فورين أفيرز | كيف نتجنب نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

المصدر – فورين أفيرز

ربما كان مقتل القائد الإيراني قاسم سليماني أكثر قرار تابع للسياسة الخارجية له تبعات في رئاسة دونالد ترامب. سوف تستمر انعكاساته لأيام وشهور, وربما أعوام قادمة، بيد أن ماهية هذه الانعكاسات بالضبط سوف تعتمد على ما ستفعله إدارة ترامب.

لقد فسّر مسئولون أمريكيون كبار الضربة كجهد لردع العدوان الإيراني المستقبلي وعمل دفاعي وقائي في وجه هجوم وشيك. يغرّد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو بتغريدات وطنية تُذّكر بشعارات "تمت المهمة" التي انتشرت في الأسابيع الأولى من حرب العراق. لكن ما كان صحيحًا وقتها في العراق صحيح الآن: الأزمة لن تنتهي هنا.

سوف تتكشف أعمال إيران الانتقامية مع مرور الوقت, وغالبًا بطرق لا يتوقعها أحد, ولن تكون مقصورة على العراق أو حتى الشرق الأوسط. تحتاج إدارة ترامب للاستعداد لمجموعة كاملة من الحالات الطارئة: هجمات سيبرانية, وهجمات إرهابية بالخارج وعلى الأراضي الأمريكية, ومحاولات لاغتيال مسئولين أمريكيين, والمزيد من الاعتداءات على حقول النفط السعودية. ومن المرجح أن تتخذ إيران خطوات استفزازية أكثر في برنامجها النووي: في الواقع, كان من المتوقع بالفعل أن تعلن الدولة عن آخر خطواتها للابتعاد عن الاتفاق النووي لعام 2015, خطة العمل الشاملة المشتركة.

يحتاج ترامب لاستراتيجية تُقدم أكثر من مجرد الرد على خطوات إيران التكتيكية أثناء حدوثها. يجب أن يقرر كيف يريد أن يحل هذه الأزمة ويعمل من هذا المنطلق. ينبغي أن يكون هدف الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو خفض تصعيد الموقف وتجنب حرب أوسع, وفعل هذا بطريقة تترك الأمريكيين أكثر أمنًا في المدى البعيد. ولتحقيق هذه الغاية, ستحتاج الإدارة لإرسال رسائل واضحة ومتسقة والتي لا تكون استفزازية دون داع, مع العمل في نفس الوقت لضمان سلامة المراكز الدبلوماسية الأمريكية المعرضة للهجوم. يتعين على واشنطن أن تنسق مع حلفاء أمريكا, ويجب أن تحاول فتح قناة دبلوماسية مع طهران, عبر طرف ثالث إذا لزم الأمر. أي شيء غير هذا يخاطر بإقحام الولايات المتحدة في مغامرة أخرى مكلفة في الشرق الأوسط.

لا توجد خيارات جيدة
في المدى القريب, رد إيران على اغتيال سليماني يؤدي إلى قرارات حاسمة: هل تواصل الولايات المتحدة ضربات العين بالعين؟ هل تصعّد, وهو ما سينطوي على نشر أعداد ضخمة من القوات وعمل عسكري أمريكي إضافي؟ أم تحاول خفض التصعيد, مثلًا, عن طريق فتح قناة دبلوماسية؟ سيتعين على إدارة ترامب تقرير أفضل طريقة للدفاع عن الموظفين الأمريكيين المعرّضين للهجوم في المراكز الدبلوماسية بالخارج، وهل تُجلي المواطنين الأمريكيين من مواقع معينة. إن بعض الخطوات – مثل إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط – ستباعد المسافة بين الردع والتصعيد، وأي خطوة يمكن إساءة تفسيرها.

عند كل مرحلة قرار, سيكون أمام ترامب خيارات سيئة فقط ليختار منها. لقد ترك نفسه دون قنوات دبلوماسية, ومجتمع دولي مقسم, وكونجرس متشكك. ومن شبه المستحيل الحفاظ على استراتيجية "العين بالعين" على مستوى منخفض, لأنه من المرجح ظهور المزيد من الحسابات الخاطئة في الجانبين، مثلما يشهد التاريخ الحديث للرد الانتقامي الأمريكي على الهجمات المدعومة إيرانيًّا ضد أهداف أمريكية في العراق. لكن خفض التصعيد سيكون صعبًا أيضًا؛ نظرًا للخطاب المتبجح من الجانبين وغياب القنوات الدبلوماسية العاملة تحت هذه الإدارة للحكومة الإيرانية، والتي تواجدت تحت إدارات سابقة. وفي الوقت نفسه, المزيد من التصعيد سيعني على الأرجح حربًا تقليدية أوسع نطاقًا..

 كل هذه القرارات سوف تتكشف على خلفية الاضطراب الإقليمي: يفكر البرلمان العراقي الآن في طرد القوات الأمريكية من البلاد, وهي خطوة ستعيق قتال تنظيم الدولة الإسلامية, المعروف بداعش, في المدى القريب وتفتح الطريق لنفوذ إيراني أكبر في العراق في المدى البعيد.
ومن أجل معالجة انعكاسات الضربة على سليماني, سوف تحتاج إدارة ترامب لدعم داخلي. لكن الرئيس شن الضربة دون استشارة الكونجرس أو تحضير العامة أو حلفاء أمريكا لما قد يحدث لاحقًا. على مدار الأيام القادمة, سيحتاج ترامب وفريقه لكسب ثقة الشعب الأمريكي وإقناعه بأن التقارير المخابراتية بررت هذا القرار. لن تكون هذه مهمة سهلة لأي رئيس بعد حرب العراق, لكنها ستكون صعبة على نحو خاص لترامب المثير للانقسامات، وسيكون عليه تقديم حُجته بينما يوضح خطة إدارته لتجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط لا يرغب بها الشعب الأمريكي. وسوف يحتاج لفعل هذا كله بينما يواجه إجراءات المساءلة الوشيكة التي تنبع من قراره بتقديم المصالح السياسية الشخصية على الأمن القومي الأمريكي.  

ونظرًا لغياب الترابط في السياسة الخارجية لترامب ومقاومته للتخطيط لما هو أبعد من تغريدته التالية, فإن مهمة شق طريق البلاد خارج هذه المتاهة ستقع على عاتق أفراد الخدمة والدبلوماسيين الأمريكيين. بعبارة أخرى, من أجل الخيارات والخطط السياسية القوية, سيحتاج ترامب بشدة للكثير من نفس أعضاء مجلس الأمن القومي, ووزارة الخارجية, ومجتمع المخابرات ممن هاجمهم باستمرار وقوّضهم على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.

كما سيحتاج ترامب أيضًا لدعم الكونجرس. إن فشل الإدارة في التشاور مع قيادات مجلس النواب ومجلس الشيوخ أو مجموعة الثمانية – المكونة من قيادات مجلسي الشيوخ والنواب ورؤساء اللجان المعنية – قبل الضربة الجوية لا يُغتفر. كان هناك وقت للإحاطة, ومجموعة الثمانية تمتلك سُمعة بتجنب التسريبات. سوف تحتاج الإدارة الآن لأن تُحيط الكونجرس بشكل كامل وتقنع الأعضاء بأن لديها استراتيجية رشيدة, ومبرر قانوني ملائم, وخطة سارية لإبقاء الأمريكيين سالمين في الوطن وفي الخارج.

إن أي توسيع لنطاق هذا الصراع سيتطلب من الإدارة الحصول على تفويض من الكونجرس، وفي العام الماضي, أوضح أعضاء الكونجرس من الحزبين أنهم ليسوا في حالة تسمح لهم بإجازة الحرب على إيران ومرّروا تشريع تحقيق لذلك الغرض.

ربما لا يحب ترامب العمل مع البلاد الأخرى, لكنه لا يستطيع تجنب ذلك الآن. إنه يحتاج لحلفاء أمريكا (وكذلك أيضًا الصين وروسيا) أن يشاركوا المعلومات الاستخباراتية حول الهجمات الانتقامية المحتملة والتمسك بقرارات مجلس الأمن إذا كثفت إيران تطوير أسلحتها النووية. لكن حقيقة أن فرنسا – وليس فقط روسيا والصين – أدانت اغتيال سليماني ليست إشارة جيدة. لا يوجد تحالف مستعد الآن لمعاقبة إيران أكثر, و"الضغط الأقصى" لا يحقق نتائجه المرجوة كما هو واضح، ومع الأسف, ترامب عاجز عن الاستفادة من الفائض في النوايا الحسنة حول العالم، فيما ترى معظم الحكومات الأخرى سياسة الإدارة تجاه إيران كجرح ذاتي, بداية من الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية الإيرانية، كما تمر العلاقة عبر الأطلسي – الضرورية من أجل استراتيجية فعالة تجاه إيران – بأضعف مراحلها منذ 2003. وقبل كل شيء, يبقى ترامب في حرب رسوم جمركية مع الدول الأوروبية.

حقائق جديدة
هذه الأزمة قد تستهلك رئاسة ترامب بسهولة. ربما يجد نفسه قريبًا رئيسًا مواليًا للحرب, وليس رئيسًا مناهضًا للحرب. ينبغي أن يتواصل مع الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش لكي يعرف ما يحدث لإرثه عندما يُقحم نفسه في حرب غير ضرورية، وينبغي أن يتواصل مع الرئيس السابق باراك أوباما لكي يتعلم كيف يُخرج البلاد منها.

في الوقت الحالي, الأمريكيون أقل أمنًا لأن ترامب قتل سليماني. إن التخلص من القادة لا يحل مشكلة إيران، ولا يزال الحرس الثوري الإيراني موجودًا, ومن المرجح أن تزيد هجماته على المصالح الأمريكية، ولا يزال البرنامج النووي الإيراني موجودًا, وخطة العمل الشاملة المشتركة أصبحت ميتة, وأصبحت واشنطن الآن أبعد عن الحصول على اتفاق أفضل مثلما وعد ترامب.

باختصار, أصبحت الولايات المتحدة مرة أخرى على حافة صراع عسكري في الشرق الأوسط، ولا يبدو أن ترامب وفريق أمنه القومي يفهمون تمامًا كل ما قد يحدث لاحقًا، والأمور على المحك. سيكون الشعب الأمريكي هو من يتحمل ذلك العبء لأيام وربما سنوات مقبلة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا