الفرص والمخاطر – الممر التجاري بين الصين وباكستان

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

رؤية

يقول القادة الباكستانيون إن الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الذي بدأ في 2015، هو "مُغيّر للعبة" بالنسبة لاقتصاد الدولة المتعثر. لكن الخطط المبهمة للممر، والانتفاضة التي يُرجح أن تؤثر على المواطنين المحليين على طول مساره، والأرباح التي تتدفق في الغالب إلى الغرباء، قد تثير الاضطراب. لقد قمعت الحكومة منتقدي الممر.

هذا الممر الاقتصاد قد يساعد في إعادة إحياء اقتصاد باكستان، لكن إذا مضى قدمًا من دون المزيد من النقاش المتعمق في البرلمان والمجالس التشريعية الإقليمية والتشاور مع المحليين، سوف يعمق الخلاف بين المركز والأطراف الفيدرالية، ويهيج الولايات التي تعرضت للإهمال لمدة طويلة، ويوسع الانقسامات الاجتماعية، وربما يخلق مصادر صراعٍ جديدة.

ما الذي يجب إتمامه؟

ينبغي على الحكومة التي تتولى السلطة بعد انتخابات يوليو 2018 أن تُشجّع النقاش حول الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني، وتتشاور مع رواد الأعمال والمجتمع المدني والمحليين المتضررين، وتضمن أن يحصل مُلاك الأراضي على تعويض مناسب، وتشجع توظيف العمالة المحلية، وتتيح مساحة للمعارضة. وينبغي على بكين والشركات الصينية المشاركة ودعم إجراءات مماثلة.

يمثل الممر، الذي وُضع تصوره في منتصف 2013 وأُطلق في أبريل 2015، وهو مجموعة مشروعات تندرج تحت مبادرة الحزام والطريق الصينية، عصرًا جديدًا من الروابط الاقتصادية في علاقة ثنائية كان يميزها التعاون الأمني على مر التاريخ.

ويحتاج اقتصاد باكستان للإصلاح بصورة واضحة من أجل تقديم خدمات أفضل للشعب، فيما يقول الكثير من المسئولين إن الممر الاقتصادي سيساعد في هذا الصدد. لكن مثلما طُرح حاليًا، يخاطر الممر بزيادة حدة التوتر السياسي، وتوسيع الانقسامات الاجتماعية وخلق مصادر جديدة للصراع في باكستان.

ينبغي على الحكومة التي تتولى السلطة في باكستان عقب انتخابات يوليو أن تخفف هذه المخاطر عن طريق المزيد من الشفافية حول خطط الممر الاقتصادي، والتشاور مع الأطراف المعنية، ومن ضمنهم الولايات الأصغر، ومجتمع الأعمال والمجتمع المدني، ومعالجة المخاوف بأن الممر يُخضع مصالح باكستان لمصالح الصين.

من جانبها، ينبغي على بكين أيضًا أن تتشاور مع الأطراف المعنية في المناطق التي ستستضيف مشروعات الممر الاقتصادي التي ستتفق عليها مع إسلام آباد. ينبغي أن تشجع الشركات الصينية على مراعاة سكان تلك المناطق، عن طريق توظيف عمالة محلية.

إن هذا الممر، الذي يشمل قروضًا واستثمارات ومِنحًا قد تنمو لتصل إلى حوالي 60 مليار دولار، يمتد لمسافة 2،700 كم. إنه يبدأ من ميناء جوادر الباكستاني المطل على بحر العرب، في ولاية بلوشستان، ويمر عبر طريق كاراكورام السريع، وصولًا إلى مقاطعة كاشغر في إقليم شينجيانج الصيني.

داخل الأراضي الباكستانية، يمنح مشروع التنمية الاقتصادية الأولوية للبنية التحتية للنقل، والتنمية الصناعية، والطاقة وميناء جوادر الاستراتيجي. يشكّل التحديث والإنتاج الزراعي عنصرًا حيويًا آخر.

وقد وصفت حكومة نواز في باكستان، والتي وصلت للسلطة عقب انتخابات عام 2013 وتنحّت يوم 31 مايو 2018، الممر بأنه قفزة للأمام في العلاقات مع الصين وللتنمية الاقتصادية للبلاد.

حماية المصالح المحلية

أيّد المتنافسون على المنصب الوطني من جميع الأطياف السياسية هذا الرأي. مع هذا أبدى بعض مسئولون رفيعو المستوى وأصوات باكستانية بارزة في مجال الأعمال، قلقهم حيال الفشل في حماية المصالح الاقتصادية المحلية، والعوائد المضمونة المرتفعة على أسهم المستثمرين الصينيين، والدين القومي الذي لا يمكن تحمله.

في حين أنه من المبكر جدًا تقييم إذا ما كان الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني سيحقق المكاسب الاقتصادية التي تَعِد بها إسلام آباد،بيد أن المشروع يخاطر بإشعال توترات قائمة منذ زمن بين المركز والوحدات الفيدرالية الأصغر، وفي داخل الولايات حول التنمية الاقتصادية غير العادلة وتوزيع الموارد.

تدّعي الوحدات الفيدرالية الأقل تنمية مثل بلوشستان والسند أن مسار الممر، والبنية التحتية والمشروعات الصناعية، ستنفع البنجاب في المقام الأول، وهي بالفعل أغنى ولاية في الدولة وأقواها سياسيًا. مع هذا، حتى في البنجاب، قد يقاوم المحليون استحواذ الدولة على الأراضي من أجل المشروعات الزراعية الخاصة بالممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني.

في بلوشستان، يفاقم الممر الاقتصادي المظالم الحالية بين سكان تسببت تصوراتهم عن الاستغلال والإهمال من المركز، إلى جانب قمع السلطات للمعارضة، في إشعال التمرد.

ولن تحصل الولاية على أرباح مالية مباشرة من ميناء جوادر، وهو مشروع رئيس في الممر الاقتصادي؛ ما يعني أنه من المرجح أن يزداد الغضب المحلي تجاه إسلام آباد. وبدلًا من تنمية قرية صيد راكدة إلى مركز تجاري نشط كما تعهدت إسلام آباد وبكين، يُنتج المشروع منطقة عسكرية، ويتسبب في نزوح المحليين وحرمانهم من شريان الحياة الاقتصادي.

في مقاطعة ثارباركار في السند، مشروعات الطاقة المعتمدة على الفحم لا تدمر البيئة فحسب، بل إنها تتسبب في نزوح المحليين من منازلهم؛ وقد تدمر سبل العيش!

وتنبع معظم هذه المشاكل من الصياغة المبهمة للسياسات، والفشل في مراعاة المخاوف الإقليمية والمحلية.

وقد وضع المركز خطة طويلة الأجل للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (2017-2030) بمساهمة قليلة من القادة المحليين، ورجال الأعمال والمجتمع المدني. لم يُعلن عنها حتى ديسمبر 2017 بعد بدء تنفيذ بعض العناصر الرئيسية.

التواجد الأمني

من نقطة دخول المشروع، في جوادر، حتى نقطة الخروج، في جلجت-بلتستان، كان رد الدولة على المعارضة المحلية والإبعاد هو التواجد الأمني المتعجرف، الذي يميزه نقاط التفتيش التابعة للجيش، وترهيب السكان المحليين والتحرش بهم، والحملات القمعية ضد الاحتجاجات المعارضة للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني.

قد تأخذ المكاسب الجيوسياسية المتصورة الأفضلية على المكاسب الاقتصادية.

وترى المؤسسة العسكرية الباكستانية العلاقة الاقتصادية الأعمق مع الصين، حتى لو مالت لصالح بكين،كمقابل للضغط الدبلوماسي والاقتصادي الأمريكي المتصاعد لإنهاء الدعم المقدم لأفغانستان – والوكلاء المسلحين الموجهين للهند. لكن بينما توسع حضورها الاقتصادي في الدولة،تبدو بكين أيضًا قلقة بشكل متزايد من التهديدات التي يشكّلها هؤلاء الوكلاء على مصالح أمنها القومي والإقليمي.

علاوة على هذا، يصحب المكاسب غير المتساوية، تصورات عن أن مشروعات الممر الاقتصادي تقوض المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأطراف المعنية الرئيسية؛ ما قد تزيد من حدة المشاعر المعادية للصين داخل باكستان. وقد كانت هناك بالفعل عدة هجمات على باكستانيين يعملون في مشروعات تابعة للممر.

يجب أن تضمن إسلام آباد أن توجهات وأولويات الممر الاقتصادي تخاطب المصالح الاقتصادية والسياسية للبلاد، ويشمل ذلك اتخاذ الخطوات التالية:

 تبني إجماع سياسي على اتجاه المشروع، من خلال رعاية مناقشات في المجالس التشريعية الوطنية والإقليمية، لضمان وجود مكاسب متساوية لجميع الولايات؛ ووقف الاعتقالات والتحرش والممارسات القهرية الأخرى في حق منتقدي المشروع.

التشاور مع خبراء الاقتصاد، والغرف التجارية، ومجلس الأعمال الباكستاني، والاتحادات التجارية والأطراف المعنية الأخرى في مجتمع الأعمال، ودمج إجراءات لمعالجة مخاوفهم في إطار عمل جديد للمناطق الاقتصادية الخاصة ومشروعات التنمية الخاصة بالممر.

توظيف عمالة محلية وضمان أن مشروعات الممر الاقتصادي تطبق إجراءات حماية للعمالة.

التشاور بصورة موسعة مع المجتمعات المحلية حول التكاليف والأرباح المحتملة لمشروعات التنمية الرئيسية، وابتكار تعويض مناسب وخطة إعادة توطين لجميع النازحين، والذين يشملون مُلاك الأراضي الرسميين، وأصحاب الملكية غير الرسمية كما هو شائع في أنحاء باكستان. وإذا لزم الأمر، يجب على البرلمان أن يفكر في إصلاحات مناسبة لقانون حيازة الأراضي لعام 1894.

كما يجب على بكين والشركات الصينية:

التشاور ومشاركة جميع الأطراف المعنية الباكستانية، من النخب المتنافسة إلى القواعد الشعبية، أثناء تحديد أو تنفيذ مشروعات الممر، ومنح الأولوية لخلق فرص عمل للمحليين.

إجراء تحليل شامل للمخاطر وتحليل سياسي لمشروعات الممر لضمان مشاركة الأرباح بالتساوي بين المصالح المتنافسة.

إكمال هذه الجهود باتصالات فعالة وموسعة مع الأطراف المعنية الباكستانية على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية، بحيث توضح المصالح المشتركة.

وبرغم كل تلك المخاطر والتحديات،يقدم الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني فرصة لتحديث البنية التحتية المتهالكة لباكستان، وإعادة إحياء اقتصادها المتدهور.

لكن لتحقيق هذه الوعود، تحتاج كلٌّ من إسلام آباد وبكين لتنفيذه المراعاة والتشاورعن طريق منح الولايات والمجتمعات الأكثر تأثرًا صوتًا أكبر في تشكيل مشروعات الممر الاقتصادي.

يحتاج المحليون لرؤية الأرباح؛ فالأرباح التي تتدفق بصورة كبيرة للغرباء ستُفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية؛ ما يشعل التوتر وربما الصراع. وفي الوقت الذي يقترب فيه التحول الديمقراطي في باكستان من علامة فارقة أخرى، وهو إتمام ثاني حكومة منتخبة على التوالي مدتها الكاملة، يجب أن تستغل الحكومة التي تخلفها فرص الولاية الجديدة، وتُشكل نقاشًا عامًا حول الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني، وتتبنى سياسات ذات صلة تضع رخاء المواطنين الباكستانيين نصب أعينها.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا