دبلوماتيك كورير| أي مستقبل ينتظر الهند؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

عندما أعلن رئيس الوزراء الهندي "مودي" فجأة بأنه سيلغي الأوراق النقدية من فئة 500 و100 روبية من التداول، قوبل ذلك الإعلان على الفور بالتجاهل. وبالرغم من أن خطة "مودي" كانت مُصممة للتخفيف من حدة مشكلة غسيل الأموال وذلك عبر تخفيض قيمة العملة المتداولة عادة في الاقتصاد الموازي, وزيادة حصة الحكومة من ضريبة الدخل، إلا أن تلك الخطة قوّضت بدلاً من ذلك كل الأشخاص المشاركين في الاقتصاد غير الرسمي في الهند، والذي يقدّر خبراء الاقتصاد بأنه يشكّل نحو 20 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي.

ينتقد الكثيرون خطة سحب الأوراق النقدية من التداول ويعتبرون أنها لم تؤثر بالضرورة على المليونيرات المتورطين في غسيل الأموال، بل أنها ألحقت الأذى بالطبقة العاملة الفقيرة، لا سيما في المناطق الريفية التي تفتقر إلى بنية تحتية مالية قوية. لقد ألقت خطة سحب الأوراق النقدية بظلال من الشك على مصير دور الهند على المدى الطويل في الاقتصاد العالمي – وعلى الثقة في قدرة "مودي" على قيادة هذا الدور.

في الربع الأول منذ تطبيق تلك الخطة, تباطأ النمو المتوقع للاقتصاد الهندي إلى 5,6 بالمائة, بدلاً من 7,6 بالمائة في العام الماضي.

لكن وزير الخارجية الهندي السابق وسفير الهند السابق لدى الأمم المتحدة "لاليت مانسنج" يشعر بالتفاؤل الكبير بشأن مستقبل الهند, بالرغم مما يعتبره الانتكاسة المؤقتة التي سببتها خطة سحب الأوراق النقدية.

يشغل السفير "مانسنج" حاليا منصب المستشار الدبلوماسي في "اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية" ورئيس "مجموعة السياسات الهندية-الأمريكية" التابعة لاتحاد غرف التجارة الهندية. شغل ذلك الموظف المدني المحترف في السابق منصب نائب رئيس البعثة في السفارات الهندية في كابول وبروكسل وواشنطن, بالإضافة إلى أدوار أخرى.

تحدث السفير "مانسنج" لموقع "دبلوماتيك كورير" بشأن  انتكاسة الهند الاقتصادية, وعن المبادرات المتخذة للتعامل مع تزايد نسبة القوى العاملة غير الماهرة, وعن المساواة بين الجنسين, فضلاً عن توقعاته لموقع الهند في العالم في عام 2050.

  أين ترى موقع الهند في الاتجاهات الاقتصادية العالمية الناشئة خلال العقود القليلة المقبلة؟
مانسنج: دعونا نبدأ من الآن، لأن الهند تحتفل بذكرى استقلالها السبعين. ولقد قطعنا شوطًا طويلاً منذ عام 1947. بالمقارنة مع وضعنا عام 1947, عندما كان 80 بالمائة من الشعب تحت خط الفقر, أصبح اليوم 21 بالمائة فقط تحت خط الفقر. ما يعني أن هناك ملايين الأشخاص تجاوزوا خط الفقر وأصبحت أحوالهم أفضل اليوم. مستويات التعليم باتت أعلى, ومعدلات الإلمام بالقراءة والكتابة باتت أكثر ارتفاعًا, والاقتصاد ينمو بنسبة كبيرة تبلغ 7,2 بالمائة هذا العام, وسيبلغ 7,5 بالمائة العام المقبل, وفقا لصندوق النقد الدولي. وفقا لتوقعات بنك "سيتي جروب" لعام 2050, فإن حجم الاقتصاد الهندي سيبلغ نحو 86 تريليون دولار, فيما سيبلغ الاقتصاد الصيني 80 تريليون دولار, في حين سيقارب الاقتصاد الأمريكي 45 تريليون دولار. هذا يعطيك فكرة عن نوع النمو الاقتصادي الذي من المحتمل أن يحدث بين الآن وعام 2050.

 هل ما زالت متفائلاً بالرغم من الهبوط الاقتصادي الذي حدث خلال السنوات القليلة الماضية؟
مانسنج: هذا لغز. فالاقتصاد ينمو, لكن هناك قطاعات معينة في الاقتصاد, مثل قطاع التصنيع, لا تبلي بلاءً حسنا. كما لم يتم خلق فرص عمل كافية كما كان متوقعًا. لكنني أنظر إلى الجانب الإيجابي, فلو استمر الاقتصاد في النمو بهذه الوتيرة, فسيصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2050. لكن عدد سكان الهند حينها سيزداد أيضا, بينما سينخفض عدد سكان الصين, وربما سيكون لدينا 1,5 أو 1,75 مليار نسمة, ما يجعلنا البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم.

الآن, دعوني أتطرق إلى المشاكل التي تواجهنا. تتمثل المشكلة في أنه بسبب كون الهند دولة فتيّة, فإن عددًا كبيرًا من الشباب يكبرون ويدخلون في سوق العمل. تشير التقديرات إلى أن مليون شاب  سينضمون لسوق العمل في الهند, ولا يتمتع جميعهم بقدر جيد من التعليم, أو بمؤهلات ومهارات عالية. وهذه مشكلة بدأت الهند تواجهها, فبينما ينمو الاقتصاد بنسبة 7,75 بالمائة, لا تزيد الوظائف زيادة متناسبة, وهذه ستكون مشكلة هائلة, ليس فقط من الناحية الاقتصادية, ولكن من الناحية السياسية والاجتماعية.

يرعى رئيس الوزراء عدة مخططات, من بينها مخطط "مهارات الهند", والذي يستهدف نصف مليار شاب على مدى السنوات العشرة القادمة, وذلك عبر تعليمهم مهارات معينة تساعدهم في سوق العمل. يرغب رئيس الوزراء أيضا في تحسين التصنيع, وذلك عبر مخطط "اصنعوا في الهند" الذي بات يحقق نجاحًا. كما يطوّر رئيس الوزراء مائة مدينة ذكية, والتي ستكون مدنًا مخططة جديدة منتشرة في عموم الهند.

 عندما تقول تحسين التصنيع, هل تعني زيادة نمو التصنيع المحلي أو جذب الشركات الصناعية الدولية للهند؟
مانسنج: هذا سؤال مثير للاهتمام. نحن نهدف إلى تحسين قدرتنا التصنيعية من أجل تحسين وضعنا في السوق العالمي. تعتبر الصادرات نقطة ضعف الاقتصاد في الوقت الراهن. فرؤية رئيس الوزراء بضرورة رفع حجم الصادرات بمقدار ثلاثة أضعاف لم تتحقق على الأرض، وباتت الصادرات الآن في حالة كساد. لذا, هناك تفكير جديد في الهند الآن, مفاده أنه ربما ينبغي علينا تحسين جودتنا وجعل بضائعنا فعّالة من حيث التكلفة, ثم بعدها ندخل إلى السوق العالمي.

تبلغ صادراتنا الآن نحو 115 مليار دولار في العام, ونهدف لرفعها إلى 500 مليار دولار في السنوات القليلة القادمة. هناك علامة استفهام بشأن القدرة على تحقيق ذلك الهدف, لكن لو أردنا تحقيقه, سيتعيّن علينا إنتاج بضائع ومنتجات تكون مقبولة للمواطنين الأمريكيين من ناحية الجودة والتكلفة. كما أننا نواجه منافسة صعبة من دول مثل الصين وكوريا ودول أخرى. يسعى رئيس الوزراء لتحقيق ذلك الهدف, لكننا لا نعلم ما إذا كان سينجح على الفور أم لا. لكنني أعتقد أن هذا هو طريقنا الوحيد نحو المستقبل. ليس لدينا خيار سوى تحسين التصنيع, وهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستمكّننا من خلق الوظائف.

  كما ذكرت, فإن هناك عددًا كبيرًا من الأشخاص غير الماهرين يدخلون سوق العمل, والعديد من الأشخاص المشاركين في سوق العمل حاليا يعملون في فئة الوظائف غير الرسمية. هل ترى أن هؤلاء الأشخاص يندمجون أكثر في ما وصفته أنت بالطبقة المتوسطة الجديدة؟
مانسنج: السيد "مودي" يبحث في المشكلة الأساسية للهند, ويحاول أن يعرف لماذا ماتزال مستويات الفقر لدينا عند مستويات غير مقبولة- فبلوغ الفقر نسبة واحد وعشرين بالمائة يعني أن هناك عشرات ملايين الأشخاص تحت خط الفقر, وهؤلاء يعيشون تقريبا في حالة من التشرّد, لذا, ما لم نبدأ مع هؤلاء, فإن الهند لن تتغير أبدا. لهذا, يعمل رئيس الوزراء على قلب الأمن الاقتصادي رأسًا على عقب, إذ أنه يبدأ من قاع الهرم. هو يحاول ضمّ هؤلاء الأشخاص إلى الاقتصاد المنظم. ويتم جزء من هذا عبر مخطط يهدف إلى توفير رصيد افتتاحي لأي حساب بنكي جديد, وبذلك يمكن لأي شخص أن يذهب إلى بنك ويفتح حسابًا جديدًا.

  هل ترى أن تلك الخطط الهادفة لضمّ الناس إلى الاقتصاد الجديد, ستشمل الرجال والنساء, أم أن الرجال سيستفيدون أكثر من تلك المخططات؟
مانسنج: لقد قيل لي أن نحو ثمانين بالمائة من الحسابات البنكية الجديدة قد فُتحت باسماء نساء. تعطي الحكومة الأولوية للنساء عند فتح الحسابات البنكية للعائلات. لذا, في حال تم إرسال أموال الدعم للحساب البنكي, فإنه من المفضل, كما تقول الحكومة, أن يكون ذلك الحساب باسم المرأة التي تدير المنزل, وهذا أمر مهم

 ألا يشير ذلك ضمنًا إلى أن النساء لا يزال يُتوقع لهن إدارة المنزل؟ إن سيطرة النساء على الحسابات البنكية المخصصة للعائلات, لا تعني بالضروة وجود مساواة في سوق العمل. هل يتم دمج النساء في سوق العمل ككل في الهند؟  
مانسنج: حسنا, هذا يعود في جزء منه, كما تعلمون, إلى التفاوت في التعليم والتحيّز الجنساني في مجتمعنا التقليدي, لكن الفتيات الآن يذهبن إلى المدرسة بأعداد مساوية لأعداد الفتيان. في الواقع, فإن جزءًا من الضغط على سوق العمل يعود إلى العدد الكبير من النساء اللاتي يلتحقن بسوق العمل, في حين كان ذلك في السابق حكرًا على الرجال. هذه عملية متدرجة, لأننا, كما تعلمون, نتعامل مع قرون من التحيّز والحرمان, لكن هناك تغييرات تحدث.  

المصدر –  دبلوماتيك كورير

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا