ما هو موقف بوتين من الانتخابات الرئاسية القادمة؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

يدخل المشهد السياسي الروسي مرحلة جديدة، حيث لم يعلن المرشح الرسمي للرئاسة في انتخابات مارس 2018 عن نفسه بل هو غائب تمامًا، في حين أن معظم المناقشات داخل النخبة الحاكمة لا تركز على المرحلة المقبلة من عهد بوتين ولكن على ما ستكون عليه حقبة ما بعد بوتين.

وقد عادت الحياة السياسية إلى روسيا. من كان يتوقع في الخريف الماضي أن أليكسي نافالني، المعروف حتى الآن كناشط في مكافحة الفساد، سيكون قادرًا على إطلاق حملة انتخابية ضخمة قبل يوم الاقتراع بخمسة عشر شهرا كاملة؟ لم أكن أتوقع. لقد اعتدنا فكرة عدم قدرة أحد في التأثير على الحملة الانتخابية الروسية التي نسينا أن شخصا ما قد يحاول ببساطة أن يخوضها.

وبحلول منتصف العام كان من الواضح أن اجتماعات نافالني العامة كانت أكثر من مجرد نشاط مدني، وأن هناك حملة انتخابية سياسية نشطة جارية. كان المسرح السياسي الروسي يدب بالحياة، مما جعل غياب بوتين عنه أكثر ظهورًا وصمته أعلى ضجيجًا. إن مشكلة الكرملين هي أن أهمية انتخاب مارس 2018 قد تزايدت رغم رفض الكثيرين لها كشكل رسمي، بينما تراجعت المكانة المماثلة للرئيس بوتين. ولكن نافالني يطرح تحديا وسؤالاً مزدوجًا للكرملين: ماذا ستفعل معي؟ وماذا ستفعل في هذه الانتخابات؟

ولم يبق على موعد الانتخابات سوى أقل من أربعة أشهر، ولم يعلن بوتين بعد ترشحه الذي يتوقعه الجميع. لقد سلطت وسائل الإعلام الأضواء عليه أكثر من أي وقت مضى، إلا أنه فشل بشدة في إقناع الجميع بأنه مبتكر النشاط السياسي الروسي، وأنه لا يزال ذلك القائد الذي يتحمل مسئولية كل شيء. وباختصار، أصبح مؤلفو الكرملين الذين يضعون سيناريو عام 2018 الآن قلقين من أن يصبح بوتين “زعيمًا للا أحد”، أنه الآن أقرب إلى محور الأمة، وهي كيان ثابت تصطدم به القوى الأخرى.

في نهاية عام 2017، أصبح من الممكن الحديث عن نظام يعمل بدون بوتين. فقراراته لا تتوافق مع دائرته الداخلية. وكلاهما لا يشعر بالارتياح مع الآخر، كما أن الرئيس ينأى بنفسه عن التدخل في حل نزاعات السلطة داخل النخبة. لم يهتم بوتين أبدا بالسياسة التقليدية، حيث رأى أنها مصطلح فارغ. وهذا يعني أن الرئيس غير السياسي لا يتخذ مواقف محددة بشأن القضايا، مما يجعل من الأسهل اتخاذ القرارات باسمه.

في الوقت الحاضر، لدينا انطباع متزايد بأن “الرئيس بعيد”. فإدارة روسيا التي يمارسها الرئيس رسميا استولت عليها تقريبا دائرته الداخلية والإدارة الرئاسية، التي لم تعد مجرد موظفين عموميين بل تحولت إلى لاعب له مصالح خاصة. وبعبارة أخرى، فقد اكتشف الرئيس فجأة أنه محاط بمجموعة من “الأوصياء” بدرجات متفاوتة من السلطة. وتطور النظام في روسيا ليصبح “وصاية جماعية”.

وكلما صعدنا درجات الإدارة الرئاسية، لم نجد إدارة حقيقية، بل نجد حكم قصر نقي. حيث تعتبر “محكمة جلالته الامبراطورية” في العصر الحديث أي شيء موجود في ميزانية الدولة أو ما يمكن أن يكون سائلاً من ممتلكاته، سواء كان ذلك مناصب حكومية أو أقاليم أو تهديدات أو أشخاص أو بنية تحتية. وفي الوقت نفسه، يقوم سيرجي كيريينكو، النائب الأول لرئيس الديوان الرئاسي الروسي، بحراسة روسيا بوتين حتى يعود بوتين. وهو مدير العمل الإضافي الذي ينتظر الأوامر ولكن لا يأتي شيء.

إذا أردنا أن نفهم المشهد الروسي قبل الانتخابات، علينا أن نفهم أولا أجندة الكرملين لعام 2018. والهدف السياسي على المدى القريب ليس مجرد العبور لروسيا ما بعد بوتين، بل حول التخطيط للانتقال. ولكن من الجدير بالذكر أن جميع المناقشات تدور حول الحفاظ على النظام، وليس حول الحفاظ على بوتين. (من المؤكد أن يكون لبوتين نفسه رأيه الخاص في هذه القضية) وخلافا لبوتين، فهذا النظام مصمم على عدم الذهاب، ويديرها أبطال في فن البقاء.

وتواجه مهارات استراتيجيي الانتخابات الآن اختبارا حاسما وتحديًّا شديدًا. فعلى مدار ثلاث انتخابات رئاسية متتالية، في انتخابات 2004 و 2008 و 2012، عملوا على أن تكون الحملات منطقة خالية من السياسة التي تكون فيها النتيجة محددة سلفًا. نافالني يعمل الآن بجد ليفسد هذا السيناريو ويجعل الانتخابات المقبلة منافسة حقيقية مرة أخرى. وقد فعل ذلك باختياره المضي قدما إاصراره على القتال حتى النهاية. وسواء تم تسجيل نافالني كمرشح رسمي أم لا، فقد نجح في جعل الانتخابات عملية سياسية سليمة مرة أخرى.

حتى لو لم يتم تسجيل نافالني، فإن ذلك سيظل حافزًا لحملته، وسيكون قادرًا على حشد عدد كبير من الناس. وفي هذه الحالة، سيواجه بعض المسائل السياسية الصعبة، ومنها: أين يمكن توجيه هذه القوة القوية وكيفية تصويتهم. وهذا الفترة هي الظهور السياسي للكتابة الاجتماعية الليبرالية كسينيا سوبتشاك. وإذا ما رفض تسجيل نافالني، فإنها ستكتسب زخمًا سياسيًّا من خلال الفوز بتأييد ناخبيه. ومع ذلك، فهناك علامات استفهام كبيرة على مقدرتها السياسية، وما إذا كانت تستطيع أن تقدم شيئًا مثل نافالني الذي نجح في خلق هيكل وطني.

وستكون بداية فترة الرئاسة 2018 – 2024 مناسبة لعقد الصفقات على أعلى مستوى. وستكون الصفقة أكثر من مصالح الرجل العجوز المتعب، ولا يمكن أن تعتمد فقط على دائرة “أوصياء” الكرملين، ممن لهم مصالح كبيرة جدًا في السيطرة على بوتين في ظل ضعفه.
والاتفاق الذي تم التوصل إليه يجب أن يكون له هدف شديد الثبات ومهلة نهائية، قد يكون عام 2024، موعد لظهور أسلوب جديد للسياسة إلى روسيا، وتخطيط استراتيجي حقيقي للمستقبل. وربما تكون تلك اللحظة حين يستعيد بوتين وجهه السياسي، وهو وجه غبرته سنوات من القرارات السيئة.

وحتى مع أن بوتين لم يعلن ترشحه ولم يتم تسجيل نافالني، فإن السباق بينهما يحتدم مع بداية السنة الجديدة. قريبا ستقبل الدولة تسجيل نافالني في الانتخاب أو ترفضه. وقد يؤدي أي من الخيارين إلى نشوء أزمة.

ومع أي الاحتمالين، سيضطر بوتين إلى مواجهة حزب نافالني غير المسجل، الذي يتكون من مئات الآلاف من المواطنين الروس. وسيكون هذا هو الصراع الرئيسي في الحملة، وليس الصراع بين بوتين ونافالني، ولكن الصراع بين مؤيدي بوتين ونافالني. هؤلاء الناس ليسوا مجرد مؤيدين لمرشحيهم، ولكنهم من أنصار عملية الانتقال المتشددين، ولعبور روسيا إلى مستقبل ما بعد بوتين.

المصدر – كارنيجى

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا