لماذا يعد دخول المشاهير عالم السياسة علامة على تردّي الوضع السياسي؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية
رؤية
المصدر – الجارديان
ترجمة – شهاب ممدوح

عندما ألقت "أوبرا وينفري" خطابًا لاذعًا بشأن تمكين المرأة خلال حفل "جولدين جلوبز", سارع المعلقون للتخمين بأنها ستترشح لمنصب الرئيس. تحلم الشبكات الإعلامية الآن بأن يكون السباق الرئاسي لعام 2020 بين دونالد ترمب وأوبرا وينفري.

بالرغم من أوبرا لم تؤكد شيئا, إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية تعجّ بمقالات رأي مناصرة ومعارضة لترشحها, ونقاشات بشأن القضية الأوسع وهي "دخول المشاهير عالم السياسة".

إن تحوّل المشاهير إلى سياسيين ليس أمرًا جديدا, كما أن هذا ليس ظاهرة أمريكية بحته.

قبل عام 2016, رأينا العديد من المشاهير الذين تحوّلوا إلى سياسيين في الولايات المتحدة, لا سيما على الصعيد دون الوطني: لنأخذ مثلا المصارع "جيسي فينتورا" الذي تولي منصب حاكم "منسوتا" (1999-2003), وأرنولد شوارزنيجر الذي تولى منصب حاكم كاليفورنيا لمرتين (2003-2011). كما كان الرئيس الأسبق رونالد ريجان (1981-1989) نجما لأفلام هوليود ذات الميزانية المنخفضة, إذ وصل ريجان لمنصب الرئيس بعد أن قضى فترتين حاكما لولاية كاليفورنيا.

كما رشّح بعض المشاهير أنفسهم في الانتخابات في دول أخرى أيضا. ففي إيطاليا لم تنجح نجمة الأفلام الشهيرة "جينا لولوبريجيدا" في معترك السياسة, فيما نجحت نجمة الأفلام الإباحية "إيلونا ستالير" في الوصول للبرلمان الوطني. وبالمثل, بينما خسر "ماريو فيرجاس", الحاصل على جائزة نوبل في الأدب, في الانتخابات الرئاسية في بيرو عام 1990, شغل نجم أفلام الحركة "جوزيف سترادا" منصب الرئيس الثالث عشر للفلبين (1998-2001), فيما جرى انتخاب نجم كرة القدم الدولي "جورج ويا" رئيسا لليبيريا مؤخرا.

هذا لا ينفي أن عددا كبيرا جدا من المشاهير عبّروا بشكل علني في العام الماضي عن رغبتهم الترشح لشغل منصب: بداية من مالك شركة فيسبوك "مارك زوكربيرج" ونجم أفلام هوليود "دواين جونسون" المعروف باسم " ذا روك", وذلك لمنصب الرئيس, وصولا إلى نجمي الموسيقى "روبيرت ريتشي", المعروف باسم (كيد روك), و "تيم ماجرو" لمجلس الشيوخ. لكن ماذا يعني هذا؟ هل هذا جزء من ظاهرة "تصاعد الشعبوية" التي ميّزت عالم السياسة في السنوات الأخيرة؟.

إن المشاهير ليسوا بالضرورة شعبويين. فليس هناك مؤشر على أن "أوبرا" قد تترشح بصفتها مرشحة شعبوية, هذا إن ترشحت أصلا, كما كان "شوارزنيجر" ينتمي لتيار الوسط, رغم كونه جمهوريًا. حتى ترمب لم يبدأ مشواره السياسي كشخصية شعبوية, إذ كان يروّج لشخصيته العبقرية وليس لإرادة الشعب. لم يصبح ترمب شعبويًا إلا بعد أن تولى "ستيف بانون" مسؤولية حملته, حيث أصبح ترمب بعدها الرجل الذي استرجع البيت الأبيض لصالح "الرجال والنساء المنسيين في بلادنا".

إن المشاهير هم -أولا وقبل كل شيء- أناس ناجحون, وليسوا سياسيين. ويرجع سبب جاذبيتهم إلى أن السياسيين مكروهون من الجميع تقريبا, وبات اسمهم مرتبطا بصورة متزايدة بالفشل. إن السياسيين ليسوا مكروهين فقط بسبب الأمور التي يُزعم أنهم يقومون بها, مثل تلقّي رشاوى ومساعدة أصدقائهم, وأنما أيضا بسبب الأمور التي يفشلون في تحقيقها, رغم اختلاف معظم الناخبين حول مفهوم ذلك الفشل.

نتيجة لتزايد حالة الاستقطاب بين الأحزاب الامريكية, إذ بات الحزبان يتملّقان بشكل حصري القطاعات الأكثر تطرفًا بين مؤيديهما (المتبرعون, والمصوّتين في الانتخابات التمهيدية), بات يُنظر إلى السياسة باعتبارها عديمة الكفاءة ومعزولة.

هذا الاستقطاب أصبح أيضا هو الخطاب السائد في وسائل الإعلام, التي تعمل كبوق للسياسيين الأكثر تطرفًا, متجاهلة بقية السياسيين المعتدلين الذين تتضاءل أعداهم شيئا فشيئا. لا يهتم الصحفيون بإلقاء الضوء على الساعات الطويلة والمهارات التفاوضية للوصول إلى تسويات سياسة صعبة, وبدلاً من ذلك, نراهم يهتمون بالسياسيين ذوي الصوت المرتفع من "المعسكر الآخر" الذين يدينون بالولاء فقط لمعسكرهم أو حزبهم. وفي الوقت ذاته, يستهجن هؤلاء الصحفيون حالة الاستقطاب السائدة, ويهاجمون السياسيين, ويزيدون من اهتمام الناس بشخصيات قادمة من خارج الوسط السياسي يمكنها "إنقاذ" النظام.

وهنا يظهر المشاهير في المشهد, ويكون ذلك عادة بتشجيع من المتبرعين المُحبَطين الذين يعيشون في فقاعة مشاهير مماثلة. بالرغم من أن العديد من المشاهير مدفوعون بمعارضتهم لترمب, إلا أنهم من نواح كثيرة يشبهون ترمب أكثر من السياسيين التقليديين. إذ ينظرون للسياسة بشكل أساسي من زاوية الفوز بالانتخابات, لكنهم يفتقرون عادة إلى المعرفة والمهارات اللازمة لتطبيق السياسات العملية القليلة التي يقدّمونها.

يأمل بعض الناس في أن يسهم الفشل "المحتوم" لرئاسة ترمب, في علاج الأمريكيين من مرض عشق المشاهير الذين دخلوا عالم السياسة. لكن هذا تفكير ساذج وقصير النظر.

أولا يعتقد الكثير من الجمهوريين أن ترمب ليس فاشلاً على الإطلاق.
ثانيا حتى لو شعر الكثيرون بعدم الرضا تجاهه, إلا أنهم لا يرون بديلاً أفضل منه في الساحة.

هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل المشاهير (يفكرون) في الدخول لعالم السياسة, ويجعل الناس (تفكر) في التصويت لهم: عدم وجود خيارات جذابة بين السياسيين ذوي الخبرة.

لنتذكر أن ترمب خاض سباقًا مع 17 مرشحا آخر من أجل الفوز بترشيح الحزب الجمهوري, وأن المرشح الوحيد الذي كان اسمه معروفًا مثل اسم ترمب, كان هو "جيب بوش". وبينما كان هناك مرشح أوفر حظا داخل سباق الحزب الديمقراطي- وذلك بعد استبعاد الأعضاء الأساسيين الآخرين في الحزب من السباق- إلا أن الحملة شبه الناجحة للمرشح الدخيل "بيرني ساندرز" كانت دليلاً على الشعور بالإحباط وسط الكثير من مؤيدي الحزب الديمقراطي تجاه هيلاري كلينتون.

طالما استمر الحزب الجمهوري في الخضوع لكل رغبات ترمب, وطالما لم يتجاوز الحزب الجمهوري شعار "ترمب سيئ, انتخبونا", فسيجد الدخلاء فرصة للدخول في السباق, وسيبحث الناخبون عن خيارات خارجية.
في ظل نظام سياسي يعتبر فيه المال وشهرة الاسم عاملين مهمين في الفوز بالانتخابات, سيكون المشاهير في وضع جيّد يمكّنهم من تحقيق نتائج طيبة, خاصة في ظل وجود سياسيين مملين وغير ملهمين.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا