ناشونال انتريست| المنطقة الآمنة في سوريا ومصير الأكراد

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد
المصدر – ناشونال انتريست

أعلنت وزارة الخارجية، في وقت مبكر من هذا الشهر، أن وفودًا عسكرية أمريكية وتركية قد توصلت إلى اتفاق على إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا للاجئين الهاربين من القتال الذي دمر البلاد منذ 2011.

لكن واحدة من المشكلات الرئيسية لهذه الاتفاقية هي أن المنطقة المقترحة ستنفصل عن الأراضي الخاضعة الآن لسيطرة الميليشيات الكردية السورية، التي كانت تعمل تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية، فيما ترى واشنطن الميليشيات الكردية حلفاء رئيسيين ضد تنظيم داعش، لكن أنقرة تَعتبرهم عناصر تمكين للانفصاليين الأكراد الأتراك الذين يحاربون تركيا منذ الثمانينيات.

ولم يذكر الإعلان أية تفاصيل مفيدة، مثل المعالم الرئيسية للمنطقة أو من سيكون مسئولًا عن الحفاظ على الأمن داخل المنطقة، وربما لا ينبغي أن تكون هذه مفاجأة؛ ففي النهاية، المشكلة التي تسعى الاتفاقية لحلها معقدة للغاية ومستعصية على الحلول السهلة أو السريعة.

لقد تدفق ما يصل إلى أربعة ملايين لاجئ سوري إلى تركيا، وتريد الأخيرة إقامة منطقة آمنة بحيث تبدأ في ترحيل اللاجئين، لتخفيف الضغط الذي فرضه ذلك على الموارد المحلية لها، ناهيك عن المشكلات السياسية التي تفضل ألا تقع بها. لكن في حسابات أنقرة، المنطقة الآمنة تخدم أيضًا كفرصة لإبعاد الأكراد السوريين أكثر عن حدود تركيا؛ ما يُصعّب الأمر على الكيان الكردي الموحد في تأكيد مطالبه بالأراضي الشرقية لتركيا. ولذلك تمثل الاتفاقية ربحًا مزدوجًا محتملًا لتركيا، لكن على حساب الأكراد.

والآن الأكراد محاصرون من جميع الجهات، فمن ناحية يعتبرهم الأتراك إرهابيين يسعون لاجتزاء وطن، والذي سيطالب بجزء من تركيا؛ وتنظر لهم حكومة سوريا بطريقة مشابهة، فهم عقبة أمام سيطرة بشار الأسد بشكل كامل على الدولة التي تعهدت باستعادة "كل شبر" منها.
ويشمل المنافسون في المنطقة ما تبقى من تنظيم الدولة الإسلامية، وعناصر فتاكة من القاعدة، وأعداد ضخمة من مقاتلي المعارضة من جماعات متطرفة إسلاموية أخرى، ومثيري مشاكل إيرانيين، وميليشيات موالية لإيران (من ضمنها عملاء لحزب الله)، كما يتقاتل كل هؤلاء اللاعبون باستمرار من أجل السيطرة على ما تبقى من البنية التحتية العاملة، والأكراد عالقون في المنتصف.

ولهذا، تريد الولايات المتحدة تخفيف المعاناة ومنع الأكراد من التعرض للإبادة، لكن واشنطن تدرك تمامًا أيضًا أن الاكراد مقاتلون ماهرون وإنهم الوسيلة المحلية الأكثر فاعلية التي يمكن من خلالها مهاجمة الجماعات الإرهابية التي تشكّل تهديدًا على المصالح الأمريكية.

وبالنسبة إلى الأكراد السوريين، فإن نجاتهم على المحك، ويمكن تأمينهم فقط عن طريق التأكيد على مطلب فعّال بوطن، والذي يعزز بطبيعته "التهديد" الذي تتصوره جميع الجهات الفاعلة الأخرى في تلك اللعبة الدموية.

إن غياب الاتفاق حول من سيفعل ماذا لإنشاء وتأمين هذه المنطقة الآمنة يبرز أيضًا تعقيد العلاقة الأمريكية – التركية، فكلا البلدين عضو في الناتو، وتعتمد الولايات المتحدة على استخدام المنشآت العسكرية التي يستضيفها الأتراك، غير أن تركيا تابعت مسعاها في الحصول على منظومة الدفاع الجوي المتطورة إس-400 من روسيا برغم المخاوف الأمريكية من التهديد الذي تشكله على برنامج الطائرات المقاتلة الأحدث لأمريكا إف-35، فضلاً عن أن تركيا كانت جزءًا من البرنامج منذ بدايته، وكان من المقرر أن تحصل على مائة مقاتلة. لكن الآن، مُنعت أنقرة من الحصول على الطائرات المقاتلة أو المشاركة في إنتاج مكونات برنامج إف-35.

إذن ماذا ينبغي أن نفعل؟ إن حاجة اللاجئين السوريين لملاذ ما دامت الحرب الأهلية مشتعلة أمر معلوم، والأكراد شركاء ذو قيمة في جهود أمريكا لمحاربة داعش واحتواء النفوذ الإيراني، ولا ينبغي أن تسمح واشنطن لهم بالوقوع فريسة لنظام سوريا الوحشي أو مؤيديه الإيرانيين. ولا يمكن أن تغادر الولايات المتحدة المنطقة بشكل كامل بسبب المخاطر الأمنية الأكبر التي تمثلها تشكيلة من الجماعات الإرهابية، ومخططات إيران لترسيخ نفسها في سوريا، وفتح جبهة جديدة على الحدود مع إسرائيل؛ لذا ينبغي أن تسعى الولايات المتحدة للوساطة بين تركيا وأكراد سوريا، مثلما لعبت دورًا في تعزيز علاقات أفضل بين تركيا وأكراد العراق.

وبقدر ما يبدو هذا محبطًا وغير مُرضٍ، بيد أن النتيجة "الأقل سوءًا" مُفضلة على الذبح والتطهير العرقي والتحالفات المحطمة ومنطقة غارقة أكثر في الفوضى. هذه هي طبيعة المشكلات المستعصية؛ إنها طبيعة العلاقات الإقليمية، وهي تسلط الضوء على أهمية الدبلوماسية الصبورة والمركزة والمُتقنة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا