تشاتام هاوس| هل تصبح الصين دولة رائدة في مجال البنية التحتية المستدامة؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح
إن مواجهة تحدي التغير المناخي تتطلب زيادة هائلة في تمويل البنية التحتية المستدامة، حاكم البنك المركزي الإنجليزي "مارك كارني"، قدّر مؤخرا أن عملية الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، تتطلب زيادة بمقدار أربعة أضعاف في تمويل استثمارات التكنولوجيا الجديدة، ومشاريع البنية التحتية طويلة الأمد.
 
يمكن للصين، عبر مبادرتها المعروفة باسم الحزام والطريق، أن تساعد في توفير هذا التمويل. ونظرًا إلى حجم هذه المبادرة وهدفها الطموح -تعهّدت الصين بالفعل بتقديم تريليون دولار لمشاريع الحزام والطريق- فإنه يمكن لهذه المبادرة أن تحدث تأثيرًا نوعيًا.
 
إن البنية التحتية المستدامة لا تقلل فقط من أي آثار بيئية واجتماعية سلبية، لكنها تؤدي أيضا إلى إحداث تغيير إيجابي، وتحسين البيئة وسبل العيش، والارتقاء بالاقتصاد. لذا فإن الاستثمار في مثل هذه المشاريع له دور حاسم في مساعدة البلدان على التحول نحو مسارات تنموية منخفضة الكربون.
 
إن القيام بذلك لن يساعد الصين فحسب في تحقيق أهدافها من مبادرة الحزام والطريق والمتمثلة في تحقيق التنمية المستدامة، لكنه سيمنح الصين أيضا فرصة لأن تصبح قائدًا عالمياً في مجال البنية التحتية المستدامة. مع ذلك فإن تحقيق هذا سيتطلب تغييرًا في النهج لدى الحكومة الصينية والمستثمرين.
 
في الوقت الراهن، هناك اعتراف واسع النطاق داخل دوائر التمويل في الصين بالتداعيات السلبية للقضايا البيئية والاجتماعية بالنسبة للمخاطر المالية. على سبيل المثال، تسلّط السياسات والمبادئ التوجيهية المصرفية الراهنة الخاصة بالتمويل الأخضر، الضوء على الحاجة إلى امتثال المشاريع الخارجية للتشريعات الوطنية، كما توصي بأن تلتزم تلك المشاريع بأفضل الممارسات الدولية فيما يتعلق بالضمانات البيئية والاجتماعية. علاوة على ذلك، جرى تطوير مبادئ توجيهية خاصة بعدد من القطاعات -الغابات وصناعة المطاط والمناجم- وذلك لمساعدة الشركات في تحسين إدارتها للمخاطر البيئية والاجتماعية.
 
وبالرغم من أن هذا أمر إيجابي، إلا أن الهدف الرئيسي لتلك السياسات ينحصر في تقليل الآثار السلبية المرتبطة مباشرة بالاستثمارات. وبالتالي، تمثَل دور الصين في توفير التمويل والخدمات استجابة لمطالب الدول الشريكة، بدلاً من السعي للتأثير على ما يُطلب منها. علاوة على ذلك، لم تبد البنوك الصينية اهتمامًا كبيرًا بما إذا كانت جميع استثماراتها ملتزمة بجدول أعمال التغير المناخي، أو أهداف التنمية المستدامة. لذلك, بالرغم من زيادة تلك البنوك تمويلها الأخضر زيادة هائلة، إلا أنها واصلت أيضا الاستثمار في قطاعات شديدة التلويث، مثل الفحم.
 
لو كانت الصين جادة بشأن هدفها في تعزيز التنمية المستدامة، فإن عليها تبنّي نهج أكثر صرامة واتساقًا. ما يعنيه هذا لمبادرة الحزام والطريق هو ضرورة أن تعمل الصين مع حكومات شريكة لزيادة الطلب على البنية التحتية المستدامة، وضمان أن تعتمد استثماراتها أفضل الممارسات، وأن تشجع الابتكار. هناك أداة سياسية يمكن استخدامها للمساعدة في تحقيق هذا الهدف وهي تتمثل في ما يعرف بالشراء المستدام، كما يشرح تقرير أخير صادر عن مؤسسة "تشاتام هاوس".
 
هذا سيكون نهجًا جديدا في الصين. فبينما يعتبر مفهوم الشراء المستدام مفهومًا معروفًا في الصين، إلا أن استخدامه اقتصر على إدارة سلاسل الإمدادات، بدلاً من الأرصدة بأكملها. يمكن القول أيضا أن هذا الأمر سيشكل نهجًا جديدًا من ناحية أن الصين سيتعين عليها أن تسعى للتأثير على سياسة الشراء لدى الحكومات الأجنبية. مع ذلك، فإن تشجيع الشراء المستدام ينبغي ان يُنظر إليه بوصفه وسيلة للتعاون، وللمنفعة المتبادلة للصين وشركائها. ومن ثم، فإن هذا النهج يتماشى مع مبادئ الصين في تعاملاتها الخارجية، ومع هدف مبادرة الحزام والطريق المتمثل في تحسين تنسيق السياسات، وتشجيع "التقدم الإيكولوجي في ممارسة الاستثمار والتجارة".
 
هذا في الواقع النهج الذي تتبناه المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف: تسعى تلك المصارف لتشجيع استخدام الشراء المستدام، بدلاً من طلب هذا من الحكومات المقترضة منها. ويمثل هذا اعترافًا بأن تطبيق الشراء المستدام يتطلب قدرة عالية نسبيا لدى الحكومة والقطاع الخاص، وبالتالي، تكون النُهج ودرجات الطموح المختلفة الخاصة بفكرة الاستدامة أمرًا ملائمًا في مختلف البلدان. 
 
بالتالي، يتمحور نهج المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف حول الإشارة صراحة في سياساتها إلى أن الحكومات المقترضة بإمكانها النظر في معيار الاستدامة عند تقييمها ل "القيمة المالية" للمشاريع. علاوة على ذلك، عملت تلك المصارف مع الحكومات لتحديد احتياجات بناء القدرات من أجل تسهيل استخدام هذا النهج، وتوفير التمويل اللازم. لذا، بالرغم من عدم وجود شرط يقضي باستخدام هذه الأداة السياسية، إلا أن هناك اتجاه آخذ في الازدياد للتشجيع على استخدامها بقوة كوسيلة لدعم البلدان في إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة في مجال البنى التحتية. إن البنوك الصينية المسؤولة عن وضع السياسات يمكنها بسهولة تبنّي هذا النهج، وذلك عند تقديمها التمويل للحكومات الأخرى.
 
بالتالي، فإن مبادرة الحزم والطريق يمكن أن تساعد في تحقيق التنبؤات التي تشير إلى أن البنية التحتية المستدامة هي "قصة النمو في المستقبل". هذا يمثل فرصة هائلة للقطاع الخاص الصيني، وذلك بالنظر إلى قدرات هذا القطاع في مجال البنى التحتية. مع ذلك، ستحتاج الصين لتقوية خبرة قطاعها الخاص في تصميم وبناء وتشغيل البنى التحتية.
 
هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف. فمن جانب البنوك الصينية، سيتوجّب عليها تشجيع مقترضي القطاع الخاص على استخدام الشراء المستدام. على سبيل المثال، يمكن لهذه البنوك اشتراط استخدام الشراء المستدام كجزء من سياسات الضمان البيئية والاجتماعية، أو تحفيز الشراء المستدام عبر تقديم ائتمان أقل تكلفة للشركات التي تتبنّى بالفعل تلك السياسات، وذلك ضمن سياسة التمويل الأخضر لتلك البنوك. إما على جانب الحكومة، فيتعيّن عليها إلزام الشركات بالوفاء بمعايير الاستدامة كجزء من عملية الموافقة على عمل تلك الشركات في الخارج، ولدعم هذا، ينبغي على الحكومة أن تقدم توجيهًا رسميًا للشركات فيما يتعلق بالبنية التحتية المستدامة.
 
إن الصين بإمكانها المساعدة على إحداث تحوّل في قطاع البنى التحتية، وذلك عبر العمل مع الدول الشريكة، وإعطاء الأولوية لتطوير القطاع الخاص. وبهذا، ستكون الصين قد ساهمت مساهمة مهمة في مواجهة التغير المناخي، ووضع العالم على مسار أكثر استدامة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا