frontpagemag | لماذا يجب التحقيق في تواطؤ صحيفة واشنطن بوست مع قطر؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

بينما كانت حكومة نيوزيلاندا تدين نظام أردغان لاستخدامه صور الهجوم على المسجد في تجمعاته الانتخابية، قررت صحيفة "واشنطن بوست" منح هذا الطاغية الإسلامي منبرًا للحديث. وهذه هي المرة الثانية في ستة أشهر التي تمنح فيها "واشنطن بوست" أردوغان منبرًا إعلاميًا.

إن رجب طيب أردوغان لديه سجون مليئة بالمعارضين السياسيين، وقد أخرس وسائل الإعلام وعذّب معارضيه. كما وُصف نظامه الإسلامي الوحشي بأنه أكبر سجّان للصحفيين في العالم، وتشير تقديرات إلى أن ثلث الصحفيين المسجونين في العالم يقبعون في سجون هذا النظام.
لكن هذا لم يمنع "واشنطن بوست" من منح الرجل الذي سجن مئات الصحفيين منبرًا للحديث عن الموت الغامض لهذا العميل القطري والكاتب في صحيفة واشنطن بوست: جمال خاشقجي.

لا تكتفي صحيفة الواشنطن بوست بالترويج المتعمّد للإسلاميين وقضاياهم فحسب، كما تفعل في أحيان كثيرة، لكنها تقدّم منبرًا لبعض أبشع الإسلاميين. وهؤلاء الإسلاميون متحالفون دومًا مع المحور القطري – التركي – الإيراني ومع الإخوان المسلمين.

إن قرار الصحيفة بتقديم منبر لجمال خاشقجي، صديق أسامة بن لادن القديم، من أجل الترويج للمصالح القطرية، بداية من دعم الإخوان المسلمين والهجوم على منافسيها السعوديين، ثم قرارها بتحويل موته إلى حملة شرسة، هو جزء من صورة أكبر من التواطؤ بين واشنطن بوست ومحور قطر الإسلاموي.

كان خاشقجي عميلاً مؤيدًا لقطر، وكانت مقالاته، وفقا لما أقرّت به واشنطن بوست مُجبرة، خاضعة لتأثير "مؤسسة قطر". إذ اقترحت هذه المؤسسة، وهي ذراع للنظام القطري، مواضيع وصاغتها وترجمت مقالاته. لم يكن جمال خاشقجي صحفيًا، بل كان واجهة لقطر لزرع مقالات رأي تهاجم السعودية وتروّج للإخوان المسلمين في الواشنطن بوست.

في العام الماضي، تعرضت "واشنطن بوست" لانتقادات بسبب نشرها مقال رأي لـ "محمد علي الحوثي"، زعيم الجهاديين الحوثيين في اليمن، الذين يرفعون شعار "الموت  لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، والنصر للإسلام".  هذه الجماعة المدعومة من إيران، وقد شنّت هجومًا على المدمّرة الأمريكية "USS Mason".

عقب الهجوم، نوّه قائد هذه المدمّرة إلى أن "تحركات المدمّرة (USS Mason) حمت ألف بحار أمريكي على سفن حربية، وعددًا لا يُحصى من البحّارة الموجودين على سفن تجارية"، وما لم يستطع الحوثيون تحقيقه بالأسلحة الموجّهة بالطاقة الحركية، سعى حلفاؤهم القطريون والإيرانيون لتحقيقه مستخدمين أداة "الواشنطن بوست".

إن مقالة الرأي تلك لم تكن سوى رأس جبل جليد أكبر حجمًا، إذ تنشر وسائل الإعلام دعاية قطرية وإيرانية مزوّرة تزعم أن الحملة ضد الحوثيين تسببت في وقوع حالات قتل جماعي في اليمن.

لقد ضخّمت واشنطن بوست من حجم الدعاية الإسلامية عبر نشر عناوين مثل "نحو 8500 طفل ماتوا جوعًا" و"طفح الكيل: فلتوقفوا الحرب في اليمن"؛ ما دفع لإقرار مجلس الشيوخ قرارات تطلب من الولايات المتحدة ترك اليمن للحوثيين، والسماح لإيران بالسيطرة على منطقة إستراتيجية حيوية.

لقد ضخّت وسائل الإعلام سيلاً من المزاعم المزيّفة التي تفيد بأن التدخل السعودي، وليس سرقات الحوثيين، هو الذي تسبب في حدوث هذه المجاعة. ظهرت الحقيقة في تقرير استقصائي لوكالة "اسوشيتيد برس" كشف أن كميات كبيرة من الطعام تدخل البلاد، لكن الحوثيين حوّلوها لصالح جهادييهم، أو أن هذه الجماعة الشيعية الإرهابية أعادت بيعها لتمويل حربها. هذه هي الأساليب ذاتها التي استخدمتها بنجاح حركة حماس، وهي جماعة إرهابية إسلامية أخرى مدعومة إيران، بينما ألقت وسائل الإعلام باللوم زورًا على إسرائيل.

لقد اصطُنِعت مجاعة اليمن لأهداف تكتيكية من جانب الحوثيين الذين تربّحوا من سرقة الطعام، بينما استخدموا الأزمة الإنسانية لوضع حدّ للحملة السعودية/الأمريكية عليهم. كلما سرقوا المزيد من الطعام، جنوا المزيد من المال، وزاد عدد الموتي، وزادت وتيرة الحملة الدعائية التي تروّج لها أبواق الإسلاميين مثل: "واشنطن بوست" والداعية لترك الحوثيين لحالهم.

بالرغم من المعلومات التي كُشف عنها في تقرير "أسوشيتيد برس"، واصلت واشنطن بوست الترويج لدعاية الإسلاميين بوجود مجاعة، وواصل أعضاء في مجلس الشيوخ الاعتماد على تقاريرها لتقويض حرب الولايات المتحدة ضد إيران.

لقد نُشرت مقالات أردوغان والحوثي وجمال خاشقجي في قسم "آراء عالمية" في الصحيفة. يحمل هذا القسم عنوانًا بارزًا جدًّا باسم "آراء واشنطن بوست بالعربية". إن قسم الآراء العالمية في صحيفة "واشنطن بوست" لا يروّج لمقالات مترجمة لأي لغات أجنبية أخرى. وهدفه ليس فقط التأثير على سياسات الشرق الأوسط، لا ينشر هذا القسم مقالات رأي باللغة الفارسية والتركية أو حتى العبرية؛ إذ إن هدفه، مثل هدف قطر، هو العالم العربي.

إن قسم الآراء العالمية بالصحفية هو بالفعل مزيج من مقالات تروّج لأجندات المحور الإسلاموي، وتهاجم إجراءات مكافحة الإرهاب الصينية في إقليم "شينغ جيانغ" وقرار ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هضة الجولان ومحاربة ميانمار للإرهاب الإسلامي، وتدافع عن حكومة بغداد العميلة لإيران، وتنتقد دعم ترمب للسعوديين ضد قطر وظاهرة "الإسلامفوبيا" في فرنسا، فضلا عن انتقاد "تعصب" ترامب الأعمى ضد المسلمين.

لكن مقالات الرأي العربية تتميز بأنها أكثر رتابة، مثل الدعاية القطرية، وهي تركّز على مهاجمة السعودية والرئيس المصري "السيسي"؛ وهو حليف للسعودية ومعارض لحلفاء قطر من الإخوان المسلمين.

لا توجد مقالات رأي مُنتقدة لقطر. لكن هناك مقالة ناقدة للحكومة التونسية كتبها "فاضل علي رضا". يكتب "فاضل" غالبًا مقالات في صحيفة "ميدل إيست آي" المدعومة من قطر. تُوصف صحيفة "ميدل إيست آي" بأنها الوسيلة الإعلامية الثانية لقطر. في حين تعتبر "واشنطن بوست" هي وسيلة قطر الإعلامية الثالثة. وهذه ليست مبالغة.

فالعديد من عناوين "واشنطن بوست" تبدو وكأنها دعاية قطرية؛ إذ يصرخ عنوان عمود رأي كتبه "فريد هيات" بما يلي: "الصين وضعت مليون مسلم في معسكرات اعتقال، ومحمد بن سلمان لم يقل شيئًا".
 
ما علاقة السعودية بالصين؟ ما من علاقة بين الطرفن. لقد تجنّبت معظم الدول الإسلامية، باستثناء دول المحور الإسلاموي، إغضاب الصين. إن استهداف "محمد بن سلمان" دون غيره لا يُقصد به الأمريكيون؛ وإنما هو رسالة موجّهة للجماهير العربية في خضم صراع بين قطر والسعودية.

ولا شك أن العديد من أعمدة الرأي في واشنطن بوست باتت اليوم تشبه ما يكتبه "فريد هيات"، وهي مكتوبة بالإنجليزية وتستهدف نخبًا عربية ومسلمة تعمل في واشنطن وعواصم أجنبية. هناك تاريخ طويل لاستخدام الدول النفطية الغنية لعملاء تأثير لنشر دعاية في واشنطن، بيد أن هذه المرة الأولى التي نجحت فيها هذه الدول في تحويل أبرز صحيفة في واشنطن إلى بوق دعاية لها.  

خاطب " فريد هيات" أي شخص يتلقى أموالاً سعودية، متسائلاً باستنكار: "هل بإمكاني العمل لحساب نظام كهذا، ثم تكون لدي القدرة على النظر لنفسي في المرآة كل صباح؟". في غضون ذلك، وفي برنامج على محطة "بي بي إس"، قال "هيات" غاضبًا: إن السعوديين يضرون بالمصالح الأمريكية، مضيفًا: "كل شيء فعله ولي العهد المتهور هذا البالغ من العمر 33 عامًا، أضر بالمصالح الأمريكية. فقد شنّ هذه الحرب في اليمن، والتي تحوّلت إلى كارثة، وقطع العلاقات مع قطر، وهي حليف أمريكي. وهذا مُضرّ بالمصالح الأمريكية". إن كل ما ذكره "فريد هيات" لا يضرّ بمصالح أمريكا، بل بمصالح قطر.

إن الخلط بين مصالحنا ومصالح قطر هو الشيء الذي تفعله جهة ضاغطة تابعة لقطر.

تتظاهر "واشنطن بوست" أنها تقدم لقرّائها وجهات نظر عالمية. وعوضًا عن هذا، هي تقدم لهم دعاية من أنظمة ومنظمات إرهابية أجنبية منخرطة في حروب علنية وسريّة مع الولايات المتحدة، وهذا الأمر يمثل مشكلة حتى لو كان جمهور واشنطن بوست المستهدف ليس زعماء بلدنا.

لقد تولّت "واشنطن بوست" دور الريادة في الترويج لروايات التواطؤ الأجنبي، لكن لو كانت حفنة من الحسابات الآلية الروسية على فيسبوك تمثل كما يُزعم خطرًا هائلاً على الديمقراطية، فأي نوع من التهديد على بلدنا يمثله وجود عملاء تأثير في صحيفة يقرأها أكثر الشخصيات نفوذًا في واشنطن؟  

ما من دليل يشير إلى أن الحسابات الروسية الآلية على فيسبوك أحدثت تأثيرًا ملموسًا. لكن الدعاية الإسلاموية المنشورة على صفحات واشنطن بوست، أثرت على قرارات مجلس الشيوخ بشأن خاشقجي واليمن.

والآن، وبعد فشل جهود واشنطن بوست في الترويج لنظريات مؤامرة بشأن التواطؤ مع روسيا، ربما حان الوقت للتحقيق في تواطؤ هذه الصحيفة مع قطر.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا