطة أسلاف الشركات الأوربية والأمريكية التي أصبحت فيما بعد شركات رائدة عالميا في إنتاج النفط, كما شارك في عملية الاكتشاف أيضا رائد أعمال أرميني اسمه "كالوست كولبينكيان" والذي لعب دورا بارزا في ولادة صناعة النفط في الشرق الأوسط. 

لقد وُلد "كولبينكيان", المعروف ب (السيد خمسة بالمائة) نسبة إلى الأسهم التي كان يمتلكها في مشاريع النفط في الخليج الفارسي, في الإمبراطورية العثمانية التي امتدت عبر تركيا وصولا إلى العراق. لقد خلّف انهيار الإمبراطروية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وراءه مزيجا متنوعا من الدول في عموم الشرق الأوسط, حيث ضمّ هذا المزيج مجموعات عرقية ودينية متنوعة تصادمت فيما بينها في كثير من الأحيان . 

وفي كركوك اليوم, تُشكّل تلك الانقسامات التاريخية جوهر المعركة التي تدور حول النفط, والتي تهدد بتمزيق العراق الحديث. 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا