رؤية جديدة.. محاولة لفهم سياسات الصين تجاه منطقة الخليج

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

إن توسُّغ الدور الصيني في الخليج خلال السنوات الأخيرة، دفع إلى كتابة الكثير من التحليلات داخل الصين وخارجها. وبالرغم من أن تلك التحليلات والدراسات أثرت فهمنا لحد ما، إلا أنها عجزت عن تزويدنا بشرح دقيق بما فيه الكفاية.

إن التحليلات الراهنة بشأن العلاقات الصينية-الخليجية لا تركز بما يكفي على التاريخ. فغالبا ما يُنظر إلى الدور الصيني الآخذ في التوسع في الخليج باعتباره قطيعة واضحة وحاسمة مع الماضي. هناك القليل من الدراسات التي توفر سياقًا، وهذا غالبا لا يكون واسعًا بالقدر الكافي.

إن معظم الدراسات الخاصة بعلاقات الصين مع دول الخليج، تستند إلى تنظيرات تقليدية داخل نطاق دراسات العلاقات الدولية- النظرية الواقعية والليبرالية الجديدة- والتي تعتبر أن العالم ثابت وعقلاني. ونتيجة لذلك، يُعتبر الدور الصيني في الخليج عادة بأنه نتيجة تاريخية لمصالح الصين الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية، من دون إيلاء اهتمام كافٍ لكيفية نشوء تلك المصالح.

يزعم "زاو داويجونج" و "مايكل مايدن" أن أنشطة الصين المتزايدة في الخليج تتأثر بطلبها المتزايد على الطاقة. وبالرغم من أنه لا مجال للشك بان هذا العامل حقيقي، إلا أن هذين الباحثين لم يتطرقا إلى الظروف التي زادت من طلب الصين على الطاقة. إن تنامي طلب الصين على الطقة يعود إلى إصلاحات "دينج شياوبينج" الاقتصادية في عام 1979.

فعمليات التوسُّع الحضري والتصنيع استنزفت موارد الطاقة المحلية المحدودة، وزادت الطلب على النفط. إن إغفال تلك العوامل التاريخية يحدّ كثيرا من فهمنا لدور الصين في المنطقة.

علاوة على ذلك، تركّز معظم الدراسات الخاصة بالعلاقات الصينية-الخليجية على دور الدولة، إذ تعتبر تلك الدراسات الدول بأنها الجهات الرئيسية في تلك العلاقات. ونتيجة للطبيعة المتأصلة للدولة الصينية، فإن الحزب الشيوعي في هذا البلد يلعب دورًا بارزًا. غير أن الصين اليوم أصبحت تتسم بقدر متزايد من اللامركزية. إذ باتت هناك جهات مختلفة تابعة للدولة وجهات شبه سوقية، تلعب دورًا مهمًا في العلاقات الصينية-الخليجية.

وكما يجادل "سو شياوبو"، فإن السياسة الخارجية للصين في السنوات الأخيرة، والتي غالبا ما يُنظر إليها بوصفها "إستراتيجية كبرى"، باتت تشترك فيها ضرورات محلية وتنافسات متعددة المستويات بين الوكالات. يرى "جي يو" أن الافتراض القائل بإن الصين دولة جامدة ومستبدة تُتخذ فيها السياسات بكل بساطة من القمة، ربما كان صحيحًا في زمن حكم "ماو زيدونج"، لكن الحال لم يعد كذلك في الصين الحديثة.

مع ذلك، فإن معظم الدراسات لم تكن قادرة على تجاوز مسألة "الدولة". على سبيل المثال، ذكر "محمد عليمات" في كتابه بعض الأمثلة على مشاريع البنى التحتية المختلفة التي قامت بها "الصين" في الخليج، إلا أنه لا يتطرق بشكل كامل إلى الجهات المحددة التي تقف خلف تلك المشاريع. تسرد معظم الدراسات عادة قصصا حول كيف ان "الصين" تعقد اتفاقيات طاقة مع دول الخليج.

مع ذلك، وكما يوضح "جون كالابريس" في مقالته، فإنه منذ البداية كانت الشؤون الخاصة بالطاقة بين الصين ودول الخليج يجري تنفيذها من جانب أكبر ثلاث شركات نفط في الصين: شركة "سينوبيك"، وشركة الصين الوطنية للنفط، وشركة الصين الوطنية للنفط البحري، إلى جانب شركات النفط الخليجية.

على سبيل المثال، وقّعت شركة بترول أبو ظبي الوطنية اتفاقيتي امتياز بحري قدرهما 1،2 مليار دولار مع شركة الصين الوطنية للنفط. ووفقا للصفقة الممتدة لأربعين عامًا، مُنحت شركة الصين الوطنية للنفط عشرة بالمائة من امتياز أم الشيف ونصر، وعلى عشرة بالمائة من امتياز زاكوم السفلي. في حين دفعت شركة "بيترو تشينا" رسوم مشاركة قدرها 2 مليار دولار لامتياز أم الشايف ونصر وامتياز زاكوم السفلي.

هناك أيضا أمر لا يقل أهمية وهو تزايد استخدام عملة "اليوان" في المنطقة، إذ كثيرا ما تعتبر الصين أو دول الخليج بأنها الجهات الرئيسية خلف تلك الظاهرة المتنامية. لكن في الحقيقة، فإن هذه التطورات تقوم بها جهات محددة.

على سبيل المثال، برزت شركة "أرامكو" السعودية بوصفها إحدى الجهات في هذه التطورات وذلك عبر خطتها لطرح أسهمها للاكتتاب، وهي الخطة التي يُعقتد أنها لن تمنح الصين سيطرة على صادرات النفط الخام والمنتجات النفطية السعودية فحسب، وإنما ستمنح الصين أيضا نفوذا سياسيا وإستراتيجيا إضافيا في قلب الشرق الأوسط. إن إهمال هذه الجهات المحددة يُبرز لنا فقط جزءًا من القصة.

إن قلة الاهتمام تلك تسود أيضا في التحليلات الخاصة بتطبيق مبادرة الحزام والطريق. في غضون ذلك، يشير "جي" بذكاء إلى أن تحقيق هذه المبادرة هو من وظيفة جهات مختلفة منها شركات ومصارف خاصة أو تابعة للدولة، فضلا عن مؤسسات مالية أخرى لا تتقاطع مصالحها بالضرورة مع مصالح الحزب الشيوعي الصيني.

إن التركيز على دور الدولة يؤدي إلى مشكلة أخرى: تبنّي نهج يفصل العلاقات الصينية-الخليجية عن السياق المحلي. إذ تشدّد الدراسات الراهنة في معظمها على المصالح الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية للصين في الخليج من دون النظر إلى كيفية تأثير السياسات المحلية على سياسة الصين الخارجية.

إن تجاهل تلك المسألة يسبب إشكالية لأن فهم الصين من منظور خارجي، كما يجادل الدكتور "هنيلتو سيفيلا"، يعطينا جزءًا من الصورة فقط. فغالبا ما يتم تجاهل مسألة أن الهدف النهائي للحزب الشيوعي الصيني هو البقاء في السلطة والحفاظ على سيطرته المطلقة. وهذا يتطلب استقرارًا ويحتّم على الحزب-الدولة الحفاظ على "العقد الاجتماعي" مع الشعب الصيني.

وفي ضوء التباطؤ وإعادة التوازن الاقتصادي للصين، تبحث الصين عن محرّك جديد للنمو الاقتصادي. تبحث الصين تحديدًا عن طريقة للتخفيف من الخلل التنموي الاقتصادي في إقاليمها، وهو أحد التداعيات السلبية لإصلاحات "دينج".

إن دور الصين المتنامي في الخليج يحل تلك القضايا المحلية، ليس فقط عبر تأمين موارد الطاقة، ولكن أيضا عبر توسيع التجارة والاستثمارات. لذلك فإن الفصل بين "الداخل" و "الخارج" يؤثر سلبا على التحليلات الشاملة للعلاقات الصينية-الخليجية، كما أنه من الضروري أيضا فهم عملية صنع القرار المعقدة داخل الحزب الشيوعي الصيني.

إن معظم الدراسات تتناول علاقات الصين مع دول الخليج بمعزل عن التطورات المحيطة. في غضون ذلك، من المهم دراسة كيف أن التطورات داخل الصين وداخل الخليج والشرق الأوسط الكبير، تؤثر على العلاقة بين الطرفين، فلنأخذ على سبيل المثال قضية إقليم "شينغ يانغ" الصيني أو الصراعات الأخرى في الشرق الأوسط مثل الأزمة السورية.

عملت بعض التحليلات، على سبيل المثال، على دراسة تأثير الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية الأخرى، والهادف للحدّ من برنامج طهران النووي، على العلاقات الصينية الخليجية، وتزعم تلك التحليلات أن الاتفاق سيرفع من مكانة الصين في الخليج.

مع ذلك، فإن الفصل بين "الداخل" و "الخارج" يثير العديد من الأسئلة بشأن كيف ينظر الحزب الشيوعي الصيني بالضبط إلى الاتفاق النووي، وكيف يوفّق الحزب بين مصالحه في الخليج وبين علاقته مع الولايات المتحدة. سيكون من المفيد صياغة نهج يتضمن التأثيرات الناتجة عن التطورات المختلفة داخل الصين والشرق الأوسط الكبير، فضلاً عن النقاشات الدائرة داخل أروقة صنع القرار في الصين بشأن تلك التطورات.

أخيرًا، تعاني معظم الأدبيات الخاصة بالعلاقات الصينية-الخليجية من وجهة نظر جبرية. إذ عادة ما يتم تصوير الصين بوصفها قادرة على فعل أي شيء ترغب فيه من دون أن تكون ملزمة بإقناع الأطراف التي ستتأثر بأفعالها. كما يجري عادة تصوير دور الصين الصاعد في المنطقة بأنه عملية سلسة لترسيخ الصين كقوة مهيمنة جديدة، ولتحقيق مصالحها الاقتصادية.

سيكون مثاليًا للغاية، في عالم يشهد صراعات شديدة، أن نتجاهل جهود الصين السياسية والإيدولوجية لإقناع الدول الإقليمية بسياستها. مع ذلك، فإن غالبية الدراسات تلمح إلى أن هذا هو الحال. لقد أشارت بعض الدراسات كيف استجابت دول الخليج بشكل إيجابي لدور الصين المتنامي في المنطقة. مع ذلك، لا تتناول تلك الدراسات جهود الصين لجعل نفسها جذابة.

إن العدد المتزايد للدراسات التي تبحث في مظاهر القوى الناعمة الصينية في الخليج، فشلت في إبراز الدور الذي لعبته جهود الصين في مجال القوة الناعمة في توسعها السياسي والاقتصادي. بعبارة أخرى، عادة ما يجري الفصل بين "القوة الناعمة" المتنامية للصين في الخليج وبين أنشطة الصين الاقتصادية في المنطقة. في غضون ذلك، بذل الحزب الشيوعي الصيني جهودًا للمساواة بين "الحلم الصيني" و "الحلم العربي" وذلك عبر عمليات تواصل على مستوى النخب الحكومية، أو عبر الترويج لمبادرة الحزام والطريق من خلال وسائل الإعلام الرئيسية.

إن هذه النقاط الثلاث ينبغي أن تكون جرس إنذار للمحللين والمراقبين المهتمين بالعلاقات الصينية-الخليجية، كما يمكن لهذه النقاط أن تساعدهم على استخدام أو تطوير نهج تحليلي قوي يقدم تحليلاً شاملاً بشأن هذا الموضوع. هناك عدد من النُهج النظرية التي يمكن اعتبارها أحد الخيارات، مثل نظرية "الغرامشية الجديدة" التي طوّرها "روبيرت كوكس"، والتي تركّز بشكل خاص على التاريخ ودور القوى الاجتماعية وصراعات بناء التوافق.

لقد برز التطبيق العملي لهذا النهج في تحليلات استعانت به لدراسة، على سبيل المثال، علاقات الصين مع الولايات المتحدة وقوة الصين المتصاعدة في العالم. هناك بدائل أخرى يمكن الاستعانة بها مثل نهج الواقعية النقدية لصاحبه  "روي باشكار" والذي يولي اهتمامًا للتاريخ، أو مثل التحليل الأخير بعنوان "تحوّل الدولة الصينية" الذي أجراه كل من "شاهار هاميري" و "لي جونز".  ويشير هذا التحليل إلى أنه لا ينبغي النظر للصين باعتبارها دولة وحدوية، ولكن بوصفها دولة تزداد تفتتا وعولمة ولا مركزية.

هناك جهات متنوعة داخل الصين تواصل السعي لتحقيق أجندات مختلفة ومتناقضة، ما يؤدي لنتائج تعكس وجود حالة من العشوائية والصراع وليس إستراتيجية كبرى. لو استمر استخدام النُهج الراهنة، سيظل من الصعب صياغة تحليل شامل ومقنع حول أنشطة الصين وآثارها على منطقة الخليج.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا