آسيا تايمز | الحرب السيبرانية تُحدِّد معالم الحرب الباردة الجديدة

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

تدخل السياسة العالمية حربًا باردةً جديدةً تتميز بصفاتٍ تختلف عن تلك التي تميزت بها الحرب الباردة الأصلية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. وتتميز هذه الحرب الجديدة بتوترات محتدمة، وخرق الأعراف الدولية وحروب الوكالة وسباقات التسلح بين القوى الرئيسية حول العالم.
إن غياب الثقة وتصاعد التوترات في العلاقات بات أمرًا واضحًا بين العديد من القوى الرئيسية في مناطق مختلفة، وما يترتب على هذا من تداعيات جيوسياسية تواصل تأجيج سباق التسلح بين القوى المتنافسة. وبالرغم من أن القوى الكبرى واجهت بشكل رئيسي تحديات الحرب الأهلية والصراعات بين الدول عقب انتهاء الحرب الباردة، غير أن هذا لا يمثّل تحولًا نموذجيًّا في السياسة العالمية؛ نظرًا لحقيقة أن القوى المتنافسة اختارت استراتيجية التدخل في هذه الصراعات عبر وكلائها.

إن التقدم في تكنولوجيا المعلومات جعل القوى ليس فقط أكثر قدرة على التأثير في أوضاع الحرب الأهلية داخل الدول المتنافسة، لكنه سهّل أيضًا الحرب بين الدول عبر المجال السيبراني.

الحرب الباردة الجديدة

إن الولايات المتحدة هي الآن القوة الوحيدة التي تسعى بوضوح لتحقيق مصالح وحضور عالميين. مع هذا، تواجه الطموحات العالمية لواشنطن تحديات جديّة من قوى إقليمية في أجزاء مختلفة من العالم.

ولا شك أن طموحات وأدوار القوى الإقليمية (تحديدًا روسيا والصين وإيران) ليست محصورة في مناطقها المحددة، وتبحث هذه الدول عن طرق لنشر نفوذها في مناطق مجاورة.
ونتيجة لهذا، فإن القوى الإقليمية لا تحاول فقط تقويض الحضور والمصالح الأمريكية في مناطقها، لكنها تكمّل وتتصادم مع بعضها البعض أيضًا في الوقت الذي تسعى فيه لتحقيق مصالحها في مناطق مجاورة، وهذا السيناريو العالمي المعقد مختلف تمامًا عن النظام ثنائي القطبين في عصر الحرب الباردة، عندما كان الشركاء والحلفاء محددين تحديدًا اضحًا وكانت المواقف الأيديولوجية ملحوظة بوضوح.

تسعى الصين والولايات المتحدة لإثبات موقفهما في منطقة المحيط الهندي-الهادئ والمناطق المجاورة عبر استراتيجيات مثل مبادرة الحزام والطريق والدعوة لمنطقة محيط هادئ – هندي حر ومفتوح عل التوالي. وتحشد القوتان قدراتهما العسكرية، لكنها تظلان حذرتين بما يكفي لتجنب نشوب مواجهة عسكرية شاملة بينهما؛ نظرًا للتأثير العسكري المدمر الذي قد تلحقه أي منهما بالأخرى.

وخلافًا للاتحاد السوفيتي، تفتقر الصين بوضوح لأيديولوجية شاملة مقابلة تعتمد عليها لإقامة تحالفات حول العالم بهدف دحر النفوذ الأمريكي. وقد شهدت الولايات المتحدة والصين تكاملًا اقتصاديًّا بينهما في السنوات الماضية، والمكاسب الاقتصادية المترتبة تشهد على أهمية السلام والاستقرار النسبيين.

على الجانب الآخر، لن تسمح أي دولة منهما للأخرى بأن تصبح قوة متفوقة في منطقة المحيط الهندي – الهادئ نظرًا للأهمية الجيوسياسية والجيو-اقتصادية للمنطقة، ويُنظر لتلك المنطقة باعتبارها مهمة للحفاظ على المصالح الأمريكية العالمية والرغبة الصينية لنشر النفوذ لمناطق متعددة أخرى.

إن الرغبة الروسية بعدم إرخاء قبضتها الإقليمية، كما يتضح من دورها الصارم في أوكرانيا وطموحاتها خارج منطقتها والمتمثلة في دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا، ساهمت في تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا. وأسفر ذلك عن اختبار موسكو لأول صاروح فرط صوتي لها قادر على شنّ هجمات أكثر دقة والالتفاف على أنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية.

ولا شك أن التصعيد العسكري الأخير بين الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط عقب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، نتيجة لضربة جوية أمريكية، وما تلا ذلك من هجمات إيرانية على قواعد عسكرية أمريكية في العراق، كل هذا أثار مخاوف من اندلاع حرب شاملة بين هاتين القوتين. مع ذلك، أكّد قادة البلدين أنهم لا يرغبون في حرب شاملة، بالرغم من تبادلهما اللوم على اندلاع هذا الصراع.

لقد تفاقمت الحرب الباردة الجديدة بسبب تزايد مستوى انعدام الثقة بين هذه الدول المتنافسة، ما أضرّ بالقواعد والأعراف الدولية. إن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى في العام لماضي، وعدم التزام إيران بمعاهدة الحدّ من الانتشار النووي الموقّعة عليها، والانتهاكات الصينية لقانون البحار في بحر الصين الجنوبي، كلها تشير إلى أن القوى العظمى تفتقر إلى الثقة الضرورية للحفاظ على القوانين والقواعد الدولية، وهذا خلق حالة عدم يقين متمثلة في الاستنفار العسكري لتلك القوى وسباقات التسلح بينها.

علاوة على هذا، تورّطت تلك القوى في استراتيجيات حرب الوكالة كما كان الحال أثناء الحرب الباردة، بهدف حماية طموحاتها ومصالحها. تتضمن هذه الاستراتيجيات تعزيز أنظمة حاكمة والتصدّي لأنظمة عبر تشجيع احتجاجات ديمقراطية، والسعي لإنشاء تحالفات سرية مع مجموعات مسلحة. مع هذا، وفي تناقض حاد مع زمن الحرب الباردة، فإن كثرة أعداد القوى العظمى المتنافسة، وغياب دافع أيديولوجي واضح في منافستها، يجعل الحرب الباردة الجديدة أكثر تعقيدًا.

الحرب السيبرانية

إن القوى المتنافسة في هذه الحرب الباردة الجديدة، وبالرغم من محاولاتها تقويض نفوذ منافسيها عبر وسائل عسكرية، غير أنها تتوخى الحذر حتى الآن وتتجنب الدخول في حروب مباشرة، كما أن القدرات النووية والعسكرية المدمرة التي تمتلكها كل قوة ضد منافسيها، ستمنع القوى الكبرى الحالية من الدخول في حروب شاملة، وهذا يشبه تمامًا سيناريو "التدمير المتبادل المؤكد" الذي منع القوى العظمى السابقة من دخول مواجهات مباشرة.

ومن المتوقع أن تختار القوى الكبرى المجال السيبراني كأداة رئيسية لتحقيق أهدافها الحربية، أما الوسائل الأخرى للمواجهة، مثل حروب الوكالة فستتراجع لمرتبة ثانوية، ولا ريب أن أسباب هذا التحول مفهومة:

أولًا: أن تكنولوجيا المعلومات يمكنها أن تزوّد القوى المتنافسة بقدرات لإضعاف بعضها البعض بفاعلية أكثر من حروب الوكالة، وذلك عبر استهداف بنى تحتية مهمة مثل قطاعات البنوك والطاقة والدفاع.

ثانيًا: يمكن للمجال السيبراني أن يوفّر للقوى المتنافسة سبلًا للعمل من مصادر مجهولة، بحيث يتم إلحاق ضرر بالقوة المنافسة الأخرى، وتفادي عمليات انتقام عسكري منها.
ثالثًا: القدرات التكنولوجية المتفوقة للولايات المتحدة ربما تدفعها لتحقيق طموحاتها بالهيمنة عبر المجال السيبراني بصورة رئيسية، ما سيسفر ليس فقط عن تشكيل القواعد العالمية، ولكن أيضًا عن إضعاف القوى المنافسة عسكريًّا أيضًا، وقد استخدم الجيش الأمريكي واستفاد من تطبيق تقنيات متطورة أولًا في حرب الخليج، والتي ألهمت قوى أخرى للاستفادة من قدراتها التكنولوجية.
علاوة على هذا، فإن المعلومات التي كشف عنها "إدوارد سنودين"، الموظف التقني في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي آيه"، بشأن إقدام الولايات المتحدة على اختراق شركات هاتف محمول صينية للوصول إلى ملايين الرسائل النصية الخاصة، والتقارير التي تحدثت عن أن واشنطن، بمساعدة إسرائيلية، استخدمت الهجمات السيبرانية لشلّ منشأة إيرانية لمعالجة اليورانيوم باستخدام فيروس رقمي يُطلق عليه اسم "ستكس نيت"، كل هذا يشير إلى حقيقة أن الولايات المتحدة قد تميل لاستخدام تفوقها التكنولوجي لاحتواء خصومها.
رابعًا: أن الحضور والمصالح العالمية الأمريكية، ربما تقنع روسيا والصين وإيران للجوء إلى استراتيجيات سيبرانية لتقويض طموحات أمريكا في أجزاء عديدة من العالم، عبر منع أمريكا من الهيمنة على الخطاب العالمي، وتقويض وتخريب هيمنتها. على سبيل المثال، تناصر روسيا والصين فكرة "السيادة الوطنية" لمنع الولايات المتحدة من التعدّي على معلوماتهما العسكرية الحساسة، والتأثير على سياستهما ومؤسساتهما وأفكارهما الداخلية.

لقد اتُّهمت الصين بممارسة أنشطة مراقبة، من بينها حظر مواقع بعينها، في محاولة منها لقمع أنشطة مناهضة للحكومة. مع هذا، تسعى القوى المتنافسة وراء الفرص الرقمية التي تسمح لها بتشكيل الأفكار والمصالح في الاتجاه المرغوب فيه، كما اتُّهمت الصين بسرقة الممتلكات الفكرية الأمريكية لتعزيز قوتها الاقتصادية، ووُجّهت تهم لشركة "هواوي" التكنولوجية الصينية العملاقة بسرقة أسرار تجارية.

فضلًا عن ذلك، يعد طريق الحرير الرقمي جزءًا لا يتجزأ من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث تسعى بكين من خلاله لتصدير البنية التحتية لشبكة الإنترنت وتكنولوجيا المراقبة لبلدان في آسيا ومنطقة الخليج وإفريقيا. وسعيًا منها لإضعاف الهيمنة الأمريكية، قيل إن إيران شنّت هجمات سيبرانية على سدود ومنظومات مالية وشبكات حكومية أمريكية، كما اتُّهمت روسيا باستهداف شبكة الكهرباء الأوكرانية والتلاعب في الانتخابات الأمريكية عبر الفضاء الإلكتروني.             
   

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا