فورين بوليسي| المواجهة الأمريكية الإيرانية وعسكرة الفضاء السيبراني

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في ظل تفكير الرئيس دونالد ترامب في طرق للرد على إيران، على خلفية الهجوم على البنية التحتية النفطية السعودية ورغبته في تجنب الاشتباك في حرب طاحنة، ظهرت الهجمات السيبرانية ضد الأهداف الإيرانية كطريقة غير دموية لإظهار القوة الأمريكية. هذا في الوقت الذي أبدى خبراء الحرب السيبرانية قلقهم من أن يحمل حماس الإدارة الأمريكية والاعتماد على الأسلحة الرقمية في الرد على طهران خطرًا كبيرًا هو: تطبيع عسكرة الفضاء السيبراني.

وذلك الخطر له شقان: الولايات المتحدة واقتصادها الرقمي الضخم سيتعرضان للهجوم، مع وجود ثغرات أكثر من معظم الدول الأخرى، وتخفيض واشنطن معايير الاشتباك في مجال جديد من الحرب؛ ما يُعرِّض الاقتصاد الرقمي الأوسع لأنواع جديدة من التهديدات.

وحيث إن الولايات المتحدة تجعل الأسلحة السيبرانية جزءًا أكبر من ترسانتها العسكرية، تصبح هذه الهجمات سمة روتينية للطرق التي تتفاعل بها الدول سويًّا في الفضاء السيبراني، وقد جعل هذا المخضرمين في وحدات الاختراق الأمريكية قلقين للغاية.

وفي هذا الإطار قال جيك ويليامز، مؤسس شركة Rendition Infosec للأمن السيبراني والجندي السابق في وحدة الاختراق بوكالة الأمن القومي الأمريكية: "إن تطبيع الهجمات المدمرة هو ما يقلقني".

إن إيران ليست الجبهة الوحيدة لأمريكا في الفضاء السيبراني؛ فروسيا والصين وكوريا الشمالية قاموا باستثمارات كبرى في قدراتهم على الاختراق. لقد تدخّلت روسيا في الانتخابات الأمريكية وعبثت بشبكة الكهرباء الأمريكية وقطعت الكهرباء عن أوكرانيا ودول أخرى في أوروبا الشرقية، فيما واجه المخترقون الصينيون اتهامات بسرقة الملكية الفكرية على نطاق واسع، لا سيما من شركات التكنولوجيا الأمريكية، ووثّق الباحثون كيف استخدمت بكين جيشها الرقمي المتطور لمراقبة الأقليات والمعارضين. وفي الوقت نفسه، نفّذت كوريا الشمالية سلسلة من عمليات السطو الرقمية الجريئة لإدرار الأموال على النظام الذي يفتقر للمال.

لقد بات النشاط العسكري والمخابراتي على الإنترنت حقيقة من حقائق الحياة المعاصرة، لكن الولايات المتحدة، بعد سنوات من الحذر النسبي في استخدامها للأسلحة الرقمية وفي الوقت الذي تحث بقية العالم على ممارسة قدر أكبر من ضبط النفس، أصبحت عدوانية أكثر.  لقد فوّضت إدارة ترامب لوكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية الأمريكية، وهي الوحدة العسكرية المكلفة بتنفيذ العمليات الهجومية على الإنترنت، سلطة أكبر لضرب الأهداف وتنفيذ المهام الاستطلاعية.

وقبيل الانتخابات النصفية لعام 2018، أوقفت القيادة السيبرانية عمل اللجان الإلكترونية الروسية الرئيسية، كما تواصل فرقة عمل مشتركة شُكلت لاستهدف تنظيم الدولة الإسلامية ملاحقة الجماعة على الإنترنت بعد أن هُزمت عسكريًّا إلى حد كبير في العراق وسوريا. وفي وقت مبكر من هذا الصيف، بعد أن أحبط ترامب خطط توجيه ضربة عسكرية، ضرب مخترقون أمريكيون أنظمة الكمبيوتر الإيرانية.  

ومِثْل ضربات الطائرات المسيرة، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الترسانة الأمريكية منذ عقد مضى، تُقدم الأسلحة السيبرانية على ما يبدو طريقة متحفظة وغير دموية لاستهداف الأعداء، مع خطر أن تصبح خطة بديلة أتوماتيكيًّا، ليس فقط للولايات المتحدة؛ بل للجميع أيضًا.

وقال سيرجيو كلتاجيرون، نائب رئيس قسم المعلومات الاستخباراتية عن تهديدات شركة Dragos للأمن السيبراني الصناعي: "لقد باتت جزءًا من الترسانة التي تستخدمها الدول ضد بعضها البعض. وسوف تصبح القضية على المدى البعيد هي أن استخدام الولايات المتحدة للفضاء السيبراني باستمرار سيؤدي إلى فكرة أنه يمكن استخدامه في أي وقت".

إن الاستخدام المتزايد للأسلحة السيبرانية له مجموعة كبيرة من العواقب التي لا يمكن التنبؤ بها، ويشبهها" كلتاجيرون"، محلل الاستخبارات السابق في وكالة الأمن القومي، بفتح صندوق باندورا أكثر بعد كل هجوم.

ولا شك أن عواقب اختراق نظام كمبيوتر أو شن هجوم سيبراني يمكن أن تكون غير قابلة للتنبؤ بدرجة كبيرة، فعلى سبيل المثال، عندما أطلقت المخابرات الروسية فيروس الفدية "نوت بيتيا" في أوكرانيا عام 2017، لم تتوقع على الأرجح أنها ستُغلق في نهاية الأمر عملاق النقل البحري الدنماركي ميرسك، وحتى المستشفيات البريطانية.

الولايات المتحدة أيضًا ليست ببعيدة عن العواقب غير المتوقعة للأسلحة الرقمية، حيث جرى اكتشاف هجومها السيبراني التاريخي على البنية التحتية النووية الإيرانية فقط في 2010 بعد أن انتشر برنامج "ستوكسنت" الخبيث إلى أنظمة كمبيوتر أخرى لم تكن تنوي استهدافها مطلقًا. وفي الحقيقة، كان "ستوكسنت" سلاحًا رائدًا في تاريخ الحرب السيبرانية، حيث أوضح إمكانيات مهاجمة الأهداف المهمة سرًا بالأسلحة الرقمية، واستخدام الأسلحة السيبرانية لإحداث دمار مادي في العالم الحقيقي.

غير أن استخدام الولايات المتحدة للأسلحة السيبرانية كان أكثر انضباطًا بشكل عام من خصومها، وعلى عكس روسيا مثلًا، أحجمت الولايات المتحدة عن استخدام الأسلحة السيبرانية لاستهداف البنية التحتية المدنية، على الأقل بقدر ما هو مُعلن.

وقد أفصح مدير وكالة الأمن القومي بول ناكاسوني، الذي يرأس أيضًا القيادة السيبرانية، عن فلسفة جديدة يدعوها "الاشتباك المتواصل" التي تشمل "صد" أعداء أمريكا على الإنترنت. وفي حين أن تفاصيل تلك العمليات تبقى مُحاطة بالسرية، يُفهم أنها تنطوي على غزوات إضافية على شبكات العدو.

في حين يلاحظ خصوم الولايات المتحدة عواقب ذلك التحول، فأثناء تحدثه للصحفيين في الأمم المتحدة هذا الأسبوع، بدا وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وأنه يقر بأن بلاده تلاحظ بشكل متزايد الهجمات السيبرانية ضدها. وقال ظريف: "هناك هجمات سيبرانية بصورة يومية على منشأة إيرانية أو أخرى. الفضاء السيبراني واحد من أخطر مجالات الحرب، مع الأسف".

إن استخدام الأسلحة الرقمية في الصراع الدائر بين إيران والولايات المتحدة له منافع واضحة، كما أن اختراق أنظمة الكمبيوتر يحمل احتمالية لإراقة الدماء أقل بكثير من العمل العسكري. وهنا قال ويليامز، المخترق السابق في وكالة الأمن القومي: "المحارب القديم بداخلي يحب عدم وضع الناس في طريق الأذى".

تلك الحقيقة رفعت من استحسان ترامب للأسلحة السيبرانية لكونه عازفًا عن إلحاق الخسائر البشرية، وقد ألغى في آخر لحظة الضربة العسكرية الانتقامية ضد إيران بعد إسقاطها لطائرة مسيرة أمريكية في شهر يونيو الماضي. وبدلًا من هذا، شن ترامب هجمات سيبرانية على أنظمة الكمبيوتر الإيرانية التي كانت تُستخدم في تنظيم عمليات مصادرة الناقلات. ومرة أخرى، ردًا على هجوم على منشآت نفط سعودية في وقت سابق من هذا الشهر، يُقال إن ترامب يدرس استخدام الأسلحة السيبرانية.

لكن لكل هجمة سيبرانية تشنها الولايات المتحدة، يجب أن تقوم أيضًا بخيارات صعبة حول القيمة الاستخباراتية لتلك الخطوة. إن مهاجمة الأنظمة الرقمية تتطلب اختراقها قبل الوقت المحدد، ما يمكنه أن يوفر معلومات استخباراتية مهمة، وعندما ينتقل الشخص من مراقبة نظام إلى تدميره، يفقد تلك الإمكانية.

وقال ويليامز: "لا يمكنك مهاجمة شيء والبقاء في تلك الشبكة". هذا بالإضافة إلى أن لكل هجوم سيبراني تشنه الولايات المتحدة، سيكون لديها إمكانية وصول أقل للشبكات وأهداف أقل لضربها في الفضاء السيبراني. 

وعلى عكس العمل العسكري التقليدي، يمكن أن تُسبب الهجمات السيبرانية أضرارًا جانبية بعيدًا عن أرض المعركة، فقد أبدى خبراء أمن الحاسبات الأمريكيون قلقهم من احتمالية أن يكون عملاؤهم هدفًا للرد الإيراني المحتمل.

وقال جون هولتكويست، مدير التحليل الاستخباراتي في شركة FireEye للأمن السيبراني: "حتى إذا وجهت القيادة السيبرانية الضربة الأولى، سيصبح عميلي في مرمى النيران في سيناريو مثل هذا".

وأضاف أن شركته لاحظت قيام مخترقين إيرانيين بالتجسس على أنظمة البنية التحتية الحيوية في السعودية خلال الأسابيع الأخيرة، وشمل هذا إرسال رسائل تصيد، وهي محاولات لخداع المستخدمين ليتمكنوا من الولوج إلى أجهزتهم، إلى موظفي الشركات. وربما يكون النشاط الذي لاحظته FireEye مؤشرًا على التحضير لشن هجوم.

لكن حتى في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة على نحو متزايد للأسلحة السيبرانية من أجل مواجهة الأعمال العدائية من إيران والدول الأخرى، فإنها تشجع الدول الأخرى على عدم فعل ذلك. ففي بيان صدر يوم الاثنين في الأمم المتحدة وحمل توقيع الولايات المتحدة، حث ائتلاف من 27 دولة الدول على عدم استهداف أنظمة البنية التحتية الحيوية لبعضهم البعض.

وصرحت تلك الدول قائلة: "الجهات الفاعلة من الدول وغير الدول تستخدم الفضاء السيبراني على نحو متزايد كمنصة للسلوك غير المسئول، والتي تستهدف من خلالها البنية التحتية الحيوية ومواطنينا. نحن ندعو جميع الدول لدعم إطار العمل الناشئ وللانضمام إلينا من أجل ضمان قدر أكبر من المساءلة والاستقرار في الفضاء السيبراني".

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا