مركز الدراسات الاستراتيجية| الرابحون والخاسرون.. ما هي تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من سوريا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في يوم 19ديسمبر, أعلن الرئيس ترامب على تويتر: “لقد هزمنا تنظيم الدولة الإسلامية  في سوريا, وهو السبب الوحيد الذي أبقانا هناك خلال رئاسة ترامب.” ثم أكدالبيت الأبيض أن القوات الأمريكية ستغادر سوريا على الفور وسترحل بالكامل في غضون30 يومًا، فيما قال المسئولون الأمريكيون إن جميع طاقم وزارة الخارجية سيغادر خلال24 ساعة, ويُقال أيضًا إنه يجري إجلاء موظفي المنظمات غير الحكومية الذين يعملونعلى إرساء الاستقرار.

  لماذا انسحبت الولايات المتحدة الآن من سوريا؟

 دعا الرئيس ترامب في حملته إلى انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وجدد دعواته لـ”الخروج” في أبريل 2018، رغم أن فريق الأمن القومى أكد له بأن الانسحاب المتهور سيكون خطأ، كما حذرالعديد من المسئولين من أن الانسحاب المفاجئ سيساعد تنظيم الدولة الإسلامية على النهوض من جديد. 

وقد تعهد جون بولتون, مستشار الأمن القومي, منذ ثلاثة أشهر بأن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا مادام لإيران تواجد عسكري هناك.
تشير عدة تقاريرإلى أن معظم كبار مسئوليه تفاجأوا, وأن الجيش الأمريكي تلقى إخطارًا قبل أقل من 24ساعة، ورفض الوزير ماتيس الإجابة على التساؤلات الإعلامية حول الانسحاب الأمريكي,وأصدر البنتاجون بيانًا يكذّب ادعاء الرئيس بأن تنظيم الدولة الإسلامية قد انهزم، وألغت وزارة الخارجية فجأة مؤتمرها الصحفي المقرر.

يلائم القرارنمطًا من التحركات التي اتخذتها إدارة ترامب لاسترضاء تركيا, التي تعترض على تسليح الولايات المتحدة وتدريبها للقوات الكردية السورية التي تقاتل داعش في شرق سوريا,والتي ترتبط بحزب العمال الكردستاني, وهو حزب إرهابي في تركيا. 

في الأسبوع الماضي,هدد الرئيس رجب طيب أردوغان بهجوم تركي وشيك على المناطق الخاضعة لسيطرة الأكرادفي سوريا, والذي سيعرّض القوات الأمريكية للخطر؛ فيما كانت تركيا, الحليف في الناتو, تغازل فكرة شراء نظام دفاع إس-400 الروسي بدلًا من نظام باتريوت الأمريكي.عقب مكالمة الرئيس ترامب الهاتفية مع تركيا يوم الجمعة, وافقت تركيا على شراءالنظام الأمريكي مقابل 3,5 مليار دولار، وبالإضافة إلى هذا, أكد البيت الأبيض أن الرئيس ترامب يفكر في تسليم القيادي الديني المعارض فتح الله غولن.

  من سيربح؟ ومن سيخسر؟

 الرابحون الأكثر وضوحًا هم روسيا, وإيران, وتركيا, بالإضافة إلى حكومة الأسد. كانت روسيا رابحًا كبيرًا في سوريا, حيث ساهم التزام 5 آلاف جندي وعشرات الطائرات ثابتة الجناحين في إنقاذ النظام, وتوجيه ضربة للجماعات الإسلاموية المرتبطة بالشيشان, وتأمين قواعدها البحرية والجوية في المتوسط, ومنح جنودها خبرة في ميدان المعركة, وإعادة ترسيخ روسيا كقوة عسكرية للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة.

إن الانسحاب المتهور للقوات الأمريكية يعني أن الروس سيقررون مستقبلهم العسكري في سوريا معالحكومة السورية وحدها, ومن دون مساهمة أمريكية هادفة. 

إيران, أيضًا, رابح كبير,حيث إن الانسحاب الأمريكي يساعد في تعزيز روابط إيران الراسخة بين إيران وحلفائها في لبنان ويقدم لإيران طريقًا ممهدًا للاحتفاظ بتواجد عسكري ومخابراتي كبير في سوريا، ويبدو أن تركيا حصلت على كل شيء أرادته – منظومات أسلحة متقدمة, ورأي حاسم في مستقبل سوريا, ومسار واضح لمهاجمة القوات الكردية – مع التخلي عن القليل جدًا،وستكون حكومة الأسد قادرة بالطبع على توسيع سيطرتها على الدولة بأكملها, ويشمل ذلك المناطق الغنية بالنفط التي كانت تستضيف القوات الأمريكية, وإعادة فرض صلاحياتها دون قيود.

وتعد إسرائيل ضمن أهم الخاسرين, حيث إنها كانت قلقة بشدة من التواجد الدائم للقوات الإيرانية عبرالحدود، كما  أن الأكراد الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة لمحاربة داعش يعدون أيضًا ضمن أكبر الخاسرين، وبالنسبة إلى حلفاءالولايات المتحدة، مثل الأردن ولبنان, فيمثلون استئصال النفوذ الأمريكي فيالمفاوضات حول المستقبل السوري، حيث ستُتخذ الكثير من القرارات المهمة، قد تكون لهاعواقب وخيمة. 
 
 ماذا يعني هذا للسياسة الأمريكية في سوريا؟

 يبدو مسئولو إدارة ترامب وأنهم تخلوا عن الأهداف المعلنة الثلاثة للتواجد الأمريكي في سوريا: هزيمة تنظيم داعش, وإبعاد القوات الإيرانية ووكلائها عن سوريا, والانتقال السياسي غير القابل للرجوع

وعلى مدار الصراع السوري, كانت الولايات المتحدة تعمل مع السوريين والأطراف الخارجية للتفاوض على المستقبل السياسي لسوريا، وفي السنوات الأخيرة, ظهرت عمليات موازية قادتها روسيا ويبدو أنها تخطت المحادثات التي ترعاها الولايات المتحدة، مع الانسحاب الأمريكي المتسرع من سوريا, ضعف الموقف الأمريكي في أية مفاوضات حول مستقبل سوريا بدرجة كبيرة. ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن خصوم الولايات المتحدة لم يضحوا بشيء لكي يحصلوا على تلك النتيجة.

 ماذا بعد بالنسبة إلى شرق سوريا؟

 يوجد سيناريوهان محتملان بالنسبة إلى شرق سوريا. السيناريو الأول هو غزو تركي, حيث إن الرئيس أردوغان يَعتبر الانسحاب الأمريكي ضوءًا أخضر لشن الهجوم الذي هدد به. حينها ستضيف تركيا المنطقة الواقعة على شرق الفرات إلىالأراضي التي تسيطر عليها في شمال سوريا, حيث ترسخ تواجدها، وتُقدر القوات الكردية, وحدات حماية الشعب, بين 30 ألف و60 ألف جندي، ومن المرجح أن يؤدي الهجوم التركي إلى عدد مرتفع من الوفيات في صفوف تلك القوات وعائلاتهم؛ ما يدمر واحدة من المناطق القليلة في سوريا التي تجنبت أسوأ المعارك، وسيثير الصراع أيضًا موجات جديدة من الهجرة ستزيد التهديد لجهود إرساء الاستقرار في الأراضي السورية والعراقية المعرضة لخطر تنظيم داعش.  

السيناريو الثاني سيشهد تفاوض وحدات حماية الشعب وجناحهم السياسي, حزب الاتحاد الديمقراطي, بنجاح  حول عودة سيطرة نظام الأسد على المنطقة. هذه بالتأكيد هي الاستراتيجية التي سيحاولون اتّباعها, بيد أنه في ظل تلك الإشارة الواضحة على أن الولايات المتحدة تخلت عنهم, خسروا مصدر نفوذهم الأساسي، وتضاءلت آفاق الحفاظ على مستوى جاد من الحكم الذاتي بشكل كبير، ولا شك أن عودة سيطرة النظام ستعيد سيطرة الأسد على الموارد النفطية السورية، وتعزّز أكثر قبضته على الدولة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا