ناشيونال إنترست | هل توشك إيران على الانهيار؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

تشير أحداث الأسابيع القليلة الماضية في إيران إلى أن الدولة ربما تكون في طريقها لتكرار أحداث عام 1978 التي أدت إلى الإطاحة بالشاه. لقد وصلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران إلى نقطة غليان حيث تتردد أصداء الشعارات المطالبة بإسقاط المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في شوارع عدة مدن وبلدات إيرانية. يمكن للمرء أن يسمع أصداء شعار "الموت للشاه" الذي تردد عام 1978-1979 في هذه الهتافات المحمومة. أطلقت قوات الأمن الرصاص بصورة متكررة، وقتلت عشرات الأشخاص – وربما المئات – لكي تفرّق المحتجين مثلما فعلت في خريف 1978.

يمر اقتصاد إيران بحالة انهيار حاد، وهو ما أثار الاحتجاجات. إنه في حال أسوأ بكثير مما كان عليه ليلة سقوط الشاه عندما كان هناك تراجع اقتصادي حاد بسبب سوء الإدارة الاقتصادية والتوجيه الخاطئ على الرغم من طفرة النفط في السبعينيات. كانت الضائقة الاقتصادية في أواخر السبعينيات مرتبطة برأسمالية المحاسيب لنظام الشاه والتي أضرت بطبقة التجار التقليدية، التي كانت يرمز لها بـ"البازار"، وكذلك أيضًا الطبقة المتوسطة النامية. لم تكن مصادفة أن طبقة التجار الملتزمة دينيًّا موّلت الحركة التي قادها آية الله روح الله الخميني والتي أسقطت الشاه.

إن أوجه التشابه بين الموقف اليوم والسنوات الأخيرة من حكم الشاه غريبة؛ الضائقة الاقتصادية هي جزئيًّا نتيجة للعقوبات الاقتصادية، لا سيما على بيع النفط الإيراني، التي فرضتها الولايات المتحدة منذ مايو 2018. النفط هو شريان الحياة للاقتصاد الإيراني، ويمثّل ربع الناتج المحلي الإجمالي للدولة، ويساهم بنحو ثلاثة أرباع الإيرادات العامة الإيرانية. وفي ظل انخفاض صادرات النفط من 2.45 مليون برميل في اليوم إلى 0.26 مليون برميل في اليوم خلال العام الماضي، دخل الاقتصاد الإيراني في كساد شديد.
وتشير توقعات البنك الدولي لعام 2019 إلى معدل نمو سلبي بناقص 8.7% في ناتجها المحلي الإجمالي. انخفضت العملة الإيرانية بسرعة منذ إعادة فرض العقوبات حيث هبط السعر غير الرسمي إلى 135 ألف مقابل دولار أمريكي واحد، وهو ما يضيف إلى المتاعب المالية التي يعانيها الشعب الإيراني.

ووفقًا للبنك الدولي: "من المتوقع أن تدفع أسعار الواردات المرتفعة نتيجة لخفض قيمة العملة التضخم إلى أعلى من 30% في السنوات المقبلة، حيث ترتفع توقعات التضخم وتنخفض ثقة المستهلك؛ ما يؤدي مجددًا إلى فترة من الركود التضخمي في إيران. وبالرغم من انخفاض قيمة العملة وانخفاض الواردات، من المُقدّر أن انخفاض صادرات النفط سيلغي الفائض في الحساب الجاري وهو أقل من فترة العقوبات الأولى، حيث إن أسعار النفط أقل بالنصف تقريبًا مما كانت عليه في 2012/2013 – 2013/2014. من المرجح أيضًا أن يفرض المسار الهبوطي للاقتصاد المزيد من الضغط على سوق العمل ويعكس مكاسب خلق فرص العمل الأخيرة".

إن رأسمالية المحاسيب مع المؤسسات الدينية التي يسيطر عليها النظام، ولا سيما الحرس الثوري، الذي يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد ويحتكر قطاعات حيوية معينة، أضافت إلى متاعب الشعب الاقتصادية، لا سيما وأن ميزانيات هذه المؤسسات مجتمعة تمثّل أكثر من 30% من إنفاق الحكومة المركزية الذي ينفع قطاعًا صغيرًا من النخبة. وبالإضافة لذلك، وبحسب تقديرات البنك الدولي، كانت معدلات البطالة أكثر من 12% حتى أبريل – يونيو 2018 ونسبة البطالة بين الشباب أكثر من 28% في يونيو 2018. ويمكن أن يتوقع المرء أن هذه النسبة قد ارتفعت أكثر مع إعادة فرض العقوبات الاقتصادية في مايو 2018 والتي كان لها تأثير سلبي هائل على الاقتصاد الإيراني.

كانت إحدى المنتجات الثانوية للتراجع الاقتصادي الإيراني هو القرار في شهر نوفمبر بزيادة سعر البنزين بمتوسط 50%. وكان الشعب الإيراني قد اعتاد على سعر مدعم بشدة للنفط والزيادة المفاجئة بهذا الفارق الكبير عملت كمحفز للاحتجاجات التي اندلعت على الفور عقب الإعلان عن هذا القرار. مع ذلك، تلك المتاعب الاقتصادية تضيف إلى الإحباط الناتج عن القمع السياسي.

إن الاحتجاجات الحالية، التي تختلف عن تلك في 2009 التي أعقبت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، كانت تلقائية وبلا قائد. ولم يشترك فصيل من النظام في المظاهرات الحالية وبالتالي فإنها تتجاوز الانقسام بين المتشددين والمعتدلين. إنها تتجاوز أيضًا الانقسامات الطبقية والعِرقية، حيث ينضم الناس من جميع الطبقات إلى الاحتجاجات والمجموعات العرقية المختلفة – الأغلبية الفارسية والأقلية العربية من سكان خوزستان – تشارك أيضًا. الاحتجاجات التي حفزتها في البداية عوامل اقتصادية اتخذت الآن طابعًا سياسيًّا حيث تطالب لا بعزل روحاني وحكومته فقط بل المرشد الأعلى وزمرة رجال الدين المحيطين به.

كان رد قوات الأمن التابعة للنظام مباغتًا ووحشيًّا، حيث أطلقت الرصاص على مئات المحتجين غير المسلحين بدم بارد، ما يُذكّر المراقبين بأحداث 1978 في الفترة التي سبقت سقوط الشاه. ويبدو أن هذه الوحشية كان لها تأثير حماسي على المعارضة مثلما فعلت في 1978، وهو ما يديم حلقة العنف والمقاومة التي تُذكّر بالشهور التي سبقت سقوط الشاه.   

لكن السؤال المهم الذي لا جواب له الآن هو: هل الاحتجاجات الحالية سيكون لها نفس النتيجة مثل احتجاجات 1978 أم سيستطيع النظام قمعها باستخدام القوة الغاشمة؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال بأي درجة من اليقين، لا سيما بسبب الحجب شبه الكامل للأخبار المفروض من النظام.
إن القوات الخاضعة لإمرة النظام ليست فقط مدربة جيدًا على قمع المعارضة، بل إنها أيضًا ملتزمة أيديولوجيًّا بنظام الحكم الخاضع لهيمنة رجال الدين. وعلاوة على ذلك، يدرك قادتهم أن سقوط نظام الملالي قد لا يعني فقط نهاية سلطتهم وامتيازاتهم؛ بل أيضًا نهاية وجودهم. هذا هو الدرس الذي استوعبوه من سقوط الشاه الذي أدى إلى الإبادة الممنهجة للضباط الموالين له. إنهم يعرفون أنهم يقاتلون من أجل حياتهم وليس فقط من أجل استمرار حكم رجال الدين. هذا يفسر إلى حد كبير الشراسة التي أظهرها الجهاز الأمني للنظام في قمع المظاهرات.

وذلك يعني أن النظام مرجّح للبقاء في المدى القريب، لكن في المدى القريب فقط. لقد تضررت شرعيته بشكل لا يمكن إصلاحه بسبب الاستخدام الوحشي والمفرط للقوة التي أطلقها على المحتجين غير المسلحين، ولم يعد أحد في إيران الآن يصدّق حُجة أن القوى الحاكمة – من المتشددين والمعتدلين على حدٍّ سواء – تدافع عن الإسلام أو الدولة ضد الأعداء الخارجيين. بالإضافة إلى هذا، على عكس ما حدث في الفترات الأولى من الاضطراب، لا يملك النظام فائضًا من الموارد الاقتصادية لشراء المعارضين بعروض الدعم، وهي ممارسة انخرط بها النظام بين الحين والآخر عندما ظلت أسعار النفط مرتفعة، وكان حجم صادرات النفط مرتفعًا أيضًا. لكن الانخفاض الحاد في حجم صادرات النفط أزال العازل المالي الذي اعتمدت عليه الحكومة سابقًا من أجل بقائها.

ربما يستطيع النظام النجاة من هذه الجولة من الاحتجاجات والمظاهرات لكن شرعيته وقدرته على التمسك بالسلطة تضررت بشدة، ما تسبب في تآكل قدرته على إدارة الجولات المستقبلية من الاحتجاجات بشكل لا يمكن إصلاحه. ربما لا تتكرر أحداث 1979 هذا العام، لكن الاحتجاجات بالتأكيد مهدت الطريق لتكرارها في المستقبل القريب.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا