ما هي تكاليف البريكسيت السياسية و الاقتصادية على بريطانيا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

مع تصويتهم في استفتاء 23 يونيو 2016، ربما يعتقد كثير من الناخبين البريطانيين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت) سيكون بسيطًا وسريعًا بأقل التكاليف، إن لم يكن مفيدًا اقتصاديًّا.

ولكن كما اكتشفت المملكة المتحدة، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر صعوبة في التفاوض، ومن المحتمل ألا يكون المستقبل الاقتصادي ورديًّا بعد البريكسيت، كما كان يبدو في البداية.

تساعد دراسة راند الجديدة على بيان السبب. حيث توضح أن العواقب الاقتصادية للبريكسيت من المرجح أن تكون سلبية من خلال مجموعة كبيرة من السيناريوهات، بما في ذلك النتائج الأكثر احتمالا التي تواجهها المملكة المتحدة الآن.

إن أسوأ نتيجة بالنسبة لبريطانيا ستكون في حال انفصالها عن الاتحاد الأوروبي دون وجود ترتيبات تجارية تفضيلية خاصة – ما يسمى بالـ “لا صفقة”. وفي هذه الحالة، سوف تعتمد فقط على معدلات التعريفة المحددة بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية لتسيير تجارتها مع الاتحاد الأوروبي وبقية دول العالم، بدلا من أي نوع من معدلات التعريفات التفضيلية أو حتى إلغاء هذه التعريفات.

نقيم أنه في مثل هذه الحالة فإن الخسارة الاقتصادية للمملكة المتحدة، مقارنة بعضوية الاتحاد الأوروبي، ستكون 4.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي، أو 140 مليار دولار، بعد 10 سنوات.

وحتى لو نجحت بريطانيا في التفاوض على اتفاق للتجارة الحرة مع بقية دول الاتحاد الأوروبي، فإنها تسعى في الواقع إلى زيادة الحواجز أمام التجارة مقارنة بوضعها الحالي كعضو كامل في الاتحاد الأوروبي.

وستواجه الصادرات والواردات حواجز تجارية جديدة مختلفة مثل قواعد المنشأ، ومتطلبات التوثيق، والرقابة الجمركية. كما ستعوق تجارة الخدمات (وهي اتي تمثل القوة البريطانية) بسبب المتطلبات التنظيمية للاتحاد الأوروبي.

ومع مرور الوقت، من المحتمل أن تتفاوت معايير المنتجات. ونحن نقدر أنه إذا تحقق اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي فإنه سيكون ثلاث نقاط مئوية أو 85 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي (بعد 10 سنوات) – وفق أفضل تقدير – من مجرد الاعتماد على قواعد منظمة التجارة العالمية، ولكن الوضع سيظل أسوأ بكثير مما كانت عليه عنجما كانت عضوًا في الاتحاد الأوروبي.

وقد جادل بعض مؤيدي الخروج بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيمنحها القدرة على التفاوض بشأن اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة ودول أخرى بسهولة أكبر بكثير مما يمكن للاتحاد الأوروبي، ولكن تحليلنا يشير إلى أن اتفاقية التجارة الحرة بين بريطانيا والولايات المتحدة لن تساعد المملكة المتحدة بقدر اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. 

وفي التفاوض مع الولايات المتحدة، ستكون بريطانيا في وضع تفاوضي ضعيف؛ لأن اتفاقية التجارة الحرة مع المملكة المتحدة – من وجهة نظر الأمريكية – سيكون لها مردودًا تافهًا نسبيا (0.22 % من الناتج المحلي الإجمالي بعد 10 سنوات، وأقل من 10 % من القيمة النسبية لبريطانيا).
و في نموذج راند، فإن الحل الوحيد الذي يتيح لبريطانيا أن تظل من الناحية الاقتصادية كما لو أنها ظلت عضوًا في الاتحاد الأوروبي، هي أن تنضم إلى ترتيب أوسع للتجارة الحرة عبر الأطلنطي يضم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق التجارة الحرة هذا، فإننا نقدر أن الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا سيكون 7.1 نقطة مئوية، أي 202 مليار دولار، وهو أكبر مما هو عليه في ظل سيناريو قواعد منظمة التجارة العالمية – وحتى أفضل مما لو ظلت فقط عضوًا في الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، تم تجميد المفاوضات حول الشراكة المقترحة للتجارة والاستثمار عبر الأطلنطي منذ تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في البيت الأبيض.
إن اتفاق الفترة الانتقالية الذي أبقى بريطانيا في السوق الأوروبية لبعض الوقت من شأنه أن يساعد الاقتصاد، ويعمل على تأجيل تنفيذ البريكسيت.

ووجدنا أن فترة انتقالية مدتها أربع سنوات ستكون فائدتها 2.8 نقطة مئوية، أي ما يعادل 79 مليار دولار، بعد عشر سنوات من البريكسيت في النهاية ، بدلا من الانتقال الفوري إلى قواعد منظمة التجارة العالمية، وهو ما يبرر حتمية تأجيله.
ولكن بمجرد انقضاء الفترة الانتقالية، فإن أحد السيناريوهات الأخرى، مع عواقبه الاقتصادية، سيصبح واقع بريطانيا.
 
لماذا تجد المملكة المتحدة نفسها في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه؟
تستخدم دراستنا نظرية تابعة لفرع من العلوم الاجتماعية والمعروفة باسم “نظرية اللعبة” لتوضيح سبب صعوبة المفاوضات على البريطانيين.

أولاً: إن المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، التي تحكم الانسحاب، مكرسة ضد الدولة التي ترغب في الخروج.

وبمجرد بدء عملية المادة 50، تمنح الدولة التي ترغب في الخروج مدة لا تتجاوز عامين وبعدها لن تجني أي فائدة من عضوية الاتحاد الأوروبي، ما لم يوافق أعضاء الاتحاد الأوروبي بالإجماع على تمديد الفترة الانتقالية، أو الاتفاق بالإجماع على علاقة جديدة . بالنسبة للمملكة المتحدة، سيتحدد هذا في 29 مارس 2019.

وبالنظر إلى المهلة المحددة، وحقيقة الخسائر المتزايدة التي تتكبدها المملكة المتحدة، فإن التعزيز الكامل لهذه العملية يرجع تقريبا إلى الاتحاد الأوروبي.

ثانيًا: قد تصور بريطانيا المفاوضات مع شركائها في الاتحاد الأوروبي باعتبارها مباراة صفرية النتيجة ، حيث ستجد علاقة جديدة “مفصلة” مع أوروبا، وتحافظ على الفوائد الاقتصادية لكلا الجانبين، ولكنها تمنح المملكة المتحدة الخلاص من قواعد الاتحاد الأوروبي.
ولكن بالنسبة للاتحاد الأوروبي، قد ينظر إلى اللعبة بشكل أفضل على أنها مباراة صفرية، حيث الهدف السياسي الأعلى في أوروبا هو ضمان أن يكون البريطانيين هم الأسوأ حالا، من أجل تثبيط الأعضاء الأخرين عن الخروج .

ويمكن أن تهدم عمليات الخروج الأخرى صرح الوحدة الأوروبية، الذي كان بمثابة أساس قوي للسلام والازدهار لدول أوروبا.
كما تساعد نظرية اللعبة في تفسير سبب إصرار الاتحاد الأوروبي أولا على تسوية شروط “تسوية الانفصال”، قبل الانتقال إلى مناقشات حول العلاقات المستقبلية، وهو الأمر الذي يحمل فوائد أكبر للمملكة المتحدة.
ومن المرجح أن يستخدم الاتحاد الأوروبي نفوذه لإخضاع بريطانيا لشروط مالية مؤلمة قبل الدخول في أية مفاوضات تجارية، لإثناء الدول الأخرى عن فكرة الخروج من الاتحاد.

 وفي ضوء هذه النمذجة، ما هو تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على المصالح الأمريكية؟
اقتصاديا، ليس هناك تأثير يذكر. حيث إن اتفاقية التجارة الحرة بين بريطانيا والولايات المتحدة سيكون لها تأثير ضئيل على الاقتصاد الأمريكي الكبير.

ومع أن الولايات المتحدة هي مستثمر مباشر رئيس في بريطانيا، تشير البيانات الرسمية الأمريكية إلى أن معظم هذه الاستثمارات يستفيد منها الاقتصاد المحلي البريطاني وليس إيجاد منصات تصدير تستفيد منها بقية دول الاتحاد الأوروبي. وتقييمنا هو أن ما يهم الولايات المتحدة حقًا هو التأثير المحتمل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على التماسك الأوروبي.

لقد رأت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة أوروبا المتكاملة على أنها تدعم الأمن والازدهار والاستقرار في أوروبا، بما يفيدها بدوره.
حتى لو انسحبت أوروبا بعد رحيل بريطانيا، ربما تفقد الولايات المتحدة صوت بريطانيا المعقول في مجالس صنع القرار في الاتحاد الأوروبي بشأن القضايا– مثل السياسة الخارجية والأمنية أو التنظيم الاقتصادي – التي تهم الولايات المتحدة.

لم يحدث شيء مثل البريكسيت في القرن الماضي. وتدرك المملكة المتحدة أن الخروج من الاتحاد الأوروبي من المرجح أن يكون له تكاليفه الحقيقية، فعلى المدى القصير (“قانون الانفصال”، الذي يغطي الالتزامات المستقبلية التي التزم بها) وعلى المدى الطويل (علاقاتها الاقتصادية مع بقية الاتحاد الأوروبي ستواجه حواجز المعاملات حتى في أفضل الظروف).

من الناحية السياسية، يتوقع دعاة خروج بريطانيا أن ذلك يعني تجديد السيادة على السياسة الاقتصادية والاجتماعية. ولكن في الاقتصاد العالمي المترابط، قدمت السيادة المشتركة فوائد اقتصادية وأمنية كبيرة، حتى لأعضاء كبيرين من الكتل التجارية الكبيرة (مثل المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي).
إن رفض هذه الشروط ربما يكون مكلفا أكثر مما يتوقعه الناخبون عندما يقررون الخروج.

المصدر – مركز راند 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا