المركز الفرنسي لمكافحة الإرهاب| هل مهاجمة الإخوان في الغرب يعد استهدافا للجاليات المسلمة كما يدعي أتباع الجماعة؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية

المصدر: المركز الفرنسي للبحوث ومكافحة الإرهاب والتطرف
كتبت – د.عقيلة دبيشي، مدير المركز الفرنسي للبحوث و مكافحة الإرهاب والتطرف

أورد موقع “المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط” وهو مؤسسة أوروبية تُعنَى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط في أوروبا مقالًا متجنيًا فيه وخالطًا فيه بين الإسلام السياسي الذي تمثله حركة الإخوان المسلمين والإسلام كدين عبادة، بعنوان “بميزانية مالية ضخمة.. الإمارات تطلق موقعًا إلكترونيًّا لتشويه عمل الجاليات المسلمة في أوروبا”. حيث أسهب الموقع في فكرة غير متماسكة يشوبها ضعف البراهين، بأن موقع (عين أوروبية على التطرف) هو موقع يهدف إلى تشويه صورة وعمل الجاليات المسلمة في أوروبا، وكذلك أنشطة منظمات الإسلام السياسي. وذلك من خلال موازنة ضخمة لذلك، تمكنه من استقطاب أساتذة أوروبيين يقومون بكتابة مقالات ودراسات موجهة لتحقيق الأهداف غير المعلنة المتمثلة بعملية تشويه الجالية الإسلامية.

في الحقيقة، إن ما أورده ذلك التقرير يشوبه الكثير من المغالطات والخلط بين المفاهيم؛ إذ خلط بين مفهوم “الإسلام السياسي” ممثلا في تنظيم الإخوان المسلمين، وبين الدين الإسلامي كدين سمح؛ والحقيقة أن الهجوم ينصب فقط على “الإسلام السياسي” متمثلًا في الإخوان المسلمين.

وقد خبرت الشعوب العربية فشل منظومة “الإسلام السياسي” التي اجتاحت العالم العربي إبان الثورات 2011 والتي كانت عوامل فنائها وفشلها بداخلها، بعد أن تكشفت مسالك الإخوان المسلمين وأهدافهم بإنهاء الدولة الوطنية، وكذبوا وقالوا إنهم أرادوا الإسلام دين دولة، حتى لم يكن لديهم مخطط لدولة إسلامية مدنية، بل أرادوا السلطة وعملوا من أجل استمرارها في أيديهم، وبدأوا يأسسون لفقه دولة لم يرد في القرآن.. واستغلوا بعض الآيات ليبرروا فعلتهم.. واستحضروا الفقه القديم ليكفروا من ينكر عليهم! وظلموا أشد ممن ظلم قبلهم.. وكانوا نموذجًا غاية في السوء. هذا هو النموذج الإسلامي المقصود من الهجوم، وليس” الجاليات الإسلامية”، فأوروبا كانت من الأوائل في استقبال المسلمين وشملتهم بالحماية والرعاية والمساواة بالمواطنين الأوروبيين، إذ يعيش فيها حوالي مليون لاجئ سوري بعد نشوب الصراع في منطقة الشرق الأوسط إبان ثورات الربيع العربي عام2011. وبالتالي هناك ضرورة كبيرة لتفنيد ما يثار على مواقع الأخبار والإنترنت حول تلك القضية وإيجاد آليات لعدم الخلط بين “تنظيم الإخوان المسلمين” الذي خرجت من عباءته معظم التنظيمات الإرهابية، وبين المسلمين الأخلاقيين الرافضين لمنطق أدلجة الدين وتدنيسه في حلبة الصراع السياسي؟!”.
أوروبا تعيد النظر في تواجد تنظيم الإخوان على أرضها بعد عام 2011
يعتبر ما أفضت له ثورات الربيع من فوضى في المنطقة العربية، مرحلة مفصلية لجميع الدول العربية والغربية بالنظر إلى تنظيم “الإخوان” بعد فشله في الحكم، وانتهاجه أساليب مختلفة للعودة إلى الحكم تدرجت من العنف الرمزي وعدم قبول الآخر إلى مستويات عالية حتى المسلح منه.

وقد مثلت أوروبا حاضنة وملاذ آمن لجماعة “الإخوان المسلمين” منذ خمسينيات القرن الماضي، للإخوان الذين هربوا إبان الحكم الناصري والبعثي من سوريا، وصلوا أوروبا بشكل متتابع، وأسسوا -مع الوقت، بشكل متزايد- شبكةً واسعة من المراكز والجمعيات بداية من “المركز الإسلامي” في جنيف عام ١٩٦١، على يد سعيد رمضان السكرتير الشخصي لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وليس انتهاءً بمجموعة كبيرة وحسنة التنظيم من المساجد والمنظمات الإسلامية التي حملت فكر الإخوان المسلمين، وإن لم تكن كلها بالضرورة خاضعة لتوجيهات تنظيم الإخوان الدولي. واستمرت مرحلة بناء المؤسسات ومدّ الجسور مع المؤسسات الأوروبية لتثبيت وتقوية وضع المسلمين سياسيًّا واجتماعيًّا، فحتى عام 1989 كان هناك ما لا يقل عن 1000 مؤسسة تعمل في مختلف المجالات.

في البدايات كانت أهداف تلك الجمعيات مرتبطة بالظروف التي خلقتها، وهي مساعدة الهاربين من الاضطهاد في العالم العربي، لكن تطورت تلك الأهداف تدريجيا بشكل نوعي، وبحسب ريم تولتش -الصحفية بالمعهد الفرنسي للشرق الأدنى- “إن إخوان أوروبا انتقلوا من مرحلة فقدان الهوية إلى مرحلة الشعور بها والحاجة إلى إبرازها، وتحولت أوروبا من منفى مؤقت إلى موطن استقرار، ونتج عن هذا تغيير في المفاهيم الشرعية المؤصّلة لحالة المسلمين في الغرب، وانتشار مفهوم (فقه الأقليات) الذي يبحث ويُصدر الفتاوى الخاصة بالمسلمين في خارج بلاد الإسلام”.

وقد عمل تنظيم الإخوان بعد أن اطمأن على استقراره في أوروبا وفقًا لرؤية خاصة، كان قد كشف عنها محضر اجتماع “لجنة الدعوة والجاليات” في بريطانيا بتاريخ 26 /5 / 1984، ونقله موقع إخوان ويكي، وتمثل في: “خلق تيار بين المسلمين المقيمين في بريطانيا للضغط على الحكومة البريطانية للاعتراف بالإسلام كدين رسمي في هذا البلد، وعمل إحصائية تفصيلية عن المسلمين في بريطانيا، والتركيز في الدعوة على الأبناء أكثر من الآباء، ونشر الفقه الإسلامي بين الجاليات، وإيجاد نوادٍ للشباب، واستحداث أنشطة تواكب تطورات العصر لجذبهم إليها”.

وهذا يعني أن الإخوان سعوا في أوروبا إلى عزلة المسلمين عن الدولة الوطنية، وزرع فكرة أن المسلمين يجب أن يكونوا ضمن مجتمع متماسك إسلاميًّا حسب رؤية الإخوان؛ مما يعطيهم المجال في كسب هؤلاء المسلمين كاتباع لهم وإيهامهم بأن الدولة لا تعطيهم جميع حقوقهم، وأن الجماعة هي القادرة على جلب حقوقهم كمواطنين أوروبيين، لذلك أنشأت المؤسسات الموازية ضمن إطار تشكيلات المجتمع المدني كالمدارس والمراكز الثقافية والجمعيات الخيرية.

وهو ما يعتبر أحد المعيقات التي تحد من إمكانية المجتمع الإسلامي المصغر داخل دولة الحريات من الاندماج بالمجتمع.
وهو ما قد يكون شكل خطرًا مزدوجًا فيما بعد، ضد المجتمع الأوروبي، في أن يقابل أحد المتطرفين من ذلك المجتمع المصغر، أو المجتمع الإسلامي نفسه، بعدما ارتفعت الإسلام فوبيا، وهو ما يعنى خلق طائفية خافتة.

وفي الواقع أن القوانين الأوروبية كانت تسمح بكل أشكال الممارسات الدينية والدعوية، حتى إن الحكومات والمراكز البحثية الأوروبية لم تكن لتلتف لذلك، لم يتواتر لها بشكل خاص إفراد تقارير مخصوصة عدا الجهود الفردية، لبحث ظاهرة الإسلام السياسي، لترصد الخارطة الأيديولوجية للإسلاميين على اختلاف مكوناتهم، وكذا بنيتهم التنظيمية، وعلاقتهم بالسلطة والغرب.

لكن ما كان مفصليا هو دور الإخوان المسلمين في المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط، والذي كان بمثابة ناقوس أوروبا لمرحلة ما يمكن تسميتها “إدراك مخاطر الإسلام السياسي”، وهو ما حذر منه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل دقيق وماهر، حيث وجه انتقاده للإسلام السياسي وليس “المسلمين العاديين”، قائلًا: “إن الإسلام السياسي يمثل تهديدا ويسعى للانعزال عن الجمهورية الفرنسية”.

 وقد تعززت هذه المدركات لطبيعة الانتشار لمؤسسات الإخوان في أوروبا، بعد عمليات التفجيرات الإرهابية التي اجتاحت أوروبا، ولا سيما فرنسا، وكذلك بعدما سلط العديد من المؤتمرات الضوء على تلك المؤسسات ودعمها للفكر المتطرف، مثل مؤتمر “الاستثمارات القطرية في أوروبا بين السياسة والإرهاب – فرنسا نموذجًا” في يوليو 2017، الذي عقد في باريس، وأوضح “أن هناك 242 جمعية إخوانية تمولها قطر في فرنسا فقط، بدعوى مساعدة مسلمي فرنسا، لكنها في الحقيقة تستهدف من وراء ذلك الدعم نشر الفكر المتطرف وتقديم الإخوان للغرب كجماعة دينية تتقبل العمل بمبادئ الديمقراطية، على الرغم من وجود وثائق إخوانية تثبت رفض الجماعة النموذج العلماني الفرنسي”.

وكان تقرير فرنسي يرصد ظاهرة “تصاعد الإسلاميين” في أوروبا بعنوان “صناعة الإسلاميين” الذي أصدره معهد “lamontaigne” في سبتمبر 2018، حذر فيه من “الأيديولوجية التي يحملها أولئك الإسلاميون، واعتبر أنها تمثل خطرًا على المجتمعات الغربية، إذ تقدم رؤية مختلفة للعالم، وتؤسس لقيم متعارضة مع قيم المجتمع الغربي، فهي تؤسس لمنطق الجماعة ضد الفرد، ومنطق المعايير الدينية ضد الفردية الليبرالية، ومبدأ اللامساواة بين الرجل والمرأة ضد الطموح نحو المساواة”.

وأوصى المركز بضرورة الانتباه لتلك الظاهرة، ودفعها نحو التكيف والملاءمة مع السياق الثقافي الفرنسي، ودفعها نحو الاعتدال أو الاندماج في النسق الثقافي والسياسي، وذلك من خلال تفكيك الأيديولوجية، ومحاصرة مجال امتدادها، بكل الأدوات الثقافية والتربوية والإعلامية، والأمنية والاستخباراتية والقانونية والتشريعية والدبلوماسية إذا لزم ذلك.

واضح من ذلك الاستعراض، أن هناك تميزًا واضحًا من الأوروبيين بين “الإسلام السياسي” كرافد للفكر المتطرف، وبين المسلمين المتسامحين العاديين، وهو رفض تعبئة وتحريض المجتمع ضد المسلمين بشكل عام.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا