ذا ويك| أسطورة استقلال الطاقة

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

يبدو أن سوق النفط العالمي قد تجنّب سيناريو أسوأ الحالات خلال عطلة نهاية الأسبوع. وربما تكون الضربات التي نفّذتها الطائرات من دون طيار يوم السبت الماضي واستهدفت البنية التحتية للنفط في المملكة العربية السعودية قد تسببت مؤقتًا في تعطيل جزء كبير من الطاقة الإنتاجية للبلاد، ولكن بكل المعايير، ينبغي استعادة الإنتاج الكامل في أسرع وقت.

ومع ذلك، قفزت أسعار النفط بنحو 20% بعد الهجمات، وظلت مرتفعة بنسبة 10% اعتبارًا من يوم الاثنين، وذلك رغم الطفرة الهائلة الأخيرة في إنتاج النفط الأمريكي والتزام الرئيس ترامب بسياسة "هيمنة الطاقة الأمريكية".

لقد كانت تذكيرًا صارخًا أنه عندما يتعلق الأمر بمصادر الطاقة مثل النفط والفحم والغاز الطبيعي، لا يوجد هناك أي اختباء من تقلبات السوق العالمية. وإذا ما حل السيناريو الأسوأ، فإن إنتاجنا المحلي، مهما كان حجمه، لن يحمينا. والطريقة الوحيدة للاستقلال الحقيقي عن هذه المخاطر هي عدم استخدام مصادر الطاقة هذه على الإطلاق.

ولكن المشكلة الأساسية هنا هي مدى قابلية الاستبدال، وذلك في إطار حقيقة أن جالونًا من النفط الذي يتم حفره وإنتاجه في روسيا هو بنفس جودة الجالون الذي يجري حفره وإنتاجه في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر. والشيء نفسه ينطبق عادةً على رطل الفحم أو القدم المكعب من الغاز الطبيعي. 

وعلى الرغم من وجود الكثير من العوائق أمام التجارة الحرة في جميع أنحاء العالم – من العقوبات القانونية والتعريفات الجمركية إلى المشكلات العملية المتمثلة بالأسعار والبنية التحتية – فإن مستهلكي جميع مصادر الطاقة هذه في جميع أنحاء العالم يمكنهم عمومًا الشراء من المنتجين في جميع أنحاء العالم.

وهذا يعني أن أي صدمة تؤثر في الإنتاج في أي مكان في العالم ستؤثر بالتبعية على الأسعار في جميع الأماكن الأخرى. وحتى لو كانت أمريكا تنتج حاليًا 18% من النفط العالمي، فإن التغييرات التي تطرأ على الـ 82% الأخرى ستظل تحرك الأسعار التي يدفعها الأمريكيون في محطة الوقود.

ولذا فإن الطائرات من دون طيار التي استطاعت شل إنتاج السعودية مؤقتًا – والذي يمثل حاليًا 12% من الإجمالي العالمي – لا تزال مؤثرة للغاية.

قد يكون الأمر أسوأ بكثير

لقد أوقفت الهجمات عملية إنتاج النفط عند 5.7 مليون برميل يوميًّا، وهو جزء كبير جدًّا من 8.45 مليون برميل من النفط الخام الذي يعالجه المرفقان يوميًّا، ومن صادرات السعودية البالغة 7.4 مليون برميل يوميًا. لكن مسؤولين سعوديين قالوا إن البلاد تتوقع استعادة ثُلث الإنتاج المفقود بحلول نهاية يوم الاثنين، فيما يؤكد الخبراء أن لدى السعودية وباقي دول العالم احتياطيات كافية لتغطية الخسارة لعدة أسابيع؛ ما يتيح للسعوديين الوقت الكافي لإعادة تشغيل المرفقين بكامل قوتهما.

ومع ذلك، ليس من الواضح بعد مدى الضرر، كما أن وقت إجراء الإصلاحات هو الذي سيحدّد ما إذا كانت أسعار النفط العالمية ستعود في النهاية إلى مستوياتها قبل الهجوم أم ستظل مرتفعة. وطالما أن أمريكا ودول العالم تعتمد على إمدادات النفط المخزنة مسبقًا لتغطية الفجوة، فإنها تبدو أكثر عرضة للتضرر من أي أزمة عشوائية قد تحدث. وأكثر من أي شيء آخر، كان الهجوم بمثابة تذكير دراماتيكي بأن الاستقرار في إنتاج النفط ليس ضمانًا: "إنه يدل على أن إحدى أفضل شركات النفط الإقليمية تواجه صعوبات في الدفاع عن نفسها من هذا النمط الجديد من التهديد"، على حد تعبير أحد الباحثين في السوق لصحيفة "نيويورك تايمز"، والذي أكد أن "هذا الموضوع سيستمر".

وكما علقت التايمز، لا يوجد شيء ثابت في هذا العالم، لو كان هذا الهجوم قد حدث قبل عشر سنوات فقط، لكانت أسعار النفط قد ارتفعت أكثر من ذلك بكثير. ولكن الأمور يمكن أن تزداد سوءًا مرة أخرى. وفي الواقع، فإن الاحتباس الحراري بحد ذاته – الذي يزداد جراء الاستهلاك البشري للوقود الأحفوري- سيزيد من عدم الاستقرار في جميع أنحاء العالم بشكل تدريجي، حيث تصبح المناخات الإقليمية أكثر قسوة، وتصير الموارد الأساسية مثل الغذاء والماء شحيحة، وكل ذلك يؤدي إلى مزيد من الصراعات.

وإذا افترضنا أن ما يعنيه الرئيس ترامب بـ "هيمنة الطاقة" هو الحماية الحقيقية من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في بقية العالم، فإن إنتاج 18% من نفط العالم لا يكاد يكفي، وستحتاج أمريكا إلى إنتاج الغالبية العظمى من إمدادات النفط العالمية، وهو عملية مستحيلة. أو ستحتاج إلى حظر جميع واردات وصادرات النفط (وكذلك الفحم والغاز الطبيعي) بشكل كامل؛ الأمر الذي يبدو غبيًّا بنفس القدر.

وحتى مع ذلك، ستظل الولايات المتحدة عرضة للمخاطر المحلية لمصادر الطاقة هذه، الاستدامة الجيولوجية والاقتصادية المشكوك فيها لطفرة النفط الصخري الأمريكي، والاستهلاك الهائل للمياه الذي يتطلبه إنتاج الكهرباء من الوقود الأحفوري، والضغوط المستمرة لتغير المناخ، وبالطبع حقيقة أن مصادر الطاقة هذه سوف تنفد في النهاية.

إن الطريقة الحقيقية الوحيدة لتقليل كل تلك المخاطر التي تهدد الاقتصاد والأمن في أمريكا هي التوقف عن استخدام مصادر الطاقة على الإطلاق. قم بتزويد كل شيء بالكهرباء – ليس فقط النقل، ولكن تدفئة المنازل والمباني، وعمليات الصناعة الثقيلة، وبقية القطاعات الأخرى– ثم قم بتحويل كل توليد الكهرباء إلى طاقة شمسية وطاقة رياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.

وبالطبع، في النهاية، لا يوجد شيء اسمه الاستقلال الحقيقي للطاقة. لا يمكن لشيء أن يفصلنا تمامًا عن بقية دول العالم. فحتى الكهرباء يتم تداولها بين الدول رغم ذلك، ففي عام 2014، تم تصدير 3% فقط من الإنتاج العالمي للكهرباء مقابل 64% من الإنتاج العالمي للنفط.

وتتطلب التقنيات الخضراء أيضًا معادن خاصة وعناصر أخرى، فهناك الليثيوم للبطاريات، والجاليوم والإنديوم والتيلوريوم للألواح الشمسية؛ والإيتريوم والنيوديميوم واليوروبيوم والتيربيوم والديسبروسيوم للمغناطيس، والمصابيح الموفرة للطاقة، وغيرها. وتلك العناصر إما أن تكون مستوردة أو مستخرجة محليًّا بتكلفة بيئية كبيرة محتملة. والخبر السار هو أنه نظرًا لأن هذه العناصر ليست مصدر الطاقة بحد ذاتها، ولكنها جزء من تقنية استخدام الطاقة، فمن الممكن استبدالها عن طريق الابتكار والاختراع.

والآن لا توجد ضمانات، ونقل الاقتصاد الأمريكي (أو العالمي) إلى قاعدة خضراء بنسبة 100% هو مجهود هائل، ولابد من إصلاح كامل من الأعلى إلى الأسفل لنتمكن من إنتاج الطاقة، وتجهيز البنية التحتية والنقل والشبكات، ناهيك عن إنشاء تقنيات وابتكارات جديدة في مجالات مثل البطاريات والتخزين.

وفي النهاية؛ إذا كان كل هذا الحديث عن "استقلال" الطاقة و "الهيمنة" عليها يدور حول أن نكون نحن من نتحكم في مصيرنا، عندها سيكون تحويل الاقتصاد الأمريكي بالكامل إلى الأخضر هو أقرب ما سنحصل عليه.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا