مجلس العلاقات الخارجية | شبكة مُعقدة.. تعرف على مراكز القوى داخل إيران

أحمد الباز

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

شهدت إيران في بداية عام 2018 أكبر احتجاجات على الصعيد الوطني منذ الثورة الخضراء عام 2009، وقد اندلعت تلك الاحتجاجات في بداية الأمر بسبب الغضب من الركود الاقتصادي وفشل الحكومة في حله. إن مطالبات المحتجين بتحسين وضعهم المعيشي هي اختبار للجمهورية الإسلامية، والتي تأسست عام 1979 على مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية، لكن تلك الجمهورية تعرّضت لاتهامات بانتهاك الحقوق المدنية والإنسانية ورعاية الفساد.

لقد خاض الرئيس حسن روحاني حملتين انتخابيتين تعهّد فيهما بتحسين الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة، كما أن السبب الرئيسي الذي دفعه لمناصرة الاتفاق النووي في عام 2015، كان فتح أبواب إيران للاستثمارات الدولية. لكن الشركات الأجنبية كانت مترددة بشأن العودة لإيران بسبب العقوبات المصرفية الأمريكية القائمة، والخوف من احتمال إلغاء الرئيس دونالد ترامب للاتفاق، بالإضافة إلى عوامل محلية أعاقت الاستثمار. كما اعترض المحتجون على مقترحات تضم رفع أسعار الوقود وتخفيض المعونات النقدية في ميزانية عام 2018، بينما تغدق الحكومة الأموال على المؤسسات الدينية والحرس الثوري.

من غير الواضح بعد حجم التناقض الموجود بين الرئيس روحاني من جهة، والأفراد والمؤسسات الأخرى التي تملك السلطة في إيران من جهة أخرى، وأبرزها المرشد الأعلى "علي الخامنئي" ومؤسسة الحرس الثوري. إن التصميم المعقد لمؤسسات الجمهورية الإسلامية، يثير شكوكًا بشأن عما إذا كان من الممكن تحقيق مطالب الشفافية والمحاسبة التي رفعها المتظاهرون.

إن النظام السياسي في إيران ليس ديمقراطيًا ولا ثيوقراطيًا. لقد طوّر "آية الله الخميني" العقيدة التي يقوم عليها هذا النظام، والمعروفة باسم ولاية الفقيه، في الأعوام التي سبقت ثورة عام 1979، مفترضًا أن إقامة حكومة عادلة هو أمر ممكن في حال تولّى علماء الدين قيادتها للتأكد من التزام تلك الحكومة بالشريعة الإسلامية. وقد جرى تنفيذ هذا الأمر عبر إجراء استفتاء دستوري في مرحلة مع بعد الثورة. واتخذت الجمهورية الإسلامية شكل الجمهورية الحديثة – مجلس تشريعي من غرفة واحدة (المجلس)، وسلطة تنفيذية يقودها الرئيس، والسلطة القضائية – لكن هذه الجمهورية الحديثة مغلفة بنظام ديني. (مع ذلك، فإن معظم أفراد الهيكل الديني في إيران، هم خارج هذا الهيكل الرسمي، وهم يتخذون من مدينة قُم مركزًا لهم بدلاً من العاصمة طهران).

يقبع فوق قمة هذا الهيكل الرسمي المرشد الأعلى (الولي الفقيه). يصف الدستور الإيراني المرشد بأنه رئيس الدولة، ويمنحه سلطات واسعة، باعتبار أن السلطة السياسية تأتي من السلطة الدينية.

تحدد المادة 110 في الدستور الإيراني السلطات الرئيسية لمنصب المرشد. ومن بينها وضع السياسات الوطنية والإشراف على تطبيقها، وقيادة القوات المسلحة وتعيين القادة العسكريين وقادة الحرس الثوري والشرطة. وتفيد التقارير أن "خامنئي" كان له تأثير في اختيار وزراء الدفاع والاستخبارات والخارجية، بالإضافة إلى وزارة العلوم، وهي وزارة حساسة مسئولة عن تعيين رؤساء الجامعات.

لكن سلطة المرشد الأعلى ليست مطلقة. فهو يجري اختياره بواسطة "مجلس الخبراء"، وهو مجلس مكوّن من ثمانية وثمانين رجل دين يجري انتخابهم بشكل مباشر، مكلفين دستوريًا بالإشراف على أداء المرشد الأعلى. لكنهم من الناحية العملية ينفذون عملية المراقبة تلك عبر لجنة سرية، ومن غير الواضح ما إذا كان قد سبق لهم إجراء محاولة جادة لفحص أداء "الخوميني"، أو خليفته "خامنئي".

هناك أيضًا قيود غير رسمية على المرشد الأعلى. فمنصبه يجعل منه حَكَمًا في السياسة الإيرانية ومصدرًا للتقليد، لذا فإن توجيهاته من المفترض لها أن تحدّد مسار الجمهورية، وتعكس في الوقت ذاته حالة توافق واسعة بين النخب الحاكمة. في غضون ذلك، يعتمد المرشد الأعلى بالقدر ذاته على أدوات تقليدية للسلطة السياسية – السيطرة على وسائل الإعلام، والمحسوبية، وهكذا- مستغلاً بذلك سلطات مكتبه الدينية للتأثير على الحكومة والمجتمع.

أما الرئيس الإيراني فيخضع لسلطة المرشد الأعلى، وهو يرأس الحكومة. يُنتخب الرئيس لفترتين فقط تبلغ كل منها أربع سنوات، وهو مكلّف بتطبيق القوانين ووضع السياسات ضمن الحدود التي يرسمها المرشد الأعلى. هو يرشح أعضاء الحكومة، ويجب أن تحظى تلك الترشيحات بموافقة البرلمان.  هو أيضًا يقترح الميزانية، والتي يجب أن تمر عبر البرلمان. (تشكل عوائد النفط، التي من المتوقع أن تبلغ 33 مليار دولار في هذا العام، ثلث عوائد الحكومة المتوقعة، كما دعا خامنئي لتقليل اعتماد إيران على النفط).

يتكون البرلمان، أو المجلس، من 290 مقعدًا. ويجري انتخاب أعضائه بشكل مباشر لفترة مدتها أربع سنوات، وتُخصَّص خمسة مقاعد للأقليات الدينية. لقد انخفض عدد رجال الدين في البرلمان الإيراني- في المجلس السابق كان هناك سبعة وعشرون رجل دين – بينما زاد عدد الأعضاء المحسوبين على الحرس الثوري الإيراني. وبوصفه مجلسًا مكونًا من غرفة واحدة، فإن البرلمان يحظى بسلطات تشريعية واسعة، لكن هناك مجلس آخر، مجلس صيانة الدستور، مكلّف بمهمة تحديد ما إذا كانت القوانين التي وافق عليها البرلمان متوافقة مع الدستور والمفاهيم الإسلامية. إن نصف أعضاء هذا المجلس، المكوّن من اثني عشر عضوًا، هم علماء دين يعيّنهم المرشد الأعلى، ويتشكل النصف الآخر من فقهاء قانونيين يختارهم البرلمان.

يقرر مجلس صيانة الدستور أيضًا أهلية المرشحين لمجلس الخبراء والرئاسة والبرلمان، ما يمنحه نفوذًا هائلاً في تحديد معالم الديمقراطية الانتخابية في إيران. في انتخابات عام 2016، وافق هذا المجلس فقط على نصف المرشحين للانتخابات البرلمانية، وخُمس المرشحين لمجلس الخبراء. لقد حرم هذا المجلس في أحيان كثيرة المرشحين الإصلاحيين من خوض الانتخابات. وفي انتخابات عام 2017، لم يوافق المجلس على ترشح "محمود أحمدي نجاد"، الرئيس السابق المتشدد، الذي تصادم مع "خامنئي" أثناء توليه منصب الرئيس.

هناك مجلس آخر، مجلس تشخيص مصلحة النظام، جرى تأسيسه عقب المراجعة التي تمت على الدستور عام 1988، وقد كُلف بمهمة التوسّط بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور. لقد أسند المرشد الأعلى، الذي يعيّن أعضاء هذا المجلس لمدة خمس سنوات، سلطة مراقبة عمل الحكومة إلى هذا المجلس. إن هذا المجلس هو وسيلة أخرى يمارس من خلالها المرشد الأعلى سلطة أكبر على الحكومة.

هناك أيضًا مؤسسة "المجلس الأعلى للأمن القومي، والتي يقودها الرئيس، وتضم رئيس البرلمان ورئيس المؤسسة القضائية – أي رؤساء الأفرع الثلاثة للحكومة. كما يضم المجلس أيضًا في عضويته قادة عسكريين ووزراء الخارجية والاستخبارات، فضلاً عن ممثلين شخصيين للمرشد الأعلى، وبهذا يضم المجلس أعضاءً معينين يمثلون الرئيس والمرشد الأعلى. يتمتع هذا المجلس بسلطة دستورية واسعة، فهو مكلّف بوضع طائفة واسعة من السياسات تمسّ الدفاع والأمن، والرد على التهديدات الخارجية والمحلية.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا