فورين بوليسي| رغم العقوبات الأمريكية.. إيران توسّع مخزونها النووي

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

بعد عامين من إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، استأنفت طهران تخصيبها لليورانيوم، وأعادت تشغيل الأبحاث والتطوير على الطاردات المركزية المتقدمة، ووسعت مخزون الوقود النووي، وهو ما خفض إلى النصف الوقت اللازم لإنتاج وقود أسلحة كاف لبناء قنبلة نووية.

قال ريتشارد نيفيو، الذي شارك في مفاوضات الاتفاق النووي التاريخي في 2015: "إن إيران قريبة بوضوح من إنتاج سلاح نووي أكثر مما كانت عليه منذ عامين".

وفي حين أنه لا يوجد دليل على أن طهران تحضر لإطلاق سلاح نووي، بيد أن التقدمات الإيرانية تثير تساؤلات حول نجاح حملة "الضغط الأقصى" التي أطلقها البيت الأبيض، والتي تهدف إلى إجبار إيران عبر فرض عقوبات أكثر صرامة على قبول قيود أكبر على دعمها السياسي والعسكري للميليشيات الإقليمية وتطوير برنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية.

غير أن ذلك الجهد – الذي أضر باقتصاد إيران بشدة – لم يهدئ من طموح إيران النووي؛ بل شجعها على استئناف أنشطتها النووية المحظورة بموجب الاتفاق النووي، الذي يُعرف رسميًّا بخطة العمل الشاملة المشتركة. لقد أضعف أيضًا مصداقية واشنطن حتى بين الكثير من حلفائها التقليديين وفرض ضغوطًا متزايدة على شراكات أمريكا الدبلوماسية.

هذا الشهر، كشفت وزارة الخارجية الأمريكية علنًا عن جهد دبلوماسي لتأمين نتيجة ملموسة من حملة الضغط في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية – وهو اتفاق لمجلس الأمن على مد الحظر على الأسلحة التقليدية الذي من المقرر أن ينتهي في 18 أكتوبر، أي قبل أسابيع من الانتخابات. في فبراير الماضي، وزعت الولايات المتحدة سرًا عناصر من مسودة قرار لمجلس الأمن الذي يمد حظر الأسلحة على بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على أمل حشد الدعم للمبادرة. 

وقد تلقت الولايات المتحدة ردًّا باردًا من الأوروبيين، الذين جادلوا بأن القرار دون شك سيحظى بمعارضة الصين وروسيا، اللتين تخطّطان لبيع السلاح إلى إيران بمجرد انتهاء الحظر. يقول الأوروبيون إنهم يشاركون مخاوف واشنطن بشأن برامج الصواريخ الباليستية ودعم إيران للوكلاء، مثل حزب الله والميليشيات الأخرى المنتشرة في أنحاء الشرق الأوسط، لكنهم يعيبون على واشنطن تقويض اتفاق نووي تاريخي حظي بدعم دولي واسع، والذي يعتقدون أنه نجح في تقييد برنامج طهران النووي، حتى تخلت عنه الولايات المتحدة.

وفي الأسبوع الماضي، حذر براين هوك، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، من أنه في حالة فشل المجلس في الاتفاق على مد الحظر، قد توجه واشنطن ضربة قاتلة للاتفاق النووي عن طريق تفعيل بند يسمح لأي من الموقّعين السبعة الأوائل بإعادة فرض كل العقوبات على إيران، ومن ضمنها الحظر على الأسلحة التقليدية، التي كان مُطبقًا قبل إبرام الاتفاق النووي، فيما حذرت إيران من إنه إذا أُعيد فرض العقوبات، فإنها قد تنسحب من الاتفاق النووي، وتُنهي التفتيش الدولي على برنامج الطاقة النووية، وتنسحب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

تلك الخطوة من واشنطن ستثير تساؤلات سياسية ودبلوماسية وقانونية معقدة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، لديها الحق القانوني أو السلطة الأخلاقية لتفعيل بند سناب باك (عودة العقوبات مرة أخرى). وبموجب بنود قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي صدّق على الاتفاق النووي، أي مشارك في الاتفاق النووي له الحق في إعادة فرض العقوبات السابقة بصورة فردية. ويزعم مسئولو إدارة ترامب أنه في حين أن الولايات المتحدة لم تعد مشاركة في الاتفاق النووي، فإنها لا زالت تحتفظ بجميع حقوق المشارك بموجب القرار، الذي لم يُلغَ بعد، وهم لديهم النية لممارسة ذلك الحق إذا لم يبلغوا مرادهم.

أخبر هوك المراسلين يوم 30 أبريل: "لا يوجد توصيف في القرار 2231 يعرّف "المشارك" بطريقة تشترط مشاركته في خطة العمل الشاملة المشتركة. وإذا أراد محرّرو القرار أن يضعوا هذا التوصيف، كانوا سيفعلون هذا، لكنهم لم يفعلوا. هذه هي القراءة المباشرة للنص".

قال هوك: "يجب تجديد حظر الأسلحة، وسوف نسلك جميع الخيارات الدبلوماسية لتحقيق ذلك. لدينا هدف سياسي بتجديد حظر الأسلحة، وهو ما نَصبُّ تركيزنا عليه. نحن نأمل في أننا سننجح".

جون بلينجر الثالث، الذي خدم كمستشار قانوني في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية في إدارة جورج دبليو بوش، قال إن الولايات المتحدة يمكنها تقديم حُجة قانونية مُقنعة لإعادة فرض العقوبات لكن النتيجة قد تكون عكسية.

وقال: "الولايات المتحدة لها الحق في تفعيل بند سناب باك، لكنه قد لا يكون فعالًا في تحقيق ما يريدون تحقيقه،" محذرًا من أن الدول ربما تعزف عن مراقبة تلك العقوبات. "هناك خطر حقيقي بأنه قد يأتي بنتيجة عكسية إذا كانت الدول الأخرى غير راغبة في المشاركة. وإذا حاولت أن تقود لكن لن يتبعك أحد، فأنت لم تنجح، والولايات المتحدة بذلك ستكون قد قسمت مجلس الأمن".

وتابع نيفيو: "أنا أشك أنه في النهاية سيُجبر مجلس الأمن، بناءً على أساس قانوني بحت، على الاستنتاج بأننا لدينا الحق في تفعيل بند سناب باك. الجدال سيقسم المجلس فعليًّا لأنك ستجد الفرنسيين والبريطانيين والألمان يصرخون بأننا لا نفعل ذلك بنية حسنة والروس والصينيون سيفقدون عقولهم بسبب هذا". وقال إن النتيجة العملية لهذا النهج هي أن الصينيين والروس سيحتجون ويعلنون عدم شرعية هذا الإجراء. "ليس لديّ شك في أنهم سيبيعون السلاح وسيفعلون ذلك على الفور. تلك الدبابات التي يقلق بومبيو بشأنها قد توضع على متن القارب التالي".   

لقد غضب المسئولون الأوروبيون سرًّا بسبب التهديد الأمريكي الأخير، الذي يشكون في أنه يهدف إلى القضاء على الاتفاق النووي. إنهم يرون نهج واشنطن القانوني غير متسق ومنافق، حيث إن نفس القرار الذي تستند إليه الولايات المتحدة لإعادة فرض العقوبات يطالب أيضًا الولايات المتحدة بدعم تطبيق الاتفاق النووي. وقد أشار أحد المسئولين الأوروبيين الكبار أيضًا إلى أن بندًا أساسيًّا في ميثاق الأمم المتحدة، المادة 25، ينص على أن "يوافق أعضاء الأمم المتحدة على قبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها بما يتوافق مع الميثاق الحالي"، وهو بند تجاهلته الولايات المتحدة.

إن استراتيجية الولايات المتحدة "فاضحة قانونيًّا وسياسيًّا"، بحسب ما قاله دبلوماسي في الأمم المتحدة سرًا لمجموعة الأزمات الدولية. وقالت روسيا علنًا ما يقوله بعض الشركاء الأوروبيين سرًا.

وقال ميخائيل أوليانوف، سفير روسيا في الأمم المتحدة في فيينا، في حوار مع صحيفة كومرسانت نُشر يوم 28 أبريل: "إن منطقهم سخيف بالطبع. من المعروف أن واشنطن أعلنت رسميًا انسحابها من الاتفاق النووي يوم 8 مايو 2018".

وأضاف: "نظريًّا، المحاولات من هذا النوع ممكنة، لكنها ستجعل الولايات المتحدة تبدو بصورة غير محببة بالمرة. أنا لا أعتقد أن أعضاء مجلس الأمن سيكونون مستعدين لدعم مسعى الولايات المتحدة لكي تبقى مشاركًا في خطة العمل الشاملة المشتركة. من الواضح للجميع أن هذا غير معقول. … إن محاولة تطبيق هذه الخطة ستُسبب الكثير من الضرر وتؤدي إلى جدل عاصف داخل مجلس الأمن".

ووبّخ المشرّعون الديمقراطيون الذين أيدوا خطة العمل الشاملة المشتركة، الإدارة على الانسحاب منها في المقام الأول ثم محاولة استخدام الاتفاق لاحقًا لتعزيز أهدافها. وقال أحد المساعدين الديمقراطيين في الكونجرس: "إنهم يحاولون الجمع بين الأمرين".

مع هذا، الأغلبية الحزبية في الكونجرس – التي تشمل بعض أشرس النقاد لترامب من جناح اليسار – تدعم مد حظر السلاح على إيران؛ فقد وقّع مئات المشرعين في المجلس من الجانبين على خطاب إلى بومبيو الشهر الماضي يحث على مد الحظر. وقال الخطاب، الذي كتبه النائبان إليوت إنجيل ومايكل ماكاول: "نحن قلقون من أن انتهاء الحظر سيؤدي إلى قيام المزيد من الدول بشراء الأسلحة وبيعها من وإلى إيران. …هذا قد يكون له عواقب كارثية على الأمن القومي الأمريكي وحلفائنا الإقليميين".

وأخبر بومبيو الصحفيين في إحاطة الأسبوع الماضي: "تفصلنا الآن شهور قليلة قبل أن تتمكن الصين وروسيا والدول الأخرى حول العالم من بيع منظومات الأسلحة التقليدية المهمة إلى الإيرانيين في شهر أكتوبر من هذا العام. إنه ليس بالموعد البعيد. وهو ليس من خيال المحافظين. إنه حقيقة".

لقد قدم الاتفاق النووي الإيراني 2015 – الذي كان نتيجة لأكثر من عقد من الجهود الدبلوماسية لكبح برنامج إيران النووي – لطهران نهاية للعقوبات الاقتصادية التعجيزية مقابل الحد من أنشطتها النووية والاضطلاع بمجموعة من الالتزامات التي يمكن التحقق منها لطمأنة العالم بأنها لا تصنع أسلحة نووية، ووقّع عليه ممثلون لبريطانيا والصين، والاتحاد الأوروبي وإيران وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة.

فيما استهزأ ترامب بالاتفاق النووي – الذي يُعد إنجازًا مميزًا في السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما – ووصفه بالاتفاق المعيب الذي يمنح إيران حق الوصول إلى مليارات الدولارات التي تُستخدم في تمويل الميليشيات المدعومة من إيران، وفي تعزيز برنامج الصواريخ الباليستية الذي قد يُحسّن قدرة إيران في المستقبل على وضع شحنة نووية. وفي 8 مايو 2018، انسحب ترامب رسميًّا من الاتفاقية وبدأ عملية فرض مجموعة من العقوبات على إيران.

وعلى الرغم من جهود الحكومات الأوروبية للتحايل على تلك العقوبات، غير أن الشركات الأوروبية التزمت إلى حد كبير بالإجراءات الأمريكية، خشية أن تُفرض جزاءات على شركاتها وتُحرم من الدخول إلى الأسواق المالية الاستهلاكية الأمريكية.

لقد أصرت إيران لسنوات على أنها ليس لديها رغبة في بناء أسلحة نووية، لكن وكالات المخابرات الأمريكية ووكالات أخرى زعمت طويلًا أن طهران كانت تطوّر سرًا أسلحة نووية منذ سنوات. استنتجت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها كانت تعمل على تصميم سلاح نووي حتى عام 2009 على الأقل، غير أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ادّعت أيضًا أن إيران أوقفت العمل على التصميم وكانت ممتثلة لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي حتى تراجعت الولايات المتحدة عن الاتفاق.

وبعد عام من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، بدأت طهران عملية مخالفة التزاماتها بموجب الاتفاقية، حيث أعلنت في 8 مايو 2019 أنها لن تكون مُلزمة بالقيود المفروضة على حجم مخزونها من اليورانيوم المخصب، وصعّدت لاحقًا أنشطتها في منشآت نطنز وفوردو للتخصيب، حيث زادت من مخزون اليورانيوم الأكثر نقاءً والذي قد يقرّبها من إنتاج وقود أسلحة، كما أعادت أيضًا بدء أعمال البحث والتطوير المحظورة على الطاردات المركزية المتطورة، التي ستُمكن الدولة من تنقية اليورانيوم بسرعة أكبر.

وبموجب بنود الاتفاق النووي، يُسمح لإيران بتخزين ما يصل إلى 300 كيلو جرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، وهو أقل بكثير من الـ1050 كجم اللازمين لإنتاج وقود أسلحة كافٍ لقنبلة واحدة. لكن في شهر مارس، أوردت وكالة الطاقة الذرية أن إيران أنتجت 1021 كجم من اليورانيوم منخفض التخصيب؛ ما أكد أنها تمتلك ما يكفي من اليورانيوم الخام لبناء قنبلة. وإذا قررت إيران السعي وراء القنبلة النووية، وفقًا لنيفيو، فإن المخزون الكبير سيخفض ما يُعرف بزمن الاختراق – أي الوقت المستغرق لتحويل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى وقود أسلحة – من 12 شهرًا إلى حوالي ستة أشهر.

بيد أن بعض خبراء الحد من التسلح حذروا من أن إيران ستحتاج للتغلب على عقبات تقنية هائلة لتسليح السلاح النووي ونشره. إنهم يشكون أن مخالفات إيران كانت محسوبة بدقة لفرض الضغط على الموقّعين الآخرين على الاتفاق النووي من أجل تخفيف العقوبات على إيران.

وقال داريل كيمبل، المدير التنفيذي لرابطة الحد من التسلح: إن "أفعال وتصريحات الإيرانيين تشير إلى أنهم لا يتسابقون لبناء سلاح نووي أو تجميع المواد اللازمة لسلاح نووي. إنهم يثأرون بطريقة محسوبة من إعادة فرض العقوبات الأمريكية، وهددوا بالتمادي إذا استمر الوضع إلى ما لا نهاية".

وفي شهر يناير، بعد أن رفضت إيران أي قيود على تخصيبها لليورانيوم، أدان وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إيران بسبب انتهاكها لبنود الاتفاق النووي وفعّلوا مجتمعين ما تُسمى بآلية فض النزاعات للضغط على طهران لتمتثل مجددًا أو تواجه احتمالية أن يعلن الأوروبيون أنها تخل بالتزاماتها، وهو إجراء سيؤدي إلى إعادة فرض العقوبات. لكن الأوروبيين أيضًا عابوا على الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي وأعربوا عن أملهم في أن المبادرة ستُرغم إيران على عكس مسارها.

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس حينها إن الأوروبيين "لم يعد بوسعهم ترك الانتهاكات الإيرانية المتزايدة للاتفاقية النووية دون رد".  وأضاف: "إن هدفنا واضح. نحن نريد الحفاظ على الاتفاق والتوصل إلى حل دبلوماسي في إطار الاتفاقية".

كما قال ريتشارد جوان، مدير الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: إن تهديد واشنطن بتفعيل بند سناب باك ربما يهدف إلى "تخويف الأوروبيين لكي يدعموا طرقًا بديلة لإبقاء حظر الأسلحة مُطبّقًا".

وتابع جوان أن الدبلوماسيين الأوروبيين شكّوا في أن الولايات المتحدة ربما تحاول إقناع بريطانيا بالانفصال عن شركائها الأوروبيين، وإعلان أن طهران تخل بالتزاماتها، وتفعيل بند سناب باك. "إن حقيقة أن الولايات المتحدة تقدم الحُجة بأنها لا زالت تستطيع تفعيل بند سناب باك بنفسها تشير ضمنًا إلى أن الخيار البريطاني ربما لا يكون متاحًا".

وأضاف: "أنا لست متأكدًا من وجود حل وسط"، مشيرًا إلى أن الأوروبيين ربما يولون اهتمامًا لموعد الانتخابات الأمريكية تمامًا مثل ترامب. "كلما ارتفعت فرض فوز جو بايدن في نوفمبر، قلت احتمالية أن يقتنع الثلاثي الأوروبي [الثلاث دول الأوروبية الموقّعة على الاتفاق النووي] بالدافع الأمريكي لتفعيل بند سناب باك."

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا