فورين بوليسي | لماذا تحتاج كل من إسرائيل وحماس لبعضهما البعض؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في كتابها الرائع A History of God (تاريخ الرب), تفترض كارين أرمسترونج أن السبب الذي يجعل الناس يؤمنون بالرب هو أن الرب “يعمل لصالحهم.” هذا يعني إنهم مقتنعون بوجود الرب لأن فكرة وجوده تخدم غرضًا نافعًا في حياة البشر. هذه الحُجة النفعية ربما تكون مختبئة تحت طبقة عميقة من الإخلاص الروحي – لكنها قرار براجماتي رغم ذلك.

يعمل نفس المنطق, إلى حد كبير, في تفسير دوافع ومصالح إسرائيل وحماس تجاه أحدهما الآخر. ومثلما يثبت صراع غزة الحالي مرة أخرى, هذان الفاعلان يحتاجان بعضهما البعض.

هذا لا يعني إنكار العداوة التي تميز العلاقات بين حماس وإسرائيل, أو الخطاب الوجودي الذي يقود نبرة الإتهامات العلنية بينهما. من المعقول تمامًا أن نفترض إنه إذا كان لقادة إسرائيل وحماس أمنية واحدة, ستكون تدمير الطرف الآخر. لكن في العالم العملي للسياسة الإسرائيلية-الفلسطينية, التخلص من أحدهما الآخر لا يمكن تحقيقه – وربما حتى ليس مرغوب فيه. في الواقع, ولإنه ليس خيارًا, لم تتكيف إسرائيل وحماس مع وجود أحدهما الآخر وحسب, بل حاولا إيجاد طريقة لتحقيق أقصى استفادة من أحدهما الآخر.

يعود الرابط بين إسرائيل وحماس إلى بداية التنظيم الإسلاموي الفلسطيني. لم تخلق إسرائيل حماس في 1987, لكن في جهد لمواجهة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية الأكثر علمانية في السبعينيات, منحت مجموعة متنوعة من الجماعات الإسلاموية المساحة السياسية. لقد منحت أيضًا رخصة تشغيل لتنظيم أنشأه مؤسس حماس, أحمد ياسين. وعلى نحو متناقض, اعتمد سبب وجود حماس على وجود إسرائيل – على الرغم من أن هدفها الرئيسي كان تدميرها.

إن واحدة من الطرق للنظر إلى هذا هي كنوع شرق أوسطي من التدمير المؤكد المتبادل. لا يمكن لحماس أن تدمر إسرائيل, وإسرائيل تعلم إنها لا يمكنها إعادة احتلال غزة والقضاء على المنظمة الإسلاموية بثمن يمكنها تحمله. لذلك كل فاعل يستخدم الطرف الآخر لمآربه الخاصة.

بالنسبة إلى إسرائيل, حماس عنوان مناسب لتحقيق لكثير من أهدافها قصيرة المدى. وفي عالم المواجهة العسكرية المحكومة الغريب, عندما تريد وقف إطلاق النار, تذهب إلى حماس, وليس إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس. عندما تريد تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط من الأسر, تذهب إلى حماس, وليس إلى عباس. وعندما تحتاج لتوجيه ضربة ردًا على القتل الوحشي لثلاثة مراهقين إسرائيليين في الضفة الغربية, تشن حملة قمعية مشددة على حماس – سواء أجازت قيادة الحركة هذا العمل أم لا. تُعد حماس هدفًا مناسبًا للهجوم – ولإنها أشادت بخطف الفتيان الثلاثة, فهي تستحقه أيضًا.

ثانيًا, إسرائيل تحتاج حماس في غزة. بالطبع, إنها لا تريد تنظيمًا إرهابيًا مسلحًا يطلق الصواريخ على مدنها ومواطنيها. لكن حماس التي تحافظ على النظام هناك وتوفر حاجز وقائي ضد الجماعات الجهادية الأكثر تطرفًا مفضلة عن الفراغ الفوضوي. في الحقيقة, الصواريخ التي أُطلقت من غزة في 2013 أقل من أي عام مضى منذ 2001. لقد فكرت كثيرًا لماذا لم تستطع القاعدة أبدًا تأسيس فرع لها في غزة, أو تنفيذ أعمال إرهابية في إسرائيل. إن غياب تواجد القاعدة ليس فقط نتيجة للتواجد الأمني الإسرائيلي – إنه بسبب عزم الفلسطينيين على عدم السماح للجهاديين باختطاف قضيتهم.

إن آخر شيء تريده إسرائيل هو الفراغ في غزة. في الواقع, يجادل جيورا أيلاند, الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي, بإنه في مصلحة إسرائيل أن تكون غزة مستقرة, باقتصاد قوي وسلطة مركزية. في واقع الأمر, يجادل أيلاند بأن البنية الشبيهة بالدولة يمكن تحميلها المسئولية في حالة المواجهة: يمكن أن تهاجم إسرائيل البنية التحتية القومية, وليس مجرد مطلقي صواريخ.

ثالثًا, تمثل حماس فزاعة رائعة للإسرائيليين الذين يتطلعون لتجنب التعامل مع أسئلة كيف نجعل حل الدولتين حقيقة. إن خطاب حماس العدائي والمُعادي للسامية يمثل هدية لأتباع جناح اليمين الإسرائيلي, حيث يمدهم بنقاط حوار كثيرة عن لماذا لا يمكن لإسرائيل أن تثق بالفلسطينيين أبدًا.

إن المشكلة التي تفرضها حماس ليست مجرد دعاية يروج لها اليمين الإسرائيلي. الحقيقة هي أن غياب الاحتكار على الاستخدام المنظم للعنف في الأراضي الفلسطينية يفرض تهديدًا منطقيًا على حل الدولتين. هل ما سيفعله الإسرائيليون هو ما يُعتبر تنازلات وجودية لمحمود عباس – القائد الفلسطيني الذي تنقصه القوة لإسكات جميع بنادق وصواريخ فلسطين؟

وأخيرًا, حماس – تحديدًا جناحها العسكري – تزدهر أيضًا بوجود إسرائيل. إن شرعية حماس مستمدة من أيديولوجية واستراتيجية متشربة بالمواجهة والمقاومة. ومهما كانت الأيديولوجية مدمرة للذات, تمثل الحركة لكثير من الفلسطينيين جهدًا لحفظ هويتهم القومية ولمقاومة إسرائيل واحتلالها المتواصل. يمتلك عباس عملية السلام – أو ما تبقى منها – وحملته الدولية لكسب الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. وتمتلك حماس مقاومتها. إنها جزء أساسي من سبب وجودها.

توجد فرصة جيدة لأن تتصاعد المواجهة الإسرائيلية-الفلسطينية, ربما لتشمل غزو بري إسرائيلي. لكن حتى إذا كانت تلك هي الخطة, فإن الاحتمالات لا تصب في صالح نجاح إسرائيل في تفتيت حماس كمنظمة أو إنهاء سيطرتها على غزة. والأكثر ترجيحًا, سوف تشهد مرحلة دموية أخرى في صراع طويل بين طرفين لا يبدوان وإنهما يستطيعان العيش مع بعضهما البعض – أو على ما يبدو بدون بعضهما البعض أيضًا.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا