الترجمة الكاملة لتوقعات مركز ستراتفور لحالة العالم خلال عام 2019

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية

لمحة عامة لتوقعات 2019
تصاعد المنافسة بين القوى العظمى: ستصّعد الولايات المتحدة هجومها الاستراتيجي على الصين عبر فرض رسوم جمركية وعقوبات واتخاذ تدابير تنظيمية لحماية التقنيات الناشئة وتقديم دعم أقوى لتايوان، وانتهاج موقف أكثر صرامة في بحر الصين الجنوبي. في الوقت ذاته، سيؤدي فشل اتفاقيات الحدّ من أسلحة الدمار الشامل لتسريع سباق التسلح بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وسيخلق هذا المناخ الجيوسياسي المتوتر فرصًا استراتيجية لدول هامشية أكثر ضعفًا مثل: بولندا وتايوان، لكنه في الوقت ذاته سيخلق مشاكل هائلة للقوى المتوسطة التي تحاول الوقوف على الحياد مثل: تركيا والهند وفيتنام.

تزايد المخاطر الجيوسياسية للأعمال التجارية: متذرعةً بالتهديدات الموجهة لأمنها القومي، ستضغط الولايات المتحدة بقوة على أوروبا واليابان وأستراليا وكندا وكوريا الجنوبية وتايوان لإقامة حواجز أقوى ضد الاستثمارات الصينية، وهذا سيؤثر على البحث والتجارة في مجالات استراتيجية، بدايةً من الذكاء الصناعي، وصولاً إلى مشاريع شبكة الجيل الخامس بدءًا من عام 2019، في حين أن سعي الصين المحموم للحاق بالركب في مجالات مهمة مثل التكنولوجيا الفضائية الجوية وتكنولوجيا أشباه الموصلات المتطورة، لن يؤدي إلا لزيادة التهديدات السيبرانية ضد الشركات الكبرى، وسيدفع الولايات المتحدة لتبنّي سياسة أكثر شراسة في الفضاء السيبراني، علاوةً على ذلك، ستواجه الشركات تعطلاً في سلاسل الإمداد وغرامات ودعاوى قضائية أقوى بسبب اختراق البيانات.

قياس الاضطرابات التجارية في الاقتصاد العالمي: إن حدوث مواجهة أمريكية مع منظمة التجارة العالمية قد يشلّ عملية تسوية النزاعات في هذه المنظمة، ما سيجبر الدول على الدخول في محادثات ثنائية أقل قابلية للتنبؤ لحلّ خلافاتها التجارية. تمتلك كل من كندا والمكسيك واليابان فرصة أفضل للتفاوض من أجل فرض حصص على صادراتها لأمريكا، للتخفيف من تهديد الولايات المتحد بفرض رسوم جمركية على السيارات المستوردة، لكن محادثات الاتحاد الأوروبي التجارية مع الولايات المتحدة مصيرها الفشل، فيما ستزيد الرسوم الأمريكية الإضافية على الصين من حالة عدم اليقين التجارية، إلا أن التأثير العام لسياسة البيت الأبيض التجارية في العام 2019 سيكون خافتًا نسبيًا.

سيناريوهات مخيفة تحوم حول إيطاليا والبريكست: ستشكّل الحكومة الشعبوية الإيطالية التي يغلب عليها طابع التحدي، التهديد الأكبر على منطقة اليورو في عام 2019، إذ ستتزايد المخاوف بشأن تصاعد مستويات دين هذا البلد وقطاعه المصرفي الهش.

إن الأسواق المالية والفوارق الخطيرة في عائدت السندات – وليس تهديدات بروكسل – ستكون هي عناصر التأديب التي ستلجم روما، وستعمل بروكسل بشكل متزامن لتفادي عدم التوصل لاتفاق فيما يخص البريكست مع المملكة المتحدة، لكن الفيتو البرلماني في بريطانيا سيكون العائق الأكبر لخروج بريطانيا بطريقة منظمة من الاتحاد الأوروبي.  
 
الخطوات التالية في الحملة ضد إيران: في ضوء وجود عقوبات ثانوية واسعة المدى، ستمضي الولايات المتحدة قدمًا في حملتها لعزل إيران إقليميًا وإضعافها من الداخل. هذا سيزيد التوترات بين واشنطن وطهران، وسيقضي على الاحتمال الضعيف بالفعل لدخول البلدين في حوار بناء، ووجود موقف مشترك فيما يخص معارضة إيران، سيساعد في تحصين العلاقات الاستراتيجية رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة والسعودية.

مراقبة تزايد الإمدادات في أسواق الطاقة العالمية: ستدير كل من السعودية وروسيا عمليات إنتاج النفط بعناية لمنع هبوط الأسعار، وستراقبان تأثيرات صادرات النفطة الإيرانية المتبقية على الأسواق، هناك أيضًا احتمال بزيادة الإنتاج النفطي في العراق وليبيا، وتخفيف القيود بشكل كبير على القدرة التصديرية للولايات المتحدة في وقت لاحق في العام المقبل، كما ستهتز أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية عندما تتبوأ الولايات المتحدة موقعها وسط أكبر ثلاث دول مصدّرة للغاز الطبيعي المسال في العالم في عام 2019.

تزايد في نشاط القوى المثيرة للبلبلة في الأمريكيتين. ستقود الحكومتان المتشددتان المتحالفتان مع الولايات المتحدة في البرازيل وكولومبيا جهودًا إقليمية فعالة غير معتادة لاحتواء تداعيات الأزمة الفنزويلية المتواصلة، وستصطدم جهود البرازيل الساعية لتغيير وإصلاح تكتل "السوق التجارية للجنوب" (ميركوسر) بجدار الأرجنتين المتأزمة سياسيًا، كما ستكون قوة الاستفتاء موضع اختبار في المكسيك، إذْ ستزيد الأجندة الشعبوية الشرسة التي تتبناها حكومة هذا البلد المخاطر على المستثمرين.

إثيوبيا تقود عملية تغيير كبيرة في القرن الإفريقي: إن جدول الأعمال الطموح لإثيوبيا، يولّد اهتمامًا اقتصاديًا، ويجذب قوى خارجية للقرن الإفريقي، بيدأن التحديات الداخلية الراهنة التي تواجه القيادة الإثيوبية والصراع العِرقي، يهددان بإبطاء الزخم الإثيوبي.  

 اتجاهات عالمية

واقع عالمي مزعج
منذ أكثر من عام مضى, نوّه معهد "ستارتفور" إلى أن تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا سيكون السمة المحددة للنظام الدولي، ما سيخلق معضلة للقوى المتوسطة العالقة  بين القوى العظمى المتنافسة، ولم يستغرق الأمر طويلاً على اندلاع الحروب التجارية والهجمات السيبرانية وتحول الاستراتيجيات الدفاعية وسباقات التسلح، حتى يقتنع العالم أن هذا الوضع هو الواقع العالمي الجديد المزعج.

ستتصاعد المنافسة بين القوى العظمى في العام 2019، وسيزيد البيت الأبيض محاولاته لتقييد التقدم الصيني في العديد من المجالات الاستراتيجية، كما ستتعرض بكين لبعض الضربات على طول الطريق، لكنها لا تزال لديها الوسائل والمزيد من الحافزية أكثر من أي وقت مضى لتسريع جدولها الزمني وجهودها نحو تحقيق التكافؤمع الولايات المتحدة. وبالرغم من عدم وجود مودّة متبادلة بين الصين وروسيا، إلا أن احتمال حدوث تقارب أكبر بين الطرفين في عام 2019، قد يجعل البلدين يتجاوزان نقاط التوتر في شراكتهما غير السهلة.

سيكشف هذا العام عن القيود التي ستواجهها الولايات المتحدة في محاولة عزل الصين، وستأتي القيود من سلاسل الإمداد المتشابكة بين البلدين، وحتى من أكثر الحلفاء الذين تعوّل عليهم الولايات المتحدة، إذ سيعلق هؤلاء الحلفاء بين الحفاظ على علاقتهم الأمنية القوية مع الولايات المتحدة، وحاجتهم المتزايدة لتوسيع علاقاتهم الاقتصادية مع الصين، ستخلق هذه الديناميكية الدولية صداعًا كبيرًا للقوى المتوسطة والشركات ذات النشاط العالمي، أثناء محاولاتها التنقل عبر هذه البيئة المعقدة. وحتى مع محاولة القوى الأوروبية الرئيسية التأكيد على سيادة الاتحاد الأوروبي على النطاق العالمي، لتفادي تحولها إلى مجرد أضرار جانبية، غير أن هذه القوى ستكتفى برد الفعل فقط تجاه المنافسة الأوسع نطاقًا، أما الدول التي تقف في المنتصف، بداية من بولندا وصولاً إلى تركيا وتايوان، فإن توتر المناخ الجيوسياسي سيُترجم في بعض الحالات إلى فرص إستراتيجية، في ظل محاولة تلك الدول العمل بسرعة لتعزيز التحالفات الأمنية، والحصول على منافع اقتصادية خاصة من الدول الكبرى الساعية لكسب رضاها.

إن التطور السريع في تكنولوجيا السلاح الهدامة، مقترنًا بالتدهور السريع في اتفاقيات الحدّ من انتشار أسلحة الدمار الشامل، سيسرّع سباق التسلح الخطير بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، كما أن انسحاب واشنطن القريب المحتمل من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، والمفاوضات الهشة بشأن "المعاهدة الجديدة لتخفيض الأسلحة الاستراتيجية"، سيعمقان الانقسامات في أوروبا، مع محاولة القوى الغربية تفادي تورطها في تكديس السلاح، فيما تحاول الدول الواقعة على خطوط المواجهة مع روسيا، مثل بولندا ودول البلطيق وربما رومانيا، التطوع لاستضافة معدات عسكرية أمريكية. في الوقت ذاته، ستحرر الولايات المتحدة نفسها لبناء ترسانة قوية لتحدي الصين، بينما ستتجنب الأخيرة الدخول في اتفاقيات الحدّ من أسلحة الدمار، وستمضي قدمًا في حشدها العسكري غرب المحيط الهادئ.

مع انقسام الجبهة الغربية، وتوقف الولايات المتحدة عن الدفاع بنشاط – وفي بعض الحالات حتى المحاربة بنشاط – النظام العالمي القائم على القواعد في مرحلة مع بعد الحرب العالمية الثانية، ستحاول الصين إيجاد منفذ لها وسط القوى المتوسطة لإضعاف الهجوم الأمريكي، علاوة على ذلك، فإن الاستبداد الرقمي الذي تحركه التكنولوجيا، والذي تستخدمه الصين لإدارة شؤونها في الداخل، وتقوم بتصديره للخارج، سيوفر بديلاً للقوى الاستبدادية التي يزداد حذرها من الشروط السياسية الليبرالية التي تأتي تقليديًا عند عقد شراكة مع الغرب.

ستتصاعد المنافسة الأمريكية – الصينية عمليًا على كل الجبهات في عام 2019؛ فعلى الصعيد الأمني ستزيد أمريكا من تحدّيها للصين في بحرب الصين الجنوبي وفي قضية تايوان، ما قد يزيد من عدد المواجهات والصراعات التي ستكون على وشك الوقوع بين القوات الأمريكية والصينية في نقاط التوتر البحرية، أما جهود الولايات المتحدة الاقتصادية لمواجهة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية بشكل مباشر، على العكس من ذلك، ستواجه قيودًا أكبر، إذ تستغل الصين اتفاقيات الشراكة الاقتصادية المشتركة مع الدول الكبيرة والصغيرة لإضعاف التحالفات الأمريكية.

في مجال التجارة، من المحتمل توصل واشنطن وبكين لاتفاقيات هدنة مؤقتة، إذ سيتفاوض الطرفان للوصول إلى هدنة اقتصادية، لكن الكلمة المفتاحية هي "مؤقتة": فالفجوة واسعة بين مطالب الولايات المتحدة لأن تجري الصين إصلاحات هيكلية عميقة في اقتصادها، وبين ما الذي ستكون الصين على استعداد لتقديمه من دون المساس بإستراتيجيتها الخاصة بالتكنولوجيا الصناعية واستقرارها الداخلي، وهذه الفجوة واسعة لدرجه تمنع توصل الطرفين لصفقة أكثر شمولاً ودوامًا بين الطرفين.

إن الضغط الاقتصادي الأمريكي على الصين سيتجاوز أيضا الرسوم الجمركية، حيث ستواجه شركات التقنية الأمريكية المزيد من الرقابة التنظيمية، مع محاولة الولايات المتحدة تقييد وصول الصين لتقنيات ذات استعمال مزدوج، وتشديد الرقابة على سلسلة الإمداد الأمريكية -الصينية متذرعة بجوانب الضعف الأمنة الوطنية، فيما سيلحق احتمال فرض ضوابط تصدير على أهداف "ذات استعمال مزدوج"، بداية من الرقائق عالية الأداء، وصولاً إلى أبحاث الذكاء الصناعي، ضررًا بالغًا بالعديد من الشركات الكبرى، كما ستحاول الولايات المتحدة الضغط على دول أخرى – لا سيما اليابان وكندا والدول الأوروبية وأستراليا ونيوزلاندا وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتايوان- لتقليل علاقاتها مع شركات التقنية الصينية الكبرى مثل "هواوي" و"زي تي".

سيشهد العام المقبل طفرة ستغير قواعد اللعبة في السرعة والتواصل فيما يتعلق بالتكنولوجيات التحويلية، مثل "إنترنت الأشياء" و الوقع الافتراضي والمعزز و الذكاء الصناعي والسيارات ذاتية القيادة و التطبيب عن بعد – وهي مجالات تشهد بالفعل منافسة أمريكية -صينية. ونظرًا إلى أن شركتي "هواوي" و "زي تي" هما شركتان من بين حفنة قليلة من شركات التقنية التي طورت البنية والمعايير التكنولوجية حول تكنولوجيا الجيل الخامس، فإن الحكومة الأمريكية ستحاول جاهدة لمنع أكبر منافسيها من ترسيخ أقدامهم بخطى عميقة في نظامها العصبي الاقتصادي ونظام حلفائها.

إن تصاعد المنافسة بين القوى العظمى لن يعمل إلا على مفاقمة التوترات بين الدول والشركات بشأن السياسات، وبوصفها أكبر هدف للهجمات السيبرانية، تمضي الولايات المتحدة في مسار أكثر شراسة، مع بقاء الصين وروسيا كهدفين لها. (الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2020، ستجذب المزيد من الاهتمام للخطر السيبراني الذي تمثله الصين، بوجه خاص). كما يمكن ملاحظة اتجاه متنامٍ في الدول الغربية، حيث ستعتمد الحكومات هناك على فرض غرامات كبيرة وعلى ازدياد دعاوى المستهلكين القضائية لتحميل الشركات الكبرى مسؤولية الخروقات واسعة النطاق للبيانات، كما ستصبح الدعوات وسط القوى العظمى لوضع معايير عالمية للفضاء الإلكتروني أكثر إلحاحًا، لكن التوصل لتوافق وطريقة لتطبيق هذه المعايير لن يكون أمرًا سهلاً بالنظر إلى المواقف المتباعدة للغاية بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين بشأن الأولويات والوسائل المطلوبة لحكم الفضاء الإلكتروني.

الرياح العالمية المعاكسة لسياسة الولايات المتحدة التجارية
بعيدًا عن التركيز الأمريكي الاقتصادي الشديد على الصين، فإن التهديدات المحدقة المتمثلة في الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات، والمواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة وقوى رئيسية أخرى في منظمة التجارة العالمية، سينعكس صداها على الاقتصاد العالمي، ورغم كون سياسة البيت الأبيض الاقتصادية عرضة لمناورات المعسكرات الأيديولوجية المتنافسة في الداخل الأمريكي، لا تزال مدفوعة بشكل كبير بالمصلحة المتمثلة في تقليل العجز التجاري عبر المفاوضات الثنائية، وحتى مع تهديد البيت الأبيض بفرض رسوم على واردات السيارات- وهي جزء رئيسي من العجز التجاري الأمريكي- بحجة حماية الأمن الوطني، فإن الولايات المتحدة لن تكتفي بعقد صفقات تجارية لا تشمل تنازلات مهمة في أسواق مثل القطاع الزراعي، الذي يتمتع فيه المصدرون الأمريكيون بتنافسية أكبر، كما ستستخدم الولايات المتحدة أيضًا اتفاقيات التجارة الثنائية لإثناء شركاء أمريكا التجاريين عن توقع اتفاقيات تجارة حرة مع الصين (محاولة كندا توقيع اتفاق كهذا، سيكون اختبارًا لمصداقية هذا التكتيك الأمريكي).

سيكون لدى اليابان فرصة جيدة لتخفيف أثر التهديد الأمريكي بفرض رسوم على واردات السيارات، وذلك عبر عقد صفقة تجارية محدودة مع الولايات المتحدة، وذلك بالنظر إلى التنازلات الزراعية التي قدمتها في اتفاق التجارة الحرة مع كندا و"الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ" في عام 2018. من المحتمل أن توافق كوريا الجنوبية أيضًا على فرض حصص لتفادي الرسوم على صادرات سياراتها، وعلى النقيض من ذلك، تبدو احتمالات التوصل لاتفاق تجاري شامل بين الولايات المتحدة وأوروبا ضعيفة، وستكون ألمانيا هي الخاسر الأكبر في أي معركة تجارية مع الولايات المتحدة بخصوص السيارات، لكنها لن تكون قادرة على إجبار الاتحاد الأوروبي ككتلة، وفرنسا بالأخص، على تقديم تنازلات في قطاع الزراعة لإرضاء البيت الأبيض.

وتفصل منظمة التجارة العالمية في الوقت الراهن في عدد من القضايا المرتبطة بالأمن الوطني، من بينها تبرير الولايات المتحدة لفرض رسوم على الفولاذ والألومنيوم في مطلع عام 2018، وسيتخذ البيت الأبيض هذه القضايا حجة ويجادل بأن هذا الكيان المتعدد الجنسيات لا يملك الحق في الفصل في قضايا الأمن الوطني في المقام الأول، ولو انتصر البيت الأبيض في هذه الحجة، فإن هذا سيجعل من السهل على الدول الأخرى إقامة حواجز حمائية باسم الأمن الوطني.

إما إذا خسر البيت الأبيض حجته، فإن قرار منظمة التجارة العالمية لن يؤدي إلا لتصعيد البيت الأبيض لحملته ضد مصداقية هذه المنظمة. ولكي نكون واضحين، يمتلك الكونغرس السلطة لمنع انسحاب الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية، وهو ما قد يقضي على الاقتصاد العالمي، لكن الولايات المتحدة لديها وسائل أخرى لشلّ عملية حل النزاعات داخل المنظمة. فبسبب منع الولايات المتحدة إجراء تعيينات جديدة في المنظمة، فإن هيئة الاستئناف قد تفشل في أن يكون لديها الحد الادنى من القضاة (ثلاثة قضاة) للفصل في القضايا.

يهدف هذا الشكل من الاحتجاج الأمريكي، والذي سبق رئاسة دونالد ترمب، لكسب دعم الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا وشركاء تجاريين رئيسيين آخرين لإصلاح منظمة التجارة ما يسرّع من أحكامها، ويوضّح حدود ولايتها القضائية، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة منع تجاوز هذه المنظمة لحدودها التجارية السيادية، ومحاسبة الصين ودول نامية أخرى على انتهاكاتها التجارية، من بينها الدعم الحكومي وسرقات الملكية الفكرية.

هناك احتمال حقيقي بأن الولايات المتحدة ستتمكن من شلّ عملية تسوية النزاعات، وهو سيناريو سيدفع القوى الاقتصادية مرة أخرى إلى المفاوضات الثنائية لحل خلافاتها، كما كانت تفعل تحت مظلة "الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة"، وهو النظام الذي ساد قبل إنشاء منظمة التجارة العالمية، وكان يحكم التجارة العالمية في ظل مناخ جيوسياسي ينضح بعدم اليقين.

التوقعات المتعلقة بالطاقة العالمية
من غير المتوقع حدوث انهيار في أسواق النفط في النصف الأول لعام 2019 مع تقلص صادرات النفط الإيرانية بفعل العقوبات، وتقييد نمو الإنتاج الأمريكي بسبب نقص أنابيب النفط. لكن صورة الإمدادات ستتغير بشكل كبير في النصف الثاني للعام ذاته مع توسّع قدرة أنابيب النفط الأمريكية، وستظل روسيا والسعودية شديدتي التفاعل مع أية إشارات تدل على وجود تخمة في المعروض ترسل الأسعار إلى حالة من الانحدار السريع.

ستظل إيران قادرة على تصدير مليون برميل يوميًا لنحو خمسة أشهر مقبلة بفضل قرارات الإعفاء من العقوبات، كما أن هناك احتمالاً بأن تحل العراق وليبيا مشاكلهما السياسية الداخلية لفترة تكفي للتأثير بشكل ملحوظ على الأسواق، وفي الوقت ذاته، فإن احتمال حدوث انهيار داخلي يقلل من إنتاج فنزويلا النفطي، أو نشوب خلاف في الخليج يعرقل حركة ناقلات النفط، كل هذا سيكون محل مراقبة وثيقة، خشية حدوث انقطاع في الإمدادات.

في غضون ذلك، ستغير الولايات المتحدة وجه أسواق الغاز الطبيعي المسال؛ فبحلول نهاية 2019 ستنضم الولايات المتحدة إلى قطر وأستراليا بوصفها أحد أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المسال في العالم، ولا شك أن التأثيرات الجيوسياسية لهذا الأمر ستأخذ سنوات حتى تتجلى صورتها، إذ إن وجود سوق غاز طبيعي مسال أكثر تنافسية، سيعطي زخمًا للعقود قصيرة الأجل، لا سيما في الأسواق الآسيوية التي يتزايد فيها الطلب على هذه السلعة، وسيحاول شركاء أمريكا التجاريون الخاضعون لحصار البيت الأبيض، الاستفادة من زيادة مشتريات الغاز الأمريكي المسال لتخفيف التوترات التجارية، بينما ستستخدم دول شرق أوروبا مشتريات الغاز الأمريكي المسال لتحصين نفسها من روسيا.

إن احتمال فرض الولايات المتحدة مزيدًا من الرسوم على الواردات الصينية وعلى واردات الولايات المتحدة من السيارات من خارج أمريكا الشمالية سيخلق مشاكل قطاعية ومحلية، لكن سيكون له تأثير محدود على الاقتصاد الأمريكي والعالمي بشكل عام، وسيشير البيت الأبيض إلى النمو الاقتصادي الأمريكي المستقر، لتبرير اتباعه نهجًا صارمًا بشأن التجارة، لكن التأثيرات المحفزة للتخفيضات الضريبية والإنفاق المالي للولايات المتحدة، ستتلاشى في الأشهر القليلة المقبلة، ما سيُبقي تشديد السياسة النقدية الأمريكية على مسار معتدل نسبيًا.

وما دام الاقتصاد الأمريكي مستقرًا نسبيًا، وظل المستوردون الأمريكيون يكافحون لإيجاد بدائل رخيصة للمنتجات الصينية، وواصل المستهلكون الأمريكيون تقبل دفع أثمان مرتفعة قليلاً على المنتجات الصينية، فإن الصين ستكون قادرة على تجاوز الضربات الاقتصادية الناتجة عن تنافسها الطويل مع الولايات المتحدة، بينما تزيد من اعتمادها على إجراء تعديلات مالية في الداخل لحفظ الاستقرار.

في أوروبا، سيكون من الممكن تفادي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون عقد صفقة،  حتى لو كان بشق الأنفس، وحتى لو تجنبت الحكومة الإيطالية والمفوضية الأوروبية تصعيد مواجهتهما وتحولها لأزمة منهجية، فإن هشاشة القطاع المصرفي الإيطالي سيظل أكبر تهديد على استقرار منطقة اليورو، وسيتجه البنك المركزي الأوروبي نحو تشديد سياسته النقدية بالتدريج وبصورة حذرة، في وقت يخيم فيه الخطر الإيطالي فوق منطقة اليورو، ويتباطأ فيه النمو الاقتصادي الأوروبي بشكل عام.

إن تقديم صندوق النقد الدولي مساعدة مالية للأرجنتين سيمنع اقتصاد هذا البلد من الانهيار، لكن هذه المساعدة ترفع أيضًا من إمكانية فوز المرشحين البيرونيين الذين يتبنون سياسات مالية متراخية، أما تركيا فسيكون لديها فرصة سياسية لإجراء إصلاحات خفيفة في عام 2019، بينما ستحاول منع تأثير بعض الجوانب المثيرة للجدل في سياستها الخارجية بالسلب على استقرارها الاقتصادي، وستجمع باكستان بين المساعدات المالية من صندوق النقد الدولي والمساعدات الخارجية لتجنب حدوث أزمة في ميزان المدفوعات، بينما ستستعد الحكومة الهندية لانتخابات الربيع عبر تجنب تقديم تنازلات تجارية كبيرة، والضغط على البنك المركزي لاتباع سياسات نقدية متساهلة. لقد تجنبت حكومة المكسيك الجديدة كابوس "اتفاقية التجارية الحرة في أمريكا الشمالية" (نافتا)، لكنها ستزيد المخاطر السياسية على المستثمرين عبر اتباعها أجندة شعبوية متشددة.

الاتجاهات الرئيسية لعام 2019- منطقة الشرق الأوسط والخليج 

المسار التصادمي بين الولايات المتحدة وإيران
إن حملة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ستلحق الضرر بإيران، لكن لن تؤدي لانهيار الحكومة حتى مع تقهقر اقتصاد البلاد، وتأمل الولايات المتحدة عبر زيادة العقوبات إلى إجبار إيران على العودة لطاولة المفاوضات، هذا لن ينجح، وبالرغم من أن إيران معروفة بخلافاتها السياسية الداخلية، إلا أن أحزابها ستعطي أولوية لاستقرار النظام على حساب مصالحها السياسية، علاوة على ذلك، زادت العقوبات من الاضطرابات الشعبية التي تعزز الموقف السياسي للمحافظين والمتشددين ضد إدارة الرئيس المعتدل حسن روحاني، كما سيتعزز وضع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية المتشددة، وذلك نظرًا لحاجة البلاد إلى إستراتيجية دفاعية في مواجهة تصاعد الضغوط عليها.

ستشعر إيران بالإغراء للرد عبر التحرش بالولايات المتحدة وحلفائها في الخليج، وعبر إجراء تجارب صاروخية باليستية، أو استئناف أنشطتها النووية، لكنها ستفعل هذا فقط عند الضرورة القصوى، بدلاً من ذلك، ستلجأ إيران بسهولة لشنّ هجمات سيبرانية وتنفذ عمليات سرية أو تستخدم وكلاءها المهمين في الإقليم لتوجيه ضربات للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج، كما ترغب إيران في تجنب تعرّضها لضربة عسكرية تقليدية، لكن عندما يضعف دعم الاتحاد الأوروبي السياسي لها في عام 2019، ومع استبدال الضمانات الاقتصادية بمجرد خطاب سياسي، فإن طهران ستكون أكثر استعدادًا للانخراط في أفعال انتقامية أكثر حدّة.

الولايات المتحدة تدعم حلفاءها
عند تنفيذها لاستراتيجيتها الإقليمية التي ترتكز على احتواء إيران، ستعتمد الولايات المتحدة على مجموعتين من الحلفاء لديهم أهداف مماثلة لأهداف الولايات المتحدة؛ تضم المجموعة الأولى حلفاءً قلقين بشدة من إيران ومستعدين لسياسات شديدة مناهضة لها: إسرائيل والسعودية والإمارات. تتجاوز هذه الدول بسرعة عقودًا من انعدام الثقة والصراع من أجل تحسين التنسيق فيما بينها ضد طهران في المجال السيبراني وتطبيق العقوبات، وحتى من الناحية العسكرية.

المجموعة الثانية من الحلفاء تضم الكويت وسلطنة عمان وقطر، وهي دول يجمعها تحالف غير محدد المعالم مع الولايات المتحدة، وهي أقل استعدادًا لاتخاذ موقف حازم ضد إيران. يمكن لهذه الدول أن تقدم دعمًا استراتيجيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا للولايات المتحدة في صراعات وأزمات إقليمية محددة، وقد يخفف أن تحسين التعاون فيما بين هذه الدول من الحصار المفروض على قطر، لكن الصراع الكامن بين دول مجلس التعاون الخليجي سيستمر.

المملكة السعودية تحت الضوء
سيتعيّن على السعودية إدارة المخاوف المتزايدة بشأن ولي العهد محمد بن سلمان في عام 2019. في أعقاب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، ستخضع أفعال ولي العهد لتمحيص دولي متزايد. بالرغم من أن وضعه لا يزال راسخًا داخل العائلة المالكة السعودية، بيد أن وضع ولي العهد المهيمن لا يزال يعتمد على دعم والده الملك سلمان، كما ستستمر بعض الانتقادات في التزايد داخل العائلة المالكة، وسيقيّد بعض حلفاء الرياض، الدعم العسكري والاستثمارات الأجنبية للسعودية، لكن من غير المحتمل أن تتغير التحالفات المهمة.

وستواصل الرياض النهوض بأهداف رؤيتها لعام 2030 خلال السنوات المقبلة، وستخفف من الإجراءات التقشفية استجابة للإشارات الاقتصادية الإيجابية- ارتفاع أسعار النفط في عام 2018، وفرصة تعويض صادرات النفط الإيرانية المتراجعة، والاستراتيجية الناجحة نسبيًا في توليد إيرادات من القطاعات غير النفطية.

إن شكاوى المواطنين السعوديين بخصوص المنازل والرواتب وجودة الحياة، ستجبر الدولة على استخدام محفظتها الملكية المليئة للتعامل مع هذة الشكاوى.
 
تداعيات الأزمة السورية
في المراحل النهائية للحرب الأهلية السورية، هناك خمس قوى مهمة (تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة وإسرائيل) تتنافس على النفوذ والسيطرة هناك. تدعم موسكو وطهران بقوة الرئيس السوري بشار الأسد، لكنهما تختلفان ليس فقط في مستويات الدعم الذي تقدمانه، لكن أيضًا في أهدافهما العامة، وقد استخدمت روسيا الصراع السوري لتوسيع وجودها في الشرق الأوسط، وستدافع بقوة عن مكاسبها، مع ذلك، لا ترغب موسكو في الدخول في صراع مفتوح مع تركيا والولايات المتحدة أو إسرائيل. إيران، على الجانب الآخر، ستكون أكثر شراسة في دعمها لدمشق، لا سيما ضد أنقرة وواشنطن. ستواصل إيران أيضًا حشد قواتها في سوريا كردع لإسرائيل، وكوسيلة لدعم حزب الله، حليفها القوي في لبنان المجاورة، وستحاول إسرائيل إحباط خطط إيران، لكنها ستكون حذرة من إشعال صراع غير مقصود مع روسيا.

لا تزال تركيا والولايات المتحدة تعارضان حكم الأسد، لكن بالرغم من كونهما حليفين في الناتو، إلا أنهما ستسعيان لتحقيق أجندتيهما المنفصلتين في سوريا. تركز الولايات المتحدة على التخلص من بقايا تنظيم داعش في البلاد، لكنها تسعى بصورة عامة للتخلص من النفوذ الإيراني في سوريا ضمن إستراتيجيتها للتصدي لإيران، لكن  تحدّي إيران في سوريا، يخلق توترًا بين الولايات المتحدة وروسيا، والأخيرة لا تستطيع ولن تُخرِج إيران من سوريا.

تركيا من جانبها ستواصل تركيزها على احتواء القوات الكردية في سوريا، وهذا يسبب مشكلة للولايات المتحدة التي تستعين بوحدات حماية الشعب الكردية كحليف ضد تنظيم داعش وكوكيل لها ضد إيران، ويمكن أن تصبح إدلب منطقة توتر بين تركيا وإيران وقوات الحكومة السورية، وبدرحة أقل روسيا، ونظرًا إلى وجود مصالح متعارضة في سوريا، فإن إمكانية حدوث تصعيد عرضي أو مواجهة بين دولتين هناك في عام 2019 هي أعلى من أي وقت مضى، لكن كل القوى ستتخذ خطوات لتجنب هذا الصدام.

التعامل مع الاقتصاد التركي الهش
التحدي الأكبر الذي سيواجه تركيا في عام 2019 سيكون اقتصادها المتأزم. بالإضافة إلى إدارة مشكلة نسب التضخم القياسية، سيضطر الرئيس التركي للتعامل مع ديون الشركات الخاصة التي تساوي تقريبًا ربع الناتج القومي الإجمالي لهذا البلد، كما سيحاول أردوغان تجنب اندلاع أزمة جديدة لليرة، وسيكون أردوغان مجبرًا سياسيًا على توسيع قاعدة دعمه قبيل الانتخابات المحلية في الربيع المقبل، مغازلاً الاتراك القلقين ماليًا المنتمين لقواعد انتخابية مختلفة، والذين يشعر البعض منهم بالانزعاج تجاه سياسات الرئيس القومية، كما أن اقتصاد تركيا الهش سيضعف موقف أنقرة عند تعاملها مع شركائها المهمين في الغرب.

وبسبب شدة تأثرها بالضغوط الاقتصادية الأمريكية، ستحاول تركيا تعزيز الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على علاقات اقتصادية مستقرة مع أوروبا. ومع ذلك، فإن علاقات تركيا المعقدة تاريخيًا مع الاتحاد الأوروبي ستعقد من هذه المحاولة، وبالإضافة إلى تحقيق الاستقرار لوضعها الاقتصادي، ستواصل أنقرة سعيها للتصدّي لقضايا جوهرية ملحة في عام 2019، من بينها احتواء الحركات الكردية الانفصالية في مناطق النفوذ العثماني السابقة، وستبذل كل ما بوسعها في شمال سوريا، وستواصل ضرباتها العسكرية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

تواريخ مهمة يجدر مراقبتها- الشرق الأوسط والخليج
 يناير: إمكانية انعقاد اللقاء الافتتاحي لتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي- المعروف باسم "الناتو العربي".

 يناير: سيعقد رؤساء الاتحاد الإفريقي قمة في مصر.

 فبراير 17-22: انعقاد الجلسة العامة لـ"فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية" في باريس، والتي سيتم فيها مناقشة وضع إيران.

 مارس: انعقاد الانتخابات المحلية في تركيا.

 إبريل: انعقاد الانتخابات الرئاسية في الجزائر.

 أغسطس: انعقاد المناورات البحرية الإيرانية السنوية  في مضيق هرمز.

 نوفمبر: انعقاد الانتخابات البرلمانة الإسرائيلية في نهاية هذا الشهر.

 تاريخ غير معروف: الإعلان عن تاريخ انعقاد الانتخابات البرلمانية الإيرانية في العام 2020.

الاتجاهات الرئيسية لعام 2019 فى منطقة آسيا – المحيط الهادئ

الصين تصمد أمام العاصفة التجارية
ستحاول بكين إبقاء خطوط التواصل مع واشنطن مفتوحة فيما يتعلق بالتجارة عن طريق عرض شراء المزيد من البضائع الأمريكية وتخفيض حواجز مختارة أمام الاستثمار، لكن تنازلاتها لن تلبي المطالب الأمريكية بإصلاح اقتصادي هيكلي. مع هذا، سترد الصين بالمثل فقط على الإجراءات الأمريكية التي تستهدف الشركات والكيانات الصينية، ولن تتخذ أي إجراء عقابي شامل ضد الشركات الأمريكية. وسوف تزيد بكين أيضًا من إصلاحات القطاع العام عن طريق اجتذاب الاستثمار الأجنبي إلى القطاع المالي، وقطاع السيارات، وقطاع الطاقة، بالإضافة إلى هذا، سوف تخفف القيود في القطاعات التي تتواءم مع مصالح الصين الرئيسية، مثل الخدمات الصحية والتعليم.

سوف تتمسك الولايات المتحدة بمطلبها بأن تخفف الصين دعم الدولة لقطاع التكنولوجيا، لكن هذا سيرغم بكين على تسريع جهودها لتخفيف اعتماد الصين على التكنولوجيا الأجنبية وتنويع سلسلة إمدادها، وذلك يستوجب دعمًا حكوميًّا للقطاع، ولا حاجة للقول بأن رفض الصين الرضوخ للضغط الأمريكي على التكنولوجيا سيطوّل نزاعهما التجاري.

في الوقت نفسه، ستكافح الصين من أجل الحصول على التكنولوجيا وتتعاون في الأنشطة المتعلقة بذلك القطاع مع قوى متقدمة تكنولوجيًا مثل اليابان، وإسرائيل، وتايوان، والاتحاد الأوروبي، لكن هذه الأنشطة ستواجه تدقيقًا متزايدًا بسبب المخاوف المتعلقة بالاستثمار والتجسس الصناعي الصيني.

بكين تستعد لمواجهة ظروف صعبة
ولأن الحرب التجارية الممتدة تهدّد الاقتصاد في المناطق الساحلية للصين (ومن ثم الاستقرار الاجتماعي)، سوف تخفف بكين من لوائحها التنظيمية الصارمة المُصممة لاحتواء الديون وحماية البيئة أثناء تحديث البنية التحتية، وتوفير الائتمان وتقديم دعم مباشر لتعزيز النمو، وكذلك سوف تدير الصين بعناية قيمة اليوان لتخفيف الضرر على الصادرات؛ ما يسمح لها بالتعامل مع النمو المنخفض. لكن تراكم الدين وهشاشة سوق الإسكان سيحدّان من قدرة بكين على استخدام تدفقات ائتمانية ضخمة وتخفيضات حادة في قيمة العُملة كوسيلة لتحفيز الاقتصاد.

وأيضًا سوف تشجع بكين الاستخدام المتزايد لليوان في مقايضات العملة وفي التجارة مع الدول المشتركة في مبادرة الحزام والطريق للحد من تقلبات العملة، ومن أجل الحفاظ على التحوط في مواجهة الضغط التجاري الأمريكي، ستواصل بكين اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية، مثل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في منطقة المحيط الهندي-الهادئ، والمفاوضات الثلاثية مع اليابان وكوريا الجنوبية، كل هذا أثناء إقامة روابط مع أسواق التصدير الجديدة على طول الحزام والطريق وفي أفريقيا.

في الوقت نفسه، ستكون الاقتصادات الناشئة في جنوب شرق آسيا مستعدة لاجتذاب أية مصانع تغير مكانها بعيدًا عن الصين وسط الحرب التجارية، فيما قد تقدم التهديدات لسلسلة الإمداد الإقليمية الكلية والتقلبات المالية الخارجية تحديات للبلدان ذات الدين الأعلى أو العجز في الحسابات الجارية، مثل ماليزيا، وإندونيسيا والفلبين.

منافسة القوى العظمى في منطقة آسيا-المحيط الهادئ
وبينما تحاول تفتيت بنية التحالف الإقليمي الأمريكي، ستواصل الصين امتدادها الاسترضائي إلى اليابان، والهند، والدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) عن طريق تفضيل جهود حل النزاع والشراكات الاقتصادية أثناء القيام بمبادرات تجاه أستراليا، حيث قد تعزز انتخابات أبريل بعض التقارب.

في الوقت نفسه، ستعزز واشنطن تواجدها البحري في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وتتحدى مبدأ الصين الواحدة عن طريق تعزيز وضع تايبيه في الاتحادات الدولية وتنظيم مبيعات الأسلحة، والدوريات البحرية والزيارات رفيعة المستوى.

ردًا على هذا، سوف تتبنى الصين مواقف بحرية وجوية أكثر صرامة لتأكيد مطالبها الإقليمية، ما يزيد من فرص الحوادث التي تشمل الجيش الأمريكي، بينما تفكر الولايات المتحدة في إنشاء ميناء توقف بحري في تايوان – وهو حدث من شأنه أن يثير ردًا عسكريًا صينيًا مباشرًا، وسوف تزيد اليابان والهند وأستراليا التعاون الأمني مع واشنطن، لكنهم سيحجمون عن الانضمام إلى عمليات حرية الملاحة الأمريكية في بحر الصين الجنوبي أو الدوريات في مضيق تايوان. وفي أماكن أخرى بالمنطقة، سوف تُعيق التدريبات العسكرية بين أمريكا وآسيان والتعاون الدفاعي الأمريكي- الفيتنامي الجهود الصينية للحد من التوسع الإقليمي للنفوذ الأمريكي.

إجماع مهترئ على كوريا الشمالية
تنوي الولايات المتحدة الحصول على تنازلات حقيقية من كوريا الشمالية في 2019، فيما تأمل بيونج يانج في هذا العام أيضًا أن تحقق أقصى استفادة من رئاسة ترامب قبل أن تصبح الولايات المتحدة منشغلة بانتخاباتها، ونظرًا للمخاطر المرتفعة الواضحة للحرب المفتوحة، لن يفسد أي منهما الحوار عمدًا.

سوف تعرض كوريا الشمالية بعناية تعهدات حقيقية لكنها ستتوقع تقدمًا ملموسًا في رفع العقوبات أو في التوصل لاتفاقية سلام؛ على مدار العملية، سوف تشوش وتماطل متى أمكنها، كما سوف تُصر بيونج يانج أيضًا على ضمانات بأن أي اتفاق ثنائي سيكون له سلطة مستمرة بعد الإدارة الحالية.

وبالنسبة إلى الوقت الحالي، ستسمح قوة الفيتو التي تحظى بها واشنطن في مجلس الأمن لها بمنع أية جهود لإبطال الإجراءات متعددة الأطراف، في الوقت الذي تضغط فيه الصين وروسيا على المجتمع الدولي لمكافأة كوريا الشمالية على تعاونها.

في الوقت نفسه، سوف تضغط الولايات المتحدة على الآخرين لكي يوافقوا على العقوبات عبر فضح المتجاوزين والتهديد بعقوبات ثانوية ضد أولئك الذين يتعاملون مع بيونج يانج. وما يزيد الأمور تعقيدًا، الانفراجة في العلاقات ما بين الكوريتين تصل إلى النقطة التي لا يمكن تجاوزها بدون استثناءات من العقوبات، وهو شيء ستوافق عليه الولايات المتحدة فقط بعد تفكير متأنٍّ.

إن التباين المتزايد بين وتيرة حوار الكوريتين ووتيرة المباحثات الأمريكية – الكورية الشمالية سيترك مساحة للصين لكي تمد نفوذها في شبه القارة الكورية، بينما ستحدث تقلبات بين الإنجازات والإخفاقات على مدار العام، ستحافظ كوريا الشمالية بنهاية 2019 على امتلاك العديد من عناصر برنامجها النووي الذي حصلت عليه بشق الأنفس.

المضي قدمًا في مبادرة الحزام والطريق
في ظل تعرض وصولها للأسواق الأمريكية للضغط، ستضاعف بكين جهودها للعثور على أسواق تصدير جديدة وشركاء جدد من خلال مبادرة الحزام والطريق، وستعمل واشنطن بشكل رئيس مع اليابان وأستراليا من أجل تقديم استثمارات بنية تحتية بديلة لمواجهة طموحات الصين في منطقة المحيط الهندي –الهادئ.

غير أن بكين ستخفف من حدة مخاوف الشركاء المحتملين بخصوص الاستدامة المالية، والنفوذ السياسي وتهديدات الأمن القومي عن طريق جذب أطراف ثالثة مستثمرة، كما ستعمل أيضًا على تقويض مبادرات واشنطن الإقليمية عن طريق تنفيذ مشروعات مشتركة مع قوى متوسطة، من ضمنها اليابان، والاتحاد الأوروبي والهند.

صحوة يابانية
لكونه آمنًا في منصبه حتى 2021، سيهدف رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى تمرير إصلاحات دستورية قبل نهاية 2019 مع موازنة التأثيرات الاقتصادية لارتفاع ضريبة الاستهلاك من خلال الإنفاق على الأشغال العامة، وتقديم حوافز لاستثمارات القطاع الخاص والإعفاءات الضريبية على منتجات معينة، وعلى الرغم من أن روسيا واليابان سيواصلان التفاوض على جزر الكوريل المتنازع عليها، بيد أن المواجهة الأكبر بين موسكو والغرب ستُحبط أية آمال للتوصل إلى اتفاق.

في الوقت نفسه، ستضمن طوكيو التنازلات التي ستهدئ جزئيًا مخاوف واشنطن التجارية، مادام المسعى الأمريكي للوصول الزراعي لا يتجاوز الحدود الموضحة في اتفاق الشراكة الشاملة والتدريجية عبر المحيط الهادئ والاتفاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي واليابان.
وإذا ضغطت واشنطن أكثر، ستشهد طوكيو رد فعل عنيف من اللوبي الزراعي القوي، على الرغم من أنها ستقيس إذا كان ينبغي التضحية بقطاعها الزراعي لتجنب الرسوم الجمركية الأمريكية على قطاع السيارات الحيوي، وبعيدًا عن ذلك، ستقاوم طوكيو أيضًا المحاولات الأمريكية للتضييق على أي اتفاق تجاري ياباني مستقبلي مع الصين.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا