مجلس العلاقات الخارجية | رغم التصويت ضدها في الأمم المتحدة.. لماذا عززت الصين علاقاتها بإسرائيل؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد
رؤية 

إن الصين وإسرائيل ليسا شريكين طبيعيين. حيث أنها تبدوان مختلفتان بشدة من ناحية الحجم, والطبيعة السكانية, والتوجه الجيوسياسي. تمتلك الصين عشرة مدن عدد سكانها أكبر من عدد سكان إسرائيل كلها. الصين ليس بها مجتمع يهودي محلي, وإسرائيل ليس بها مجتمع صيني محلي. إسرائيل مقربة بشدة من المنافس الرئيسي للصين, ألا وهو الولايات المتحدة. مع هذا, تتوسع العلاقة بين الصين وإسرائيل بسرعة في عدد من الجبهات. شهدت السنوات القليلة الماضية نموًا مذهلًا في التجارة, والاستثمار, والتبادل التعليمي, والسياحة بين البلدين.

ما الدافع وراء هذا؟ بالرغم من اختلافاتهما الكثيرة, إلا أن الدوافع الصينية والإسرائيلية براجماتية على نحو متماثل. تسعى كلا الدولتين لتوسيع الشراكات خارج مناطقهما في الوقت الذي تستفيدان فيه من الأسواق وفرص التجارة الجديدة. على وجه التحديد, الصين منجذبة لقطاع التكنولوجيا الإسرائيلي, وترحب إسرائيل باستثمارات الصين وإمكاناتها كمعاون في مجال الأبحاث. إنها تعتبر أيضًا العلاقة مع الصين ردًا على المقاطعة وجهود سحب الاستثمارات التي تنتهجها بعض الدول الأخرى.

التجارة والاستثمار
بعد فترة من العزلة الدبلوماسية واسعة النطاق, تقوم إسرائيل في العقود الأخيرة بتنمية علاقات ثنائية جديدة تدعمها التجارة. لقد عززت, على وجه خاص, سُمعتها كمحور للابتكار, وريادة الأعمال, والأبحاث. في الوقت ذاته, شرعت الصين في عدد مذهل من الاستثمارات ومشروعات البنية التحتية في السنوات الأخيرة, حيث بدأت في مشروعات جديدة في الأسواق الجديدة.

تجاوزت التجارة بين البلدين 11 مليار دولار, وهو رقم ضئيل عند مقارنته بتجارة الصين مع الولايات المتحدة أو أوروبا لكنه أكبر بمئتي مرة مما كان عليه منذ خمسة وعشرين عامًا. في نفس الفترة – من 1992 إلى 2017 – نمت التجارة بين الولايات المتحدة والصين بعشرين مرة فقط.

ماذا يرى الصينيون في "دولة" إسرائيل الصغيرة؟
يبدو أن إهتمامها الرئيسي هو الاستفادة من البحث والابتكار الإسرائيلي. كتب السفير الإسرائيلي السابق في الصين ماتان فيلناي, إلى جانب عساف أوريون وجاليا لافي, في مارس 2017, "في رأي الصين, تتميز إسرائيل, برغم حجمها الصغير, بإنجازاتها العلمية, وعدد شركاتها الناشئة, وعدد الفائزين بجائزة نوبل." تتضمن استثمارات الصين أيضًا التكنولوجيا الفائقة, والزراعة, والمواد الغذائية, والمياه, والتكنولوجيا الحيوية.

كان استحواذ شركة برايت فودز على شركة تنوفا, أكبر شركة منتجات ألبان في إسرائيل, في 2014 هو أول دخول لشركة صينية إلى السوق الإسرائيلية. في أبريل 2018, اشترت مجموعة فوسون الصينية شركة أهافا, المصنعة لمستحضرات التجميل المستخرجة من البحر الميت. لكن العلاقة الاقتصادية الصينية-الإسرائيلية تمتد أعمق من استحواذ الشركات الصينية الخاصة على الشركات الإسرائيلية.  

أثناء زيارة بكين عام 2017, أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاورًا إسرائيليًا أن الصين تمثل ثلث الاستثمارات في التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية. يركز الاستثمار الصيني في إسرائيل على مشروعات البنية التحتية أيضًا. ذكر تقرير يعود لعام 2017 صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن "الصين تشارك أيضًا في بناء البنية التحتية في إسرائيل, مثل حفر أنفاق الكرمل في حيفا, وإنشاء سكك النقل الخفيفة في تل أبيب, وتوسيع موانئ أشدود وحيفا" وتدخل في صناعة الإنشاءات السكنية.

لا يُظهر الاستثمار الصيني علامات على التراجع. يذكر تقرير صادر عن الشبكة العالمية والقيادة الأكاديمية الصينية-الإسرائيلية (سجنال) عام 2017 إنه تم التوقيع على عشرة اتفاقيات ثنائية واتفاقيات عمل, والتي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار, خلال زيارة نتنياهو للصين في 2017. وذكر التقرير أيضًا أن هذا جاء عقب وقت قصير من استثمار صيني هائل بقيمة 16,5 مليار دولار في التكنولوجيا الإسرائيلية في 2016 – وهي زيادة بمعدل عشرة أضعاف عن 2015.

قام جاك ما, المؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة علي بابا, بزيارة إسرائيل في شهر مايو, بصحبة خمسة وثلاثين مديرًا تنفيذيًا, وتوقعت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الزيارة كانت مرتبطة بخطة علي بابا لافتتاح مركز للأبحاث في إسرائيل, والتي أٌعلن عنها في أكتوبر 2017.

السياحة
ارتفع تدفق السياح الصينيين إلى إسرائيل بسرعة, حيث تضاعف إلى أكثر من مائة ألف في الفترة من 2015 إلى 2017. من ناحية النسبة المئوية, الصين هي المصدر الأسرع نموًا للسياح بالنسبة إلى إسرائيل. في 2016, أصبحت إسرائيل ثالث دولة, بعد الولايات المتحدة وكندا, توقع اتفاقية مع الصين لمنح تأشيرة دخول متعدد لمدة عشرة سنوات.

التبادل التعليمي
مع تعمق العلاقات بين الصين وإسرائيل, شهد التبادل التعليمي ارتفاعًا. في جامعة حيفا, على سبيل المثال, ارتفع معدل التحاق الطلاب الصينينن من عشرين إلى مائتين في الخمس سنوات الماضية.

مع هذا, كانت جامعة تخنيون –معهد إسرائيل للتكنولوجيا في مقدمة هذا التبادل. في 2013, حصلت جامعة تخنيون, إلى جانب جامعة شانتو الصينية, على منحة بقيمة 130 مليون دولار من مؤسسة لي كا شينج, التي أسسها رائد الأعمال الصيني لي كا شينج منذ أربعين عامًا, لإقامة فرع في مقاطعة جوانجدونج. قدمت المقاطعة وبلدية شانتو 147 مليون دولار إضافية وقطعة أرض لإنشاء الحرم الجامعي. بصورة مماثلة, في 2016, أعلنت جامعة حيفا عن خطط لبناء مختبر مشترك بجامعة شرق الصين في شنغهاي للأبحاث, والبيانات, والطب الحيوي, وعلم الأعصاب, وهو جهد تموله الحكومة الصينية.

تبع هذا إعلان جامعة تل أبيب في عام 2014 بإنها ستعقد شراكة مع جامعة تسينغ هوا في بكين لبناء مركز أبحاث CIN, حيث ستركز الأبحاث على تنمية التكنولوجيا الحيوية, والتكنولوجيا الشمسية, وتكنولوجيا المياه والتكنولوجيا البيئية.

وجد تقرير سجنال لعام 2017 إنه بينما تعمقت العلاقات الثنائية على مدار العقدين الماضيين, تعمق كذلك الإهتمام الأكاديمي الإسرائيلي: منذ 2002, أُقيمت برامج دراسات آسيوية في جامعة حيفا, وجامعة بار إيلان, وكلية تل حاي, بينما تعمل معاهد كونفوشيوس في الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب.

العلاقات السياسية والعسكرية
أعرب نتنياهو بصورة متكررة عن أمله في أن العلاقات الاقتصادية الأوسع مع الصين سوف تُترجم إلى تقارب أكبر داخل الأمم المتحدة. حدث هذا في حالة الهند, التي شهدت تجارتها مع إسرائيل طفرة في العقدين الأخيرين. عقب هذا النمو في التجارة, تخلت الهند, في عدة مناسبات في السنوات الأخيرة, عن نمطها السابق بالتصويت مع الدول العربية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة. إلا أن الصين لم تغير نمط تصويتها, وتنحاز ضد إسرائيل وقتما يكون هناك تصويت في هيئات الأمم المتحدة.

تشمل علاقة إسرائيل المتنامية مع الهند أيضًا مبيعات أسلحة ضخمة, لكن هذا لا يحدث مع الصين. في الوقت الذي ترسو فيه سفن البحرية الصينية في إسرائيل, مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري محدودين بسبب الضغط الأمريكي.

في 2004, طالبت إدارة جورج دبليو بوش بأن تنكث إسرائيل عهدها بتحديث منظومة هاربي الصاروخية, التي باعتها شركة صناعات الفضاء والطيران الإسرائيلية للصين عام 1994 مقابل 55 مليون دولار. أشار المسئولون الأمريكيون إلى مخاوف أمنية وأدعوا أن منظومة الصواريخ اشتملت على تكنولوجيا أمريكية. نفى المسئولون الإسرائيليون هذه الإدعاءات, وتابعت شركة صناعات الفضاء والطيران الإسرائيلية التزاماتها التعاقدية تجاه الصين.  

نتيجة لهذا, علّقت الولايات المتحدة مشاركة إسرائيل في مشروع الطائرة الضاربة المشتركة وطالبت باستقالة الجنرال عاموس يارون, المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية. عادت إسرائيل إلى برنامج الطائرة الضاربة المشتركة بعد أشهر قليلة لكن بثمن باهظ: كان على وزارة الدفاع تأسيس قسم للإشراف على الصادرات الدفاعية, وتقاعد المدير العام للوزارة بالفعل. تتضمن العلاقة العسكرية الأمريكية-الإسرائيلية تدريبات, ومشاركة للمعلومات الاستخباراتية, ومساعدة عسكرية أمريكية بقيمة 3,8 مليار دولار, وتبقى الولايات المتحدة في موقف قوي لكي تحد من المبيعات العسكرية الإسرائيلية إلى الصين.

العقبات المحتملة مستقبلًا
على الرغم من العلاقات الصينية-الإسرائيلية المتنامية, توجد تحديات تلوح في الأفق. كجزء مما عُرّف على إنه استراتيجية صينية أكثر شمولًا لتوسيع المشاركة في الشرق الأوسط, نمّت الصين علاقات مع كل الفاعلين الرئيسيين – ويشملون عدة دول عربية, وإيران, وتركيا. في حين أن الرئيس الصيني شي جين بينج حقق توازنًا دقيقًا بين إسرائيل وخصومها الإقليميين, إلا أن تعميق العلاقات مع إسرائيل سيخلق توترًا مع بعض شركاء الصين الإقليميين الآخرين, وتحديدًا إيران.

قد يكون نهج الدولة الصينية تجاه المستوطنات مصدرًا للخلاف أيضًا. رفضت الحكومة السماح لعمالها بالعمل في الضفة الغربية, مشيرة إلى معارضتها لبناء المستوطنات الإسرائيلية هناك.

في إسرائيل, توجد بعض المعارضة للتوسع الأخير في العلاقات الثنائية. هناك متشككون في عدة أحزاب سياسية إسرائيلية وضمن مسئولي الأمن القومي السابقين, الذين يحذرون من المشاكل الأمنية المحتملة والخلاف المحتمل مع الولايات المتحدة نتيجة للمشاركة الصينية في مشروعات البنية التحتية الإسرائيلية. في أواخر 2013, قال المدير السابق للموساد أفرايم هليفي "إن تولي الصين لمشروع السكة الحديدية العابرة لإسرائيل, وامتلاكه وتشغيله, لن تفهمه الولايات المتحدة" وحذر من سيطرة الصين على "نقاط ضغط سياسية واقتصادية" داخل إسرائيل.

تمتد تلك المخاوف إلى القطاع المالي وقطاع العمال. منعت دوريت سالينجر, المراقبة العامة عن سوق المال والتأمين, بصورة متكررة بيع شركتي فونيكس وكلال للتأمين إلى شركات صينية, مستشهدة بمخاوف من السيطرة الأجنبية على مئات المليارات من أموال صناديق المعاشات الإسرائيلية. عارض إتحاد المقاولين والبنائين المشاركة الصينية في مشروعات البناء والبنية التحتية.

مع هذا, النمو الذي شهدته العلاقة الصينية-الإسرائيلية نفع الجانبين بصورة واضحة. في إسرائيل, وجدت الصين فرص استثمار جديدة ومصدرًا جديدًا للتكنولوجيا المتطورة. بالنسبة إلى إسرائيل, العلاقة هي أحدث نجاحات استراتيجية نتنياهو لتطوير العلاقات بعيدًا عن الولايات المتحدة وأوروبا؛ والصين, لكونها أكثر دولة ازدحامًا بالسكان, تُعد سوقًا للصادرات الإسرائيلية. وفي ضوء الخلاف السابق مع الولايات المتحدة حول مبيعات التكنولوجيا الفائقة إلى الصين, ينبغي أن تكون إسرائيل حريصة خشية أن تجد نفسها على خلاف مع أكبر حليف لها فيما يتعلق بالمنتجات التي لها استخدامات عسكرية محتملة. مع هذا, بالنسبة إلى إسرائيل, العلاقات المتنامية مع الصين هي بمثابة تذكِرة بإنه, برغم التحديات المحلية والإقليمية المتعددة التي تواجه الدولة الصغيرة, إلا إنها تستطيع أن تبني علاقات مهمة حول العالم.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا