الصحافة الفرنسية| أوروبا تتعامل بسذاجة مع الشرق الأوسط.. وماكرون لا يزال مخلصًا لفلسفته الأولى

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – محمد شما

النقاش الوطني الكبير.. 7 إجراءات أعلن عنها ماكرون ويجب تذكُّرها

من الضرائب إلى المعاشات التقاعدية، مرورًا بعدد ساعات العمل واللامركزية… يقدّم رئيس الدولة مقترحاته للخروج من أزمة "السترات الصفراء" المستمرة منذ خمسة أشهر.. فهل سيقتنع الفرنسيون؟

–  تخفيض الحصيلة الضريبية بمقدار خمسة مليارات يورو

أول ما وعد به الرئيس الفرنسي كان خفض الضرائب على الدخل بمقدار خمسة مليارات يورو، حيث ستحدد الحكومة كيفية تعويض هذا الانخفاض دون اللجوء إلى التمويل عبر الائتمان. ولتحقيق ذلك، سيتم إصلاح المنافذ الضريبية، وستساعد المدخرات أيضًا على تمويل هذه الفجوة الضريبية.

–  القضاء على البطالة بحلول 2025

وفيما يتعلق بالبطالة، أعاد رئيس الدولة التأكيد على هدفه المتمثل في خفض نسبتها إلى 7 في المائة بحلول عام 2022، والقضاء عليها تمامًا بحلول عام 2025. حيث قال: "هذا هدف طويل الأجل، ويمكن الوصول لنسبة العمالة الكاملة، لا سيما إذا ما واصلنا الإصلاحات".

–  زيادة عدد ساعات العمل

ومن أجل تمويل التخفيض الضريبي؛ أشار رئيس الدولة إلى أنه سيكون من الضروري "العمل أكثر"، مستبعدًا إلغاء أحد يومي العطلات الأسبوعية أو زيادة سن التقاعد القانوني، أو حتى تحريك عدد ساعات العمل والتي تبلغ 35 ساعة أسبوعيًا، ولكنه سيستحدث نظامًا جديدًا يشجّع على الإكثار من العمل دون إجبار أحد.

–  إعادة هيكلة المعاشات

وفيما يتعلق بمسألة المعاشات التقاعدية، أكد الرئيس أنه سيعتمد إعادة هيكلة المعاشات التقاعدية التي تقل عن ألفي يورو بحلول عام 2020. وبدءًا من عام 2021، سيتم إعادة هيكلة جميع المعاشات التقاعدية بما يتناسب مع زيادة الأسعار، كما أعرب ماكرون عن رغبته في زيادة "الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية" لمن استكمل مدة الحياة الوظيفية إلى ألف يورو.

–  إلغاء الكلية الوطنية للإدارة

أكد ماكرون رغبته في إلغاء الكلية الوطنية للإدارة، حيث قال إنه فيما يخص هذا الموضوع "لا يؤمن على الإطلاق بسياسة الترقيع"، وسيقوم أحد المتخصصين بتقديم مقترحات واضحة جدًّا إلى الحكومة لإعادة صياغة عملية اختيار كبار الموظفين من أجل شغل الوظائف وكيفية تدريبهم وكيفية إدارة هذه الوظائف.

–  قانون جديد للامركزية

ووعد الرئيس بإصدار قانون جديد للامركزية في الربع الأول من عام 2020؛ بحيث يتكيف مع كل طبيعة كل إقليم. وأعرب عن رغبته في أن يستند هذا القانون إلى "عدد قليل من المبادئ، كالمساءلة والوضوح والتمويل"، دون المزيد من التوضيح.

–  التراجع عن تسريح 120 ألف موظف

كان من بين الوعود الانتخابية لماكرون إلغاء 120 ألف وظيفة عامة بحلول 2022، ولكنه أقرّ بإمكانية التخلي عن هذا الوعد ما دام "لا يمكن الإبقاء عليه". وبالرغم من أنه تمكن بالفعل من إلغاء ستة آلاف وظيفة منذ عام 2017، إلا أنه سيكون من الصعب تحقيق هذا الهدف في ضوء التدابير التي أعلن علنها مؤخرًا، لا سيما تلك المتعلقة بالتعليم والصحة والإدارة.

موقف ماكرون من الهجرة والعلمانية.. موضوعات غابت عن النقاش الوطني الكبير

وعن الموضوعات التي غابت عن خطاب الرئيس الفرنسي بعد النقاش الوطني الكبير، أشار موقع تلفزيون "بي إف إم تي في" الفرنسي إلى تأكيد ماكرون من جديد التزامه بالحفاظ على الحدود الأوروبية المشتركة، وإدانة "الإسلام السياسي" الذي يتسبب في فصل بعض الضواحي الفرنسية.

وبعد أن كانا أبرز الغائبين عن النقاش الوطني الكبير، تناول ماكرون موضوعي الهجرة والعلمانية خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مؤخرًا في قصر الإليزيه.

وأوضح الرئيس الفرنسي أن الشعب الفرنسي تننتابه المخاوف والهموم تجاه هاتين المسألتين، مؤكدًا أن الأمة تحافظ على نفسها عبر الحفاظ على "حدودها". أما بالنسبة للعلمانية، فسبق وأكد أنها لن تخضع لأي تعديل بسبب الإسلام، محذرًا من خطورة "الإسلام السياسي الذي يريد الانفصال عن الجمهورية الفرنسية".

منطقة شنجن لم تعد صالحة

وأكد ماكرون أنه "للتمكن من فتح الأبواب فلا بد من وجود حدود، ولاستقبال الضيوف، فلا بد امتلاك منزل؛ لذا فإن فرنسا بحاجة إلى حدود يجب احترامها، كما يجب فرض القواعد لأن الأمور لا تسير الآن كما ينبغي". وتابع بأن منطقة شنجن ونظام اتفاقيات دبلن المصاحبة لها لم "يعودا صالحين للعمل"، مشيرًا إلى أن ثاني أولوياته بعد المناخ هي "المعركة المتعلقة بالهجرة"، ويرى أن "أوروبا القوية يجب أن تحافظ أيضًا على حدودها وتحميها". ولا يزال ماكرون يواصل انتقاد الدول الأعضاء في منطقة شنجن الذين "يريدون الاستفادة من حق حرية التنقل ثم يتهربون عند توزيع الواجبات".

وعلى الصعيد الوطني، أقر رئيس الدولة بأن البعض غيروا من مواقفهم تجاه حق جمع شمل الأسرة وحق اللجوء، الذي يؤمن به هو بعمق. وأردف قائلاً: "اليوم، يجب ألا نخبئ رؤوسنا، وعندما نتحدث عن العلمانية، نجد أننا لا نتحدث حقًّا عن العلمانية؛ بل نتحدث عن الطائفية التي استقرت في بعض أرباع الجمهورية، وعن الانفصال الذي استقر في بعض الأحيان، ونتحدث أيضًا عن هؤلاء الذين يريدون استغلال الدين لمتابعة مشروع سياسي؛ وهو الإسلام السياسي من أجل الانفصال عن جمهوريتنا".

ودون ذكر مسار أو جدول زمني محدد، طلب ماكرون من حكومته أن تكون حازمة في هذا الشأن، وأن تعزّز من سياستها المتمثلة في "إعادة الانتشار على المستوى الجمهوري". كما طالب بالسيطرة بشكل أفضل على التمويل الأجنبي للديانة الإسلامية، وهو الهدف الذي تم تحديده قبل أكثر من عام، وأكد أن هذه النزعة الطائفية "تشكل خطرًا على القدرة على الحفاظ على الأمة مترابطة".

هل يتم إبرام عقد اجتماعي جديد بعد النقاش الوطني الكبير؟

في السياق ذاته، علق موقع لوبوان الفرنسي على الإجراءات الذي سيتخذها ماكرون للخروج من النقاش الكبير، وقال إن الرئيس ظل مخلصًا لفلسفته الأولى..

وكانت تقاطعات الطرق قد تلونت في شهر نوفمبر الماضي باللون الأصفر، وأعرب المتظاهرون من السترات الصفراء عن غضبهم تجاه النخب المسؤولة عن انخفاض مستوى معيشتهم. واليوم، يعيش الجميع في الضواحي الفرنسية جنبًا إلى جنب، غير أنهم يشعرون بأنهم أكثر قربًا في المدرسة والجامعة، والجميع يتشكك منذ سنوات وحتى الآن في التاريخ والعلم. باختصار، تشعر فرنسا بالانقسام، في حين لا يزال رئيس الدولة يؤمن "بفن أن تكون فرنسيًا". أليست هذه هي أكثر سذاجة مثالية يمكن بلوغها؟

واجب الذكاء

إذا كان الفصل الأول من رئاسة ماكرون اقتصاديًا بامتياز، فإن الفصل الثاني منها بدأ يشهد ما يشبه الميثاق الاجتماعي الجديد. ذلك الميثاق الذي سيرضي العدد الأكبر من الفرنسيين في حال نجح ايمانويل ماكرون في إقراره.

ويقول الرئيس الفرنسي في هذا الصدد: "نحن أولًا وقبل كل شيء أبناء ثقافة التنوير"، في محاولة لتذكير الفرنسيين بواجب الذكاء. ويرى رئيس الدولة، أن تراث التنوير يجبرنا على إثارة النقاش مع استيعاب أن "المصلحة العامة لا تتوقف عند توافق المصالح الخاصة فحسب". بل على المرء ألا يبني نفسه على كراهية النفس والغيرة من الآخر".

قصة كبيرة

وبعد انتهاء النقاش الوطني الكبير، هل حان الوقت لبدء القصة الكبيرة؟ هذا ما وعد به ماكرون منذ الأسابيع الأولى من فترة رئاسته حين قال نقلًا عن الشاعر والفيلسوف الفرنسي بول فاليري: "كل دولة اجتماعية تتطلب خيالات؛ ومجتمعنا بحاجة إلى القصص الجماعية وقصص الأحلام والبطولة".

وتُعد المسألة السابقة هائلة وأساسية، فبالإضافة إلى الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الرامية إلى "إعطاء الطبقات المتوسطة نصيبها من الأحلام"، يبدو أن رئيس الدولة عازم على تحطيم آليات الفرقة وتراجع الهوية التي تشهد تناميًا في الوقت الحالي.

وفيما يخص الإجراءات التي سيتبعها ماكرون لتحقيق هذا الأمر، أكد أنه "يعرف جيدًا كيف يدافع عن استمرارية المشروع الفرنسي". كما أوضح رؤيته للعلمانية ولأعدائها وذلك بهدف إسعاد كبار المدافعين عن العلمانية الذين يرون أن ماكرون غالبًا ما يفتح النار على هذه القضايا القابلة للاشتعال؛ بسبب إعلانه إصلاح إسلام فرنسا منذ الساعات الأولى من رئاسته، حيث قال ماكرون: إن "العلمانية هي إمكانية الإيمان بالله أو عدم الإيمان به، وألا تشعر أبدًا بالضيق مما يؤمن به الغير، الذي لا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يفرض دينه على المجتمع أو ينتقص من قواعد الجمهورية شيئًا في سبيل القيام بذلك".

ويبدو أن الرئيس الفرنسي عازم على محاربة الإسلام السياسي حيث قال خلال النقاش الوطني الكيبر: "تغذي بعض أشكال التمويل سلوكيات انفصالية عن الجمهورية. وفكرة الإسلام القنصلي لا تسهل الاندماج الكامل في المجتمع". وخلال هذا النقاش أعلن الرئيس ماكرون عن تشديد الضوابط على التمويل الأجنبي.

هل تتعامل أوروبا بسذاجة مع الشرق الأوسط؟

في سياق منفصل، أوضح "إيمانويل نافون"، المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة تل أبيب والباحث في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية، عبر صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، أن إداره ترامب لا تتجه نحو تكرار أخطاء الماضي في الشرق الأوسط، وينبغي الثناء على سياستها في ذلك.

وكشفت بعض الشخصيات الأوروبية المرموقة عن خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط التي طال انتظارها، وحذروا الولايات المتحدة من مضمونها. فمن جانبه قال السفير الفرنسي السابق لدي الولايات المتحدة "جيرار أرو" إن فرصة نجاح خطة ترامب التي تقضي ببناء دولة فلسطينية على حدود 1949 لا تزيد عن 1 في المائة؛ لأنها تقدّم تصورًا "قريبًا جدًا مما يريده الإسرائيليون".

ويرفض الفلسطينيون التخلي عن "حق العودة" الذي من شأنه أن يمنح أحفاد عرب 1948 البالغ عددهم ستمائة ألف لاجئ، الحق في الاستقرار في إسرائيل، وأن يصبحوا مواطنين إسرائيليين.

وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد فشل في عام 2014 في إقناع محمود عباس بمقترح وزير خارجيته آنذاك جون كيري بخطة سلام تتضمن التخلى عن حق العودة، كما رفض محمود عباس العديد من المقترحات الأخرى لنفس السبب.

إن القطع بأن محاولة ترامب (والتي تعد السادسة في تاريخ مقترحات السلام) ستكون هي الأفضل يعدّ تحديًا للمنطق وتغافلًا لحقيقة مهمة؛ وهي أن الفلسطينيين يرفضون التخلي عن "حق العودة" الذي سيعطي أحفاد عرب 1948 الحق في الاستقرار في إسرائيل. وبما أن عدد هؤلاء الأحفاد يبلغ حاليًا 5 ملايين نسمة، فإن هذا الحق، وفقًا للأونروا، سينهي وجود إسرائيل كدولة قومية، ومن ثم فهو يتنافى مع حل الدولتين.

وفي ظل انهيار معظم البلدان العربية بسبب "الربيع العربي" وسقوط بعضها في فخ الحروب الأهلية، يرى معظم الإسرائيليين أن إنشاء دولة عربية أخرى مصطنعة وفاشلة لتتجاهل تل أبيب من أعلى تلال الضفة الغربية يعدّ دربًا من الجنون؛ وبالتالي فإن الواقع يُعدّ أكثر تعقيدًا من مجرد خيار ثنائي وخيالي بين السلام والمستعمرات. وهذا الواقع المعقد يشمل وجود كيانين فلسطينيين منفصلين جسديًّا وسياسيًّا وهما: السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية، وقطاع غزة في ظل نظام حماس. وبعد أن فشلت المحاولات العديدة للمصالحة بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، كيف يمكن لهؤلاء الإخوة الأعداء أن يحكموا معًا إقليمين يتجهان نحو الانقسام السياسي على غرار باكستان وبنغلاديش؟

وحقيقة أن إدارة ترامب لا تتجه نحو تكرار أخطاء الماضي في الشرق الأوسط تعد أمرًا يستحق الإشادة بدلاً من الإدانة، فيما لن يكون الأوروبيون على ثقة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ما داموا منغلقين في عقيدة الحدود الخطية والتعسفية التي فرضوها قبل قرن في الشرق المعقد.

الكاتب "جيل كيبيل" متحدثًا عن الشرق الأوسط: الأمل بعد الفوضى

وتحت عنوان "الأمل بعد الفوضى"، أبرز موقع "لو جورنال إنترناسيونال" تصريحات الكاتب والخبير الجيوسياسي الشهير  "جيل كيبيل"، وذلك أثناء الاحتفال بمرور أربعين عامًا على تأسيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ثاني أكبر مركز فكري في العالم.

ففي مواجهة الانسحاب الحمائي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وعودة النفوذ الروسي في العلاقات الدولية، وبروز قوى جديدة، لا يتوانى المعهد عن دراسة هذه المنطقة التي تُعد بؤرة للصراعات الحاسمة في تحقيق الاستقرار العالمي.

وفي كتاب "الخروج من الفوضى"؛ قدّم "كيبيل" دراسة عن الوضع في الشرق الأوسط، موضحًا أن التحدي الرئيسي يكمن في تجديد الاستراتيجية الأوروبية بعد سلسلة من الإخفاقات الإقليمية الصعبة. وبدأت الدراسة بالرجوع إلى عقد السبعينيات الذي تسبب بتغيير الأوضاع بفضل حرب أكتوبر 1973 والثورة الإيرانية.

ثم يتتبع الكاتب العديد من الأحداث التي شهدتها العقود الأخيرة؛ حيث تأثر ميزان القوى الذي عادة ما يميز السلام والاستقرار السياسي بإطاحة الأمريكيين لصدام حسين في عام 2001. ومن هذه الملاحظة، يقدم لنا العديد من القرائن التي تسهل شبكة من قراءات الأخبار السياسية.

عوده روسيا كطرف حاسم

وفي سبعينيات القرن الماضي، استفاد الاتحاد السوفيتي من معرفته بطبيعة الأرض لبسط نفوذه في الشرق الأوسط، وحينها قللنا من أهمية الآثار المترتبة على عدم استقرار هذه المنطقة، لصالح إنهاء الحرب الباردة الذي كان ملحًا. والآن، تلعب روسيا دورًا أكثر إرباكًا في محاولة تحقيق التوازن أمام السيطرة الغربية، وشدّد الكاتب على أن الروس يتمتعون بالغلبة دائمًا في معرفة المنطقة، وهو ما لا تتمتع به الكتلة الغربية. فوضع روسيا غير الديمقراطي يسمح لها بأن تكون عملية وفعّالة بشكل كبير في الوقت الذي لا يمتلك فيه الغرب إلا التردد والقلق إزاء شعبية حكوماته. كما يعطي إنتاج الطاقة في الشرق الأوسط لروسيا أداة تفاوضية مهمة لترسيخ نفوذها. وأضاف "كيبيل" أن الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة في هذا السياق، يترك مساحة لا يستهان بها للعبة الروسية التوسعية.

أسلمة الفضاء العام في الشرق الأوسط

ويرى "كيبيل" أن الاستغلال السياسي والإعلامي للدين بدأ باستخدام الجهاد خلال الحرب العربية الإسرائيلية؛ حيث كان الإعلان عن الجهاد والإفطار في شهر رمضان على شاشة التلفزيون أول أهم الدلائل على أسلمة الفضاء العام. ثم تطور الجهاد بعد ذلك إلى الشكل الذي نعرفه اليوم، وأدت الهزيمة العربية ضد إسرائيل إلى ظهور الإسلام السياسي. ويعتقد الكاتب أن هذا التحول يهدف أساسًا إلى جعل الدول الغربية تظهر كالعملاق العالق في الوحل. والآن أصبح الإرهاب الإسلامي تحديًا ذا أولوية في معظم الدول الغربية المتورطة في الصراعات المسلحة بالشرق الأوسط.

جولة جديدة من العلاقات الدولية في الشرق الأوسط

ويرى كيبيل أن عام 1973 كان بمثابة بداية لمرحلة مدمرة نعيش نهايتها الآن. فالهدف من الحرب العربية ضد إسرائيل كان تشكيل قوة مؤثرة على أطماع النفط في المنطقة. واليوم، باتت الحالة مختلفة: فدول الخليج لم تعد بشكل أو بآخر تتحكم في سوق النفط. ويقول جيل كيبيل: إن ما تغير في الشرق الأوسط هو أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يعد هو الذي يتحكم في التبادل التجاري في المنطقة.

ولكن تغيير المرحلة لا يعني نهاية الصراعات؛ وما ينبغي أن يلفت انتباهنا هي القواعد الجديدة التي تطرحها المرحلة المقبلة. فالعنف العسكري لم يعد يتصدر الشواغل المتعلقة بأهمية المفاوضات والتأثيرات الخارجية. بل ستصبح قضايا أخرى كانخراط تركيا والقضية الكردية والمستقبل السياسي الإيراني هي القضايا الرئيسية الجديدة.

لبناء مستقبل إسلام فرنسا.. ينبغي التغلب على عقبة التمثيلية

أشارت جريدة "لا كروا" المتخصصة في الأديان إلى النسخة رقم 36 من الاجتماع السنوي لمسلمي فرنسا، والذي عُقد في ظل آمال كبيرة حول كيفية بناء مستقبل مسلمي فرنسا؛ الأمر الذي يُعدّ بمثابة تحد في ظل غياب تمثيل شرعي يستطيع تخطي الانقسامات الداخلية ويتصدى لحل مشكلات الإسلام المعاصرة.

وتعلق إحد المشاركات في هذا الاجتماع قائلة: "إن ممثلي مسلمي فرنسا لا يتكيفون مع العالم الحالي ولا مع مصالحهم. ويجب أن يكونوا أكثر انفتاحًا على الآخر. فهذه هي الطريقة الوحيدة لتجاوز انقساماتنا ولإدماج الإسلام في المجتمع بشكل أفضل". وترى هذه المرأة الباريسية التي تعمل في مجال التجارة، أن مستقبل الإسلام لا يتوافق مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي أنشأته وزارة الداخلية في عام 2003 بهدف تمثيل المسلمين في هيئات الدولة. وفي ممرات القاعة المزدحمة نجد أن هذا الرأي منتشر على نطاق واسع؛ فغياب التشاور بين المسلمين هو السمة المميزة لمجلس الديانة الإسلامية؛ وهو ما يؤدي إلى فقدانه للشرعية.

نحن بحاجة إلى رمز مميز

ويقول "سليمان"، الذي يعمل تاجرًا ويقطن في جزيرة لا رينيون الفرنسية النائية، إنه جاء ليكتشف هذا الملتقى في سياق رحلة عمل. وبالنسبة له تعد هذه فرصة للتعرف على مدى الاختلاف بين الإسلام في المناطق الفرنسية فيما وراء البحار والإسلام الحضري. ويقول "في جزيرة لا رينيون، نشكّل تيارات مختلفة، ولكن يربطنا التضامن في كتلة واحدة. الأمر الذي يختلف تمامًا عن الوضع في العاصمة. وسيجب حتمًا التوصل إلى اتفاق لتنظيم الإسلام داخليًّا، دون تدخل من الدولة. ولتحقيق ذلك، فنحن بحاجة إلى رمز مميز

 ممثلنا الوحيد هو النبي محمد

ويقول محمد، أحد رجال الأعمال المشاركين في الملتقى: ممثلنا الوحيد هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وبالتالي فلن تتمكن الحكومة من إيجاد ممثل شرعي بمعنى الكلمة". أما عمار، مُعلم يبلغ من العمر 40 عامًا، والذي يبدو أكثر تفاؤلًا بقليل فيقول: "هناك قدر هائل من العمل يتعين القيام به لإيجاد ممثل. ولكن هناك روح جديدة تظهر، وأعتقد أنه في غضون خمس سنوات سيكون لدينا ممثل حقيقي عن مسلمي فرنسا؛ وسيكون مستقبل الإسلام في فرنسا أكثر تنظيمًا.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا