OILPRICE | اقتصادياً وسياسياً.. ما مدى أهمية اكتشافات الغاز الأخيرة فى مصر؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

تشهد حاليًا منطقة شرق المتوسط, وهي واحدة من المناطق الأكثر إنتاجًا للغاز في العالم, نشاطًا مرتفعًا للغاية، فبالإضافة إلى نجاح مصر في حقل ظهر العملاق، والمشروعات الحالية في إسرائيل وقبرص ولبنان, تتشكل المنطقة لتصبح مُصدِّرًا مهمًا للغاز الطبيعي المُسال، وخلال السنوات القليلة الماضية, كانت المباحثات تركز بشكل رئيس على الحاجة لاستراتيجية تصدير غاز ثلاثية, والتي تشمل إسرائيل وقبرص ومُنتج الغاز الصاعد مصر.

ومن أجل إمداد أسواق الغاز الطبيعي المُسال الأوروبية أو الدولية, سيجعل المزيج التجاري لكميات الغاز كل الأطراف أكثر جاذبية لتنمية وإنتاج احتياطيات الغاز البحري. حتى الأسبوع الماضي, كانت استراتيجية تصدير الغاز الطبيعي المُسال الثلاثية الكاملة هي الخيار المتاح الوحيد. كانت المباحثات حول خطوط أنابيب غاز في المياه العميقة من قبرص, وخط أنابيب غاز بري من إسرائيل, وإنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المُسال في مصر تهدف إلى جلب حجم غاز كاف إلى نقطة مركزية؛ لجعل إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المُسال مُجدٍ اقتصاديًّا.

وقد جرى توقيع عدد ضخم من الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف في الشهور القليلة الماضية، هذا النهج الإقليمي قد يتعرض الآن لضغط شديد إذا جرى تصديق الشائعات المستمرة في الصحافة المصرية.

  قد تمنح مصر  أولوية ثانوية لجهود التصدير المنسقة مع جيرانها، وقد أشارت مصادر إعلامية مصرية, مدعومة من وزير البترول المصري السابق أسامة كمال, إلى أن شركة إيني الإيطالية ستبدأ من شهر أغسطس تطوير حقل نور البحري. ومن المقرر أن يحتفظ هذا الحقل باحتياطيات محتملة تبلغ حوالي 90 تريليون قدم مكعب, وهو ثلاثة أضعاف حجم حقل ظهر، وصرّح كمال للصحافة أن إيني بصدد إعلان اكتشاف غاز ضخم آخر, والذي من الممكن أن يكون أكبر من حقل ظهر بثلاث مرات.

وفي حوار تليفزيوني, قال كمال: "إذا تتذكرون منذ شهرين قلنا إن المزيد من الاكتشافات ستتوالى في المنطقة. ومن المأمول أن يعلن الرئيس ووزير البترول هذه الأخبار السارة في غضون أيام قليلة."

وألمحت مصادر في وزارة البترول المصرية إلى أن احتياطيات حقل نور قد تفوق 90 تريليون قدم مكعب. وتأتي هذه الأخبار في نفس الوقت الذي صرح وزير البترول المصري طارق الملا بأن مصر قد توقف استيراد الغاز الطبيعي المُسال خلال الشهور المقبلة، هذا يتوقف بشكل كبير على النجاح الكلي لمشروعات الغاز المصرية البحرية والبرية, مثل ظهر، ومن المتوقع أيضًا أن تدخل مشروعات الغاز الأخرى حيز التنفيذ قريباً، وفي ظل الزيادة المتوقعة في صادرات الغاز, مصحوبة باهتمام دولي متزايد بالنفط والغاز  تتجه الدولة إلى الانتعاش. وستتحسن ميزانية الدولة أيضًا بصورة كبيرة, حيث تحصل على هدية إضافية محتملة في 2019 إذا تم رفع كل الدعم على البنزين.

وقد بدأ الحفر فى حقل نور نهاية أغسطس. هذا المشروع مشروع مشترك بين إيني وشركة الثروة للبترول، يجري حاليًا إتمام مسح زلزالي ثلاثي الأبعاد، ويقع الحقل المستهدف في منطقة شروق البحرية بشمال سيناء. وقد قال المدير التنفيذي لشركة إيني كلاديو ديسكالزي: إن شركته تسعى لاستثمار 3 مليارات دولار في مصر خلال الفترة المقبلة.

ووفقًا لإيني, استثمر الإيطاليون بالفعل حوالي 8,4 مليار دولار في حقلي نورس وظهر. من المتوقع أن يصل إنتاج ظهر إلى 1,75 مليار قدم مكعب, بينما من المستهدف أن يصل الإنتاج إلى 2 مليار قدم مكعب في العام، ويبلغ حاليًا إنتاج الغاز في حقل نورس حوالي 1,2 مليار قدم مكعب في اليوم. وسوف تحصل مصر أيضًا على كميات غاز إضافية من حقلي تورس وليبرا في غرب الدلتا.  

غير أن هذا النجاح الذي تحققه مصر يُسبب إزعاجًا كبيرًا في أماكن أخرى، ففي الأعوام الماضية, كانت إسرائيل وقبرص تستثمران الكثير في التعاون مع مصر، وبسبب التكاليف شديدة الارتفاع لخطوط أنابيب الغاز في المياه العميقة إلى أوروبا أو تركيا, كانت الاثنتان تتطلعان إلى السوق المصرية المحلية كمنفذ. ومع اكتشاف حقل ظهر, تحول بعض التركيز إلى الحصول على محطات تسييل الغاز الطبيعي المعطلة الموجودة بمصر في دلتا النيل كخيار جذاب تجاريًّا لتحويل جزء من اكتشافاتهما إلى نقود. ومع الاكتشاف الجديد لحقل نور البحري, ربما لن تعود هناك حاجة لأن تتعاون القاهرة مع الدولتين الأخريين، وإذا أصبح نور وظهر حقيقة, سوف يُغطى الطلب المحلي المصري مع وجود احتياطيات كافية لاستراتيجية تصدير غاز طبيعي مُسال قابلة للتطبيق وجاذبة تجاريًّا لمصر بمفردها.

لقد وضعت الأسواق المالية في إسرائيل وقبرص هذا في الحسبان، فيما تفيد وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن أسهم الطاقة في بورصة تل أبيب هبطت بعد أن ظهرت الشائعات المصرية على الصفحات الأولى. وسوف يقلص حقل نور المُكتشف من حجم حقول ليفياثان وتمار الإسرائيلية، ربما لن تعود هناك حاجة للإمدادات الإسرائيلية-القبرصية. وإذا تحققت التصريحات المصرية, ستحتاج الجدوى التجارية لعدة مشروعات إلى إعادة تقييم. إن مستقبل "ديليك جروب" أو "إسرامكو" لا يبدو مشرقًا.

مع هذا, لم ينته كل شيء، فلا يزال الشركاء المصريون والإسرائيليون يبحثون عن توصيل الغاز الطبيعي الإسرائيلي عبر خط أنابيب إلى مصر، ولا تزال ديليك للتنقيب ونوبل إنرجي, وكلاهما شركاء في حقل ليفياثان البحري الإسرائيلي, تخوضان مباحثات مع شركة دولفينوس المصرية حول خط أنابيب شركة غاز شرق المتوسط، فيما يحاول الإسرائيليون في الوقت الحالي الحصول على حقوق استخدام خط أنابيب شركة غاز شرق المتوسط بين البلدين, وهو ما يحتاجونه لتفعيل صفقة إمداد بالغاز الطبيعي بقيمة 15 مليار دولار مع دولفينوس. شركة غاز شرق المتوسط مملوكة حاليًا لرجل الأعمال الإسرائيلي جوزيف مايمان, ومستثمرين مصريين, وأمريكيين وتايلانديين. كان خط أنابيب شركة غاز المتوسط جزءًا من خطة رئيسية تحت رئاسة مبارك في 2005 لتوصيل الغاز المصري إلى إسرائيل. والمباحثات الحالية ما هي إلا تجديد جزئي للاتفاق القديم.

وإذا كانت مصر تقع بطريقة ما فوق احتياطات غاز ضخمة, قد يُجبَر الإسرائيليون على تنويع قاعدة عملائهم. وبالنظر إلى المنطقة, الأردن عميل بالفعل, حيث وقع شركاء ليفياثان صفقة غاز بقيمة 10 مليارات دولار لمدة 15 سنة مع الأردن في 2016. بالإضافة إلى الأردن, الخيار الآخر الوحيد حاليًا هو إنشاء محطة تسييل غاز طبيعي إسرائيلية, لكن التكاليف قد تكون صاعقة.

ومع ذلك، قد تكون للقاهرة مصالح جيوسياسية إضافية. وبالنظر إلى التعاون الاقتصادى- السياسى المتنامى بين القاهرة والرياض، قد يصبح الغاز الإسرائيلى محل اهتمام إذ لم تتم بعد تلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعى فى السعودية، وفى الوقت نفسه الاستقرار فى المنطقة مطلوب وقد يصبح الغاز مادة مهمة للتعاون. وإلى جانب ذلك، سيحتاج مشروع مدينة المستقبل «نيوم» السعودى، إلى منفذ لمصادر الطاقة التقليدية، حيث إنه مشروع عملاق. ومرة أخرى، قد تصبح صادرات إسرائيل من الغاز، التى تعيقها الآن الاكتشافات المصرية الناجحة، العسل المطلوب للسماح لمصر والسعودية بتنفيذ مشروع «نيوم» وبناء الجسر فى مضيق تيران. ولم يعلن عن الحكم بعد، وبالتأكيد ستلعب الاعتبارات السياسة دورًا. ولكن، قد تلعب الهيدروكربونات الآن دورًا محافظًا على استقرار المنطقة على النقيض من دورها التاريخى فى إثارة الحروب.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا