مجلس العلاقات الخارجية| من الدفاع إلى الهجوم..هل تتغير العقيدة العسكرية اليابانية خلال السنوات المُقبلة؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

أعلنت حكومة " آبي" اليابانية عن خطتها الدفاعية الجديدة المقررة لعشر سنوات هذا الأسبوع, متعهدة بإنفاق 27 تريليون ين (240 مليار دولار) على مدار الأعوام الخمسة المقبلة على قوات الدفاع الذاتي اليابانية، وما لفت الانتباه في هذا الإعلان هو قرار تجديد أكبر مدمرة في قوات الدفاع الذاتي البحرية, JS Izumo, من أجل السماح للطائرات المقاتلة بتنفيذ عملياتها من على سطح الطيران, وهو تحديث جريء لحاملة الطائرات، لكن مضمون المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني لعام 2018 أكبر بكثير: اليابان قلقة بشدة حيال التوازن العسكري في شمال شرق آسيا وتبذل كل ما في وسعها للتأكد من أن جيشها جاهز للصراع ولضمان أن تبقى الولايات المتحدة ملتزمة بأمنها.

تتطلع المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني 2018 إلى العشرة سنوات المقبلة للتنبؤ باحتياجات اليابان الدفاعية, مع ذكر "الوتيرة المتسارعة والتعقيد المتزايد لتوازن القوة العالمية" على أنها العامل الأكثر إثارة للقلق في التخطيط الدفاعي لطوكيو. مع هذا, أكثر ما يهم هو إدراك التهديد الإقليمي, وأكبر شاغل لليابان يظل هو القوى العسكرية المتوسعة للصين وكوريا الشمالية. تطرح القدرات البحرية والجوية المتوسعة للصين تحديات كبيرة أمام قوات الدفاع الذاتي اليابانية, وتشير المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني إلى أن "الاستصلاح الضخم والسريع في بحر الصين الجنوبي" يخلق "نقطة اشتعال عسكري"، حيث تواصل الصين عملياتها الجوية والبحرية المكثفة.

تذكر أيضًا المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني أن كوريا الشمالية حسّنت بشكل كبير قدرات الصواريخ الباليستية التي تقدم, إلى جانب مخزون أسلحة الدمار الشامل, أكبر شاغل مباشر للمخططين اليابانيين.

وفي طوكيو, كان المغزى من عمليات الإطلاق الكورية الشمالية الأخيرة هو أن بيونج يانج تستطيع الآن إطلاق صواريخ في وقت واحد وبقدرة مفاجئة، ولعل الأكثر إثارة للدهشة هو استنتاجها حول المفاوضات الأخيرة مع كيم جونج أون: "لم يكن هناك تغيير جوهري في القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية"، علاوة على هذا, يبدو أن قدرات الحرب السيبرانية وحرب المعلومات في بيونج يانج تتزايد, ما يفرض تهديدًا على اليابان وعلى آخرين في آسيا، وعلى العالم بأسره.

الأمر اللافت للنظر أيضًا هو إدراج روسيا في المخاوف الدفاعية لليابان، وعلى الرغم من جهود رئيس الوزراء شينزو آبي للتفاوض على معاهدة سلام مع الرئيس فلاديمير بوتين, تلاحظ المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني جهود روسيا لتحديث قواتها العسكرية، لا سيما قواتها النووية الاستراتيجية؛ فيما تذكر المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني أن الأنشطة العسكرية الروسية لا تتزايد في المنطقة القطبية الشمالية وأوروبا والمناطق المجاورة للولايات المتحدة والشرق الأوسط وحسب, بل تتزايد أيضًا في منطقة الشرق الأقصى, وتشمل المنطقة المحيطة بالأراضي الشمالية (جزر كوريل).

تتضمن خطة مشتريات 2019-2023 التي تصاحب هذه الخطة الدفاعية الجديدة مجموعة من القدرات الحديثة لقوات الدفاع الذاتي, بزيادة 3 تريليون ين (26,9 مليار دولار) عن خطة السنوات الخمس الأخيرة لوزارة الدفاع، مع هذا, ربما لا يكون هذا كافيًا لمواكبة القدرات المتنامية بسرعة لدى الدول المجاورة لليابان، فعلى سبيل المثال, تذكر الصين إنفاق حوالي 151 مليار دولار في 2017 على دفاعاتها, على الرغم من أن الرقم الحقيقي ربما يكون أعلى، وعلى النقيض, تخطط اليابان لإنفاق ما يقل قليلًا عن 50 مليار دولار في المتوسط سنويًا على مدار الأعوام الخمسة المقبلة.

مع هذا, تبدو القدرات الجديدة التي يسعى المخططون الدفاعيون اليابانيون لدمجها في جيشهم مهمة، وتسلط المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني الضوء على الحاجة لعمليات "متعددة المجالات"، وفي حين أن اليابان لديها بالفعل واحدة من القوات البحرية الأكثر كفاءة في العالم, يجب عليها الآن تعزيز قدرتها على العمل في الفضاء السيبراني والفضاء.

سيتم إنشاء قيادة عمليات فضائية جديدة, بعدد يصل إلى 500 فرد، وجميع الخدمات الثلاث ستحتاج إلى وحدة سيبرانية مخصصة وقدرات للتعامل مع استخدام النبضات الكهرومغناطيسية المصممة لتعطيل أنظمة الاتصالات والمعلومات اليابانية.

إن قابلية تعرض اليابان لهجوم صاروخي حقيقة، في حين أن ترسانة كوريا الشمالية موضحة في المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني, ويملك جميع جيران اليابان صواريخ باليستية وكلهم (تقريبًا) قوى نووية. وبرغم تعزيز قدراتها الدفاعية ضد الصواريخ الباليستية, لن تمتلك طوكيو قدرة حقيقية كبيرة لرد الضربة إذا تعرضت للهجوم، فيما تواصل القوات الكورية الشمالية, والصينية, والروسية إظهار قدرتها على اعتراض المجال الجوي لليابان وشن عمليات هجومية كبيرة ضد اليابان؛ ولهذا, تبقى القوات الجوية والبحرية اليابانية في حالة تأهب مستمر منذ سنوات, لكي تكون مستعدة 24/7.

لعل التركيز على قدرة اليابان على صد الهجوم هو السمة الأكثر لفتًا للنظر في خطة الدفاع 2018، في حين تسلط كل من المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني وخطة مشتريات السنوات الخمس الضوء على أهمية الجاهزية والمرونة، لكن هذه المبادئ التوجيهية تركز الاهتمام على الدفاعات الجوية الكلية لليابان, حيث تطرح قدرات معززة للكشف عن الصواريخ وتدميرها بالإضافة إلى إسراع تحديث الطائرات المقاتلة لقوات الدفاع الذاتي الجوية.

سيتم طرح منظومة أيجيس آشور خلال السنوات المقبلة كي تعمل بصورة كاملة في 2023, وهو ما سيمنح اليابان قدرة أكبر بكثير على كشف (واستهداف وإذا لزم الأمر تدمير) الصواريخ الباليستية القادمة. سيصبح دمج المنظومات الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية البرية والبحرية والجوية أولوية بمجرد أن يتم نشر هذا النظام الجديد، وسوف تدير قوة الدفاع الذاتي البرية هذه القدرة البرية الجديدة, وستكون هناك حاجة لتحديث نظام القيادة والتحكم الخاص بمنظومة الدفاع المضادة للصواريخ الباليستية اليابانية – التي تشمل نظام أيجيس الخاص بقوات الدفاع الذاتي البحرية ومنظومة PAC-3 الخاصة بقوات الدفاع الذاتي الجوية.

سوف تحصل القوة الجوية اليابانية على تحديث كبير على مدار العقد القادم. كان طرح مقاتلة إف-35 إيه قيد العمل لعدة سنوات الآن, مع التخطيط لنشر 42 طائرة مقاتلة جديدة (أو سربين) بحلول 2021. يتدرب الطيارون اليابانيون بالفعل على طائرات إف-35 إيه, وبحلول 2021, ستحل هذه المقاتلات الحديثة محل طائرات إف-4 فانتوم القديمة، لكن نطاق خطة التحديث التي أُعلن عنها هذا الأسبوع أكبر بكثير، وسوف تشتري اليابان الآن 147 مقاتلة إف-35, مضيفة 105 لتلك القادمة في الطريق إلى اليابان، من ضمن هذه المقاتلات, ستكون 42 من طراز إف-35 بي, القادرة على الإقلاع القصير والهبوط العمودي, ومقاتلات إف-35 إيه الإضافية ستحل محل مقاتلات إف-15 المستخدمة الآن، وسوف تعتمد وتيرة النشر بشكل كبير على مدى سرعة بنائها.

إن إضافة مقاتلات إف-35 بي التي تمتلك قدرة الإقلاع القصير والهبوط العمودي إلى الترسانة، تقدّم لقوات الدفاع الذاتي الجوية المزيد من الخيارات، بينما تفكر في دفاعاتها الجنوبية الغربية، ويمكن لهذه الطائرة المقاتلة أن تعمل من مدرجات إقلاع قصيرة, ومن ضمنها سطح طيران معاد تجهيزه على أكبر المدمرات الحاملة للمروحيات التابعة لقوات الدفاع الذاتي البحرية. إن JS Izumo أصغر من أحدث حاملات الطائرات الأمريكية (27 ألف مقابل 100 ألف طن إزاحة)؛ وأصغر من تقديرات الحاملات الصينية الأحدث (66-70 ألف طن إزاحة) المتجهة إلى بحري الصين الشرقي والجنوبي.

ووفقًا لوزارة الدفاع, لن تتمركز مقاتلات إف-35 بي الجديدة بشكل دائم على متن سفن قوات الدفاع الذاتي البحرية, لكن من الواضح أن طوكيو تزيد من خياراتها وتفكر كيف يمكن أن يتطور الصراع في منطقتها الجنوبية الغربية.

أحد الإضافات المهمة لهذا السيناريو هي الصواريخ التي تُطلق من بُعد معين عن الهدف (ٍstandoff missiles) التي ستمنح قوات الدفاع الذاتي قدرة أكبر على مواجهة أي عدوان بحري، وهذه الصواريخ (JSM, وJASSM, وLRASM) جميعها جوية وطويلة المدى, بمدى يُقدّر بنحو 500 إلى ألف كيلومتر، بالإضافة إلى هذا, يجري تطوير صواريخ جديدة مضادة للسفن وصواريخ موجهة فائقة للصوت لأجل مهمة دفاع قوات الدفاع الذاتي عن الجزيرة.

سوف تمتلك قوات الدفاع الذاتي اليابانية الآن المزيد من الأسلحة القوية والقدرة على كشف الأنشطة العسكرية الأجنبية – وربما الرد على التهديد – بسرعة أكبر بكثير. وسيتم بناء قدرات حديثة في الفضاء السيبراني والفضاء, وتحسين بنية القيادة والتحكم الجديدة للتكيف مع هذه القدرات الناشئة، ومع إدراك الحاجة لاتخاذ إجراء في حالة ظهور تهديدات جديدة من الفضاء السيبراني, والفضاء, وعبر النبضات الكهرومغناطيسية, ستُدفع قوات الدفاع الذاتي لتطوير موقف دفاعي أكثر تكاملًا. بخلاف ذلك, ستحتاج الخدمات الثلاث لتنسيق قدراتها الجديدة في عمليات مشتركة مع الولايات المتحدة.

من الواضح أن طلب الرئيس دونالد ترامب من رئيس الوزراء آبي العام الماضي بأن يشتري منظومات الأسلحة الأمريكية المتقدمة كان له بعض التأثير على صناعة القرار الياباني، لكن هناك بعض المقايضات المهمة التي حدثت كنتيجة. وسيتم شراء مقاتلات إف-35 الجاهزة للبيع من الولايات المتحدة, وسينتهي ترتيب الإنتاج المشترك الذي سمح للمصنعين اليابانيين بالإنتاج في اليابان.

لكن لا تزال هناك طائرة مقاتلة أخرى قيد الدراسة في طوكيو, طائرة مقاتلة جديدة لتحل محل مقاتلة إف-2 متعددة المهام. مرة أخرى, يفكر المخططون اليابانيون مليًا في قدرتهم الصناعية ويظل الحصول على التكنولوجيا والخبرة في بناء المقاتلة هدفًا بعيد المدى. وبالنسبة للوقت الحاضر, أوضحت الحكومة اليابانية نيتها لتنظيم اتحاد بقيادة يابانية لبناء بديل إف-2.

تتعرض عقيدة طوكيو العسكرية الدفاعية لضغط متزايد من القوات العسكرية الأكثر تطورًا وجزمًا التي تعمل داخل الأراضي اليابانية وحولها، فيما يتضح هذا بإسهاب في المبادئ التوجيهية لبرنامج الدفاع الوطني 2018، ومع ذلك، أجادل في كتابي القادم, Japan Rearmed: The Politics of Military Power, بأن الضغط العسكري المتزايد من جيران اليابان هو مجرد جزء واحد من المعادلة.
إن تغيير الآراء الأمريكية حول التزاماتها في التحالف, بالإضافة إلى الثقة المتزايدة داخل اليابان حول استخدامها للقوة العسكرية, جميعها تؤخذ في الحسبان في التفكير الاستراتيجي لطوكيو.
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا