كيف سيكون شكل العلاقات الروسية-الأمريكية في عام 2018؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

لو توقع أحدهم قبل عام، أن إدارة ترامب القادمة ستوجّه ضربة عسكرية ضد سوريا، وتوافق على إرسال شحنات أسلحة قاتلة لأوكرانيا، وتشرف على تشديد العقوبات على الكرملين، وحشد القوات الأمريكية وقوات الناتو في شرق أوربا، وتصنّف روسيا باعتبارها منافسًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، لكان خبراء السياسة الخارجية قد أعلنوا اعتراضهم الشديد على ذلك. فترامب في النهاية كان ذلك “المرشح المنشوري” الذي كان سيشرف على نسخة القرن الحادي والعشرين من مؤتمر “يالطا” مع صديقه العزيز فلاديمير بوتين. لقد كان من المتوقع أن يقوم فريق هيلاري كلينتون بتلك الخطوات، وليس ترامب، الذي خاض الانتخابات ببرنامج يدعو لتحسين العلاقات مع موسكو.

لكن ها نحن ذا. إذ تغيّر الوضع خلال العام الماضي من الحديث عن سياسات ترامب المتوقعة (عندما فُتحت زجاجات الشامبانيا في الدوما للاحتفال عقب ظهور نتائج انتخابات عام 2016) إلى ظهور تقارير تفيد بأن المسؤولين الروس يعترفون سرًا بأنهم يشتاقون إلى التعامل مع نظرائهم في عهد إدارة أوباما. إذا، ماذا يعني هذا بالنسبة للمستقبل؟

يبدو أن المبادئ الاستراتيجية لإدارة ترامب تستند إلى نوع مختلف من نهج “التعاون الانتقائي” القديم، وهذا النوع مدعوم بتقييم ترامب الشخصي بأن الدبلوماسيين الأمريكيين كانوا حريصين جدا على تقديم تنازلات ومحفزات للبلدان الأخرى من أجل نيل دعمها، في حين أن ذلك الدعم كان سيتحقق في النهاية من دون تقديم تنازلات. وكما سبق أن ذكرت، فإن المخاطرة التي يأخذها فريق ترامب فيما يتعلق بكوريا الشمالية، تتمثل في أن لروسيا والصين مصلحة كبرى في عدم السماح بتدهور الوضع في شبه القارة الكورية، وبالتالي فإن واشنطن ليست مضطرة لتقديم تنازلات في قضايا أخرى من أجل الحصول على دعم بكين وموسكو في فرض عقوبات قاسية جديدة ضد “كيم يونج أون”. أما فيما يخص أوكرانيا، فيبدو أن المنطق هو أن روسيا لديها الكثير لتخسره من إعادة الصراع من جديد، وأن جهود الولايات المتحدة لإعادة بناء القوات الأمنية الأوكرانية لن تدفع موسكو لاتخاذ خطوات تصعيديه. وبالمثل، لا ترى الإدارة سببًا للتخلي عن عملياتها في سوريا، ولا تشعر بحاجة للتراجع عن سياسة إدارة أوباما المتمثلة في أن بشار الأسد ليس له مستقبل سياسي في سوريا.

إذاً، فإن نقطة الانطلاق للعلاقات الروسية-الأمريكية في عام 2018، تتمثل في إصرار إدارة ترامب على أن تحسين العلاقات بين البلدين، ولئن كان مرغوبًا به، ليس ضروريًا، وأن الكرة باتت في ملعب موسكو لكي تقدم سلسلة من التنازلات المسبقة والتراجع عن سياساتها. هذا النهج يستند إلى تحليل مفاده أن روسيا ستواجه مشاكل اقتصادية مستمرة، ولن تكون قادرة على تحصين اقتصادها من العقوبات، وستواجه صعوبات متزايدة في الحفاظ على موقفها الدولي الراهن. يعتبر هذا النهج، في بعض جوانبه، نوعًا مختلفًا من الاستراتيجية التي اتبعتها إدارة أوباما: انتظار اللحظة التي لا تعود فيها روسيا قادرة، كما يقول المثل، على تسديد الفواتير.

نقطة الانطلاق بالنسبة لبوتين بناءً على خبرته في التعامل مع أربعة رؤساء أمريكيين سابقين، والآن بعد أن أصبحت لديه معرفة أفضل عن كيفية سير السياسة المحلية في الولايات المتحدة- تتمثل في عدم القيام بخطوات أولى نظرًا لعدم ثقته بان مبادراته ستُقابل بالمثل. ستكون هناك دوما بعض التجاوزات الروسية التي سيتخذها الكونغرس ذريعة لرفض تخفيف العقوبات على روسيا. يدرك الروس أيضا أن إدارة ترامب أضافت مزيدًا من الضغوط على التصدعات داخل حلف الناتو، إذ حلّ الاحتقار المتبادل بين واشنطن وبرلين، محلّ العلاقة القوية الدافئة التي جمعت يوما ما بين أوباما والمستشارة الألمانية ميركل. يشعر حلفاء واشنطن الآسيويون أيضا بالقلق إزاء إمكانية التعويل على واشنطن وعلى استمرار قوتها. لذا، قد يرى بوتين أن الإستراتيجية الأفضل تتمثل في التركيز على جهود إبعاد شركاء أمريكا المهمين عن أجندتها المفضّلة، وهي إستراتيجية أثمرت بالفعل عن بعض النتائج المبكرة، مثل إعادة موضع تركيا إستراتيجيًا نحو توطيد علاقات العمل مع روسيا.

لو تبيّن أن الاستراتيجية الأمريكية الراهنة تحقق نجاحًا- أي أن تجري روسيا تحليلاً يقارن بين الكلفة والفوائد، وأن تقرر أن مسارها الراهن ليس مستدامًا، وأن تبدي استعدادًا للتراجع في عدد من القضايا التي أدت إلى المأزق الراهن في العلاقة- حينها سيشعر المستشارون المحيطون بترامب، والذين دفعوا باتجاه تبنّي موقف أقوى من روسيا، بأن موقفهم كان صحيحًا. كما أن احتمال حدوث اضطرابات سياسية في روسيا بسبب الانتخابات الرئاسية قد يدفع أيضا روسيا للتركيز على شأنها الداخلي لبعض الوقت، وهذا بدوره سيثمر عن نتيجة مماثلة. لكن السؤال الحقيقي الذي لم يتم الرد عليه بعد، هو ما مدى انخراط الرئيس ترامب شخصيا في هذه الإستراتيجية الخاصة بروسيا؟.

 وكما كان الحال مع قرار رفع عدد القوات الأمريكية في أفغانستان، يبدو أن ترامب اتخذ موقفًا مفاده أن “جنرالاته” ومساعديهم وعدوا بأنهم قادرون على تحقيق نتائج. إذا لم “ينجح” نهج هؤلاء الجنرالات-سواء فيما يتصل بأفغانستان أو روسيا أو الصين- أو على أقل تقدير، لم يحقق نهجهم ما يعتبره ترامب نتائج ناجحة، هل سيبدأ ترامب حينها في إعفاء مسؤولي مؤسسة الأمن القومي من مهامهم؟ علاوة على ذلك، هل سيعني ذلك أنه قد يعود إلى الشعارات التي رفعها أثناء حملته الرئاسية، ويغيّر مساره للبدء في “عقد صفقات” مع الكرملين؟ هل سنشهد في عام 2018 ظهور تفضيلات ترامب الأصلية فيما يتعلق بالسياسة تجاه روسيا؟ 

المصدر – ذا ناشونال انتريست

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا