معهد الشرق الأوسط| المواجهات الأمريكية الروسية في شمال شرق سوريا.. قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار!

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

مع دخول الحرب السورية عامها التاسع، يتزايد عدد المواجهات المباشرة بين الجنود الروس والأمريكيين في شمال غرب البلاد. لقد أثارت سلسلة من المواجهات بين الطرفين في الأشهر القليلة الماضية أسئلة بشأن مصير شمال سوريا في السنة المقبلة. بعد هدوء نسبي في عام 2019، برزت في أول شهرين ونصف من عام 2020 شكوك بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأكراد قادرين على الاحتفاظ سلميًّا بسيطرتهما على شمال شرق سوريا، لا سيما حقول النفط والغاز في هذه المنطقة.

في الأسابيع الستة الماضية، زادت وتيره المواجهات المشحونة بين الجنود الروس والأمريكيين في شمال سوريا. أول حادثة من هذا النوع كانت في الثامن عشر من يناير، عندما أوقف جنود أمريكيون قافلة روسية متوجهة إلى حقل "رميلان" النفطي. ومنذ ذلك الحين، توالت المواجهات المتكررة بين الطرفين: جرى إيقاف أفراد من الشرطة العسكرية الروسية في الخامس والعشرين من يناير، وحلقت طائرات هليكوبتر روسية فوق نقطة تفتيش أمريكية في الثامن والعشرين من يناير، كما وقع حادث آخر عند نقطة تفتيش في الرابع من فبراير، بعد أن التفت قوات روسية على حاجز طريق للأمريكيين، ما دفع القوات الأمريكية مجددًا لمنع مرور القوات الروسية على طريق الـ M4 السريع بالقرب من مدينة "عامودا" في الثاني والعشرين من فبراير. ووقع الحادث الأخطر في الثالث عشر من فبراير عندما اندلع اشتباك بين ميليشيات مسلحة تابعين للنظام السوري وقوات أمريكية في المنطقة، ما أسفر عن مقتل أحد أفراد المليشيات.

إن هذا الحادث الأخير هو سابقة لا تبشر بالخير فيما يتعلق بكيفية تطوّر الأمور في المستقبل. تقع المنطقة المشار إليها على مسافة أقل من 200 كيلومتر من حقل "خشام" النفطي، موقع الهجوم الشهير الذي شنه مرتزقة "فاغنر" الروس على قوات أمريكية في فبراير 2018. في ذلك الحادث، شنّ نحو 600 متعاقد عسكري خاص مدججين بأسلحة ثقيلة، مثل الدبابات والمدفعية، هجومًا على مواقع مشتركة للقوات الأمريكية والكردية في معركة دامت أربع ساعات. وبلغ حجم الإصابات التي تكبّدها المرتزقة نحو 50 بالمائة، لكن هذا تطلب استخدام قوة نارية هائلة من جميع الأسلحة الموجودة في المخزون الأمريكي، بما فيها مروحيات AC-130، لطرد المرتزقة، ولم يُسجل سقوط ضحايا أمريكيين، لكن الهجوم غير المسبوق أظهر مدى اضطراب هذه المنطقة، إذ أنه حتى الردع العسكري القوي لا يمثل ضمانة بعدم حدوث صراع.

لا تزال بعض الأسباب الكامنة التي أدّت لوقوع معركة عام 2018 باقية في مكانها. أبرز هذه الأسباب هو المزاعم المتنافسة بين الطرفين على حقول النفط والغاز في المنطقة. وقد وقّعت شركات روسية حكومية عديدة مجموعة من الاتفاقيات مع الحكومة السورية، وفي ديسمبر 2016، وأثناء زيارة إلى موسكو، وقّع وزير النفط والغاز السوري اتفاقًا يمنح شركة "إيفروبليس" الروسية حقوقًا حصرية على الحقول في شمال شرق سوريا، فضلًا عن 25 بالمائة من جميع عوائد تلك الحقول. وفي ديسمبر 2019، حصلت شركتان روسيتان أخريان، وهما "ميركوري" و"فيلادا"، على عقود لتطوير وإنتاج الغاز السوري. وترتبط هذه الشركات الثلاث بـ "يفغيني بريغوزين"، رجل الأعمال الروسي الذي يُقال أيضا إنه مالك شركة "فاغنر" للمرتزقة. في غضون هذا، تحاول الولايات المتحدة تأمين النفط لصالح وكلائها الأكراد المحليين، الذين يُعد النفط مصدرًا مهمًا للدخل لهم. ما من مؤشر على أن الطرفين مستعدان للتوصل لتفاهم بينهما.

هناك جانب آخر مهم وهو انخفاض خطر حصول صراع بين القوات الأمريكية والروسية في شمال شرق سوريا في العامين الماضيين منذ اندلاع معركة "خشام"- إذ قيّد فلاديمير بوتين والحكومة الروسية كثيرًا من استقلالية شركة "فاغنر" للمرتزقة. وهناك مؤشرات قوية تدل على أن "فاغنر" تصرفت إلى حد كبير باستقلالية عن موسكو، مُطلقة هجومها بمبادرة منها هي: عقد رئيس شركة فاغنر "بريغوزين" صفقاته الخاصة مع عدد من رجال الأعمال السوريين الأثرياء، يتم بمقتضاها استعادة حقول النفط في تلك المنطقة، وكشفت اتصالات مسرّبة أنه وعد بتقديم "مفاجأة سارة" للرئيس بشار الأسد. وأثارت تلك المعركة الشرسة غير المتوقعة فضيحة كبيرة، إذ قيل إن "بريغوزين" أُجبر على التذلل إلى الكرملين متذرعًا بأنه لم يقصد إثارة أي عنف. وفي أعقاب هذا، حدث انخفاض كبير في أنشطة واستقلالية "فاغنر" في العام التالي، ومن المستحيل الجزم بعدد قوات "فاغنر" الموجودين في شمال شرق سوريا اليوم، لكن أعدادهم أقل بكثير مقارنة بأعدادهم قبل عامين.   
   
ربما تكون أعداد "فاغنر" انخفضت، لكن القوات النظامية الروسية أصبحت أكثر رسوخًا من أي وقت مضى. وعقب اتفاق أكتوبر 2019 مع تركيا حول مصير شمال وشمال شرق سوريا، نشرت روسيا قوات برية في المنطقة على نطاق غير مسبوق، مُنفذة دوريات يومية في الحسكة وعين عيسى وعمودا. وتعززت هذه الوحدات العسكرية بطائرات هليكوبتر، وهو مشهد نادر للقوات الروسية في ميدان المعركة السوري منذ نهاية حملتها العسكرية الرئيسية ضد داعش في عام 2017. إن حضور موسكو على الأرض في المنطقة وقدرتها على استعراض القوة بلغا ذروتهما في الوقت الراهن.

ويبدو من المحتمل أن مسألة شمال شرق سوريا بين روسيا والولايات المتحدة تتركز على هذه المعادلة البسيطة: مَن يرغب فيها أكثر؟ في هذه المنافسة، يبدو أن إرادة موسكو السياسية قد تدوم أطول من واشنطن. وقد حققت روسيا بالفعل عددًا من الإنجازات المهمة في مجال العلاقات العامة في المنطقة. على سبيل المثال، في نوفمبر 2019، لم تستطع وسائل الإعلام الروسية إخفاء سرورها عندما سيطرت القوات الروسية وهي مزهوّة على قاعدة عسكرية هجرها الأمريكيون مؤخرًا في مدينة "كوباني". ويبدو أن وزارة الدفاع الروسية باتت تعتبر هذه المنطقة بالفعل ملكًا لها: بدأت خرائطهم للمنطقة في الأشهر القليلة الماضية تصف أجزاءً كبيرة من الأراضي في المنطقة على أنها خاضعة لسيطرة النظام السوري، بالرغم من حضور النظام المحدود أو غير الموجود في جزء كبير من الأراضي التي سيطر عليها مؤخرًا. وخلافًا لحماس بوتين، بدا التزام الرئيس دونالد ترمب ببقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا متقلبًا في أفضل الأحوال.

والآن يبقى التساؤل: ما الذي يمكن توقعه في المرحلة المقبلة؟ هناك سوابق للسلوك الروسي يمكن التفكير فيها. في جمهورية جورجيا القوقازية، حيث تسيطر كيانات انفصالية مدعومة من روسيا على 20 بالمائة من الأراضي، استخدمت القوات الروسية وحلفاؤها المحليون بانتظام أسلوبًا سُمي بـ "إقامة الحواجز الحدودية" (borderization). هذا يعني إقامة حواجز حدودية على طول الخطوط الأمامية المتنازع عليها أو غير واضحة المعالم، نتيجة لذلك يستيقظ قرويون يعيشون على الجانب الجورجي من الحدود ليجدوا أن جزءًا من أراضيهم بات يقع خلف الحاجز الذي أُنشئ أثناء الليل. إن هذا النوع من الاستفزازات والقضم التدريجي للأراضي يتكرر الآن في شمال شرق سوريا، لا سيما عبر وكلاء محليين. وقد أشارت أجهزة الاستخبارات السورية بالفعل إلى أنها تخطط لتصعيد أنشطتها التخريبية في المنطقة، كما تعرضت قوات أمريكية مؤخرًا لهجوم بالقنابل نفذته مسيّرات مجهولة المصدر. إن الأحداث المثيرة في شمال سوريا بدأت للتوّ تتكشّف فصولها.
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا