مودرن بوليسي| هل تؤدي الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين إلى السيطرة على القطب الشمالي؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

بدأ التعاون التقني العسكري الروسي الصيني في التسعينيات عندما أعاد جيش التحرير الشعبي الصيني التسليح الشامل معتمدًا على التقنيات الروسية، فقد استهدفت السوق الصينية نحو 80٪ من الأسلحة الروسية.
وفي الوقت نفسه، ولإنشاء أرضية أكثر صلابة للعلاقات التقنية العسكرية الثنائية، وجدت روسيا والصين فرصًا أعمق للتكامل الصناعي، ونفذتا مشاريع طويلة المدى في التنمية العسكرية. وازدادت صادرات روسيا من الخدمات العسكرية المتعلقة بالدفاع إلى الصين بعد ذلك بأرقام قياسية أوائل الألفية، وفي عام 1996، اقترح "يفجيني بريماكوف" بالفعل فكرة التعاون بين روسيا والهند والصين – وهي الدول التي كانت ضمن مجموعة دول كانت اقتصاداتها تمر بمرحلة انتقالية، واتخذت مواقف مماثلة في الهيكل السياسي والاقتصادي الدولي، ولديها اتجاهات مماثلة لتشكيل النظام السياسي والاقتصادي بعد الحرب الباردة.

بعد عشرين عامًا من طرح بريماكوف لفكرته، وخلال زيارة الرئيس بوتين للصين في يونيو 2016، تبنى البلدان إعلانًا مشتركًا حول تعزيز الاستقرار الاستراتيجي العالمي. إن الوثيقة ليست فقط خطوة جديدة في تطوير العلاقات الروسية الصينية، ولكنها أيضًا مساهمة من روسيا والصين في تشكيل مفهوم حديث للاستقرار الاستراتيجي في العلاقات الدولية. وتعكس السيادة والأمن والتنمية المصالح الوطنية الرئيسية المشتركة بين البلدين، كما أنها تتميز في الغالب بالروابط في القطاع العسكري، بالإضافة إلى العمليات السياسية والاقتصادية. وكما يكشف البنك الآسيوي ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ ومجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، على سبيل المثال، كيف ذهبت موسكو وبكين إلى أبعد من ذلك، وأقامتا علاقات أوثق في السنوات الأخيرة، كما أن إبرام معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي، الموقعة في عام 2001، أعطى روسيا والصين المزيد من التواصل في مجال الأعمال والتعاون الإقليمي.

وتُعّد مبادرة الشراكة بين البلدين محركًا منهجيًّا مهمًا، ولم تكن فقط نافعة للتعاون المشترك بين الصين وروسيا، بما في ذلك مشروعات التكنولوجيا الفائقة والطاقة والنقل والآلات والمعدات، على المدى القريب والبعيد. كما أنه توجد بالفعل قواعد لحوارات الخبراء في العلاقات الروسية الصينية لتسهيل عملية تنفيذ المشاريع، مثل مجلس الأعمال الروسي الصيني (2019)، واللجنة الصينية الروسية للصداقة والسلام والتنمية (2006). ومع ذلك، فهناك مشكلة كبرى تهدد التعاون الروسي الصيني، وهي القومية التكنولوجية المتطرفة المستوطنة في الأوساط العسكرية والصناعية في البلدين. فكلا الطرفين – وخاصة الصين – يعتبران استيراد السلع والخدمات العسكرية بمثابة تهديد أمني ومعضلة وطنية محتملة. وعلى الرغم من هذا الحاجز، لا يزال كلا البلدين يهدفان إلى توسيع تعاونهما وإحراز تقدم نحو أشكال تعاون دبلوماسي أكثر تعقيدًا، مثل التنفيذ المكثف للمشروعات المشتركة طويلة المدى باستخدام التقنيات العسكرية الناشئة.

عانى الاقتصاد الروسي من عواقب سلبية بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، وانخفاض قيمة الروبل، وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة. ولذلك تخطّط الشركات الروسية لجذب التمويل الصيني، بما في ذلك بيع الأسهم في الصناعات ذات الصلة. وبالنظر إلى الركود في الاقتصاد المحلي والعقوبات الغربية، التي زادت الطين بلة، فإن الشركات الروسية محدودة في قدرتها على جذب رأس مال القروض في كل من روسيا والغرب، في حين أن الشركات الصينية مستعدة لتقديم شروط قابلة للتطبيق تجاريًا ومستقرة سياسيًّا للتعاون الاقتصادي.

ولذلك ينبغي على روسيا والصين السعي إلى ضمانات مؤسسية قوية لتطورهما المستمر في التعاون الاقتصادي، وإزالة الحواجز التجارية والاستثمارية التي تحد من تعاونهما. إضافة إلى التعاون المحتمل في توليد الطاقة والبنية التحتية والنقل والزراعة هائلة. وقد حصلت الصين على مركز تجاري خارجي متقدم لعملتها، اليوان، ما يسمح لها بزيادة سيولة العملة الصينية، ويمنح الاقتصاد الصيني نطاقًا كبيرًا ونفوذًا دوليًّا.

وفي عام 2016، نوقشت أيضًا اتفاقية إنشاء "اللجنة الحكومية الدولية للتعاون والتنمية في الشرق الأقصى الروسي ومنطقة بايكال وشمال شرق الصين"، حيث وافقت حكومة الاتحاد الروسي على مجموعة من التدابير لإنشاء وتحسين مرافق البنية التحتية لممرات النقل الدولي بريموري 1 و2. وهذه الممرات تربط المقاطعات في شمال شرق الصين بالموانئ في جنوب روسيا. ومن المتوقع أن تنقل 45 مليون طن من شحنات الحبوب والحاويات بحلول عام 2030.

وفي سعيها للحفاظ على سيادتها الكاملة في صنع القرار، تدعم روسيا سياسة صين واحدة، وتعترف بتايوان كجزء من البلاد، وتتخذ موقفًا مشابهًا بشأن التبت. كما تصرّ روسيا أيضًا على أن مشاركة طرف ثالث في أي نزاع على بحر الصين الجنوبي غير مقبول بالمرة. وبالمثل، تدعم الصين روسيا في الحرب ضد الشيشان، كما أدانت العقوبات المفروضة على روسيا بسبب ضمها شبه جزيرة القرم.

تحدّد روسيا، التي تقع معظم سواحلها في الدائرة القطبية الشمالية، مصالحها في الوثائق الاستراتيجية الرسمية مثل "تطوير منطقة القطب الشمالي للاتحاد الروسي والأمن القومي حتى عام 2020"، كما أن تغير المناخ وبالتالي انهيار المنطقة القطبية الشمالية يدخل في دائرة الاهتمام الصيني، حيث من المرجح أن يؤثر على الإنتاج الزراعي ومواسم الأمطار الآسيوية.

ويمكن اختصار المصالح الصينية في القطب الشمالي إلى فئتين: قصيرة المدى وطويلة المدى. ويكشف الأول أن بكين مهتمة بأنشطة مثل البحث العلمي واستكشاف الموارد والملاحة والأمن. لكنه أيضًا يتطلع إلى المستقبل، ويحلل تغير المناخ وعواقبه المحتملة على المنطقة والتي يمكن أن تؤثر بشدة على المجتمع العالمي بأسره.

كما ترى الصين في القطب الشمالي وسيلة لزيادة نفوذها في المنطقة؛ فالصين هي الدولة الآسيوية الأولى التي أبدت اهتمامًا وبذلت جهودًا واضحة لتصبح عضوًا كامل العضوية في مجلس القطب الشمالي، وهو ما حققته في عام 2010. ومنذ عام 2011، أبدت الصين، أكبر مُصدِّر في العالم، اهتمامًا بتوسيع وتطوير هذا طريق القطب الشمالي البديل على أنه أكثر ملاءمة من بعض الطرق البحرية الجنوبية التقليدية. ومع ذوبان الجليد، تظهر ثلاث طرق ملاحية جديدة في منطقة القطب الشمالي: الممر الشمالي الغربي (غرب جرينلاند وشمال كندا)، والممر الشمالي الشرقي (شمال الاتحاد الروسي)، وممر عبر القطب الشمالي.

هناك أيضًا رغبة الصين القوية في ربط القطب الشمالي بمبادرة الحزام والطريق، ما يشجّع الجهود المشتركة لبناء "طريق الحرير القطبي" الجديد أو "البوابة الاقتصادية الزرقاء" التي تربط الصين بأوروبا عبر المحيط المتجمد الشمالي. وعلى الرغم من أن بكين روجت للمشروع كمبادرة تنمية اقتصادية متبادلة، بيد أنه يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه محاولة من الصين لبناء منطقة ضخمة متعددة الجنسيات ذات تأثير اقتصادي وسياسي تضع بكين في المركز منها. وبهذه الطريقة، كما تقول الصين، يصبح القطب الشمالي قضية دولية، ولكن ينبغي أن تكون إدارتها صينية، وربما روسية.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا