الجارديان | كيف يمكن إنشاء اقتصاد نموذجي.. دروس من دول العالم

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

في العديد من الإصلاحات الاقتصادية الأكثر نجاحًا في التاريخ، تعلمت الدول الذكية من نجاحات سياسات الآخرين، وتكييفها مع الظروف المحلية. وطوال تاريخ التنمية الاقتصادية الطويل، فقد تعلمت بريطانيا في القرن الثامن عشر من هولندا. في أوائل القرن التاسع عشر ، تعلمت بروسيا من بريطانيا وفرنسا. وفي منتصف القرن التاسع عشر، تعلمت اليابان– في فترة حكم مييجي– من ألمانيا. وبعد الحرب العالمية الثانية تعلمت أوروبا من الولايات المتحدة. وتعلمت الصين– في فترة حكم دنج شياو بينج– من اليابان.

ومن خلال عملية الاستعارة المؤسسية والتكيف الإبداعي، تنتشر المؤسسات الاقتصادية الناجحة والتقنيات المتطورة في أنحاء العالم ، وبالتالي تعزز النمو العالمي. واليوم أيضًا ، هناك بعض الفرص العظيمة لهذا النوع من "المراجحة السياسية"، حيث أعطت الدول لنفسها الوقت الكافي للتعلم من نجاحات الدول الأخرى.

على سبيل المثال، في وقت تواجه دول عديدة أزمة وظائف، فإن جزءًا واحدًا فقط من العالم الرأسمالي لا يزال على ما يرام: وهو شمال أوروبا، بما في ذلك ألمانيا وهولندا والدول الإسكندنافية. ففي صيف هذا العام كان معدل البطالة في ألمانيا نحو 5.5 %، وكان معدل البطالة بين شبابها نحو 8 % – وهو معدل منخفض بشكل ملحوظ مقارنة بالعديد من الدول الأخرى ذات الدخل المرتفع.

ولكن كيف تسنى لدول شمال أوروبا أن تفعل هذا؟
إن كل هذه الدول تستخدم سياسات سوق العمل النشطة، بما في ذلك ساعات العمل المرنة، وتدريب الطلاب أثناء الدراسة وفقًا لاحتياجات سوق العمل (خصوصًا في ألمانيا)، والتدريب المكثف على رأس العمل، والمطابقة بين المهارات واحتياجات سوق العمل.

على نحو مماثل، وفي عصر من أزمات الموازنة المزمنة، تدير ألمانيا والسويد وسويسرا ميزانيات تكاد تكون متوازنة تمامًا. وتعتمد الدول الثلاث على قواعد الميزانية التي تدعو إلى توازن معدل دورياً للموازنة. وكل منها تتخذ تدبيرًا احتياطيًّا أساسيًّا لإبقاء إنفاقها على الاستحقاقات تحت السيطرة: تحديد سن تقاعد ألا يقل عن 65 عامًا. وهذا من شأنه أن يبقي التكاليف عند مستوى أقل كثيرًا مقارنة بفرنسا واليونان على سبيل المثال، حيث سن التقاعد ستين عامًا أو أقل، وحيث يرتفع الإنفاق على معاشات التقاعد نتيجة لهذا.

وفي عصر يتسم بارتفاع تكاليف الرعاية الصيحة، فإن أغلب الدول ذات الدخل المرتفع– كندا، والاقتصادات الغربية في الاتحاد الأوروبي، واليابان– تتمكن من إبقاء إجمالي تكاليف الرعاية الصحية عند مستوى أدنى من 12 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبنتائج صحية ممتازة، في حين تنفق الولايات المتحدة ما يقرب من 18 % من الناتج المحلي الإجمالي، ورغم ذلك بنتائج صحية متواضعة إلى حد كبير. والنظام الصحي الأمريكي هو الوحيد الساعي إلى تحقيق الربح بين أفراد المجموعة بالكامل. ووفقًا لتقرير جديد صادر عن المعهد الأمريكي للطب فإن النظام الأمريكي الساعي إلى تحقيق الربح يبدد ما يقرب من 750 مليار دولار، أو 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب إهدار الموارد والاحتيال والازدواجية والبيروقراطية.

وفي عصر يتسم بارتفاع تكاليف النفط إلى عنان السماء، فإن قِلة من الدول نجحت في تحقيق فارق حقيقي في كفاءة الطاقة. ففي المتوسط تستخدم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 160 كجم من الطاقة المعادلة للنفط عن كل ألف دولار من الناتج المحلي الإجمالي (بعد التعديل وفقًا لمعادل القوة الشرائية). ولكن في سويسرا التي تتسم بكفاءة استخدام الطاقة، لا يتجاوز استخدام الطاقة 100 كجم عن كل ألف دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الدنمارك لا يتجاوز 110 كجم، مقارنة بنحو 190 كجم في الولايات المتحدة.

وفي عصر تغير المناخ، تستعرض العديد من الدول كيفية الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. ففي المتوسط، تطلق الدول الغنية نحو 2.3 كجم من ثاني أكسيد الكربون عن كل كيلوجرام من الوحدة المعادلة للنفط من الطاقة. ولكن فرنسا تطلق 1.4 كجم فقط من ثاني أكسيد الكربون، وذلك بسبب نجاحها الهائل في نشر الطاقة النووية الآمنة والمنخفضة التكاليف.

وفي السويد، حيث الطاقة الكهرومائية، ينخفض الرقم إلى 0.9 كجم فقط. وفي حين بدأت ألمانيا في التخلي عن الإنتاج المحلي من الطاقة النووية لأسباب سياسية، فبوسعنا أن نراهن على استمرارها رغم ذلك في استيراد الطاقة من محطات الطاقة النووية في فرنسا.

وفي عصر المنافسة التكنولوجية القوية، تتفوق الدول التي تجمع بين تمويل مشاريع البحث والتطوير من القطاعين العام والخاص على بقية الدول. وتظل الولايات المتحدة على تفوقها، مع تحقيق تقدم هائل في استكشاف المريخ وعلوم الجينوم. ومن ناحية أخرى، تتفوق السويد وكوريا الجنوبية اقتصاديًّا على أساس الإنفاق على البحث والتطوير بما يعادل 3.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغ الإنفاق على البحث والتطوير في إسرائيل 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي عصر يتسم بارتفاع معدلات التفاوت بين الناس، فعلى الأقل نجحت بعض الدول في تضييق فجوات الثروة والدخل. وأضحت البرازيل من أحدث الرواد في هذا المجال، فقد نجحت بشكل ملحوظ في توسيع التعليم العام، وهاجمت بشكل منهجي الجيوب المتبقية من الفقر عبر برامج التحويلات المستهدفة. ونتيجة لهذا، تتضاءل فجوة التفاوت في الدخول في البرازيل.

وفي عصر يتفشى فيه والقلق، تطرح مملكة بوتان أسئلة عميقة حول معنى وطبيعة السعادة ذاتها. ففي بحثها عن مجتمع أكثر توازنًا ويجمع بين الرخاء الاقتصادي والتماسك الاجتماعي والاستدامة البيئية، تسعى مملكة بوتان إلى تحقيق السعادة الوطنية الإجمالية وليس الناتج الوطني الإجمالي. والآن تحاول دول عديدة – ومن ضمنها المملكة المتحدة- الاقتداء بمثال مملكة بوتان في استقصاء آراء مواطنيها حول الرضا عن الحياة.

وتأتي الدنمارك وفنلندا والنرويج على أعلى درجات سلم الرضا عن الحياة. ورغم هذا فإن الأمل قائم بالنسبة للدول التي لا تزال عند أدنى درجات السلم أيضًا. وتحتل كوستاريكا الاستوائية أيضًا مرتبة قريبة من قمة رابطة السعادة. ولا يسعنا إلا أن نقول إن كل الدول الأكثر سعادة تؤكد على المساواة والتضامن والمساءلة الديمقراطية والاستدامة البيئية والمؤسسات العامة القوية.

إذن، يمكن أن نحقق نظامًا اقتصاديًّا نموذجيًّا: سياسات سوق العمل الألمانية، ومعاشات التقاعد السويدية، والطاقة الفرنسية المنخفضة الكربون، والرعاية الصحية الكندية، وكفاءة استخدام الطاقة السويسرية، والفضول العلمي الأمريكي، وبرامج مكافحة الفقر البرازيلية، والسعادة الاستوائية في كوستاريكا.

وبالطبع، وبالعودة إلى العالم الحقيقي، لن تتمكن أغلب الدول من تحقيق مثل هذا النعيم في أي وقت قريب. ولكن عندما نفتح أعيننا ونرى النجاحات الاقتصادية في الخارج، فمن المؤكد أننا سوف نعجل مسار تحسين الأحوال الوطنية في دول العالم.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا