مركز الدراسات الدولية| بدء تنفيذ العقوبات على إيران.. ماذا سيحدث لأسواق النفط العالمية؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في الخامس من نوفمبر, عقب فترة تقليص تدريجي استمرت لـ180 يومًا, سوف تُطبق العقوبات الأمريكية على المعاملات المرتبطة بالبترول مع إيران. هذه العقوبات تسببت في انخفاض حاد في صادرات النفط الإيرانية, حيث إن الدول والشركات تتخذ تدابير استباقية إما لتخفيض وارداتها أو إلغائها قبل الموعد النهائي. أعلنت الإدارة أنها سوف تمنح إعفاءات مؤقتة لثماني دول لأنها اتخذت إجراءات للحد من واردات الخام الإيراني, وذكرت أن اثنتين من هذه الدول الثماني سوف تنهي استيراد البترول خلال فترة زمنية قصيرة. هذا الإعلان يوفر نافذة مؤقتة فقط من الوضوح فيما يخص الإعفاءات التي يجب تجديدها, وسياسة الإدارة هي التحرك باتجاه إنهاء استيراد الخام الإيراني بالكامل بأسرع وقت ممكن.

بلغ متوسط صادرات النفط الخام والمكثف الإيراني حوالي 2,5 مليون برميل يوميًا في 2017 والنصف الأول من 2018. ومنذ إعلان الرئيس ترامب في مايو, انخفضت الصادرات بثبات لتتراوح بين 1,7 – 1,9 مليون برميل يوميًا في سبتمبر، ومن المقدر أنها هبطت إلى 1,5 مليون برميل يوميًا في أكتوبر. نتيجة لهذا, كان متوسط الصادرات في الربع السنوي الثالث أقل بـ 500 ألف برميل في اليوم عما كان سيصبح عليه من دون العقوبات وأقل بـ1 مليون برميل في يوميًا في أكتوبر. حتى الآن, جاءت الانخفاضات الأكبر من كوريا الجنوبية, التي – وفقًا لبيانات بلومبيرج – لم تستورد النفط الخام أو المكثف الإيراني منذ شهر يوليو, إلى جانب اليابان والاتحاد الأوروبي, حيث واصل المشترون تقليص وارداتهم لتصل إلى مستوى الصفر. في حين أن واردات الصين والهند في الربع السنوي الثالث ظلت في نفس المستوى الذي كانت عليه في النصف الأول من العام, هبطت واردات الدولتين في أغسطس وسبتمبر إلى أقل من معدلها لكنها ارتفعت بقوة في الصين إلى 742 ألف برميل يوميًا في أكتوبر.

مع هذا, هناك تباينات كبيرة في أرقام الصادرات التي أوردتها بلاتس, وبلومبيرج, وتانكر تراكرز. أصبحت مهمة تعقب الصادرات الإيرانية متزايدة الصعوبة, حيث أوقفت أكثر من 40 في المائة من السفن المعروفة مرسلات نظام التعرف التلقائي في شهر سبتمبر, بينما أصبحت التكتيكات الأخرى لإخفاء الصادرات أكثر وضوحًا مثل: شحن وتفريغ ناقلات النفط (نقل البضائع بين السفن).

إن التضاربات في البيانات تتمحور حول الصين والهند, وهنا سيظل الغموض الرئيسي بالنسبة للصادرات الإيرانية, في ظل رفض الصين للطلب الأمريكي بقطع الواردات، والحكومة الهندية لا تقدم حتى الآن مؤشرًا واضحًا على أنها ستسعى لخفض الواردات. بالإضافة إلى التكتيكات التي تستخدمها الناقلات الإيرانية لإخفاء مستوى الصادرات من أجل الحفاظ على العملاء, تقدم الشركة الوطنية الإيرانية للنفط بعض أكبر الخصومات على الخام الثقيل والخفيف والتي لم تُقدّم مثلها منذ عام 2000.  

وفي حين أن الغموض يحيط بالهند والصين, بيد أنه بالنسبة إلى اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي الأمور أوضح بكثير, حيث إنه في ظل غياب الإعفاءات من الولايات المتحدة, ستنخفض الواردات إلى مستوى الصفر. داخل الاتحاد الأوروبي, تقود الشركات هذا الأمر, لأنها, برغم احتجاجات حكوماتها على العقوبات الأمريكية, لن تعارض تلك العقوبات. وهبطت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى 333 ألف برميل في اليوم في سبتمبر وبلغ متوسطها 97 ألف برميل في اليوم فقط في أكتوبر. ينطبق الشيء نفسه على كوريا الجنوبية واليابان، وصلت وارداتهما الآن إلى مستوى الصفر, بينما كانت حكوماتهما تنتظران ردًا على طلبهما بالحصول على إعفاء (يبدو أنهما حصلا عليه الآن). حصلت تركيا على 129 ألف برميل في اليوم في شهر أكتوبر عن طريق توبراش (شركة مصافي النفط), التي يُقال إنها تجري محادثات مع مسئولين أمريكيين للحصول على إعفاء. وأعربت الحكومة التركية عن معارضتها للعقوبات الأمريكية, لكن لكون توبراش شركة خاصة ولها تعاملات مع النظام المالي الأمريكي, فإنها لن تستهين بالعقوبات الأمريكية. وبناءً عليه, فإن احتمالية منح إعفاء أمريكي لتركيا تبدو مرجحة نظرًا لأسعار النفط الباهظة على عملتها الضعيفة, إلى جانب اعتمادها الشديد على واردات النفط الإيرانية والقائمة المتزايدة لقضاياها الثنائية مع الولايات المتحدة التي ربما أُخذت في الحسبان عند التوصل إلى اتفاق.

من ضمن المستوردين الآخرين البارزين الإمارات, وسوريا, وتايوان. وقد أوضح وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي أن الدولة ستلتزم بالعقوبات وأنها بالفعل خفضت وارداتها مما جعلها مرشحًا محتملًا للحصول على إعفاء, إلى جانب تايوان التي فعلت الشيء ذاته. في الوقت نفسه, من المرجح أن سوريا, التي ارتفعت وارداتها ارتفاعًا كبيرًا لتصل إلى 97 ألف برميل في اليوم في أكتوبر, ستتجاهل العقوبات وتزيد من وارداتها أكثر نظرًا للتحالف الاستراتيجي الوثيق بينها وبين إيران.

سوف يتوقف كل المستوردين الرئيسيين للنفط الخام الإيراني في الاتحاد الأوروبي, ويشملون توتال في فرنسا, وساراس ولوك أويل في إيطاليا, وريبسول وسيبسا في إسبانيا, وموتور أويل هيلاس وهيلينك بتروليوم في اليونان, سيتوقفون عن الحصول على أية واردات في ظل غياب الإعفاءات. جميع المستوردين الرئيسيين في اليابان وكوريا الجنوبية, ومن ضمنهم هانوا توتال, وإس كيه إنرجي, وشركة كوزمو للنفط, ونيبون أويل أوقفوا عمليات الشراء.

إذا لم تنجح تركيا وشركة مصافي النفط الوحيدة توبراش في طلبها للحصول على إعفاء, فمن المرجح أن تخفض هي أيضًا وارداتها إلى مستوى الصفر نظرًا لتعامل الشركة مع النظام المالي الأمريكي.

في الإمارات, شركة بترول الإمارات الوطنية (إينوك) مملوكة للحكومة, ولذلك ستلتزم بالعقوبات. في الهند, الشركات الخاصة مثل ريلايانس قطعت وارداتها بالفعل, وبينما يُقال أن نيارا إنرجي ما زالت تشتري في السوق الفورية, غير أنها من المرجح أن توقف عمليات الشراء في ظل غياب الإعفاءات عقب الموعد النهائي في 4 نوفمبر. تبقى الأمور أقل وضوحًا مع المستوردين الهنود الآخرين مثل شركة مانجالور للتكرير والبتروكيماويات وشركة النفط الهندية, التي تنتظر الإعفاءات, لكنها تدفع بالفعل مقابل بعض البراميل الإيرانية بالروبية. بلغ متوسط واردات الهند 355 ألف برميل في اليوم في أكتوبر, وتشير التقارير الصحفية إلى أن الهند اتفقت على مسودة إعفاء مع الولايات المتحدة والتي تسمح بعمليات شراء لحوالي 300 ألف برميل في اليوم  لمدة 180 يومًا آخرين. كان المستوردون الإيرانيون مثل سينوبك, وشركة زوهاي زينرونج, ومؤسسة البترول الوطنية الصينية, يدفعون مقابل البراميل الإيرانية بعملتهم المحلية واستوردوا 714 ألف برميل في اليوم في أول أسبوعين من شهر أكتوبر. وفي محاولة لعدم زيادة التوتر في العلاقات, في الوقت الذي تستمر فيه النزاعات التجارية, ربما تمنح الإدارة الأمريكية إعفاءً للصين, التي من المرجح أن تستمر في الاستيراد حتى في ظل غياب الإعفاءات.

كل هذه العوامل تُقدّم قدرًا كبيرًا من الغموض حول التقديرات الخاصة بكمية النفط الإيراني التي ستنجح في السوق حين تدخل العقوبات حيز التنفيذ. إن العامل الأكبر في الغموض يرتبط بمستوى التساهل في الإعفاءات الممنوحة. تحت إدارة أوباما, كانت الإعفاءات تُمنح على أساس الإذعان للعقوبات التي تُقاس على أساس تخفيض الشراء بنسبة 18 في المائة من إجمالي سعر التجزئة المدفوع (وليس فقط الحجم). تمسكت إدارة ترامب باستراتيجية فرض "أقصى قدر من الضغط" على مستوردي الخام والمكثف الإيراني لكي يخفضوا وارداتهم إلى الصفر, مع الأخذ في الاعتبار استثناءات تخفيض كبرى للدول الفردية على أساس كل حالة على حدة.

إن التوجيه الرسمي للحكومة الأمريكية يهدف للوصول إلى وقف عمليات شراء النفط من إيران بأقصى سرعة ممكنة, وإرغام إيران على التخلي عن "أنشطتها غير المشروعة والتصرف كدولة طبيعية.

  في يوم الجمعة الموافق 2 نوفمبر 2018, وجه وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيف منوشين دعوة رسمية, أوضحا فيها أنهما يتوقعان إصدار  اعتمادات مؤقتة لثماني دول" ممن أظهروا تخفيضات كبيرة في واردات النفط الخام و"تعاون في الكثير من الجبهات الأخرى." وأضافا أن تلك الاتفاقيات تنص على أن اثنتين من الثماني ستنخفض إلى مستوى الصفر, بينما الدول الست الأخرى ستستورد بمستويات مخفضة بشدة.

في الوقت الحالي, الهند, وكوريا الجنوبية, وتركيا جميعها تبدو مرشحين محتملين للحصول على إعفاءات. إن كل هذه الدول لا تعتمد بشدة على النفط الخام والمكثف الإيراني وحسب, بل إن كلاً من كوريا الجنوبية والهند حليفتان مهمتان للولايات المتحدة وأيضًا شريكتان رئيسيتان لإدارة ترامب  في استراتيجيتين رئيسيتين – نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية واستراتيجية حرة ومفتوحة في المحيط الهندي – الهادي.

تبدو اليابان أيضًا مرشحًا محتملًا بالنظر إلى تخفيضاتها, إلى جانب تايوان والإمارات. يشمل المرشحون المحتملون الآخرون: الصين, واليونان, وإيطاليا, وإسبانيا. على فرض أن الإعفاءات مُنحت للمرشحين المحتملين, يمكننا أن نتوقع أن تبقى صادرات النفط الخام والمكثف الإيراني عند مؤشر 1,25 مليون برميل في اليوم في نوفمبر.

يرتبط الغموض الكبير الآخر بقدرة المشترين الصينيين على مواصلة عمليات الشراء في وجه العقوبات والغياب المحتمل للإعفاءات. أخيرًا, يمكننا أن نتوقع أن تزداد الجهود الإيرانية للتهرب من العقوبات، وأن ترتفع تخفيضات الأسعار؛ ما قد يساعد في تعويض بعض الخسائر.

ووفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة, هبط إنتاج النفط الخام الإيراني في سبتمبر بمعدل 180 ألف برميل في اليوم ليصبح 3,45 مليون برميل, عقب انخفاض بمعدل 150 ألف برميل في اليوم في أغسطس. حتى الآن, عوّض أعضاء أوبك الآخرون هذه الخسائر بنجاح, حيث شهدت السعودية والعراق مكاسب كبيرة منذ اجتماع أوبك في شهر يونيو. مع هذا, في ظل احتمالية خسارة 200 ألف برميل في اليوم إضافية في أكتوبر ومثلها في نوفمبر (مع إمكانية أن تكون هذه الخسائر أشد بناءً على تساهل الإعفاءات), سوف ينخفض عمل بقية المجموعة لموازنة السوق.

وفقًا لتعريف الوكالة الدولية للطاقة, انخفضت الطاقة الاحتياطية لأوبك إلى 2,13 مليون برميل في اليوم في سبتمبر لكن هذا يشمل الـ400 ألف برميل في اليوم من الطاقة الاحتياطية الإيرانية التي خلفتها العقوبات, وكذلك أيضًا الـ500 ألف برميل في اليوم من المنطقة المحايدة, التي تعطلت بسبب مأزق سياسي. باستبعاد المنطقة المحايدة وأخذ الخسائر الإيرانية المتوقعة في الحسبان (والزيادات في الإنتاج السعودي) فإن الطاقة الاحتياطية قد تصل إلى أقل من 800 ألف برميل في اليوم بنهاية شهر نوفمبر.

إن المأزق بالنسبة إلى السعودية هو أنه في حين أن الدعوات تصاعدت لكي تزيد أوبك من الإنتاج في الربع السنوي الأخير من أجل تحقيق التوازن في السوق, تراكم المخزون وانخفضت الأسعار, بينما أشارت توقعات الطلب إلى الانخفاض في العام المقبل. مع هذا, مع توقع المزيد من الخسائر الإيرانية, سيكون على الإنتاج السعودي أن يزيد لكي يحقق التوازن في السوق. هذه الزيادات سوف تخفض الطاقة الاحتياطية أكثر؛ ما سيترك سوق النفط عُرضة للتوقفات المحتملة في أي مكان آخر. استمرت فنزويلا في رؤية انخفاضات, بينما تتأرجح ليبيا ونيجيريا إلى جانب أنجولا والعراق.

إن الجانب الأكثر تعقيدًا في هذه النظرة المستقبلية هو موقف الولايات المتحدة بالنسبة لإيران في ضوء الأزمة الحالية مع السعودية. عندما قررت إدارة ترامب الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة, كانت السعودية مؤيدة لها والتزمت بحماية استقرار سوق النفط. في حين أن هذين الظرفين باقيان, وضعت إدارة ترامب ضغطًا عامًا غير مسبوق على السعودية لكي تساند سياستها لإزالة البراميل الإيرانية من السوق ولإبقاء الأسعار منخفضة ومستقرة. في الوقت نفسه, العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية خضعت لتدقيق وضغط شديدين نتيجة لاختفاء جمال خاشقجي وموته. لم تقترب الأزمة من الحل ودفعت حتى الآن وزيري الخارجية والدفاع إلى المطالبة بإنهاء فوري للعمليات العسكرية في اليمن واستئناف مفاوضات السلام. يمكن الافتراض بأن سياسة النفط السعودية لن تتأثر بهذا الموقف بصورة مباشرة, لكن دوافع هذه الإدارة لملاحقة إيران قد تضعف بدافع الإحساس بعدم الاستقرار أو الغموض في المنطقة بسبب هذه المسألة.

بعيدًا عن التأثير المباشر للموعد النهائي في 4 نوفمبر, سوف تترقب أسواق النفط ما إذا كانت الإدارة ستوضح مسار تخفيضات الواردات المتوقع أن تستمر والرد الإيراني. كانت هناك بعض التخمينات بأن الطريق الأسهل للإيرانيين هو اتباع النموذج الكوري الشمالي بالموافقة على التحدث كطريقة لمنع توالي العقوبات. لكن الكثير من الخبراء في الشأن الإيراني يرون هذا مستبعدًا بشدة (مثلما فعل خبراء كوريا الشمالية قبل انعقاد القمة) ويتوقعون تصعيدًا للتوتر وإجراءً ضارًا في المنطقة, والذي يمكن بالتأكيد أن يؤثر على أسواق النفط والاستقرار الإقليمي. كانت الإدارة سريعة في الإشارة إلى أنها تعمل لضمان استقرار سوق النفط من خلال الاتصال بالدول المنتجة الأخرى وبدعم من نمو الإنتاج الأمريكي. مع وضع جميع الأمور في الاعتبار, ربما يكون هذا ممكنًا طالما لم يحدث أي تعطيل كبير آخر في إمداد النفط, وهو شيء لا يمكن ضمانه على الإطلاق.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا