الجارديان | مَن سيختار الرئيس الأمريكي القادم.. الشعب الأمريكي أم فيسبوك؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

في جلسة استماع في الكونغرس هذا الأسبوع، كان يمكن للمرء أن يُلقي نظرة على الرجال الذين يمتلكون سلطة تحديد الشخص الفائز في انتخابات نوفمبر الرئاسية ومستقبل الديمقراطية الأمريكية، لكن الرجال المعنيين هنا ليسوا سياسيين. بل كانوا عمالقة التكنولوجيا الأربعة الذين ظهروا عبر تطبيق Zoom أمام لجنة تابعة للكونغرس. حتى مع ظهورهم عبر تقنية الاتصال بالفيديو، إلا أنهم كانوا يشعّون نفوذًا: ظهر رؤساء فيسبوك وغوغل وأمازون وآبل على الشاشة وكأنهم أسياد الكون الحقيقيون، وكان مُستجوبوهم مجرد بشر عاديين.

ليس من المبالغة القول إن هؤلاء الأربعة هم تجسيد للقوة والنفوذ. فغوغل وفيسبوك، اللذان يستخدمهما مليارات البشر، يحددان غالبية ما يراه ويقرأه ويعرفه الجنس البشري. تسود أوامر " مارك زوكربيرغ" العالم بأسره، وليس بمقدور أي حكومة كبح جماحه: هو إمبراطور المعرفة ووزير الإعلام للعالم بأسره. إن تعديلًا واحدًا بسيطًا للخوارزميات من جانب فيسبوك يمكن أن يحدّد ما إذا كانت بعض الأكاذيب أو حملات الكراهية أو نظريات المؤامرة ستنتشر حول العالم أم تنزوي.

كان هذا الأمر صحيحًا لبعض الوقت، لكنه في العام 2020 اكتسب قدرًا إضافيًّا من الأهمية. نحن نعلم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016- عندما سُمح بانتشار قصص خيالية جامحة عن هيلاري كلينتون، أو عندما "كانت هناك نسبة متساوية من الأخبار عديمة القيمة والأخبار الاحترافية التي جرت مشاركتها من جانب الناخبين على موقع تويتر"، وفقًا للباحث في جامعة أكسفورد "فيليب هاورد" في كتابه الجديد "آلات الكذب" (Lie Machines). بعد أقل من مائة يوم، سيختار الأمريكيون رئيسهم، وما من ضمانة أن الشيء ذاته لن يحدث مجددًا. علاوة على هذا، من الواضح الآن أن نشر الأكاذيب على الإنترنت بات مسألة حياة أو موت. (هم يعلمون هذا من تجربة ميانمار، حيث كان العنف الموجّه ضد شعب الروهينغا ناتجًا عن حملات تحريض على فيسبوك). وسط هذه الجائحة، تعتبر المعلومات الموثقة والسليمة أداة ضرورية للصحة العامة. لو وجدت الادّعاءات الكاذبة ونظريات المؤامرة المجنونة – مثل تلك التي جرى بثها في وثائقيات مزيفة مثل Plandemic- طريقها إلى ملخص الأخبار على صفحات المستخدمين، سيكون الأمر كما لو أن إمدادات المياه قد تلوثت. في نهاية المطاف، أزال الفيسبوكك واليوتيوب وثائقي Plandemic الذي أطلق ادعاءات غير مدعومة بأدلة مفادها أن فيروس كوفيد19 هو غلطة بيل غيتس ومنظمة الصحة العالمية وأن اللقاحات ضارة وبأن ارتداء الكمامات خطير. لكن إزالة الوثائقي حدثت بعد أن شاهد المستخدمون هذا المحتوى القميء على صفحاتهم.

بالطبع، لطالما كان هناك متوهمون وغريبو أطوار يعيشون بيننا، لكن وسائل التواصل الاجتماعي منحتهم قدرة على الوصول للناس لم يكونوا ليحلموا بها مطلقًا. مستعينًا بالفيسبوك، يستطيع أي بوق دعاية نشر رسائل بشكل فوري حول العالم، وفي الوقت ذاته، بإمكانه إيصال هذه الرسائل لجمهور مُختار بعناية، بفضل البيانات الغزيرة التي يمتلكها فيسبوك عن مستخدميه، إذ يسمح استخدام هذه البيانات للإعلانات أن تستهدف شريحة محددة مقابل ثمن. وتذكروا أيضًا أن هذه البيانات لا تقتصر فقط على المواقف التي قد تكون عبّرت عنها على الإنترنت، لكن يمكن أن تتضمن أيضًا عمليات الشراء التي قمت بها باستخدام بطاقتك الائتمانية، وحتى التفاصيل الصغيرة لحياتك، التي تسجلها الأجهزة التي تشكّل "إنترنت الأشياء".

في بعض الأحيان يكون عمالقة التواصل الاجتماعي مجبرين على الظهور بمظهر الذين يتخذون إجراءً، لا لشيء سوى ضبط سمعتهم. لقد حدث هذا الأمر في الأسبوع الحالي، مع إلغاء حسابات مغني الراب "ويلي" من عدّة منصات بعد شنّه هجومًا لفظيًّا عنيفًا ومليئًا بالكراهية ضد اليهود. وعقب حملة لـ "مقاطعة" تويتر لمدة 48 ساعة نظمتها مجموعة مخصصة من النشطاء والمشاهير، بدا أن شبكة تويتر أدركت أن استضافة محتوى عنصري فجّ لن يكون جيدًا لصورتها. اليوم، أزال تويتر حساب العنصري الأبيض "ديفيد ديوك"، وهو ما يثير أسئلة من قبيل: لماذا تأخرتم كثيرًا في حذف حسابه؟

ثقوا تمامًا أن وجود الأكاذيب والكراهية على هذه المنصّات ليس مجرد مشكلة صغيرة مؤسفة، بل هو عنصر أساسي في هذه المنصات. إن نموذج أعمال وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب اهتمامًا – عيون يقظة – وأفضل طريقة لتحقيق هذا هو المشاركة. إن الرسائل التي تثير الغضب والكراهية هي أكثر فاعلية في جلب اهتمام الناس على الإنترنت مقارنة مع المحتوى الذي يكون مثيرًا للاهتمام أو مسليًا. لهذا السبب تظهر دراسات أن الأخبار المزيفة تنتشر أسرع من الأخبار الحقيقية: الخوارزميات مصممة لتفضيل الانتشار السريع على حساب الموثوقية.
ماذا يمكن عمله؟ ليس هناك نقص في الأفكار. هناك اقتراح يتمثل في إنشاء نظام للتأكد من الحقائق، وعقب انتخابات 2016، اتخذ فيسبوك خطوات في هذا الاتجاه. لكن عندما ظهر أن أحد شركاء الفيسبوك في مجال التأكد من الحقائق كان "Daily Caller"، وهو موقع إخباري يميني معروف بنشر المعلومات المضللة، تراجعت مصداقية هذا النظام.

هناك اقتراح أكثر بساطة يتمثل في أن يعترف فيسبوك ويوتيوب وتويتر بأنهم جهات نشر وبالتالي ينبغي لهم تحمُّل المسئولية التي تأتي مع هذه السلطة القوية التي يمتلكونها. لو كان هذا يعني الاستعانة بملايين من المشرفين للتحقق من المحتوى المنشور، وإزالة الأكاذيب والكراهية، فليكن هذا. لا يمكن لهذه الشركات ادّعاء الفقر: تلك الشركات قيمتها بالمليارات.

لو كانت هذه الشركات لا تحب تشبيهها بجهات نشر، فإنه ربما ينبغي التعامل معهم، فلنقل، مثل شركات تصنيع السيارات، التي اكتُشف طرحها في السوق لمنتجات تعاني من عيب تصنيع خطير، ما أجبرها على استدعاء هذه المنتجات وإصلاحها، بصرف النظر عن التكاليف. في الوقت الراهن، يتمتع عمالقة التواصل الاجتماعي بحماية قانونية من هذه المسئولية.

باستطاعة السياسيين تغيير هذا الوضع، إذ يمكنهم اتباع مطالب "هوارد" في كتابه "آلات الكذب" المتمثلة في كسر "احتكار الشركات الكبرى للمعلومات" عبر إصدار تشريعات تمنح المواطنين حق التبرع ببياناتهم لمنظمات أصغر: بهذه الطريقة تكون هذه المنظمات الصغيرة أكثر قدرة على التنافس مع عمالقة التكنولوجيا.

لكن، كما أثبتت جلسة استماع هذا الأسبوع، فإن الممثلين المنتخبين ليسوا أقوياء بما يكفي لفعل هذا بمفردهم. سيتعيّن عليهم التعاون مع الحكومات حول العالم. سيكونون بحاجة لدعم المُعلنين، الذين سيكون عليهم سحب جنيهاتهم ودولاراتهم من الشركات التي تمنح منصة لنشر الكراهية. وسيحتاجون منّا جميعًا أن نعلن أننا سئمنا من السمّ الذي يسري في مجرى دم المعلومات، وأننا لن نرتاح إلا بالتخلص من هذا السمّ.        

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا