مجلس العلاقات الخارجية| مخاطر محتملة.. ما هى نقاط التوتر لعام 2019 ؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

لو كان عام 2018 هو العام الذي شهد تغلغل التحديات الدولية ولكن ليس تحوّلها إلى أزمات شاملة، فإن العام المقبل ربما يكون العام الذي ينفد فيه الحظ السعيد. بصفتي النائب السابق للمدير ثم المدير بالإنابة للاستخبارات الوطنية – كتب المقال مايكل دمبسي-، تُطرح عليّ كثيرًا أثناء المناقشات تساؤلات بشأن التهديدات العالمية التي يساورني قلق شديد بشأنها.

دعوني أتطرق إلى خمسة تحديات جيوسياسية رئيسية أخشى أنها قد تصبح أكثر إزعاجًا في الشهور المقبلة، بالإضافة إلى عدد من "النقاط الساخنة" التي تحظى بتغطية أقل، لكنها لا تزال مقلقة، والتي قد تستحوذ على اهتمام صنّاع السياسات في العام المقبل.

سوريا
بينما يعتقد العديد من خبراء السياسة الخارجية أن الحرب السورية تشارف نهايتها، وأن نظام الأسد انتصر، غير أنه لا يزال هناك، في رأيي، سبب للقلق بشأن الاتجاه الذي سيأخذه هذا الصراع في عام 2019. على سبيل المثال، تبدو الهدنة المضطربة في منطقة إدلب أكثر هشاشة بمرور الأيام، وإدلب هي معقل للعديد (ربما تبلغ أعدادهم بضعة آلاف) من مقاتلي القاعدة وداعش الأكثر تطرفًا الذين تبقوا في سوريا، فضلاً عن وجود  مليونَي مدني هناك.

أفادت تقارير إخبارية مؤخرًا بحدوث عمليات قصف متبادلة في إدلب بين قوات الأسد والمليشيات المتطرفة التي كان من المفترض أن تزيلها تركيا من منطقة إدلب في شهر أكتوبر الماضي، وذلك كجزء من اتفاق "سوتشي" في سبتمبر الماضي، وهناك أيضًا تقارير تفيد بأن الأسد ينقل وحدات قتالية من جنوب سوريا باتجاه منطقة إدلب.

وبالرغم من أنه بات واضحًا أن كل الأطراف المشاركة في اتفاق سوتشي تفضّل أن يعيد الأسد بسط سيطرته على إدلب عبر تسوية يتم التفاوض بشأنها، إلا أنني أعتقد أنه من غير المرجح مطلقًا أن يسلم المتطرفون هناك أسلحتهم، أو أن يسمح الأسد باستمرار هذا الوضع لوقت أطول؛ ما يعني أن هجوم النظام لاستعادة السيطرة على المنطقة يمكن أن ينطلق في الأشهر القليلة المقبلة.

لماذا يعدُّ هذا مهمًا في صراع اتسم بالفعل بعنف شديد ومعاناة إنسانية بشعة؟ تذكروا أن الأمم المتحدة تحذر من أن أي صدام كبير في إدلب قد يجبر مليون سوري آخرين على الهرب شمالاً نحو الحدود التركية، وهو تطور تبدو أنقرة، التي تستضيف بالفعل ما يزيد على ثلاثة ملايين لاجئ سوري، مصممة على منعه. أيضًا، لو تعثر هجوم النظام، فمن المحتمل جدًّا أن يلجأ النظام لاستخدام أسلحة كيماوية، لا سيما بالنظر إلى تاريخ الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية في تلك المنطقة، وهذا لا شك سيزيد الضغط على الولايات المتحدة والغرب للرد عسكريًا.  
 
إن إدلب هي نقطة الاشتعال الأكثر ترجيحًا في المدى القريب بسوريا، وهناك أيضًا مخاطر أخرى محتملة، من بينها غارات إسرائيل الجوية الدورية على منشآت عسكرية إيرانية في سوريا (قصفت إسرائيل ما يزيد على 200 هدف هناك في العامين السابقين) والرد الإيراني المحتمل عليها، بالإضافة إلى الجهود التركية للقضاء على النفوذ الكُردي في مناطق بالقرب من الحدود التركية – السورية، لا سيما حول منبج.

إن خطة البيت الأبيض القاضية بسحب القوات الأمريكية من سوريا بسرعة، من المحتمل أن تزيد من تصميم تركيا على نشر قواتها في شرق الفرات، وبالتالي، تزداد احتمالية حدوث صدام مسلح مع القوات الكردية خلال الأشهر المقبلة، وقد يسمح أي انسحاب أمريكي مفاجئ لبقايا تنظيم داعش في شرق سوريا بإعادة تجميع صفوفها هناك، ما قد يعقّد من قدرة بغداد على تأمين حدودها الغربية مع سوريا.

إيران
تواجه إيران اليوم تحديات داخلية ودولية هي الأشد منذ عِقد على الأقل، وهو ما يثير القلق بشأن استقرار النظام الداخلي وإمكانية ممارسة النظام للعنف بطرق غير متوقعة، حيث إنه في أعقاب قرار واشنطن بإعادة فرض عقوبات اقتصادية أمريكية قاسية في نوفمبر، تهاوت صادرات إيران النفطية لحوالي مليون برميل يوميًّا هذا الشهر؛ ما يشكّل انخفاضًا عن مستواها المرتفع البالغ 2.5 مليون برميل يوميًّا في مطلع هذا الربيع.

وليس من المستغرب أن هذا الأمر أثر سلبيًا على الاقتصاد الإيراني، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي الآن أن ينكمش اقتصاد إيران القائم على النفط بنسبة 1.5 بالمائة هذا العام، وبنحو 3.5 بالمائة في عام 2019، وقبيل إعلان الولايات المتحدة فرض العقوبات، كان صندوق النقد الدولي يتوقع نموًا بنحو 4 بالمائة في هذا العام والعام المقبل، وهذا يعدّ تحولاً عكسيًّا كبيرًا في حظوظ إيران.

إن الأخبار الاقتصادية الأخيرة، تفاقم من الإحباط الشعبي الكامن تجاه الفساد الحكومي المستشري، والبطالة المرتفعة (لا سيما بين قطاع الشباب من خريجي الجامعات)، وحتى تجاه شحّ المياه المنتشر عانت إيران هذا العام من أسوأ جفاف في نصف قرن، وما من شك أن التقاء هذه العوامل، سيسفر عن عام مضطرب مقبل للنظام الإيراني.

تذكروا أن إيران شهدت سلسلة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في فترات مختلفة في عام 2018، يعود سببها بشكل كبير إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، ومن المحتمل أن يزداد الاقتصاد سوءًا في العام المقبل.

في غضون ذلك، وعلى جبهة السياسة الخارجية، أعتقد أنه من غير المرجح أن تبقى إيران مكتوفة الأيدي بينما يتم خنق صادراتها النفطية، لذا ينبغي علينا توقع ردود سياسة إيرانية خارجية تتراوح بين إجراء اختبارات جديدة على صواريخ بالستية (كما فعلت في مطلع ديسمبر) وتزايد نشاطها البحري في الخليج، وصولاً إلى اتخاذها إجراءات غير متماثلة، مثل تنفيذها هجمات سيبرانية ضد البنية التحتية الإسرائيلية والسعودية والغربية تنفي مسؤوليتها عنها، كما ينبغي علينا توقع زيادة دعم إيران الخفي لوكلائها مثل: حزب الله والحوثيين في اليمن، ومليشيات شيعية مختلفة في العراق.

وبالرغم من أن معظم خبراء الشأن الإيراني يعتقدون أن طهران ستحاول تجنب الدخول في صراع عسكري مباشر مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، بيد أنهم قلقون من أنه مع تزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية على النظام في الأشهر المقبلة، ستزداد معه فرص ارتكاب النظام لخطأ في الحسابات، أو وقوع مواجهة عسكرية غير مقصودة تتصاعد بشكل أسرع وأوسع مما يرغب به أي طرف.

روسيا – أوكرانيا
التحدي الجيوسياسي الثالث الكبير الذي يمكن أن يتدهور بحدّة في العام المقبل هو المأزق في أوكرانيا، فقد كان استيلاء روسيا على القرم عام 2014 ودعمها المستمر للانفصاليين في شرق أوكرانيا، نقطتَي خلاف رئيسيتين مع كل من كييف والغرب، وفي السنوات الأربعة الماضية، حصد هذا الصراع ما يزيد على 10 آلاف شخص، دون أن تلوح نهاية في الأفق لهذا القتال.

في الواقع، هناك إشارات مقلقة مؤخرًا بأن موسكو تستعد لزيادة ضغوطها على كييف، في حين أن تحرك روسيا في أواخر شهر نوفمبر في مضيق "كيرتش" المتمثل في إطلاق النار على ثلاث سفن بحرية أوكرانية والاستيلاء عليها في نهاية المطاف، واعتقالها عشرين بحارًا أوكرانيًا، تسبب في تصاعد التوتر، في الوقت الذي تمتلك أوكرانيا موانئ مهمة تجاريًا في بحر "آزوف" تتطلب المرور عبر المضيق، لهذا فإن تصرفات روسيا تعدّ رسالة واضحة بأنها تتحكم في هذا الممر البحري، وأنها تحتفظ بقدرتها على تهديد مصالح أوكرانيا الاقتصادية.

هناك أيضًا تقارير إخبارية تفيد بأن روسيا تحرّك وحدات عسكرية قريبًا من الحدود الأوكرانية. دفعت هذه التقارير مؤخرًا الرئيس الأوكراني "بورشينكو" لإعلان الأحكام العُرفية لمدة ثلاثين يومًا، وإعلانه خشيته من إمكانية إطلاق روسيا هجومًا بريًّا ضد أوكرانيا في أي لحظة.
إذًا، ما الدافع وراء عدوان روسيا الأخير؟ من وجهة نظري، من المرجح جدًّا أن الرئيس بوتين بات يدرك الآن أن العلاقات الأمريكية – الروسية ستبقى مجمّدة في المستقبل القريب، وأنه من غير المرجح أن تنتهي العقوبات الغربية ضد روسيا قريبا. نتيجة لذلك، ربما يقدّر بوتين أن ليس لديه ما يخسره من محاولة زيادة الضغط على أوكرانيا، ووقف الاندماج الاقتصادي المتزايد لأوكرانيا مع الغرب.

وقد تزداد رغبة بوتين في الدخول في مغامرات خارجية، وذلك نظرًا إلى مواجهة بوتين لاقتصاد متقهقر (يتوقع صندوق النقد الدولي نموًا أقل من 2 بالمائة هذا العام والعام المقبل)، بالإضافة إلى تراجع شعبيته (كشف استطلاع أخير عن هبوط ثقة الجماهير في بوتين بعشرين نقطة مقارنةً بالعام الماضي).

في ضوء كل هذا، من الواجب علينا البقاء حريصين بشأن أي إشارات حول تصعيد روسيا لتدخلاتها في الفترة التي تسبق الانتخابات الأوكرانية الرئاسية في أواخر شهر مارس، وتزايد النشاط العسكري الروسي، إما عبر تزويد روسيا لأسلحة جديدة أكثر فتكًا لحلفائها الانفصاليين، أو إقدامها على تدخل عسكري مباشر في شرق أوكرانيا.

الصين
بالرغم من أن النزاع التجاري المتواصل بين الولايات المتحدة والصين يحظى بشكل مُبرر على جزء كبير من الاهتمام الإعلامي، غير أن تصاعد التوترات العسكرية المتبادلة لا ينبغي تجاهله، لا سيما بالنظر إلى قدرة هذه التوترات على إشعال أزمة ثنائية مفاجئة.

ولمواجهة الشراسة الدبلوماسية والعسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي في الأعوام القليلة الماضية، زادت الولايات المتحدة باطراد من دورياتها الجوية والبحرية هناك، ورفضت دعوة الصين لحضور مناورات حافة المحيط الهادئ نصف السنوية في هذا الخريف، وزادت من وتيرة عمليات العبور البحري عبر مضيق تايوان. من جانبها، دافعت الصين علانية عن مطالبها بالسيادة على جزر بحر الصين الجنوبي، وواصلت حشودها العسكرية في المنطقة (من بينها نشر صواريخ أرض – جو ومعدات تشويش على الرادار)، وحذرت بشكل علني الولايات المتحدة من مغبة انتهاك مبدأ "الصين الواحدة" مع تايوان.

تصاعد التوتر العسكري في الولايات المتحدة والصين في أكتوبر الماضي بالقرب من جزر "سبراتلي" عندما أجبرت سفينة حربية صينية مدمّرة أمريكية على تغيير مسارها عبر الإبحار على مسافة قريبة للغاية منها، وقد أحيت هذه الحادثة الذكريات المتعلقة بحادثة جزيرة "هاينان" في عام 2001، والتي شهدت تصادمًا في الجو بين طائرة أمريكية من طراز P-3 وطائرة مقاتلة صينية؛ ما أثار نزاعًا دبلوماسيًّا شديدًا استمر لنحو أسبوعين.

في رأيي، احتمال حدوث مواجهة عسكرية غير مقصودة بين الولايات المتحدة والصين هو أمر أكثر إثارة للقلق اليوم، وذلك بالنظر إلى الخطاب المتوتر الصادر من الجانبين بشأن النزاع التجاري المتواصل والخلاف الحاصل في العلاقات بشأن طائفة واسعة من القضايا. في الواقع، من الصعب تخيل أن يتمكّن الرئيس "ترامب" أو الرئيس "تشي" بسهولة من تخفيف حدّة وحل أي نزاع عسكري في حال وقوعه، ما يزيد احتمالية نشوب أزمة لا يرغب فيها الطرفان، لكن يعجزان عن احتوائها.

كوريا الشمالية
التهديد المحتمل الأخير الذي يجدر مراقبته في عام 2019 يتمثل في كوريا الشمالية والدراما التي تحيط ببرامجها النووية والصاروخية. يبدو من المرجح أن يلتقي الرئيس ترامب والزعيم الكوري "كيم يونغ أون" في وقت ما في مطلع العام الجديد، وهو ما سيساهم في تخفيض حدّة التوتر في الأشهر القليلة المقبلة، وسيساعد في البناء على العلاقة الشخصية التي نشأت بين الزعيمين في قمة سنغافورة.

ولكن، حسب ما أتوقع، لو استمرت هذه المحادثات في إفراز القليل من النتائج الملموسة للطرفين، فإنه ينبغي علينا الاستعداد لبدء "كيم" في تصعيد سلوكه العدواني في أواخر العام المقبل، ويشير سجل كوريا الشمالية إلى اعتقادها بإمكانية فوزها بتنازلات ملموسة عبر تصعيد ضغطها العسكري، وفي ظل عدم وجود تنازلات جديّة مثل تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية، أو مواصلة إلغاء المناورات العسكرية الأمريكية مع كوريا الجنوبية، من المحتمل أن يتبنّى "كيم" قريبًا موقفًا هجوميًّا مرة أخرى.

من وجهة نظري، من المستبعد أن يُظهر كيم، على الأقل في بادئ الأمر، إحباطه عبر الانخراط في فعل مستفز مثل إجراء اختبار نووي أو صاروخي آخر. لكن ما الذي قد يحاول فعله؟ يمكنه التهديد ببيع أسلحة كوريا الشمالية التقليدية والمتطورة، وتكنولوجيتها، إلى قائمة جاهزة من المشترين المحتملين مثل إيران وباكستان وسوريا، كما يمكنه أيضًا إطلاق هجوم سيبراني كبير ضد المصالح التجارية الغربية والكورية الجنوبية، بغرض انتزاع الأموال أو إبراز قدرات كوريا الشمالية السيبرانية المذهلة. لو أقدم "كيم" على تنفيذ أي من هذين الفعلين، فإن الهدوء الأخير في التوترات مع كوريا الشمالية سينتهي بشكل رسمي، وستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها، بالإضافة إلى الصين، أمام خيارات سياسية صعبة.

 مناطق اضطراب ساخنة
  هناك العديد من الدول المتزايدة الهشاشة التي يمكن أن تصل لنقطة حرجة في العالم المقبل، وقد يكون للكثير منها تداعيات على مصالح الولايات المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بسوق الطاقة العالمي.

في ليبيا، على سبيل المثال، تؤكد حالة التأزم السياسي والاشتباكات الدورية في الأشهر الأخيرة بين المليشيات المتنافسة في طرابلس، مدى هشاشة الوضع الأمني لهذا البلد. علاوة على ذلك، فإن هجوم تنظيم داعش البارز على المؤسسة الوطنية للنفط في سبتمبر الماضي، والهجوم الآخر على مفوضية الانتخابات الليبية في طرابلس في شهر مايو، يبرزان تصاعد قوة هذا التنظيم العسكرية هناك، إذ يتركّز الوجود الأقوى للتنظيم الآن في مناطق وسط وجنوب ليبيا، وللأسف، بعد مرور سبع سنوات على التدخل العسكري بقيادة الناتو للإطاحة بالقذافي، لا تزال ليبيا منقسمة على نفسها بشدة، وضعيفة سياسيًا، وعرضة لفترات عدم استقرار دورية.

في فنزويلا، وصل التراجع الاقتصادي لهذا البلد مؤخرًا لمستويات مذهلة، لم يشهدها العالم لسنوات طويلة. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، من المتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18 بالمائة هذا العام، وهو انكماش ثنائي الرقم للعام الثالث على التوالي. وليس من المستغرب أن هذا الوضع أثار موجة من البؤس الاجتماعي، من بينها انهيار نظام الرعاية الصحية، وانتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها، وتصاعد معدلات الجريمة، وهجرة جماعية للفنزويليين في جميع أنحاء نصف الكرة الغربي، وفقًا للصليب الأحمر، عبر ما يزيد على مليون فنزويلي إلى كولمبيا في العام الماضي، وهذا يشمل فقط الأشخاص الذين عبروا عبر نقاط التفتيش الرسمية.

هناك أمر واحد مؤكد، وهو أنه كلما طال أمد هذه الأزمة، زاد الضرر الذي تتعرض له البنية التحتية الاقتصادية والمؤسسات الحاكمة المدمرة أصلاً لهذا البلد، بما في ذلك شركة النفط الحكومية (PDVSA). لقد عانت هذه الشركة من انخفاض كبير في إنتاجها من نحو ثلاثة ملايين برميل يوميًا منذ خمس سنوات مضت، إلى نحو مليون برميل يوميًا في الوقت الحالي، وحتى هذا الرقم من المتوقع أن يهبط أكثر في العام المقبل مع تفاقم أزمة هذا البلد السياسية والاقتصادية.

هناك قضية أخرى يجدر مراقبتها بدقة في العام المقبل وهي الديناميكية السياسية المحلية المتطورة في المملكة العربية السعودية، والتي تعد دومًا قضية غامضة للمراقبين الخارجيين. وفي الأشهر الأخيرة، تعرضت المملكة لبعض الهزات حث تعثر مشروع طرح أسهم شركة "أرامكوا" للاكتتاب العام، وصولاً للجدل المثار حول   مقتل "جمال خاشقجي" الكاتب في صحيفة واشنطن بوست. لقد هزّت تلك الأحداث الثقة الدولية في مستقبل جهود الإصلاح السعودية، وكذلك في قدرات محمد بن سلمان القيادية على المدى الطويل.

وفي الوقت الراهن، لا توجد إشارات على وجود خطر يهدد سلطة محمد بن سلمان، لكن ولي العهد نفّر بقية أعضاء الأسرة الحاكمة عبر صعوده المفاجئ للسلطة وحملاته لمكافحة الفساد، كما أنه نفّر قطاعات محافظة في المجتمع عبر بعض الإجراءات الإصلاحية.

استشراف المستقبل
لو كانت هذه المجموعة من التحديات الجيو-سياسية المحتملة ليست مخيفة بما فيه الكفاية، دعونا نتذكر أن هذه التحديات ستتجلى في ظل حالة اضطراب كبيرة في واشنطن وباريس ولندن وبرلين، واقتصاد عالمي يتباطأ تدريجيًا، ومؤسسات دولية، من بينها الأمم المتحدة، تتجاوز أقصى حدود إمكانياتها، وتواجه انتقادًا عامًا بسبب عدم فاعليتها.

علاوة على ذلك، وخلافًا حتى لما شهدته الأعوام القليلة الماضية، هناك اتجاه متزايد نحو الأحادية واحتقار للعمل الجماعي، وبات هذا الاتجاه يتجذّر في العديد من العواصم الغربية. إن هذا الاتجاه، مقترنًا بتنامي التحديات المالية في الغرب، وجيش أمريكي مستمر في انخراطه في عمليات انتشار قتالية متواصلة خلال السبعة عشر عامًا الماضية، كل هذا قد يعقّد جهود التصدّي للتهديدات المتراكمة.

بالتالي، ومع انتهاء عام 2018، ربما ينبغي على صُنّاع القرار التوقف والتفكير في القضايا التي تقف أمامهم. ينبغي عليهم التفكير بعناية في التحديات الجيو- سياسية التي قد تتطلب اهتمامهم الكامل في العام المقبل، وإدراكهم لحقيقة أن أفضل أمل لمنع تحوّل المشاكل المتأججة إلى أزمات شاملة، هو عبر الدبلوماسية الفعّالة والنشطة، والاستخدام الحصيف للقوة العسكرية، والممارسة الخلاقة للقوة الناعمة، والعودة لنموذج قيادي غربي يعترف بأهمية الحلفاء والمنظمات المتعددة الأطراف وتطبيق المعايير الدولية.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا