الجارديان| هل بدأ انهيار جوجل وفيسبوك في احتكار الإعلانات مؤخرًا؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

في الأسبوع الماضي، أعلن المدعون العامون في ولايتي تكساس ونيويورك، تحقيقات حول انتهاكات محتملة لمكافحة الاحتكار في شركتي جوجل وفيسبوك. إنه لأمر مهم؛ لم يقم أي مجتمع بالسيطرة المركزية على المعلومات كما قمنا نحن في التكنولوجيا الكبيرة، وهذه هي أول خطوة أمريكية حقيقية للتطرق إلى هذه المشكلة. وكما قال البروفيسور “سكوت جالواي” كثيرًا في تسجيلاته مع الصحفية التقنية “كارا سويشر”، إن تفكك التكنولوجيا الكبير قد بدأ أخيرًا.

فما الذي قامت به جوجل وفيسبوك لتستحقا هذا الاهتمام من السلطات؟

ببساطة، إنهما تستخدمان سيطرتهما على تدفق المعلومات لاحتكار عائدات الإعلانات، وقتل الصحف في جميع أنحاء البلاد وحول العالم، والقضاء على المنافسين المحتملين في عدد من المناطق. منذ عام 2007، تم إلغاء أقل من نصف الوظائف الصحفية في الولايات المتحدة.
ومن بين ثلاثة آلاف مقاطعة أمريكية، أصبح لا يوجد في ثلثَيها صحف يومية الآن، فيما تشهد جميع قطاعات الأخبار تراجعًا كبيرًا، ولا يعود هذا لتراجع شهية الجمهور للأخبار؛ فالناس يرغبون في معرفة الأخبار، لكن لأن الاقبال وإيرادات الإعلانات التي كانت تتدفق من الأخبار باتت تتدفق الآن إلى الثنائي الرقمي.

وتمثّل عيوب هيكل السوق في أسواق الإعلانات مشكلة غريبة، لأنه لا يوجد أحد بالفعل يريد الإعلان؛ غير أن الإعلان أمر بالغ الأهمية لإعطاء الصحافة شريان حياة مالي حيوي، شريانًا محميًا من الدولة. لقد مولت الإعلانات صحفنا منذ أوائل القرن التاسع عشر، ومن غير المحتمل أن يكون لدينا ديمقراطية دون تمكين إعلانات الصحافة. وستصل إيرادات فيسبوك العالمية إلى أكثر من 60 مليار دولار هذا العام، فيما ستزيد عائدات جوجل لأكثر من 110 مليارات دولار، ومعظم هذه الأموال كانت موجهة إلى الناشرين. فكيف تتحكم جوجل وفيسبوك في عائدات الإعلانات؟

إن كلًا من جوجل وفيسبوك هما خلفيات إعلانية مرتبطة بالمنتجات الكبيرة الموجهة للمستهلكين. فلدى جوجل ثمانية منتجات بها أكثر من مليار مستخدم، وفيسبوك لديها أربعة منتجات بها أكثر من مليار مستخدم. ومع أن نماذج أعمالهما معقدة للغاية، غير أن الأمر الأساسي هو أنهما تسعيان إلى وضع الإعلانات أمامك أثناء محاولة التواصل أو عندما تبحث عمَّا تريده. وحتى الآن، لا يبدو ذلك سيئًا للغاية. لكن جوجل وفيسبوك لا يحصلان على الكثير من نمو إيرادات الإعلانات على الإنترنت فقط، بل إنهما يستحوذان على كل ذلك تقريبًا؛ ومن هنا تأتي دور البيانات.

فأهم المدخلات للمعلن هو معرفة من الذي يشاهد الإعلان، وإذا كنت تعرف من يشاهد شريحة إعلانية معينة، فيمكنك تحصيل الكثير من الأموال لتخصيصها لمصلحة هذا الشخص المحدد؛ أما إذا كنت لا تعرف، فلا يمكنك تحصيل رسوم كبيرة على الإطلاق. إلا أن كلًا من جوجل وفيسبوك يعرفان من يشاهد الشرائح الإعلانية في كل مكان وما الذي يهتم به، حتى يتمكنا من بيع أي شيء يحتاجه أي مسوق.

وتعزز هذه الشركات قدرتها من خلال الحصول على بيانات من كل ناشر موجود تقريبًا، لذا يحتاج كل من جوجل وفيسبوك إلى الناشرين لخدمة جماهيرهم الكبيرة، ويحتاج الناشرون إلى جوجل وفيسبوك كموزعين. لكن الخلل في القوة صارخ، ويحتاج الموقعان إلى ناشرين، لكنهم لا يحتاجون إلى أي ناشر محدد. على النقيض من ذلك، يحتاج كل ناشر بشدة إلى كل من جوجل وفيسبوك لعرض محتواه أمام القراء. فعلى سبيل المثال، قبل بضع سنوات، قررت جوجل معاقبة صحيفة “وول ستريت جورنال” لفرضها نوعًا معينًا من الأجور عن طريق خفض تصنيف البحث في الصحيفة، وخفض محرك البحث الشهير (جوجل) حركة المرور على موقع وول ستريت جورنال بنسبة 44٪، فيما لم تتأثر أعماله.

وعبر هذا الخلل، يمكن لكل من جوجل وفيسبوك إغراء أو إرغام ملايين الناشرين لتسليم بيانات حول جماهيرهم وإخضاع أنفسهم لخيارات تنسيق محددة من خلال مجموعة من الترتيبات. وبمعنى آخر، يتنافس كل من جوجل وفيسبوك مع الناشرين على إيرادات الإعلانات ويجبرونهم على تسليم بيانات حول قرائهم ومشتركيهم، وهي البيانات التي تعد المدخلات الأساسية التي يريدها المعلنون.

إن التأثير الصافي لهذا الهيكل السوقي هو أن جامعي الأخبار يمكنهم إنتاجها، ولكن معظم إيرادات الإعلانات المكتسبة من الأشخاص الذين يستهلكون تلك الأخبار تذهب إلى جوجل وفيسبوك، ويكسب الموقعان السابقان أموالًا من عمل الآخرين، وهو أمر غير عادل وغير تنافسي؛ ولهذا السبب تموت الصحف.

ويمكن لمجموعة قوية من دعاوى مكافحة الاحتكار والخيارات التنظيمية والتشريعات التي تحجِّم هذه الشركات وتنظم البيانات المستخدمة في أسواق الإعلانات، أو أحد هذه الإجراءات، أن تعيد تدفق الإعلانات إلى الأشخاص الذين يقومون بالعمل لكسبها، وستعيد هذه الإجراءات قوة مؤسساتنا الديمقراطية.

وعادة، سيأتي تطبيق مكافحة الاحتكار من الحكومة الفيدرالية، ولكن ثبت أن منفذي القانون لدى الرئيس دونالد ترامب لا علاقة لهم بالموضوع في أحسن الأحوال. وبدلاً من ذلك، تقود الولايات هذه التحقيقات؛ فالمدعي العام الجمهوري لتكساس والنائب العام الديمقراطي في نيويورك قادة غير رسميين، وهذا يعني أن التحقيقات تأتي من الحزبين، فيما يستكمل المدعون العامون في الولاية تحقيقًا مهمًا أجرته لجنة الكونجرس الفرعية لمكافحة الاحتكار برئاسة “ديفيد سيسيلين”. وتشير مثل هذه القيادة إلى أن حكم القانون، الغائب عن الأعمال الأمريكية لعدة عقود، قد يكون على طريق العودة. وهناك أيضًا تحقيقات أو جلسات استماع أو قضايا مهمة في ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل والهند وسنغافورة وروسيا والمكسيك وأستراليا وغيرها.

وقد باتت هذه الشركات قوية للغاية بحيث لا يمكن احتواؤها في المجتمعات الديمقراطية، لذا يجب أن نعمل من خلال حكومتنا لتحجيمهم وتنظيم قوانين المعلومات لدينا أو سينتهي بهم الأمر لأن يصبحوا هم من يحكومننا ويختارون ما نراه ونعرفه حول العالم من حولنا، ومن السهل أن تشعر باليأس حيال وضع العالم، ولكن على الأقل في هذه الحالة، هناك موظفون حكوميون يقاتلون من أجل الشعب.
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا