فورين بوليسي | حزام وطريق أمريكا.. كيف أصبحت الطائرة F-35 أحد أهم أعمدة الاقتصاد الأمريكي؟

سهام عيد

ترجمة بواسطة – آية سيد

تخيل مشروع اقتصادي وأمني ممتد على مستوى العالم – بتكلفة تفوق تريليون دولار ويضم أعضاؤه 46% من الاقتصاد العالمي – مُصمم لتعزيز مصالح ونفوذ الدولة الرائدة, في الوقت الذي تُلزم فيه الدول الأصغر بالاتكالية على نحو غير متكافئ. يحصل المستفيدون على مكافآت اقتصادية ضخمة مقابل المشاركة, لكنهم سيجدون الأمر أكثر تكلفة عندما يرغبون في سحب أنفسهم من الشبكة على المدى الطويل.
 
ربما في يوم من الأيام, ستصل مبادرة الحزام والطريق الصينية, التي تضم 40% من اقتصاد العالم في مبادرات البنية التحتية الممتدة, إلى مستوى هذا الوصف. لكن برنامج مقاتلات الغارة المشتركة الأمريكي (Joint Strike Fighter program), الذي يبيع مقاتلات إف-35, يفعل ذلك بالفعل, وهو شيء بات أكثر وضوحًا من أي وقت مضى؛ بفضل سياسة حافة الهاوية الأخيرة بين تركيا والولايات المتحدة.

يوم الجمعة, استلمت أنقرة الأجزاء الأولى من منظومة الدفاع الصاروخي إس-400 الروسية, التي تقول واشنطن إنها متعارضة مع مشاركة تركيا في رابطة إف-35. كانت وزارة الدفاع قد أوقفت تدريب الطيارين الأتراك على الطائرة في قاعدة لوك الجوية في أريزونا, ويهدد الكونجرس بطرد تركيا من البرنامج بالكامل. وفي أسوأ سيناريو بالنسبة إلى تركيا, يمكن أن تطبق الولايات المتحدة عقوبات مختلفة على الدولة بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات, والتي تتراوح من منع التأشيرات إلى فرض قيود على صادرات الأسلحة التركية إلى حظر الدخول إلى المؤسسات المالية الأمريكية.

وقد تعرضت طائرة إف-35, وهي من طائرات الجيل الخامس عالية القدرات, تعرضت لانتقادات لكونها مرتفعة الميزانية, وتتأخر لوقت طويل, ومثقلة بعيوب في التصميم. مع هذا, "الطائرة التي أكلت البنتاجون," حسب تعبير أحد النقاد, لم تخسر أمام أية مقاتلة أخرى في أية منافسة شراء رسمية. وبينما تستطيع الكثير من الدول بناء ميناء, وإن كان ليس بتكلفة منخفضة مثل الصين, بناء الأسلحة أمر مختلف. لم تبنَ أية دولة أخرى مقاتلة رفيعة المستوى مثل إف-35 بأي ثمن. 

وفي السياق، تحتاج المقاتلات الحديثة لآلاف المكونات الفرعية المستخلصة من عدة تكنولوجيات مختلفة، والتي تشمل سلسلة إمداد مذهلة. إن تكاليف التطوير الأولية لطائرة إف-35 صاعقة ويمكن تعويضها فقط عن طريق شراء كميات كبيرة. وبمجرد أن تمتلك الدولة عدة طائرات إف-35 في أسطولها, يصبح الانتقال إلى منافس (أقل تطورًا) أمرًا غير جذاب. في الوقت نفسه, ستتعرض الدول المتقاعسة – التي تواجه احتمالية شراء أعدائها لطائرات أكبر وأكثر تطورًا – لضغط لكي تنضم إلى البرنامج الرابح؛ ما يؤدي في النهاية إلى الهيمنة على السوق.

وقد تعرضت الصين لانتقادات بسبب استخدام الديون المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق قهرًا, على سبيل المثال عن طريق الاستيلاء على عقد إيجار ميناء سيريلانكي لمدة 99 عامًا بعد أن فشلت الدولة في سداد القرض. وأكد وزير الدفاع الصيني مؤخرًا أن المبادرة بها عنصر عسكري. لكن برنامج إف-35 يمتد أبعد من ذلك. إنه يجعل أمن الدولة معتمدًا على الولايات المتحدة لعقود – وواشنطن تستخدم ذلك النفوذ. في 2005, علّقت مشاركة إسرائيل في البرنامج ردًا على بيع إسرائيل أجزاء خاصة بطائرات مسيرة إلى الصين، وأوقفت إسرائيل سريعًا تلك الصفقات.

والآن، تركيا أكثر اعتمادًا على شبكة إف-35؛ لأن صناعة الطيران الخاصة بها تزود عددًا من مكونات إف-35، وستواجه خسائر كبرى إذا أقصتها الولايات المتحدة بلا رجعة. وبينما يقدّر البنتاجون أن العثور على مزوّدين محليين آخرين بدلًا من تركيا سيُسبب تأخيرًا يستغرق عدة أشهر على أقصى تقدير, ستكون خطوط الإنتاج التركي عاجزة عن التكيف بسهولة, ما يُعرّض صناعة المكونات المقدرة بـ12 مليار دولار التي توقعتها تركيا للخطر. وربما يكون هذا الرقم خطأ في التقريب لبرنامج إف-35 المقدر بتريليون دولار, لكنه مكافئ لقيمة ثماني سنوات من صادرات الطيران التركية. وبالتالي سوف يدفع أردوغان ثمنًا باهظَا إذا تخطى الولايات المتحدة واستمر في شرائه للأسلحة الروسية.

وقبل أن تتوقف الولايات المتحدة عن إرسال طائرات إف-35 إلى تركيا في أبريل, طلبت بلجيكا 34 طائرة, واتخذت سنغافورة خطوات لطلب من 40 إلى 60 طائرة, كما رفعت اليابان طلبًا حاليًا بـ105 طائرات؛ ما يعوّض عن الـ100 طائرة الخاصة بتركيا. في الوقت نفسه, وعلى الرغم من أن حركة النجوم الخمس الحاكمة في إيطاليا ترشحت ببرنامج انتخابي يدعو إلى إلغاء البرنامج, غير أنها تراجعت منذ ذلك الحين. وكما أورد وزير دفاع الحركة إلى البرلمان في ديسمبر 2018: "من الواضح أننا لا نستطيع حرمان قوتنا الجوية من قدرة جوية عظيمة تجعلنا متقدمين عن الكثير من الدول الأخرى". 

وبالمقارنة مع شبكة الطائرة المقاتلة, فإن التوقعات المتفائلة لمبادرة الحزام والطريق تغطي قطاعًا أكبر من الأراضي ودولًا أكثر, والأكثر أهمية، تصنف المبادرة نفسها كمولّد للثروة والتعايش السلمي على نطاق عالمي. لكن عضوية برنامج مقاتلات الغارة المشتركة توفر مزاياها الخاصة من ناحية المكانة, والوصول إلى التكنولوجيا وعقود الباطن, والروابط الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة. وسوف توازن الدول ذات السيادة هذه المزايا مقابل احتمالية الاتكالية، وبالفعل أي دولة سيكون عليها الاتكال على ذلك، وفي الأخير، ربما تربح مبادرة الحزام والطريق في المستقبل, لكن الواقع الحالي ينحاز ويفضّل النسخة الأمريكية.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا