إرث من الفساد والانقسامات.. ماذا نعرف عن ظروف سقوط رئيس جنوب أفريقيا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

وسط ضغوط متزايدة لعزله, يبدو أن رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما يشهد اللحظات الأخيرة في رئاسته. ” كان هذا التقرير قد تم نشره قبل تقدم زوما باستقالته بالفعل” حيث طالب حزب المؤتمر الوطني الحاكم بأن يقدم استقالته يوم 13 فبراير عقب أيام من المفاوضات. مع هذا, سعى زوما لوضع شروط قبل الاستقالة, وبسبب هذا التعنت, يتجه حزب المؤتمر الوطني للتصويت على سحب الثقة في البرلمان.

إن عزل زوما النهائي, سواء إجباريًا أم لا, سوف يضع حزب نيلسون مانديلا على مسار بعيد عن المحسوبية والفساد المرتبطين بزوما وبإتجاه تعزيز جنوب أفريقيا كقدوة لبقية القارة. تتفاخر الدولة بكونها خامس أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا, بإجمالي أربعة وخمسين مليون نسمة, وهي صاحبة الاقتصاد الأكثر تقدمًا في القارة, بناتج محلي إجمالي يتجاوز 750 مليار دولار, وتحافظ على تأثير قوي على نمو الديمقراطية في أفريقيا. في حين أن سياستها واقتصادها عانوا تحت حكم حزب المؤتمر الوطني بقيادة زوما, إلا أن المجتمع المدني, والإعلام, والقضاء في جنوب أفريقيا أثبتوا قدرتهم على التحمل, حيث تصدوا للممارسات الفاسدة لزوما بصورة متكررة.

على عكس الإطاحة برئيس زيمبابوى روبرت موجابي في انقلاب عسكري العام الماضي, رحيل زوما الوشيك عن الرئاسة يتبع القانون الجنوب أفريقي والأصول المتبعة في الحزب (مثلما حدث في رحيل سلفه, تابو إيمبيكي, في 2009). إن خليفة زوما المتوقع, سيريل رامافوسا الذي اُنتخب مؤخرًا رئيسًا لحزب المؤتمر الوطني, هو مخطط التحول إلى ديمقراطية غير عرقية وكان مقربًا من مانديلا. إنه أيضًا مليونير والذي يراه الحزب محصنًا ضد تجاوزات الفساد الشخصي التي شابت إدارة زوما.

كانت الإطاحة بزوما أول التحديات التي يواجهها رامافوسا كرئيس لحزب المؤتمر الوطني. إنه لم يواجه زوما وحده, بل واجه أيضًا حلفاءه القدامى, ومن ضمنهم بعض المحافظين وزوجة زوما السابقة, والذين يشكلون جزءًا من شبكة المحسوبية التابعة لزوما. في حين إنه كان هناك إجماعًا بين الشعب الجنوب أفريقي على رحيل زوما, إلا أن قيادة الحزب كانت منقسمة, مما يعكس ابتعاده عن قاعدته الشعبية. إن سحب حزب المؤتمر الوطني للثقة من زوما يحفظ على الأقل ستارًا من وحدة الحزب ويجب أن يُعد فوزًا مبكرًا لرامافوسا.

حزب منقسم
هيمن حزب المؤتمر الوطني, صوت الأغلبية ذات البشرة السوداء في جنوب أفريقيا, على السياسة الانتخابية في البلاد منذ نهاية عصر التمييز العنصري في 1994. لعب الحزب دورًا مهيمنًا في صياغة الدستور الجديد, الذي يكفل حماية حقوق الإنسان, وسيادة القانون, واستقلال القضاء. تحت قيادة مانديلا وإيمبيكي, فكك حزب المؤتمر الوطني هياكل التمييز العنصري السابقة في التعليم والرعاية الصحية ووفر المسكن, والمياه, والكهرباء للملايين. مع هذا, لم تتحسن مستويات الفقر بين أصحاب البشرة السوداء تحسنًا كبيرًا, على الرغم من ظهور نخبة سوداء صغيرة مقربة من الحزب. استمرت هذه المشاكل في عهد زوما وأصبح الحزب غارقًا في فضيحة أكبر مما كان عليه في الماضي. لقد أصبح بعيدًا بصورة متزايدة عن قاعدته التقليدية في البلدات الحضرية وبين فقراء الأرياف. 

إن الحزب يعكس مجموعة متنوعة من الآراء. فيما يتعلق بمعالجة الفقر المنتشر بين أصحاب البشرة السوداء, وهو أحد أهداف الحزب الأساسية, هناك موقفان سائدان. الأول, متعلق بزوما,  يناصر إعادة توزيع الثروة, التي لا يزال معظمها مملوكًا للجنوب أفريقيين ذوي البشرة البيضاء. يتعاطف فقراء الريف بشكل عام مع هذا البرنامج, الذي يميل تجاه الهوية الأفريقية التقليدية. الثاني, متعلق برامافوسا, يسعى لتشجيع النمو الاقتصادي من خلال السُبل الرأسمالية, الليبرالية التقليدية. الكثير من الطبقة المتوسطة الحضرية من ذوي البشرة السوداء, الذين يدعمون العولمة والنظام المالي الدولي, يتبنون هذا الرأي. لم يشهد أي من الجانبين الكثير من النجاح؛ كان هناك قدر بسيط من إعادة توزيع الثروة والنمو الاقتصادي تعطل منذ الكساد العالمي في 2008.

بعد ثلاثة عقود تقريبًا من انتهاء نظام التمييز العنصري, مازالت عملية إتخاذ القرار داخل حزب المؤتمر الوطني تعكس أصوله كحركة تحرير: إن اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب, وليس كيان حكومي, هي من تتخذ القرارات التنفيذية – عادة بالإجماع – وتدير سياسة الحكومة. تتم قيادة الشئون اليومية عبر ما يُسمى الستة الكبار, وهم رئيس الحزب وخمسة مسئولين بارزين آخرين من الحزب. رامافوسا, الذي يتمتع مؤيدوه بأغلبية ضئيلة في اللجنة التنفيذية والستة الكبار, انتصر في النهاية على المعارضين في اللجنة التنفيذية لاستدعاء الرئيس.

إن شركاء حزب المؤتمر الوطني في البرلمان هم الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي (SACP) ومؤتمر إتحادات عمال جنوب أفريقيا (COSATU), ويُعتبرون عادةً من حلفاء رامافوسا. كانت هناك مخاوف من أن SACP وCOSATU سينسحبان من “التحالف الثلاثي,” في حالة خسارة رامافوسا في المنافسة على رئاسة الحزب. بالإضافة لهذا, ظهرت في السنوات الأخيرة معارضة منظمة جيدًا من التحالف الديمقراطي في جناح اليمين وحزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية في جناح اليسار. طالبت المعارضة بنجاح ألا يُلقي زوما الخطاب السنوي لحالة الأمة, الذي تم تأجيله وفقًا لذلك. تزايد الدعم لحزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية  والتحالف الديمقراطي, وأحزاب المعارضة الأخرى بينما ازداد الاستياء من حزب المؤتمر الوطني بقيادة زوما؛ في انتخابات الحكومة المحلية 2016, خسر سيطرته على كل المدن الكبرى, باستثناء ديربان. وإذا خسر حزب المؤتمر الوطني أغلبيته البرلمانية في 2019, سينفتح الباب لحكومة ائتلافية بقيادة التحالف الديمقراطي وحزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية وربما أحزاب صغيرة أخرى.

رمز الفساد
استطاع زوما أن يصمد لقرابة عقد أمام التراجع المتزايد في الشعبية – لقد نجا من ثمانية تصويتات على سحب الثقة – عن طريق إقامة شبكات محسوبية فعالة بين نشطاء الحزب. في الانتخابات, يصوّت الجنوب أفريقيون لحزب, وليس لفرد, وكلما احتل عضو الحزب موقعًا متقدمًا في القائمة الانتخابية للحزب, زادت احتمالية دخول ذلك العضو للبرلمان. في نهاية المطاف يحدد رئيس الحزب ومن حوله موقع الفرد في تلك القائمة, وهو نظام سمح لزوما بممارسة نفوذ هائل على أعضاء حزب المؤتمر الوطني. لقد نجح تقريبًا في إدارة انتخاب زوجته السابقة رئيسة للحزب في المؤتمر الانتخابي في ديسمبر 2017, ومن المرجح أن تواصل شبكة محسوبيته تحدي رامافوسا بعد رحيله.

بعد إعادة انتخابه في 2014, إتجه زوما للهجوم على الإعلام والقضاء, وألمح إلى أن قوى أجنبية, والتي فُهم إنها تشمل الولايات المتحدة, سعت لتغيير النظام. كانت تعييناته الوزارية مبنية بشكل كبير على شبكة محسوبيته بدلًا من الكفاءة. كان رمز الفساد السائد تحت حكم زوما هو علاقته بعائلة جوبتا, وهي عائلة بارزة من جنوب آسيا يتهمها النقاد بممارسة نفوذ على قرارات الموظفين وعقود الدولة.

عكس انتصار رامافوسا في قيادة حزب المؤتمر الوطني خيبة أمل واسعة من زوما داخل الحزب واستياء من حكومته القائمة على المحسوبية. خشى الكثير من نواب حزب المؤتمر الوطني من أن فوز زوجة زوما السابقة سيكون استمرارًا لفساد زوما وله عواقب ضارة على الحزب في الانتخابات الوطنية 2019. خدمت هزيمة حزب المؤتمر الوطني في انتخابات الحكومة المحلية السابقة أيضًا كنذير شؤم لما يمكن أن يحدث إذا احتفظ زوما بنفوذه في الحزب.

الخطوات التالية
بمجرد تركه للمنصب, سيواجه زوما محاكمة محتملة على ما يزيد عن سبعمائة تُهمة فساد. يعتقد الكثير من الجنوب أفريقيين أن زوما شجع ترشح زوجته السابقة لتأمين الحماية من المحاكمة. نفى رامافوسا وآخرون في الحزب أن الحصانة من المحاكمة مطروحة للنقاش؛ إن المجتمع المدني والقضاء المستقل في جنوب أفريقيا سيجعل هذه الصفقة صعبة.

من أجل الحفاظ على الاستمرارية الانتخابية لحزب المؤتمر الوطني, يحتاج رامافوسا لخروج زوما من الرئاسة, عاجلًا وليس آجلًا وبطريقة تحفظ وحدة الحزب. حقق رامافوسا هذا جزئيًا على الأقل عن طريق إقناع اللجنة التنفيذية الوطنية بالتصويت معه على سحب الثقة من زوما. مع هذا, الاختبار الحقيقي لوحدة حزب المؤتمر الوطني و”مظهره الجديد” بقيادة رامافوسا سيأتي في الانتخابات الوطنية لعام 2019. يبقى أن نرى ما إذا كان حزب المؤتمر الوطني أو أحزاب المعارضة استفادوا أكثر من رحيل زوما. لعب رامافوسا دورًا كبيرًا في تجهيز استقالته, وقادت أحزاب المعارضة الدعوة لمغادرة زوما بطريقة قوية وعلنية. وفي حين أن التحول الشعبي ضد زوما عزز أحزاب المعارضة, فمن المرجح, الآن بما إنه في طريقه للرحيل, أن يعود بعض ناخبي المعارضة إلى حزب المؤتمر الوطني.

إن الأمر الذي يحمل أهمية أكبر من نتيجة المناورة السياسية هو أن طريقة رحيل زوما – التي نُفذت طبقًا لسيادة القانون وسياسة حزب المؤتمر الوطني – تبرز القوة المستمرة للأساس الديمقراطي لجنوب أفريقيا.

المصدر – مجلس العلاقات الخارجية

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا