الجارديان| لماذا نجحت كوريا الجنوبية في هزيمة فيروس كورونا؟ محاسبة الشعب لحكومته كلمة السر

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

كوريا الجنوبية هي واحدة من البلدان القليلة التي نجحت في تسطيح منحنى فيروس كورونا. وقد حظيت سياستها المتمثلة في إجراء اختبارات وتتبّع المصابين بالفيروس وعلاجهم من دون إغلاق البلاد بإشادة واسعة النطاق، ويُعزي البعض هذا النجاح إلى الخبرة التي اكتسبتها كوريا الجنوبية في التعامل مع أوبئة سابقة مثل "سارس" و"ميرس".

يميل معلقون في الولايات المتحدة للتشديد على أن قيادة البلاد الفعّالة هي سبب هذا النجاح، وهو ما يتناقض مع قيادة دونالد ترمب. فيما يشير آخرون إلى عوامل ثقافية، مثل استعداد الشعب للتضحية بخصوصيته من أجل المصلحة العامة.

لكن ما يتم التغافل عنه غالبًا هو أن السبب الأساسي لنجاح كوريا الجنوبية في مواجهة "كوفيد19" هو امتلاك هذا البلد لنظام خدمات عامة فعال وممول تمويلًا جيدًا. ودون هذه البنية التحتية الأساسية وسياسة الاختبارات، لما كان بوسع كوريا الجنوبية مواصلة أو توسيع عملية تتبع وعلاج المصابين بهذا المستوى. وبالمثل، فإن القيادة الفعّالة ما كانت لتحقق الكثير في حال لم تكن تمتلك نظام خدمة عامة يعمل بسلاسة ويحقق نتائج.

لنأخذ مثلا مطار "إنتشون"، أكبر مطار دولي في كوريا الجنوبية، يخضع هذا المطار لإدارة حكومية، وهو يحتل على الدوام مرتبة متقدمة بين مطارات العالم. بالمثل، تشتهر منظومة مترو "سيول" عالميًّا بكفاءتها وأجرتها الرخيصة؛ ما يجعلها واحدة من أفضل خمسة أنظمة مترو تحت الأرض. غير أن القطاع الأكثر إثارة للإعجاب هو النظام الصحي الفريد لكوريا الجنوبية، الذي احتل المرتبة الأولى بين دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" عام 2015. وبالرغم من أن المستشفيات في كوريا الجنوبية معظمها مملوك من القطاع الخاص، بيد أن 97 بالمائة من الشعب الكوري مشمول بمنظومة التأمين الصحي الوطني الإلزامية. إن هذا التوازن بين المستشفيات الخاصة ونظام التأمين الصحي العام، ضَمَن حصول الجميع على رعاية صحية وموارد وفيرة، وهو ما أثبت فاعليته أثناء أزمة فيروس كورونا.

كيف تمكّنت كوريا الجنوبية من تحقيق ذلك؟

خلافا لأوروبا الغربية عقب الحرب العالمية الثانية، لم يكن تأسيس نظام رفاه اجتماعي أولوية للأنظمة الديكتاتورية التي حكمت البلاد. ومثل العديد من الدول النامية في آسيا، كان التركيز منصبًّا على التصنيع والنمو الاقتصادي. في الوقت ذاته، استثمر النظام الديكتاتوري في كوريا بشكل كبير في البنية التحتية، مُعتبرًا إياها جزءًا لا يتجزأ من نمو الصناعات. في عام 1977، بدأ تطبيق أول نظام تأمين صحي وطني في البلاد، لكنه لم يكن مماثلًا لنظام الرعاية الصحية الشامل اليوم.

لم تغيّر العودة للديمقراطية عام 1987هذا النموذج الاقتصادي وإدارة البنية التحتية بقيادة الدولة؛ لكن ما تغيّر هو موقف الشعب. إن الإطاحة بالديكتاتورية العسكرية عام 1987 كان نتيجة سلسلة احتجاجات عمّت البلاد. في فترة التسعينيات والألفية الجديدة، شهدت كوريا الجنوبية عددًا من الاحتجاجات المدنية الحاشدة اعتراضًا على طيف واسع من القضايا، بداية من استيراد لحوم البقر الأمريكية وصولًا لسوء إدارة الحكومة لحادثة غرق العبّارة عام 2014. وصلت هذه التعبئة الشعبية ذروتها عندما تظاهر الكوريون ضد الرئيسة السابقة "بارك جيون هاي". وتواصلت الاحتجاجات من أكتوبر 2016 حتى مارس 2017. وفي الثالث من ديسمبر 2016، خرج ما يُقدر بـ 2.3 مليون شخص للشوارع، أي نحو أربعة بالمائة من مجموع عدد السكان، وأدّت هذه الاحتجاجات لعزل الرئيسة "بارك" وسجنها.

يمكن وصف السياسة الكورية منذ التسعينيات بأنها فترة زادت فيه جرأة الشعب في علاقته مع الدولة، إذ أجبر الشعب الحكومات على أخذ رفاهيته بعين الاعتبار، وأبرز المجالات التي تجلّى فيها هذا الأمر هو النقل العام والطاقة والرعاية الصحية. وبالنسبة للشخص العادي، فإن هذه الأشياء هي خدمات يومية يحق لجميع المواطنين الحصول عليها، ويتحمل دافعو الضرائب تكلفتها المالية. لتوضيح هذا الأمر من الناحية النفعية، تُعدّ هذه الخدمات أبرز المقاييس الملموسة للحكم على التزام الحكومة تجاه مواطنيها، والفشل في تحسين جودة هذه الخدمات وإدارتها بشكل جيد، يؤدي دائمًا لخسارة الأصوات الانتخابية للحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة.

ولا شك أن هذه الحساسية فيما يتعلق بتقديم الخدمات العامة والاستعداد لمحاسبة الحكومة، كان محفزًا لتحسين خدمات كوريا الجنوبية العامة في السنوات العشرين الماضية، وبسبب هذا الوضع يرفض الكوريون تقبّل فكرة الخصخصة، وعندما يرى الناس أن الخدمات تحسنت تحت إدارة الحكومة، فإنهم يشكون في مناطق بيع هذه الخدمات لشركات خاصة.

وتبقى المفارقة أن الكوريين كانوا يعتقدون لسنوات طويلة أن الحصول على خدمات عامة ذات مستوى عالمي كان يعني أنهم أصبحوا أكثر ديمقراطية وبالتالي أكثر غربيةً، ولم يكن الكثير منهم على علم بالخصخصة واسعة النطاق للخدمات العامة والاستعانة بمصادر خارجية لإدارتها في العالم الغربي في ذلك الوقت.

لقد أغرقت أزمة فيروس كورونا الغرب في فوضى وحطمت هذه الصورة المثالية، فيما يعتقد الكوريون أن هذه الأزمة أثبتت مصداقية "النموذج الكوري" الذي قاتلوا من أجله لسنوات عديدة، والذي من غير المرجح أن يختفي قريبًا.       

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا