ذا ويك| ما هو مستقبل بريطانيا بعد البريكست؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

مع حلول منتصف الليل من يوم الجمعة (31/1/2020)، بتوقيت بروكسل– أو الساعة 11 مساءً في لندن– سيتم الاحتفال في ميدان البرلمان في وسط لندن بمناسبة اللحظة التي تغادر فيها المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي. سيتم التلويح بالأعلام وتبادل التهاني. لقد مرت أكثر من ثلاث سنوات مضطربة منذ أن صوتت البلاد لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وأخيرًا، خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. بريطانيا "تستعيد السيطرة".

في البداية، لن يتغير شيء عملي حتى نهاية عام 2020، وسيتم الدخول فورًا في "فترة انتقالية"؛ ما يعني أن المملكة المتحدة تظل جزءًا من الاتحاد الموحد للسوق والجمارك. تظل التجارة والسفر أمرًا سهلاً ومجانيًا، يا لها من رفاهية!

ولكن بعد 31 ديسمبر 2020، يلوح في الأفق مستقبل غامص. لا أحد يعرف بالضبط ما ستكون عليه علاقة المملكة المتحدة بالقوة الاقتصادية العظمى المجاورة عندما يحين هذا الوقت، لكن تصويتا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي– أولاً الاستفتاء، ثم الانتخابات العامة التي جرت في أواخر العام الماضي– تُقدّم لمحة عن شكل بريطانيا الجديد بعد خروجها من الحدود الآمنة للسوق الموحدة، ورغم أن البلاد لا تزال منقسمة بحدة، إلا أن هناك سببًا للأمل.

تبدأ المفاوضات التجارية الآن بين حكومة المملكة المتحدة – مستندة إلى تفويضها الانتخابي الجديد والمدوي – وبروكسل. يرغب كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في الحفاظ على وصول غير مقيد إلى سوق الآخر، لكن يجب عليهما أولًا الاتفاق على مدى مشاركة صناعاتهما في اللوائح. تريد حكومة المملكة المتحدة تغييرًا كاملًا في اللوائح؛ لتكريم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي و"استعادة السيطرة" – ويريد الاتحاد الأوروبي التوافق التام؛ لحماية صناعاته من الشركات البريطانية التي قد تستفيد، دون تنظيم مشترك، من ضرائب أقل أو مزايا أخرى مثل التساهل في المعايير البيئية. ويقول كلا الجانبين إنهما سيرفضان التزحزح عن موقفهما، لكنهما مدفوعان بمصالح مشتركة للتوصل إلى تسوية للإعفاء الجمركي في النهاية.

عبقرية عبارة "استعادة السيطرة"- التي كانت فلسفة القيادة لحركة المغادرة في الفترة التي سبقت استفتاء البريكسيت عام 2016– يمكن أن تعني أي شيء تريده. استعادة السيطرة لفعل ماذا بالضبط؟

بالنسبة لليبراليين، كان هذا يعني أنهم يمكن أن يحولوا بريطانيا إلى "سنغافورة على نهر التايمز"، حرة في خفض الضرائب وإطلاق العنان للأعمال.

أما بالنسبة للحنين إلى الماضي، فإن هذا يعني العودة إلى ما كانت عليه الأمور، مهما كانت بالنسبة لك. فعلى سبيل المثال، أرادت بعض الجماعات اليمينية المتطرفة جعل البلاد أكثر نقاءً من الناحية العرقية.

لكن بالنسبة للعديد من الناخبين العماليين، كان هذا يعني إخراج البلاد من السوق الحرة العالمية من أجل استعادة السيطرة على حياتهم ومعيشتهم.

كل هؤلاء شكّلوا "ائتلاف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" الذي جمعه المحافظون معًا لتحقيق فوز كبير في الانتخابات العامة في ديسمبر، والأكثر أهمية في المجموعة هو الفريق الأخير. فقد كان الناخبون العماليون "الجدار الأحمر" الذين حققوا للحزب أغلبية كبيرة في البرلمان.

اقتصاديًّا، أراد هؤلاء الناخبون الحماية من نظام امتص المكاسب أولًا إلى لندن ثم إلى أغنى أغنياء لندن. لقد أرادوا أن يكونوا أكثر ثراءً، وربما الأهم من ذلك، أن يشعروا بكرامة العمل الآمن، وهي كرامة كانت مفقودة منذ أن عرَّض المحافظون صناعاتهم الإقليمية عن المنطق البارد للرأسمالية العالمية في الثمانينيات.

ويعرف حزب المحافظين أنه في صراع للاحتفاظ بهؤلاء الناخبين، ومعظمهم لم يصوّتوا أبدًا للمحافظين إذا لم يكن لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والحكومة تتحرك عمدًا لمنحهم مكافآت اقتصادية لدعمهم.

أما في أنحاء الشمال، حيث مناطق "الجدار الأحمر" التي تراجعت فيها الانتخابات لصالح حزب المحافظين، يتبع الوزراء علنًا سياسة "الارتقاء" بالاستثمار الكينيزي في البنية التحتية والخدمات العامة. حتى لو تبين أن اقتصاديات هذا الجهد خاطئة، فإنها تظل حادة من الناحية السياسية.

يتم إخبار الناخبين الذين خلفتهم الرأسمالية العالمية بأنهم محترمون. ولكن في يأسهم من التمسك بالسلطة في دوامة البريكسيت، تعثر حزب المحافظين أمام نوع من الشعوبية التي تتحاشى التصنيف السهل بين اليمين واليسار، والتي تعمل بالفعل. لكنهم ربما وجدوا المركز السياسي الجديد.

ويعني تصميم حزب المحافظين على مكافأة وإعادة إدراج الناخبين الشماليين أنه من غير المرجح أن يتم التضحية بأي من الصناعات التي تدعم تلك المجتمعات في المفاوضات التجارية تحت اسم "استعادة السيطرة". وترى حكومة المملكة المتحدة بالتأكيد أن تأمين حرية وصول صناعات السيارات والصلب والمنسوجات إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي كأولوية أولى للمحادثات التجارية.

المفارقة العميقة هنا هي أن هؤلاء الأشخاص صوتوا للخروج من الاتحاد الأوروبي، والآن ربما يتم إعادتهم مرة أخرى شكرًا على تصويتهم للخروج، ولكن ربما يخطط المحافظون لشيء ما. ربما بالنسبة للناخبين في المناطق المهملة، فإن استعادة السيطرة لم تعني أبدًا أيًّا من الأشياء التي فعلها لليبراليين أو الحمائيين أو الاشتراكيين أو القوميين. كان هذا يعني تأمين الاستثمار، وليس المعونات، ولكن هيكل داعم للسماح لهم بالعمل للحصول على مكافآت الاقتصاد العالمي، فضلًا عن الاحترام. وقد فاز حزب المحافظين بالسلطة، والبريكسيت أيضًا، لأنه استمع إلى هؤلاء الناخبين.

وحتى لو كان اقتصاد المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي، كما هو مؤكد تقريبًا، أصغر وأضعف مما كان عليه الحال في الكون البديل حيث ظل في مكانه، معتبرًا أن ذلك في المستقبل سيكون معاكسًا بشكل يائس وغير بنَّاء، غير أن الأضرار الاقتصادية للبريكسيت سوف تأتي ببطء، ولن يكون هناك سيل من الأدلة لإثبات أن من أرادوا البقاء كانوا على حق.

ما يمكن أن نأمله هو أن تولد سياسة داخلية جديدة، أو على الأقل يعاد تنشيطها. وبطبيعة الحال، لن يكون الأمر مثاليًّا، لكنه قد يقدّم خريطة جديدة تترك خلفها النموذج اليميني– اليساري المنهَك، والتي ربما تبدأ في سد الانقسام بين شمال إنجلترا وجنوبها.
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا