المنتدى الاقتصادي | ما هى المناطق الجغرافية الثلاث التى ستعيد تشكيل النظام الدولي؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

على مدار العقود السبعة الماضية, تشكل العالم عبر علاقة قوية عابرة للأطلسي حيث كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يكتبون بنود السلام, والاستقرار والازدهار الاقتصادي.

خلق نجاح هذا النظام تحديه الوجودي الخاص. إن المستفيدين الصاعدين في آسيا وغيرها من المناطق يتحدون على نحو متزايد صلاحية هذه الترتيبات وفاعلية القواعد التي أدارت الشئون العالمية. في حين أن المؤرخ جون إيكنبري وصف النظام العالمي الليبرالي بأنه نموذج حوكمة “محوري,” يقع الغرب في مركزه, غير أنه بات من الواضح الآن أن أطراف النظام تطور عجلات ومحركات خاصة بها.

في حقيقة الأمر, صعود آسيا كلها يعيد تشكيل الخريطة المادية والذهنية للعالم. إن انتشار العلاقات العابرة للحدود والتدفقات الجديدة للمال, والتجارة, والتكنولوجيا, والمعلومات, والطاقة والقوى العاملة خلق ثلاث مناطق جغرافية استراتيجية جديدة والتي تهرب بالفعل من ظلال الترتيبات العابرة للأطلسي. إنها تمثل التصادم بين الهياكل السياسية السابقة – وإدارتها تتطلب أفكارًا جديدة, ومؤسسات نشطة وشراكات مرنة. 

منطقة المحيط الهادئ- الهندي
التصادم الأول, الذي يجري بصورة حثيثة, هو اتحاد منطقة المحيطين الهندي والهادئ. هذه المنطقة, التي تُعرف بمنطقة المحيط الهادئ – الهندي, هي هيكل شجعه صعود الصين لكن تحدده بنفس القدر الجهات الفاعلة الإقليمية التي تستجيب لاقتراح بكين. أصبحت آسيا البحرية الآن أكبر من الولايات المتحدة, وآسيان والصين – التي كانت تُنظم في السابق تحت هيكل آسيا – المحيط الهادئ. إن حدوده لا تقتصر على شرق المحيط الهندي. من نانتوكيت إلى نيروبي, سوف تشمل الآن الحوارات حول الأمن, والتنمية والتجارة في هذه المنطقة جهات فاعلة من ثلاث قارات.

أوراسيا
التصادم الثاني هو دمج أوروبا وآسيا في نظام استراتيجي مترابط واحد: أوراسيا. إنها فكرة قديمة, ومترسخة في التاريخ, لكن لديها مصطلح جديد. إن تفاعل الأسواق والمجتمعات من هذه المناطق الجغرافية التي كانت منفصلة من قبل يخلق ترابطًا جديدًا على نطاق قاري.

غير أن هذا الترابط لا يخلو من الخلافات: يلوح ظل الصين على أوروبا وأثبت وعدها بتأمين الازدهار للقارة أنه من الصعب مقاومته. في الوقت ذاته, تُظهر موسكو حماسة جديدة لاستعادة مكانتها كلاعب أوراسي نموذجي، ويواصل أعضاء الناتو التشاحن حول دورهم المستقبلي في المنطقة. في الوقت الذي تتصادم فيه هذه الصفائح التكتونية الجيوسياسية وتندمج, أصبح من الواضح أن الشرق والغرب سيضعون بنودًا جديدة للتعامل.

المنطقة القطبية الشمالية
وأخيرًا, هناك المنطقة القطبية الشمالية. هذه المنطقة الجغرافية, التي تكونت نتيجة لتغير المناخ, ستدمج, للمرة الأولى, سياسة منطقتي الأطلسي والهادئ, حتى في الوقت الذي تثير فيه صدام بين الترتيبات القائمة في هاتين المنطقتين. كان الطريق البحري الشمالي بمثابة نظرية محيرة؛ لكن الاحتباس الحراري يجدده ويحوله إلى واقع. على سبيل المثال, أكمل عملاق النقل البحري العالمي “ميرسك” أول رحلة بحرية له دون مساعدة من كاسحات الجليد في شهر أغسطس الماضي (على الرغم من أن الشركة تعبر عن شكوكها في صلاحية هذا الطريق في المدى القريب). مع هذا, ظهور هذه المنطقة الجغرافية لن يكون خاليًا من الخلافات وربما يخلق توزيعًا جديدًا للثروات والقوة في المنطقة.

في حين أن معظم الحكومات الغربية تتشارك حاليًا في نفس تردد ميرسك, تستثمر موسكو والصين بكثافة في بناء بنية تحتية تجارية, وقدرة بحرية وقدرات عسكرية. في الواقع, كجزء من طموحات طريق الحرير القطبي, تشجع بكين الآن شركاتها على استخدام الطريق البحري الشمالي. بالإضافة إلى هذا, السيطرة الفعلية على طرق الملاحة في المنطقة تقع حاليًا على عاتق موسكو, التي ادّعت لنفسها السلطة لمنح التصاريح للسفن – وهو موقف حذر المسئولون الأمريكيون من أنه قد ينتهك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. في عام 1956, خاضت بريطانيا حربًا ضد مصر لاستعادة السيطرة على قناة السويس؛ بدون ترتيبات مناسبة لحكم المنطقة القطبية الشمالية, ربما يعيد التاريخ نفسه في المنطقة الشمالية.

إن تصادم هذه المناطق الجغرافية الثلاث سيشكّل النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين. مع هذا, هذه العملية ليس لها ما يناظرها في التاريخ. إن نظام ما بعد الحرب وما سبقه كانوا نتيجة لاضطراب ثوري وكارثي في السياسة العالمية – وصراعات مدمرة واسعة النطاق. اليوم, من المرجح أن يكون هذا التغيير تدريجيًا, ومترابطًا وتطوريًا. لن تكون هناك لحظة حاسمة محددة عندما يولد نظام جديد. بدلًا من هذا, سوف تعمل السياسة العالمية بطرق مبهمة في المستقبل القريب.

بينما تكتشف هذه المناطق الجغرافية الثلاث نفسها, هناك خمسة اتجاهات تستحق الانتباه:
1.  الأول هو خطر الحروب الباردة المنفصلة في هذه المناطق الجغرافية. على عكس القرن العشرين, هذا التوتر لن يكون ثنائي القطب وسوف تختلف دوافع كل جهة فاعلة ووسيلتها وأهدافها. سواء كانت حربًا باردة في الهيمالايا بين الصين والهند, أو في المنطقة القطبية الشمالية بين موسكو, وأوروبا وواشنطن, أو معركة في المتوسط بين الاتحاد الأوروبي والصين, سوف تمارس قوى متعددة النفوذ على هذه المناطق الجغرافية وسوف تتنافس في نقطة التقاء المجالات الاجتماعية, والتجارية والعسكرية.

2.  من المرجح أن تظهر المزيد من “تحالفات المصلحة” في هذه المناطق الثلاث. في ظل نظام عالمي غامض ومائع, قد يكون للشراكات القائمة على قضايا تأثير ضخم على حوارات معينة. روسيا, على سبيل المثال, تنضم إلى المعركة في أفغانستان بعد قرابة الثلاثة عقود بمساندة من إيران والصين, بينما تتعاون الهند والصين في الأمن البحري والتنمية. تعقد الصين شراكة مع جرين لاند – وسط غضب في الدنمارك – لترسيخ مطالبها في المنطقة القطبية الشمالية. إذا أخفقت المؤسسات العالمية في إدارة المناطق الجغرافية الصاعدة, من المرجح أن تتضاعف هذه التحالفات.

3.  الثالث هو إمكانية بدء حوارات مؤسسية جديدة. بالفعل, يطالب الاتحاد الأوروبي بحصة في رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي وتقوم دول آسيان بمبادرات مع مجلس المنطقة القطبية الشمالية. هذه الجهات الفاعلة والمنظمات تتخطى خرائطها الذهنية للقرن العشرين بحثًا عن فرص تجارية واستراتيجية جديدة. ليس من المستحيل تصور أن الناتو ومنظمة شنغهاي للتعاون, مثلًا, ربما يقيمان في يوم ما حوارًا حول الأمن والترابط الأوراسي.

4.  الاتجاه الرابع: انفتاح المنطقة القطبية الشمالية سيختبر قدرة القوى على توفير الأمن كمصلحة عامة في المناطق الأخرى من العالم. بعبارة أخرى, مع اقتراب قنوات جيواستراتيجية مثل قناة السويس ومضيق ملقا من تاريخ انتهاء صلاحيتها, فإن ضرورة تأمين الممرات البحرية للبحر القطبي ربما تترك الطرق السابقة محرومة من القوى المستعدة لحمايتها. إذن, هل من المقدر أن تصبح أجزاء من منطقة المحيط الهادئ-الهندي وأوراسيا مناطق غير خاضعة للحكم – مثلما في خليج عدن – أم ستصيغ القوى الإقليمية ترتيبًا خاصًا بها؟

5.  أخيرًا, سوف تتطور المصفوفة المؤسسية ردًا على هذه التغييرات. من الواضح أن المؤسسات الدولية الحالية لا تستجيب بشكل كامل لاحتياجات البلدان النامية والقوى الإقليمية الناشئة. وبالتالي, أي المؤسسات ستكون ضرورية لهذه المناطق الجغرافية؟ هل سيسطو البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية على دور البنك الدولي في آسيا أم ستظهر مقترحات جديدة متعددة الأطراف من دول مثل الهند, وأمريكا واليابان؟ هل ستصبح الأمم المتحدة محورية في حوارات السلام والأمن, أم المؤسسات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون (ربما بصورة مختلفة) ومجلس المنطقة القطبية الشمالية سيعززون أعرافهم وقواعدهم الخاصة؟

في القرن العشرين, كان يُنظر للمؤسسات متعددة الأطراف كمخففين ومديرين للصراع. ربما انقلبت هذه الحكمة التقليدية الآن, نظرًا لأن مراكز القوة المتنافسة, للمرة الأولى منذ صلح وستفاليا, سوف تقيم ترتيباتها المؤسسية الخاصة لممارسة النفوذ. بالتالي, منظمة مثل منظمة شنغهاي للتعاون ربما تُنصّب نفسها حارسًا للاستقرار الأوراسي, مقارنة بمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو الناتو, الذي لعب هذا الدور حتى اليوم.

إن كيفية تخيل الدول القومية للعالم أمر مهم؛ خرائطها الذهنية تُملي الأولويات الدبلوماسية, والشراكات الاقتصادية والترتيبات الأمنية. إن تصادم المناطق الجغرافية الجديدة يُرغم الدول على إعادة تخيل نظرتها العالمية.

في القرن الحادي والعشرين, الشرق والغرب هيكلان لا معنى لهما. الأهم منهما هو كيف ستحل الجهات الفاعلة والمؤسسات التناقضات التي ستنشأ لا محالة في منطقة المحيط الهادئ – الهندي, وأوراسيا والمنطقة القطبية الشمالية. هذه هي تلك اللحظة الغريبة والنادرة عندما تكون الحوكمة العالمية أكبر من مجموع أجزائها أو تشكيلاتها الإقليمية الفردية.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا