مجلس العلاقات الخارجية| من ضمنها حريق المتحف.. كيف أشعل الفساد النار فى البرازيل؟

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – آية سيد
 آية سيد

وصلت التحقيقات في تهم الفساد التي بدأت عام 2014 إلى أعلى مستويات الحكومة والنخبة البرازيلية, وشملت الرئيس ميشال تامر, ورؤساء سابقين, وعشرات المسئولين الحكوميين وأعضاء في مجلس الشيوخ. أدت عملية لافا جاتو (عملية غسيل السيارات) والتحقيقات المتداخلة إلى إصدار أحكام بالسجن في حق مسئولين وساسة بارزين, وتسريح جماعي, ودفع غرامات تساوي مليارات الدولارات.

هذه الفضائح عقّدت جهود إحياء الاقتصاد في أضخم كساد يتعرض له منذ أكثر من قرن. واجهت كبرى الشركات في الدولة إخفاقات متعددة, ومن المتوقع أن تنعكس أصداء تداعيات الفضائح على الانتخابات العامة البرازيلية 2018. تظاهر ملايين البرازيليين تأييدًا للتحقيقات, ويأمل الكثيرون أن يُنهي تسليط الضوء على الفضائح، الفساد المنتشر الذي اجتاح بلادهم.  

ما هي لافا جاتو؟
أطلق المدعون الفيدراليون بقيادة القاضي سيرجيو مورو عملية لافا جاتو في مارس 2014, بعد أن اكتشفت وحدة المخابرات في وزارة المالية معاملات بنكية غير عادية تشمل شركة بتروبراس للنفط المملوكة للدولة. لقد اشتبهوا في أنَّ "بتروبراس" كانت تقبل رشاوى من شركات أخرى, من ضمنها عملاق الإنشاءات أودبريشت, مقابل الحصول على عقود.

حُكم على مدراء تنفيذيين من كل "بتروبراس" و"أودبريشت", ومن ضمنهم مارسيلو أودبريشت, الرئيس التنفيذي السابق للشركة, بالسجن. في أبريل 2017, أمرت محكمة فيدرالية أمريكية أودبريشت بدفع غرامات بقيمة 2,6 مليار دولار للسلطات في البرازيل, وسويسرا, والولايات المتحدة. كانت الشركة قد اعترفت مسبقًا بدفع مئات ملايين الدولارات كرشاوى لمسئولين في 12 دولة. وبعد مواجهة خسائر مالية جزئيًا بسبب التحقيق, سرّحت الشركتان أكثر من مائة ألف موظف.

وفقًا لمكتب المدعي العام, حتى أغسطس 2018 أثمرت عملية لافا جاتو عن حوالي 200 إدانة على جرائم تتضمن الفساد, وانتهاك النظام المالي الدولي, والإتجار في المخدرات, وغسيل الأموال. تورطت أكثر من 12 مؤسسة أخرى وعدة قادة أجانب في عملية لافا جاتو, من ضمنهم الرئيس الكولومبي السابق خوان مانويل سانتوس, والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو, ورئيس بيرو السابق بيدرو بابلو كوشينسكي.

جرى الإعلان عن تحقيق آخر, عملية كارني فراكا (اللحوم الرديئة), في مارس 2017؛ بدأ التحقيق نتيجة لتحقيق لافا جاتو، وتابع الاتهامات بأن موظفين في "جيه بي إس" و"بي آر إف", أكبر مصدِّرَين للحوم والدواجن المجمدة في العالم, قدما رشاوى لمفتشي الأغذية من أجل الموافقة على بيع منتجات فاسدة. في الأشهر التالية, أوقف الاتحاد الأوروبي واردات اللحوم من البرازيل, إلى جانب الصين, ومصر, واليابان, والمكسيك, والولايات المتحدة. (بعض هذه الدول رفعت الحظر بعدها بوقت قصير, لكن قيود الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تظل كما هي.) عقد رؤساء شركة جيه بي إس, الأخوان جويسلي وويسلي باتيستا, اتفاقًا على تخفيف العقوبة مع المدعين واستقالا من منصبَيهما في شهر مايو؛ أدت شهاداتهما إلى فتح تحقيق مع الرئيس تامر. وافق صاحب الأسهم المسيطر في "جيه بي إس" هذا الشهر على دفع غرامة بقيمة 3,16 مليار دولار بعد أن اعترف المدراء التنفيذيون برشوة 1,829 شخصية سياسية بمبالغ قُدِّرت بنحو 600 مليون دولار. أُلقي القبض على الأخوان باتيستا في سبتمبر بتهم الكذب على الادعاء والتداول بناءً على معلومات داخلية.  

تسببت عدة تحقيقات فساد أخرى، والتي تداخلت مع لافا جاتو، في اعتقال أكثر من 12 شخصًا آخرين. تشمل هذه التحقيقات: عملية باناتينايكو, التي تهتم بالرشاوى المزعومة التي دفعتها شركات إنشاءات مقابل الحصول على عقود لبناء ملاعب من أجل كأس العالم الذي استضافته البرازيل في 2014؛ وعملية جرينفيلد, وهو تحقيق في احتيال مزعوم بصناديق المعاشات الخاصة بشركات مملوكة للدولة؛ وعملية زيلوتس, التي تحقّق في رشاوى دفعتها شركات, من ضمنها "جيه بي إس" والفرع البرازيلي لشركة فورد, لمسئولين في الضرائب من أجل تخفيض المبالغ المطلوبة من شركاتهم.  

مَن المسئولون الحاليون أو السابقون الذين جرى التحقيق معهم؟
فوّض قاضي المحكمة العليا, إدسون فاشين, المدعين لفتح تحقيقات مع مئات الأشخاص المذكورين في شهادة موظفي أودبريشت كجزء من اتفاقات تخفيف العقوبة. شملت القائمة أربعة رؤساء سابقين, وثمانية وزراء, وحوالي سبعين عضوًا في المجلس الوطني, وثلاثة محافظين. من ضمن أبرز الساسة الذين تم التحقيق معهم:

لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. حكم القاضي مورو في شهر يوليو 2017 على الرئيس السابق (2003-2011) والمرشح الرئيسي للانتخابات الرئاسية 2018 بالسجن لمدة تسع سنوات ونصف بتهم الفساد وغسيل الأموال. لولا, الذي يواجه أيضًا تهمًا في ست قضايا فساد أخرى, خسر الاستئناف في يناير ومارس 2018, حيث لم يتم تأييد الحكم وحسب؛ بل جرى تمديده إلى 12 عامًا. في أوائل شهر أبريل, أُلقي القبض على لولا بعد أن أصدرت أعلى محكمة في البلاد, المحكمة الفيدرالية العليا, حكمًا بأن الرئيس البرازيلي السابق يجب أن يتابع عملية الاستئناف من داخل السجن. على الرغم من أنه من المتوقع أن تؤيد المحكمة الفيدرالية العليا الحكم الصادر في حقه – مما يجعله غير مؤهل للترشح للرئاسة – اختار حزب العمال "لولا" مرشحًا رئاسيًا له في أوائل شهر أغسطس. تعهد 47% من البرازيليين بدعم من يؤيده لولا, وهو على الأرجح عمدة ساو باولو السابق فيرناندو حداد. وأشار مكتب المدعي الفيدرالي إلى لولا بأنه العقل المدبر وراء مخطط الفساد الكامل الذي يستهدفه تحقيق لافا جاتو, وبعض المسئولين من إدارته يقضون مدة عقوبتهم على جرائم ذات صلة. إنه يوصف في كثير من الأحيان بأنه الناصح لخليفته, ديلما روسيف, التي كانت رئيسة ديوانه من 2005 حتى 2010.  

ديلما روسيف. تولت روسيف المنصب في 2011 ثم أُقيلت وعُزلت عن المنصب في 2016 خلال ولايتها الثانية, بعد اتهامها بالتلاعب بالميزانية الفيدرالية لإخفاء حجم العجز في الدولة. لم يقدم المدعون أبدًا اتهامات متعلقة بفضيحة بتروبراس ضد روسيف, على الرغم من أنها كانت رئيسة الشركة من 2003 إلى 2010. سعت قضية أخرى, قدمتها المعارضة, لإبطال النصر الانتخابي لروسيف وتامر في 2014 على خلفية اتهامات بتبرعات غير قانونية للحملة, لكنها لم تنجح.

ميشال تامر. كان نائبًا لروسيف وتولى الرئاسة في أغسطس 2016 بعد إقالة روسيف. لم يظهر اسمه على قائمة فاشين, لكنه اتُّهام بقبول رشاوى. سلّم رئيس جيه بي إس, جويسلي باتيستا, إلى المحققين تسجيلًا صوتيًا يزعم بإظهار تامر وهو يأمر بإعطاء رشوة مقابل الصمت لـ"إدواردو كونها", رئيس مجلس النواب السابق. مثل روسيف ولولا, نفى تامر الاتهامات الموجهة ضده.

إدواردو كونها. تم اتهامه في أكتوبر 2016 بقبول رشاوى بقيمة 40 مليون دولار ومحاولة عرقلة التحقيقات في أنشطته. في مارس 2017, حُكم عليه بالسجن لأكثر من 15 عامًا بتهم الفساد, والتهرب الضريبي, وغسيل الأموال. يواجه كونها تهمًا جنائية إضافية أيضًا.

سيرجيو كابرال. أُلقي القبض على حاكم ولاية ريو دي جانيرو السابق في نوفمبر 2016 بتهم قبول رشاوى بقيمة 64 مليون دولار مقابل عقود إنشاءات, من ضمنها عقود خاصة بملاعب كأس العالم. حُكم عليه بالسجن 14 عامًا في يونيو 2017.

هل كان للتحقيقات عواقب اقتصادية؟
إن المشاكل الاقتصادية في البرازيل تسبق عملية لافا جاتو. سقطت الدولة في بدايات 2014 في أسوأ كساد تشهده منذ أكثر من قرن. مع تفاقم الأزمة السياسية, تأثرت مستويات الاستثمار وثقة المستهلكين؛ ما أدى إلى انخفاض بنسبة 3,9% في الناتج المحلي الإجمالي في 2015 وانخفاض آخر بنسبة 3,6% في العام التالي.

في النصف الأول من 2017, شهدت البرازيل أول نمو ربع سنوي منذ عامين, بنسبة 1%. لكن بعد نشر تسجيل تامر في شهر مايو, هبطت عُملة البرازيل, الريال, بنسبة 8%, وأشار خبراء الاقتصاد إلى أن الاضطراب السياسي سيزيد من احتمالية أن تغرق الدولة مجددًا في الكساد. وصل معدل البطالة في البرازيل إلى رقم غير مسبوق في مارس 2017 عند 13,7%, وهو أكثر من ضعف المعدل في أواخر 2013, قبل بدء عملية لافا جاتو.

رغم ذلك, بنهاية ذلك العام, أظهر اقتصاد البرازيل علامات أولية على التعافي. أعلنت وزارة المالية أن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بمقدار 1,1% في 2017, مستشهدةً بانخفاض في دين القطاع الخاص وزيادات في الاستثمار والاستهلاك. كانت البطالة والتضخم ينخفضان وكان سعر الفائدة المرجعي في أدنى مستوياته عند 7% في ديسمبر.

ضغط تامر على الكونجرس للتصديق على برنامج إصلاح اقتصادي ضخم والذي يشمل إجراءات تقشف تهدف إلى كبح الدين الحكومي, الذي يواصل الارتفاع. مع هذا, يشكّك الخبراء في أنه يستطيع المضي قدمًا في الإصلاحات وسط تحقيقات الفساد. تعثرت عدة نماذج لمشروع قانون إصلاح نظام التقاعد التي قدمها تامر في الكونجرس.

في هذه الأثناء, واجهت الشركات المتورطة في قلب الفضائح, وبعضها من أكبر شركات الدولة, عواقب مالية وخيمة. في منتصف 2018, كان يُعتقد أن فضيحة الفساد ساعدت في القضاء على أكثر من 250 مليار دولار من القيمة السوقية لبتروبراس. خسر عملاق النفط أيضًا مليارات أخرى في تسويات قانونية وتكاليف أخرى متعلقة بالرشاوى.

ما هو موقف إدارة تامر؟
يمنح القانون البرازيلي لأعضاء الحكومة وغيرهم من المسئولين الفيدراليين المنتخبين ميزة خاصة, وهي إنهم يُحاكمون فقط أمام المحكمة الفيدرالية العليا. تتحرك القضايا المقامة ضد الساسة ببطء في المحكمة, التي كانت مُراعية للساسة على نحو تقليدي؛ ما أدى إلى "حصانة فعلية من المحاكمة," كما يكتب ماثيو تايلور, الخبير في سياسات أمريكا اللاتينية في الجامعة الأمريكية.

في يونيو 2017, اتهم المدعي العام الرئيس بالفساد بسبب قبول رشوة بقيمة 152 ألف دولار من باتيستا, وفي سبتمبر بعرقلة العدالة والكسب غير المشروع. فشلت الاتهامات في الحصول على موافقة الثلثين التي يحتاجها الكونجرس لتقديمها إلى المحكمة الفيدرالية العليا, ونجا تامر من التصويت على الإقالة في أغسطس من ذلك العام. على الرغم من ذلك, تنحّى ثمانية وزراء  أو مساعدين بارزين على الأقل منذ تولي تامر للمنصب؛ بسبب ما كشف عنه تحقيق لافا جاتو والتحقيقات الأخرى. يقول تايلور: "لقد جرى القضاء على مجموعة ناصحيه غير الرسميين." سحبت عدة أحزاب صغيرة دعمها لإدارة تامر.

في ديسمبر 2017, أشعل تامر الغضب عبر تخفيض الحد الأدنى لفترة السجن اللازمة لمنح العفو الرئاسي السنوي للمدانين بجرائم غير عنيفة. قال النقاد إن الشروط المخففة ستنفع الساسة المدانين بموجب تحقيق لافا جاتو في المستقبل. أوقفت المحكمة الفيدرالية العليا على الفور أجزاء من مرسوم تامر, مصرحة بأن "العفو ليس ولا يمكن أن يصبح أداة للإفلات من العقاب."

في الوقت نفسه, يبقى "لولا" مفضلًا في استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات العامة في شهر أكتوبر المقبل, متفوقًا بعشرين نقطة على أقرب منافسيه, جاير بولسونارو, عضو الكونجرس اليميني. ويتضمن المرشحون الرئاسيون الآخرون حاكم ساو باولو السابق جيرالدو آلكمين, والوزير السابق سيرو جوميز, ومارينا سيلفا, الناشطة البيئية والعضو السابق في مجلس الشيوخ.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا