ستراتفور| علاقات وثيقة .. لماذا تحتاج أنقرة لتل أبيب والعكس؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

يبدو أن إسرائيل وتركيا تجسان النبض استعدادًا لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. أرسلت تركيا مؤخرًا ملحقًا دبلوماسيًا إلى إسرائيل, وفتحت إسرائيل مؤخرًا قائمة الوظائف الداخلية لمنصب سفير في تركيا. البَلَدان – اللذان كانا حليفَين في بعض الأحيان, وعَدوَّيْن في أحيان أخرى – يُدفعان مجددًا نحو التصالح، في الوقت الذي يتحركان فيه لمواجهة إيران, والتعامل مع المطالب الأمريكية والدفاع عن وضعهما في الشرق الأوسط.

البحث عن أساس مشترك
تربط العديد من العوامل الاستراتيجية تركيا وإسرائيل. إنهما اثنتان من القوى غير العربية الرئيسية في المنطقة وضروريتان من أجل توازن القوى بها, التي تضم إيران الفارسية والقوى العربية مثل السعودية. إنهما تمتلكان أيضًا اثنين من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط. تمتلك تركيا أقوى قوة بحرية, وإسرائيل أقوى قوة جوية. ترى كل منهما الأخرى أقوى من أن تصبح عدوًا لها.

في نهاية المطاف, لكي تحمي إسرائيل نفسها في محيط غير ودي, يجب عليها على الأقل الحفاظ على علاقة عاملة مع تركيا. البديل يعني التباري مع قوة إقليمية كبرى أثناء العيش بجوار دول عربية مُعادية. أيضًا, تركيا هي القوة الأكبر والأكثر تأثيرًا واستراتيجية إلى حد كبير بسبب موقعها بين البحرين المتوسط والأسود، ومكانتها كثقل موازن لروسيا, وإيران وغيرها من القوى الثقيلة الإقليمية. هذه القيمة الاستراتيجية ظهرت أثناء الحرب الباردة عندما انضمت الولايات المتحدة إلى تركيا وإسرائيل لتعويض التوغل السوفيتي في العالم العربي.

على مدار العقدين الماضيين, كان على إسرائيل التكيف مع طريقة تركيا في بناء العلاقات الإقليمية؛ تضمنت تلك الطريقة افتعال مشاحنات مع إسرائيل – لا سيما بسبب معاملة الفلسطينيين – لكسب ود الجمهور العربي. وبالنسبة لتركيا, فإن علاقة إسرائيل ببعض الفصائل الكردية – التي زودت بعضها بأسلحة ثقيلة في الماضي – تصيب وترًا حساسًا وتعيق هدفها بإضعاف الدولة الكردية المحتملة. إن إبقاء إسرائيل مُقرّبة قد يساعد في منعها من تسليح الأكراد من جديد.

على الرغم من خلافاتهما, تتداخل بعض أهدافهما الإقليمية, لا سيما عندما يتعلق الأمر باحتواء نفوذ إيران. هذا الهدف يظهر بوضوح في الصراع السوري, حيث تريد كلٌّ من تركيا وإسرائيل إبعاد دمشق عن طهران وتقريبها من أنقرة. في حين أن إسرائيل منشغلة بشكل رئيس باستقرار المناطق السورية التي تؤثر على حدودها, بيد أن التواجد الإيراني هناك يُقلقها. مثلها مثل روسيا إلى حد كبير, تستطيع تركيا التأثير على التواجد الإيراني لكن لا يمكنها التحكم به. تعرف إسرائيل أيضًا أن تركيا ضرورية, أكثر من أية قوة نشطة في سوريا, لضمان أن تظل جماعات المتمردين هناك منفصلة عن المتطرفين.

في لبنان, سعى كلاهما لكبح نفوذ حزب الله, على الرغم من أنهما استخدما طرقًا مختلفة. تحارب إسرائيل حزب الله من وقت إلى آخر, وتُبقي توسعه العسكري تحت السيطرة. اختارت تركيا نهجًا مختلفًا وتدريجيًا أكثر عن طريق دعم القوات السياسية والأمنية المعارضة لإيران, في مجابهة لحزب الله ووكلاء طهران الآخرين.

الروابط الاقتصادية
لعل التجارة المُحسّنة هي الهدف المشترك الأكبر, لأنه حتى في أوقات القطيعة الدبلوماسية, استمرت تجارة الاستيراد والتصدير على قدم وساق. تستورد إسرائيل مواد خام وبضائع مُصنعة, مثل الأسمنت, والصلب والطماطم, بقيمة تساوي 3 مليارات دولار تقريبًا من تركيا, التي تُبرز هشاشتها الاقتصادية أهمية علاقتهما التجارية. بالنسبة إلى إسرائيل, تساعد الواردات في ضمان أن تحصل شركات التصنيع خاصتها على إمداد ثابت من المواد.

لعبت مبيعات السلاح الإسرائيلي إلى تركيا دورًا كبيرًا في علاقتهما. في حين أن صناعة الأسلحة في تركيا تطورت بشكل كبير على مدار العقد الماضي, تبقى تجارة السلاح مجالًا واعدًا للتعاون. قطاع الطاقة أيضًا قد يصبح مجالًا آخر للتعاون. كان البلدان يتنافسان على التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، في الوقت الذي ناقشا فيه على مدار العامين الماضيين إمكانية بناء خط أنابيب بينهما. لكن الاتفاق الذي وُقّع بين شركة نوبل إنرجي وشركة ديلك الإسرائيلية وشركة إيجاس المصرية في شهر سبتمبر الماضي لنقل الغاز الطبيعي من حقول تمار وليفياثان في إسرائيل إلى مصر, مصحوبًا بصعوبة بناء خط أنابيب عبر الأراضي القبرصية المتنازع عليها, أنهى كل الأحلام المتعلقة بأي خط أنابيب إسرائيلي – تركي في المدى القريب.  

الانفصال الأخير
كان قطع العلاقات في مايو 2018 بين إسرائيل وتركيا واحدًا من عدة قطائع دورية في علاقتهما المتوازنة بعناية. في ديسمبر 2017, قررت الولايات المتحدة نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس؛ ما زاد من حدة المسألة الأكثر إثارة للجدل بين تركيا وإسرائيل: الصراع الفلسطيني. في شهر مايو, اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وطَرَدَ السفير الإسرائيلي عقب مقتل عشرات الفلسطينيين وسط اضطرابات في غزة جزئيًا بسبب نقل السفارة. إن الخطاب اللاذع من تركيا حول أفعال إسرائيل في حق الفلسطينيين أصبح لازمة مألوفة تحت حكم أردوغان. تسعى تركيا لأن تصبح مناصرًا للقضية الفلسطينية لأنها ترفع مكانة أنقرة وتُعزز نفوذها القيادي في العالم الإسلامي. وضمن دوره كقائد للإسلام السياسي, يبني الرئيس صورته كزعيم قوي في الداخل ويرسخ شرعيته المحلية.

تركز إسرائيل بشكل رئيس على أمنها, وترى أن رفض إقامة دولة فلسطينية هو طريقة لضمان ذلك الأمن، بالإضافة إلى الاستقرار. ستواصل تركيا كونها غير قابلة للتنبؤ بعض الشيء فيما يتعلق بما هي مستعدة لفعله من أجل ضمان الحقوق الفلسطينية. وتستطيع إسرائيل تحمل جميع أشكال الخطاب القاسي من الحكومة التركية, فهي معتادة عليه. لكن أي تدخل صريح جديد من الحكومة التركية في الأراضي الفلسطينية المضطربة سيكون مثيرًا حقًا للمتاعب. إسرائيل قلقة بالفعل من التمويل التركي للجمعيات المدنية والإسلامية في القدس الشرقية. يهدف ذلك الدعم إلى تعزيز القوة الناعمة لتركيا هناك في منافستها مع الدول العربية قطر والسعودية ومصر.

دور الولايات المتحدة
إن إثارة القرار الأمريكي بنقل السفارة للانفصال التركي – الإسرائيلي الأخير يؤكد على النفوذ الذي تمتلكه الولايات المتحدة على علاقتهما المثيرة للجدل. لعبت واشنطن في السابق دورًا رئيسيًا في تقريبهما. في 2013, ضغط الرئيس باراك أوباما على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لكي يعتذر عن موت النشطاء الأتراك الذين قُتلوا عندما اعترضت إسرائيل "أسطول الحرية لغزة" في 2010 ويوافق على تعويض عائلاتهم.  

الآن, تحتاج الولايات المتحدة تعاون البلدين وعلاقة عملية بينهما, مثلما كان الوضع أثناء الحرب الباردة, لمعادلة إيران والحد من العبء الذي تحمله في المنطقة. والضغط هذه المرة, الذي تضاعف بسبب المشاكل الاقتصادية, يقع على تركيا. وعلى الرغم من المستوى المتدني للعلاقات الأمريكية -التركية, ستواصل الولايات المتحدة تشجيع تركيا على العمل مع إسرائيل. في الوقت نفسه, الولايات المتحدة وإسرائيل تشهدان فترة تقارب غير عادية في علاقاتهما؛ ما قد يمنح إسرائيل الجرأة في سياساتها الإقليمية والداخلية, لأنها تعلم أن أمريكا تساندها. استغلت إسرائيل هذا الضغط الأمريكي المتزايد على تركيا عند التعامل مع أنقرة واستخدمت ضغطها على الولايات المتحدة لكي لا تبيع طائرات إف-35 المتطورة إلى أنقرة.

الخطوة المقبلة
على الرغم من أن معظم العلامات تشير إلى تصالح في نهاية المطاف, غير أن الأفعال التركية قد تعيق التقدم. لا تزال تركيا تبحث عن طرق بخلاف الكلام لإعادة إقحام نفسها في القضية الفلسطينية. إن مقترح أنقرة لبناء ميناء بحري في غزة, والذي سيسهل وصول المساعدات التركية إلى هناك, قد يحقق بعض التقدم. وأنقرة سوف تمضي قدمًا في بناء علاقات في القدس الشرقية, على أمل أن إسرائيل سوف تفضل تدخل تركيا هناك بدلًا من القوى الأخرى, وتحديدًا إيران. لكن تركيا على الأرجح ستقدم التمويل فقط بموافقة إسرائيل. بخلاف ذلك, قد يُحظر استئناف العلاقات الدبلوماسية.  

لكن حتى الآن, سوف تبقى العلاقات بين تركيا وإسرائيل براجماتية, ومحدودة وعملية, وعُرضة لتأثير الأحداث في المنطقة. قد يفتح التقارب فرصًا اقتصادية للشركات الإسرائيلية التي تتطلع للاستثمار في (ومع) تركيا الضعيفة اقتصاديًا. يمكن التوقع أن البلدين سيواصلان المباحثات حول مستقبل سوريا وحول طرق عزل النفوذ الإيراني هناك. تبقى هاتان المسألتان – التجارة وإيران – في محور علاقتهما المتذبذبة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا