ذا أتلانتيك| البريكست غيّر وجه بريطانيا للأبد

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح
المصدر – ذا أتلانتيك

أخبرني صديق لي منذ بضعة أيام أن بريطانيا لم يعد يوجد بها مؤيدون ومناهضون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). فأنت لا يمكنك أن تؤيد أو تعارض الخروج من شيء أنت تركته بالفعل. لقد أبحرت السفينة بالفعل. وأضاف صديقي أن الانقسام الآن سيتمحور حول ما إذا كنت مؤيدًا لعودة انضمام بريطانيا للاتحاد أو البقاء خارجه.

تتضمن هذه الملاحظة، التي قيلت على سبيل المزاح، عددًا من الحقائق: أولها أن البريكست حدث بالفعل – وهو لم يعد مقترحًا بل هو مشروع حي يتنفس. والآن بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ فإنه يتعيّن على الذين يسعون لقيادة البلاد عدم الاكتفاء بمعارضة البريكست، ولكن تقديم برنامج هدفه إنجاح البريكست. هذا يقودنا للحقيقة الثانية وهي غير مُعترف بها عمومًا ولكنها واقعية بالقدر ذاته: البريكست نجح في تحويل العديد من المؤيدين السابقين لبقاء بريطانيا في الاتحاد إلى مؤيدين لخروجها منه، كلما نجح هؤلاء زادت قدرتهم على مساعدة الاقتصاد على النمو وتحسين أوضاع الناس العاديين، وإقناع معارضيهم بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي كان يستحق العناء.


ربما يكون "توني بلير" أفضل مثال على هذا الواقع الجديد. كان بلير شخصية بارزة مؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، لكن منذ فوز "بوريس جونسون" في الانتخابات، جادل بلير بأنه وبالرغم من معارضته قرار الخروج من الاتحاد، غير أن "البريكست بات أمرًا واقعًا، وموقفنا ينبغي أن يتمحور حول السعي للاستفادة منه قدر المستطاع".

إن موقف بلير واضح للغاية: لقد حان الوقت لكي نمضي قدمًا. هذا تغيّر غير ملحوظ لكنه جذري. وفي حين لايزال من المعقول تمامًا رفض هذا النهج والسعي لإقناع الناخبين بإعادة الانضمام للاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه حجة جديدة ومن الصعب الفوز بها. إن إعادة الانضمام للاتحاد الأوروبي تعني عقد استفتاء آخر ومفاوضات أخرى، والأهم هو أن هذا يعني إعادة الانضمام لنادٍ سيكون مختلفًا عن ذلك الذي صوّتت بريطانيا للخروج منه عام 2016 (وبشروط لا يمكن للمرء أن يكون متأكدًا منها). ما كان فيما مضى حجة مؤيدة للاستقرار واليقين، بات اليوم عكس ذلك.

هذا يقودنا إلى الحقيقة الثالثة: بحكم طبيعته، سيغيّر البريكست بريطانيا، وسيخلق مجموعات جديدة لديها مصالح مكتسبة مرتبطة بالبقاء خارج الاتحاد الأوروبي. هذا ليس بسبب مؤامرة كبرى، ولكن بسبب طبيعة السياسة – هناك دومًا جماعة تفضل الإبقاء على الوضع القائم. أوضح بلير نفسه هذه الفكرة في مذكراته "A Journey"؛ حيث تطرق إلى الخدمة المدنية، أو ما أسماها ترامب الدولة العميقة، قائلا: إن "المشكلة مع هؤلاء…هي الجمود. هم يميلون للاستسلام، إما للمصالح المكتسبة أو للوضع القائم أو للطريقة الأكثر أمانًا لإدارة الأمور؛ وهو ما يعني: عدم القيام بأي شيء".

ويؤمن بلير بأنه عندما تكون عضوًا في الحكومة، فإنه يجب على القادة دومًا مكافحة الغريزة السياسة التي تدفعهم نحو التردد في اتخاذ القرارات، ويجادل بأن تفادي اتخاذ القرارات لم يقلل الخطورة السياسية على المدى الطويل، لكنه يعني ببساطة أنه لن تكون لديك فرصة اختيار المعارك التي تخوضها في حربك الأوسع نطاقًا للحصول على الأصوات. إن الحكومات التي تصلح الأشياء، تخلق حدودًا فاصلة مع معارضيها هي تريدها، وليس حدودًا تظهر في مكان آخر بسبب الفراغ الذي خلقه التردد في اتخاذ القرارات.  

ومع إنجاز البريكست، وفي حال متابعة بوريس جونسون خطته لإعادة ما أسماه "الاستقلال القانوني الكامل" لبريطانيا، فستكون لديه فجأة السلطة لخلق حدود فاصلة جديدة في مجموعة من المجالات الجديدة، بداية من الهجرة والسياسة التجارية، وصولًا إلى حقوق الصيد والدعم الزراعي، فضلًا عن المجالات الأخرى التي كانت خاضعة بالفعل لسيطرة الحكومة، مثل أحكام السجن والضرائب والإنفاق العام. وكما هو الحال مع جميع التغييرات السياسية، سيكون هناك فائزون خاسرون: من المتوقع أن يجني المنتجون المحليون، على سبيل المثال، فوائد، بينما لن يستفيد المستهلكون، وربما تزدهر مجتمعات الصيادين، لكن هذا سيكون على حساب الاقتصاد البريطاني عمومًا، والذي سيضطر لدفع أسعار أعلى عند بيع البضائع والخدمات للقارة الأوروبية. إن المستفيدين من تلك القرارات ربما يحققون مكاسب كبيرة وتكون لديهم مصلحة مكتسبة في الحفاظ على الوضع القائم الجديد، فيما ربما لن يلاحظ الخاسرون هذا الأمر في البداية، لكنهم سيدفعون الثمن بمرور الوقت. هكذا هي السياسة، إذ من الممكن الفوز بالأصوات عبر الإضرار قليلاً بعدد كبير من الناس، من أجل تحقيق المصلحة العليا لمجموعة صغيرة.
كل هذا يعني أنه لو سعت بريطانيا لإعادة الانضمام للاتحاد الأوروبي في المستقبل، فإنها لن تجد فقط اتحادًا أوروبيًّا مختلفًا تنضم إليه، لكن بريطانيا نفسها ستكون مختلفة. لقد حدث التمزق بالفعل وسيكون من الصعب للغاية إصلاحه.

 سيتعيّن على بريطانيا ليس فقط القبول بحرية حركة الناس وتقديم مساهمات لميزانية الاتحاد الأوروبي، لكن سيتعيّن عليها أيضًا التصويت لإعادة إحياء تلك الحقائق السامة سياسيًّا التي ترافق عضويتها في الاتحاد الأوروبي. وربما يتعيّن عليها أيضًا التفكير في اعتماد عملة اليورو وجوانب أخرى مرتبطة بعضوية الاتحاد الأوروبي، كانت قد رفضتها في الماضي.

إن واقع الدورة السياسية يعني أيضًا أن أي مسعى نحو إعادة الانضمام للاتحاد سيستغرق العديد من السنوات. تمتلك حكومة المحافظين غالبية كبيرة سيكون من الصعب على المعارضة تغييرها حتى عام 2024، تاريخ انعقاد الانتخابات المقبلة. هناك فرصة كبيرة أن يبقى بوريس جونسون رئيسًا للوزراء حتى عام 2030. تشير الحكمة التقليدية أنه لو كانت لحزب العمال أي فرصة للفوز، فسيتعيّن على رئيسه المقبل السعي لكسب أصوات الذين تركوا الحزب عام 2019، وصوّت العديد منهم لصالح البريكست. هل سيصوّت هؤلاء حقًّا لحزب يقترح إعادة هذه القضية؟ هل يعلّق أي رئيس لحزب العمال قيادته على تلك القضية؟

ومع هذا، هناك تنبيه مهم يجب ذكره: منذ أربعة أعوام مضت، كان المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي على وشك تحقيق فوز في استفتاء البريكست، ولم يكن دونالد ترامب بعد المرشح الجمهوري لمنصب الرئيس، وكان إيمانويل ماكرون لا يزال وزير اقتصاد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. لقد شهدت السنوات الأربع الماضية ارتفاع وهبوط حظوظ أفراد وأحزاب سياسية في العالم الغربي بسرعة رهيبة، وذلك مع تواصل تأثير الأزمة المالية. إن توقع المزاج العام بثقة في السنوات الأربع المقبلة هو أمر يتطلب شجاعة في أفضل الأحوال.

وما من أحد يستطيع معرفة ما إذا كانت بريطانيا ستعاود الانضمام للاتحاد الأوروبي أم تبقى خارجه للأبد. ما من أحد بإمكانه معرفة ما إذا كان سيظل الاتحاد الأوروبي موجودًا لكي تنضم إليه بريطانيا بعد عشر أو عشرين عامًا، أو كيف سيبدو الاتحاد في هذا الوقت. الشيء الوحيد المؤكد اليوم هو أن البريكست غيّر بريطانيا وأوروبا للأبد، وفي هذا الصدد، لن تكون هناك عودة للوراء.

إن الخطر الذي يواجه مؤيدي البريكست واضح: أن تتعرّض خطة البريكست للفشل. وفي محاولة منه لاستعادة السيطرة بشكل كامل، اختار بوريس جونسون أخطر خطة بريكست متاحة أمامه؛ ما قد يهدد الاتحاد مع سكوتلاندا وأيرلندا الشمالية المنزعجتين من نتيجة ما حدث. ويعتقد جونسون أن البريكست من دون سيطرة بريطانيا على سيادته سيكون بلا معنى، وبالرغم من أن هذا قد يجعله مسيطرًا على الوضع، غير أن هذا أيضًا قد تكون له آثار اقتصادية سلبية تقوّض المشروع ذاته الذي يسعى جونسون لإنجازه، وهناك جانب سلبي لاختيارك المعارك السياسية التي تريد خوضها، وهو أنك ستكون المسئول عن انتصاراتها وهزائمها.         

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا